ألفة يوسف لـ"العرب": إسلاميو تونس يشكلون دكتاتورية جديدة

ألفة يوسف لـ"العرب": إسلاميو تونس يشكلون دكتاتورية جديدة


18/06/2020

صغير الحيدري

حذرت الكاتبة والمفكرة التونسية ألفة يوسف من عودة مناخات قمع الحريات إلى بلادها وبقوة، في محاولة من الإسلاميين لتثبيت نفوذهم وعدم التنازل عنه في مواجهتهم للدعوات إلى التغيير.

وأضافت يوسف، في حوار مع “العرب” أن النظام السياسي الحالي في تونس، وهو نظام برلماني، لن يصمد كثيرا أمام رغبة التونسيين الجامحة في إحداث التغيير الذي يراعي مصلحة البلاد.

وفي وقت سابق اجتمعت العديد من الأطراف السياسية على الدعوة إلى تغيير نظام الحكم في تونس، لكن غياب الآليات الدستورية لتحقيق ذلك دفع بعدد من التونسيين إلى التحرك شعبيا وهو ما جوبه بالرفض حيث تمّ منع اعتصام مفتوح أمام مجلس النواب.

ويرى معارضو هذا النظام أنه شرعن للمحاصصة الحزبية والتنصل من المسؤوليات في أعلى هرم الدولة (رئاسة الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية).

وفي تعليقها على رفض الاعتصام ترى ألفة يوسف أن هناك استبدادا جديدا في تونس بصدد الخروج إلى العلن.

وتعتبر ألفة يوسف الجامعية والباحثة المتخصصة في مجال اللسانيات، والتي لها العديد من المؤلفات على غرار “حيرة مسلمة” و”الإخبار عن المرأة في القرآن والسنة”، من أبرز الوجوه الأكاديمية المناهضة للإسلاميين في تونس.

دكتاتورية جديدة
أثارت حادثة منع بلدية باردو الأحد اعتصاما مفتوحا مطالبا بحل البرلمان ووضع حدّ لنظام الحكم القائم في تونس، ردود فعل متباينة بشأن هذا القرار بين من اعتبر أنه يستهدف الحريات وبين آخرين اعتبروه قرارا صحيا لا يمت للسياسة بصلة.

وتقول ألفة يوسف، تعليقا على ذلك، إن “الإسلاميين يحاولون التأسيس لدكتاتورية جديدة في سياق تخوفهم من خسارة الحكم”، مؤكدة على أن هناك توجها عاما من السلطات لقمع الحريات.

وتضيف يوسف أن “الدكتاتورية الجديدة تكشر عن أنيابها من خلال قمع الاحتجاجات بقرارات محلية وعلى المستوى الجهوي لتنال من حق التظاهر”.

وتقول إن “الإسلاميين أنفسهم عانوا من أساليب القمع هذه، واليوم أصبحوا يتبنونها من أجل إغلاق أفواه الناس”.

وتعيش تونس على وقع حراك سياسي واجتماعي كبير أفرزته مطالب من قوى مدنية وتقدمية بتغيير النظام السياسي القائم، لكن المنظومة الدستورية لا تتيح ذلك بالرغم من دعوة البعض إلى القيام باستفتاء شعبي على هذا النظام.

قانونيا أيضا، لا يمكن الدعوة إلى استفتاء حول النظام السياسي ولاسيما في ظل غياب مؤسسات دستورية تحسم الجدل في شأن ذلك.

وتتشبث حركة النهضة برفضها لتغيير النظام ما جعل مناوئوها يتهمونها باستثمار آليات الحكم لتشتيت الصلاحيات بين الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان.

وفي هذا السياق تشدد ألفة يوسف على أن التونسيين مصممون على وضع حدّ لنظام سياسي لا يُخضع الأحزاب الفائزة في الانتخابات والمشكّلة للحكومات، للمساءلة.

وتتساءل يوسف “كم شهدنا من حكومة منذ ثورة يناير 2011؟ هل خضعت إحداهن للمساءلة؟ لا يمكن أن يتواصل استنزاف الدولة في ظل نظام سياسي هجين”.

والأحد، أغلقت بلدية باردو التابعة للعاصمة تونس، المنافذ المؤدية إلى البرلمان بحجة أن الوضع الصحي يقتضي ذلك.

وفي تعليقها على ذلك تقول ألفة يوسف “إنه قرار غير مقنع بالمرة، لقد أعلنت تونس ورئيس حكومتها الانتصار على فايروس كورونا المستجدّ، زد على ذلك أن المقاهي وأماكن الترفيه ودور العبادة التي يتجمع فيها العشرات والمئات مفتوحة أمام روادها وعلى مقربة من مكان الاعتصام.. ما يعني أن القرار ليس صحيا بل هو سياسي”.

وتواصل الباحثة التونسية بلهجة استنكارية “الاستبداد التونسي الجديد بدأ يظهر إلى العالم بكل صراحة من خلال هذا القرار”.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد أيضا قد أشار بدوره في وقت سابق إلى ضرورة تغيير النظام السياسي، محمّلا الأحزاب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد من تأزم اقتصادي واجتماعي.

من جهتها، تذهب ألفة يوسف أبعد من اتهام حركة النهضة بالتأسيس لدكتاتورية جديدة حيث تقول إن إخوان تونس، في إشارة إلى النهضة، يتبنون فكر الإقصاء والتهديد بالقتل.

وتشرح “شخصيا لست يسارية ولا وسطية.. ولكن أول مرة أتعرض فيها لتهديدات بالقتل كانت بسبب انتقادي للإخوان.. إخوان تونس يهددون بتصفيتي جسديا”.

وألفة يوسف اتهمها موالون للإسلاميين في تونس مؤخرا بالتنسيق مع أطراف ليبية مرتبطة بالجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر انقلاب إلى جانب قيادات سياسية أخرى ذات وزن على غرار الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق.

وتداول نشطاء محسوبون على النهضة وثيقة زعموا أنه تم العثور عليها من قبل ميليشيات حكومة الوفاق الليبية عند سيطرتها على قاعدة الوطية وتثبت تورط ألفة يوسف في مخطط انقلابي ينسف الانتقال الديمقراطي في تونس.

وفي ردها على مزاعم هؤلاء تقول يوسف “هذه الاتهامات تؤكد أنه ليس لهم (للإسلاميين) أي فكر سياسي، هم يقصون مناهضيهم وقواعدهم لا تفكر.. أنا أطالب بتقديم حجج تثبت تورطنا في ذلك (الانقلاب) لكن الاتهامات مجرد ثرثرة لتكريس دكتاتوريتهم”.

انتكاسة النهضة

تسجل حركة النهضة الإسلامية منذ فترة تآكل قاعدتها الشعبية بالرغم من فوزها الأخير في الانتخابات التشريعية بفارق ضئيل على حزب قلب تونس (ليبرالي) وسط تساؤلات عن أسباب تراجع الدعم الشعبي لهذا الحزب.

ويربط البعض، ومن بينهم أتباع الحركة، تراجع شعبية النهضة برئاسة راشد الغنوشي لمجلس النواب التونسي ما جعله محط أنظار الكثيرين وعرضة لانتقادات حادة بسبب تداخل عمله الحزبي مع البرلماني.

لكن ألفة يوسف لا تساير هؤلاء في هذه القراءة حيث تشدد على أن “حركة النهضة اكتوت بنار فشلها في إدارة الحكم في تونس منذ 2011، فهي لم تستجب لتطلعات التونسيين”.

وتستدرك يوسف بالقول “أنْ يكون راشد الغنوشي تحت مجهر التونسيين من خلال تقلده منصب ما في الدولة فهذا سيكون أمرا سلبيا جدا وسينعكس على الحركة، وهذا ما حدث أيضا”.

وتواجه حركة النهضة خلال الظرف الراهن ضغوطا داخلية تدفع إليها زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي التي قدمت مشروعا إلى البرلمان لتصنيف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا.

وترى ألفة يوسف أن هذه اللائحة تحرج الحركة التي لم تقطع بعد مع الإخوان المسلمين وعليها الإمضاء عليها والاعتراف بأنها كانت على ارتباط وثيق بالإسلام السياسي وأنها قامت بمراجعات ذاتية.

وتقول يوسف “لا يمكن أن يفعلوا ذلك، لأن إمضاء حركة النهضة على لائحة تصنيف الإخوان تنظيما إرهابيا يعني ضرب مصادر تمويلها الخارجية، وأنتم تابعتم حملة ‘من أين لك هذا’ التي طالب من خلالها التونسيون بمعرفة مصادر الأموال الطائلة لراشد الغنوشي”.

وتُضيف ”أنا أدعم هذه اللائحة وبشدة، وأعتبرها فرصة لحركة النهضة لتثبت أنها حركة مدنية وبعيدة عن الإخوان المسلمين”.

وتتنصل حركة النهضة وأبرز قياداتها على غرار الغنوشي من أي علاقة لهم بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

ولدى سؤالها عن صعود أسهم موسي في الفترة الأخيرة وتحركاتها تقول ألفة يوسف “أنا أدعم عبير موسي بشدة لأنني أحترم شجاعتها ووفاءها لما آمنت به، بالرغم من اختلافي معها في بعض النقاط إلا أننا نلتقي اليوم في نبذ الإخوان بل وحتى قيادات يسارية تركوا الخلافات الأيديولوجية مع رئيسة الحزب الدستوري جانبا وباتوا يدعمونها”.

ولم يحدد البرلمان التونسي بعدُ جلسة عامة لدراسة هذه اللائحة وسط اتهامات بتحول هذا المجلس إلى مسرح للتحارب باللوائح.

وتعتبر ألفة يوسف أن لائحة تصنيف الإخوان “خطوة أولى على الطريق الصحيح” مشيرة إلى أن مجلس النواب في عهدته الحالية لا يختلف أعضاؤه من أجل خدمة الوطن بل من أجل تحقيق مصالح شخصية.

وبموازاة الحراك السياسي تشهد تونس سجالات متواصلة بشأن علاقة الدين بالسياسة ولاسيما بعد أن غزا الخطاب التكفيري البرلمان في وقت سابق مع صعود تيارات إسلامية شعبوية على غرار ائتلاف الكرامة الذي يعد واجهة من واجهات حركة النهضة.

خطاب ديني متشنج

أمام الجدل بشأن تداخل السياسي بالديني في تونس تقول ألفة يوسف “مدنية الدولة في خطر منذ 2011، هناك أشخاص يُعتقلون في الشوارع لأنهم يفطرون في رمضان وتُفتش أجسادهم (في إشارة إلى المثليين جنسيا)، في حين أن تركيا مثلا التي يعتبرونها نموذجا تسمح بذلك، فهنا التناقض وهنا تصبح مدنية الدولة في خطر”.

وتشرح يوسف أنه في تونس لم يتم الحسم بعدُ في طبيعة الدولة التي يدفعون نحوها فهناك “محاولات لإرضاء الجميع، وهذا يتبين من خلال دستور 2014” في إشارة إلى تناقضات كبيرة سقط فيها هذا الدستور بشأن قضايا خلافية أبرزها مدنية الدولة من عدمها.

وكان نائب عن كتلة ائتلاف الكرامة الشعبوي قد توجه إلى زعيمة الحزب الدستوري الحر بخطاب تكفيري في جلسة عامة لمجلس النواب في وقت سابق.

وتعلق ألفة يوسف على ذلك بالقول إن “الإخوان لا يلعبون” في إشارة إلى أن ائتلاف الكرامة يمثل الإسلام السياسي، مؤكدة أن “منذ البداية كان هدف الإسلاميين تقسيم الشعب التونسي.. منذ قدومهم في 2011 كانت تلك هي استراتيجيتهم وغايتهم”.

وبالرغم من أن العديد من الأطراف النقابية أو الفكرية في تونس تُكابد من أجل تحييد الخطاب الديني عن السياسة إلا أن الشكوك تحوم حول مدى نجاح استراتيجيتهم في فرض ذلك.

وحسب ألفة يوسف فإن “الخطاب الديني لا يزال مُصابا بلعنة السياسة، هناك أئمة مثلا مضحكون يصنعون الضغائن والأحقاد في نفوس الناس.. ما الفائدة من هذا الخطاب الذي من المفروض أن يزرع الحب والمودة بين الناس إذا كان سيتحول إلى خطاب متشنج وتحريضي؟”.

وتتابع “هل من المعقول أن تتحول المنابر الدينية إلى مجال لنحرض فيه على أطراف سياسية؟ للأسف الخطاب الديني في تونس لا يزال مغلفا بالسياسة”.

صعود الشعبوية

على صعيد آخر، فشل البرلمان التونسي الأسبوع الماضي في تمرير لائحة تطالب فرنسا بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبت خلال حقبة الاستعمار في خطوة اعتبرها كثيرون أنها تتنزل في سياق شعبوي والتلاعب بقضية نبيلة ضحّى من أجلها آلاف التونسيين.

واللائحة قدمتها كتلة ائتلاف الكرامة ومثلت محور جلسة عامة اتسمت بالتشنج والتراشق بالتهم بين مختلف النواب.

وفي هذا الصدد تقول ألفة يوسف إن “هذه اللائحة هي كلمة حق أريد بها باطل، فرنسا عليها الاعتذار لتونس، لكن هذا الاعتذار رمزي، الشعبويون لم يفهموا ذلك بعدُ.. لم يفهموا أن الاعتذار مسألة راقية ورمزية”.

وأشارت إلى أن “هذه اللائحة لم تتم صياغتها بطريقة راقية لا تطال من العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين لأن الشعبويين يتبنون خطابا عنيفا ومتطرفا ضد ثقافات راقية على غرار الثقافة الفرنسية بفلسفة الأنوار وغيرها”.

وتضيف ألفة يوسف أن ما قام به الشعبويون بشأن هذه اللائحة كان مزعجا للغاية، فبرفض البرلمان لهذه اللائحة كأن تونس تقول لفرنسا شكرا لكم على استعمارنا موضحة أن “هذه نتيجة هواة السياسة لأن السياسة بالأساس فن”.

وتختم  يوسف حديثها بالقول إن “الشعبويين استحضروا على سبيل المثال خلال هذه الجلسة التي شاهدها التونسيون والعالم عبارات العداء والتحريض على رموز البلاد على غرار الزعيم الحبيب بورقيبة (الرئيس التونسي السابق) وصالح بن يوسف (حليف سابق له)”.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية