أكثر من مجرد انتهاكات حدودية: تركيا تسرق زيتون سوريا وأخشاب العراق

أكثر من مجرد انتهاكات حدودية: تركيا تسرق زيتون سوريا وأخشاب العراق


09/06/2021

نقلت وسائل إعلام عراقية وسورية قيام قوات الجيش التركي المتوغل بمختلف المناطق الحدودية شمال البلدين، باقتلاع غابات ومزارع الزيتون وتجريف أراضي زراعية على مدى واسع وغير مسبوق، وذلك بالتوازي عن أنباء بخصوص عملية عسكرية شاملة وشيكة في المثلث الحدودي ذو الأغلبية الكردية.

ونقل تليفزيون “العراقية” الرسمي أن القوات التركية تواصل عملية عسكرية منذ أكثر من 40 يوم في تخوم محافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان العراق، وذلك بذريعة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما نتج عنه تهجير سكان ما يربوا عن 60 قرية وتجريف أكثر من 5 ألاف دونم من الأراضية الزراعية.

ونقلت وسائل إعلام سورية/كردية أن الجيش التركي وقوات محلية تابعة له قد قاموا بسرقة أخشاب وموارد غابات ومحاصيل الزيتون وغيرها وإدخالها للأسواق التركية على مدار السنوات القليلة الماضية، وذلك بحجة “الحيلولة دون انتفاع عناصر حزب العمال الكردستاني بها”، وذلك حسبما صرح وزير الزراعة التركي أمام برلمان بلاده في وقت سابق؛ حيث ذكر أيضاً أن مجمل عائد ما دخل للأسواق التركية من محاصيل عفرين السورية قد تجاوز الـ200 مليون دولار في عام واحد. كما أن أخشاب أشجار “الجوز” و”الدلب المشرقي” التي تجد لها طريقاً من إقليم كردستان العراق إلى تركيا أصبح يتم استخدامها في مصانع الأثاث في تركيا  لغرض صناعة الأثاث التركي باهظ الثمن لجودتها الفائقة. وفي نفس الشأن أكد “صالح إيبو” مدير هيئة الزراعة في “عفرين” السورية أنه قد تم نقل حوالي 80% من زيتون عفرين السورية إلى تركيا.

وبحسب برلمانيين وقيادات محلية، فإن القوات التركية المتوغلة في هذه المناطق الحدودية بشكل مباشر أو عبر قوات محلية تابعة لها، تتبع سياسة قضم أراضي بشكل منهجي، وذلك تحت عناوين عديدة أبرزها محاربة عناصر حزب العمال الكردستاني، بينما في الواقع تهدف إلى خلق امتداد تركي موالي داخل حدود البلدين، فيما عُرف خلال السنوات القليلة الماضية بـ”المناطق العازلة”، وآخرها إنشاء طرق عسكرية سريعة داخل أراضي العراق وسوريا، تهدف لربط وإيصال القوات التركية لقلب مناطق ذات أغلبية كردية مثل دهوك بكردستان العراق، وعفرين السورية، التي تعد أحد ثلاث مرتكزات ما يعرف بـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.

 منذ أواخر 2013 وحتى الآن، تنتهج أنقرة حزمة إجراءات متنوعة بين الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، الهدف منها خلق منطقة عازلة خالية من الأكراد في المناطق الحدودية الشاسعة بينها وبين كل من سوريا والعراق، وهي الإجراءات التي لم تتوقف فقط عند سرقة موارد وإفقار متعمد وتعطيش منهجي لمختلف مدن وقرى هذا المثلث الحدودي الذي يعاني سكانه بالأساس من ويلات الحرب منذ 10 سنوات، والتي فاقم من تداعيتها وباء كورونا.

وبالإضافة إلى منهجية التضييق وقضم الأراضي التي تتبعها أنقرة، فإن هناك ملامح متزايدة لما يمكن وصفة بظاهرة “تتريك” معظم مظاهر الحياة من استخدام اللغة إلى إنشاء مدارس وكيانات ثقافية واجتماعية وسياسية موالية لها، واعتماد العملة التركية كعملة متداولة في هذه المناطق، وغيرها من الأنشطة التي ازدهرت خلال السنوات القليلة الماضية تحت حماية ودعم القوات المسلحة التركية، أو الفصائل المسلحة المحلية التابعة لها.

ووفق تقارير دولية وأممية، أن هناك دلائل قوية حول قيام أنقرة وعلى نحو متصاعد بعملية تغيير ديموغرافي واسعة النطاق على طول مدن وقرى الشريط الحدودي بينها وبين العراق وسوريا، الهدف منها إحلال موالين لها محل سكانها الأصليين من الأكراد، وذلك بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني والتنظيمات الموالية له والتي تنتشر في هذه المناطق منذ عشرات السنين.

وشهدت السنوات الأخيرة أكثر من توغل تركي داخل الأراضي العراقية والسورية نتج عنها احتلال بعض المناطق الجبلية والتلال المشرفة على مئات من المدن والقرى في كل من البلدين، وذلك لاستخدامها كمرابض للمدفعية ونقاط لوجيستية وقواعد انطلاق تسرع من عمليات التوغل الروتينية التي تعود لما قبل 2011، والتي تقوم بها أنقرة جواً وبراً تحت ذريعة مطاردة عناصر الحزب الذي تصنفه الحكومات التركية المتتالية منذ السبعينيات كحزب إرهابي.

وتطور التواجد التركي في هذه المناطق -خاصة في الشمال السوري حول مناطق الإدارة الذاتية ذات الأغلبية التركية- من تواجد طارئ وموسمي ومرتبط بالمدى الزمني للعمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني، إلى تواجد دائم وفق أجندة اهداف عسكرية وأمنية حدها الأدنى ما تعرفه دوائر السياسة والحكم في أنقرة بـ”المنطقة العازلة”، وهو ما يتم تعزيزه مؤخراً بشق طرق بين النقاط الاستراتيجية التي تسيطر عليها القوات التركية أو قوات تابعه لها على طول حدودها من دهوك العراقية وحتى إدلب السورية.

ماذا بعد؟

ووفق مراقبين ومتخصصين من مختلف الجنسيات، فإن تركيا تمهد لأمر واقع مفاده تحول أجزاء كبيرة من المثلث الحدودي لمناطق “رمادية” تمهيداً لتمرير سيناريو المنطقة العازلة، وذلك استغلالاً للتحولات الإقليمية والدولية وخاصة المتعلقة بالفصول الأخيرة للحرب في سوريا؛ حيث تنشط القوات المسلحة التركية وفصائل مسلحة موالية لها في مناطق التماس وفق المحددات والأهداف السابق ذكرها، وذلك بالتوازي مع مجريات انسحاب او تقدم أو إعادة تموضع مختلف اطراف الحرب في سوريا وعلى رأسهم القوات الأميركية.

و بحسب البنتاجون، باتت القوات الأمريكية في سوريا لا تتعدى ألف عنصر موزعين بمختلف القواعد والمطارات في شمال سوريا لغرض رسمي وهو الإطاحة بما تبقى من فلول تنظيم داعش، وذلك بالتعاون مع قوات سوريا الديموقراطية التي يشكل الأكراد وكياناتهم السياسية المختلفة عمودها الفقري، وعلى رأسهم قوات “وحدات حماية الشعب” التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي تتهم أنقرة قادتها ورموزها بتبعية منهج وفكر حزب العمال الكردستاني.

ويتماشى النهج التركي في الاستحواذ على الأراضي ودفع سكانها الأصليين للنزوح بتعطيشهم وتدمير موارد اقتصاداتهم المحدودة -كزراعة الزيتون والمحاصيل الموسمية- مع ما أبرزته تصريحات رسمية تركية سابقة، عن مشاريع وسيناريوهات توطين قسرية في هذه المناطق الحدودية لمختلف اللاجئين من داخل وخارج تركيا وليس السوريين منهم فحسب؛ حيث نقلت وسائل إعلامية تركية وعربية عن مشروعات سكنية على نطاق واسع في مناطق وقرى متاخمة لمدينة عفرين السورية لعوائل المسلحين من مختلف الجنسيات والاثنيات، لاسيما الفلسطينيين والايجور والتركمان السوريين.

يطرح السابق وتداعياته في المدى القريب أسئلة كثيرة عن موقف القوى الإقليمية والدولية من هذه السياسات التركية والتي تتقاطع مع ملفات كبرى منها إعادة الاعمار وخطوط الطاقة وتقاسم النفوذ في هذه المناطق الرخوة، خاصة في ظل التقارب بين تركيا وعواصم عربية على رأسها القاهرة، التي ربطت استعادة علاقاتها مع أنقرة بعدة محددات على رأسها توقفها عن سياسة التوسع في دول الجوار العربي.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية