أوروبا على صفيح ساخن... حيرة بين خطط المناخ وتأمين إمدادات الطاقة

أوروبا على صفيح ساخن... حيرة بين خطط المناخ وتأمين إمدادات الطاقة


04/04/2022

الحرب الروسية الأوكرانية أربكت على ما يبدو حسابات المجتمع الدولي الذي سعى في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي للتخلص من الاعتماد على الفحم والوقود الأحفوري للحفاظ على البئية والمناخ وتصفير الانبعاثات الكربونية بحلول 2050.

وفي حين حمّل المجتمع الدولي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الدول المنتجة للنفط المسؤولية عن الاحتباس الحراري، بدا كأنّه يتوسل إليها في صورة "ضغوط" أمريكية وأوروبية مؤخراً لزيادة إنتاجها من النفط، لامتصاص الموجات التضخمية والآثار السلبية المترتبة على خطط الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي للتخلص من الغاز والنفط الروسيين بنهاية العام الجاري.

 من منبوذين إلى أبطال خارقين

بعد سلسلة من الانتقادات الحادة التي وجّهها قادة قمّة غلاسكو للمناخ مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي: إنّ "منتجي النفط الذين شعروا بأنّهم منبوذون في مؤتمر المناخ "كوب 26" العام الماضي يعاملون الآن كأبطال خارقين لأنّ إمداداتهم مطلوبة بشدة."

وزير الطاقة الإماراتي: منتجو النفط الذين شعروا بأنّهم منبوذون في مؤتمر المناخ كوب26 يعاملون الآن كأبطال خارقين

وقال المزروعي الإثنين الماضي خلال "منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي" في دبي: "لم يكن من الممكن التقليل من الاستثمار والترويج لمصادر الطاقة المتجددة، ثم طلب زيادات الإنتاج خلال الأزمة، وإنّ هناك حاجة إلى تخطيط طويل الأجل". وأضاف: "أعتقد أنّه في الدورة الـ26 لمؤتمر كوب 26، شعر جميع المنتجين بأنّهم غير مرحب بهم وغير مرغوب في وجودهم، لكنّنا عدنا الآن أبطالاً خارقين مرّة أخرى. لن تمضي الأمور على هذا النحو".

 

"دويتشه فيله": قد يؤدي التخلص من النفط والغاز الروسيين لزيادة الانبعاثات إذا أدت إلى إبطاء التخلص التدريجي من الفحم

 

وشدّد المزروعي على ضرورة الاستثمار في النفط والغاز إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، حتى في ظل التحول في قطاع الطاقة قائلاً: إنّ "أوبك+" بحاجة إلى تعويض كمية تتراوح بين (5) ملايين و(8) ملايين برميل مفقودة على الأقل كلّ عام للحفاظ على وضع الإنتاج الحالي.

 مسار تحييد انبعاثات الكربون

قد تؤدي خطط التخلص من الاعتماد على النفط والغاز الروسيين إلى زيادة الانبعاثات، إذا أدت إلى إبطاء التخلص التدريجي من الفحم والاعتماد على الغاز الطبيعي المسال، وفقاً لموقع "دويتشه فيله" الألماني.

اقرأ أيضاً: رئيس البنك الدولي يُعول على دول الخليج في حل أزمة الطاقة... ماذا قال؟

وفي هذا الشأن، رأى محافظ البنك المركزي الإيطالي إنياتسيو فيسكو، في وقت سابق، أنّه قد يكون من الضروري الابتعاد مؤقتاً عن مسار تحييد انبعاثات الكربون عن طريق إبطاء إيقاف تشغيل المحطات التي تعمل بالفحم، حسبما ذكرت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء.

وقد تسببت الأزمة الأوكرانية في إرباك أسواق الغاز والنفط عالمياً، حيث تجاوز سعر الغاز حاجز الـ 3 آلاف دولار لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، ولامس خام برنت عتبة الـ 140 دولاراً للبرميل في شهر (آذار) مارس الماضي.

تسببت الأزمة الأوكرانية في إرباك أسواق الغاز والنفط عالمياً

ويهدد ارتفاع أسعار الغاز، والمخاوف من إقدام الرئيس الروسي بوتين على قطع إمدادات الغاز والنفط، بالعودة إلى الفحم الذي تعهد قادة العالم بالتخلص منه في قمّة الأمم المتحدة الـ 26 للمناخ في غلاسكو في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

 قلب نظام الطاقة

"قلب نظام الطاقة" هذه ليست تهمة سياسية، ولكنّها حقيقة ما فعلته الحرب الروسية الأوكرانية بسوق الطاقة، فقد أفاد موقع "دويتشه فيله" بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قام "بقلب نظام الطاقة" الذي يموّل بشكل غير مباشر حربه في أوكرانيا.

 

"دويتشه فيله": الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام بقلب نظام الطاقة الذي يموّل بشكل غير مباشر حربه في أوكرانيا

 

وفي بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت (4) شركات نفط وغاز دولية كبرى الانسحاب من روسيا، متخلية عن أصول تزيد على (20) مليار دولار، وأوقفت ألمانيا، أكبر عملاء النفط والغاز الروسيين، خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي كان مُعدّاً لنقل الغاز الروسي إلى برلين مباشرة.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني قرار بوتين بيع الطاقة بالروبل؟

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على جميع أنواع الوقود الأحفوري الروسي، وقالت المملكة المتحدة إنّها ستتوقف عن شراء النفط الروسي، وأعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لخفض واردات الغاز الروسي بنسبة 80% هذا العام، والتخلص التدريجي من الباقي، بما في ذلك الفحم والنفط، بحلول عام 2027.

 خطط المناخ في الاتجاه المعاكس

نقل موقع "دويتشه فيله" عن هانا دالي المحاضرة في الطاقة المستدامة في جامعة كوليدج كورك في أيرلندا قولها: "هناك فرصة لتحفيز ذلك لدفع انتقال الطاقة النظيفة إلى الأمام بسرعة كبيرة. ولكن هناك أيضاً إشارات خطيرة على أنّ السياسات ستعمل في الاتجاه المعاكس".

"قلب نظام الطاقة" ليست تهمة سياسية ولكنّها حقيقة ما فعلته الحرب الروسية الأوكرانية بسوق الطاقة

وفي غضون أسبوعين من الغزو الروسي، أعلن الاتحاد الأوروبي خططاً لتركيب توربينات الرياح والألواح الشمسية والمضخات الحرارية بشكل أسرع من أيّ وقت مضى، فقد خصصت ألمانيا، أكبر اقتصاد في الكتلة، (200) مليار يورو لإزالة الكربون من إمدادات الكهرباء بحلول عام 2035، غير أنّها، في الوقت نفسه، تعهدت ببناء محطتين للغاز الطبيعي المسال كجزء من حملة قارية لاستبدال الغاز الروسي بالوقود الأحفوري المشحون من أماكن أخرى.

اقرأ أيضاً: الأزمة الروسية ـ الأوكرانية... كيف تُعيد رسم خريطة أسواق الطاقة؟

وتعمل أوروبا على التخلص من إدمانها على الغاز الروسي، وفي الوقت نفسه تسريع انتقالها إلى الطاقة النظيفة، بينما تدفعها الأزمة الروسية الأوكرانية، في الوقت نفسه، نحو الوقود الذي يجب أن تتخلى عنه تدريجياً للسيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري.

 

 هناك لغز يواجه صانعي السياسة، وهو تأمين وقود كافٍ لفصل الشتاء القادم إذا توقف الإمداد الروسي

 

ونقل موقع "دويتشه فيله" عن تقرير علمي وصفه بالـ"تاريخي" للأمم المتحدة تحذيره من أنّ أيّ تأخير إضافي في العمل المناخي سيفوّت "نافذة قصيرة وسريعة الإغلاق من الفرص لتأمين مستقبل صالح للعيش، ومستدام للجميع".

وقد وضع الاتحاد الأوروبي استراتيجية مزدوجة لتقليل اعتماده على غاز بوتين، ودفع الاستثمارات الخضراء إلى الأمام مع مبادلة الغاز الروسي بالوقود من دول أخرى. ويخطط الاتحاد الأوروبي لشحن (50) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال كلّ عام من دول مثل قطر ومصر والولايات المتحدة، التي تستخرج ثلثي غازها من خلال التكسير، وهو شكل من أشكال الإنتاج أكثر تدميراً بيئياً. ويريد الاتحاد الأوروبي الحصول على (10) مليارات متر مكعب أخرى من الأنابيب من دول مثل أذربيجان والجزائر والنرويج.

 لغز الإمدادات وخطط المناخ

قد يؤدي نقص إمدادات الغاز الروسي أو قطعها بشكل كامل، في المقابل، إلى تسريع مخططات انتقال الطاقة قبيل الموعد المخطط لها.

تعمل أوروبا على التخلص من إدمانها على الغاز الروسي، وفي الوقت نفسه تسريع انتقالها إلى الطاقة النظيفة

روسيا هي أكبر مصدر للنفط والغاز الأحفوري في العالم، ومنذ بداية الغزو باعت روسيا للاتحاد الأوروبي أكثر من (11) مليار يورو من الوقود الذي تمّ حرقه لتدفئة المنازل، وتشغيل محركات السيارات، وتوليد الكهرباء.

وأشار المصدر السابق إلى أنّ هناك لغزاً يواجه صانعي السياسة، وهو تأمين وقود كافٍ لفصل الشتاء القادم إذا توقف هذا الإمداد.

وفي هذا الشأن، قال جورج زاكمان محلل المناخ في مركز الفكر الاقتصادي بروجيل ومقره بروكسل: إنّه "إذا كان الحظر قادماً، أو قطعت روسيا الغاز، فسنحرق المزيد من الفحم، ونشهد انبعاثات أعلى على المدى القصير"، مضيفاً: "لكنّنا سنقوم أيضاً بتركيب مصادر الطاقة المتجددة والمضخات الحرارية على نطاق واسع، وسنمرّ بمرحلة الانتقال بشكل أسرع ممّا خططنا له في البداية."

اقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل: تعاون في مجال الطاقة في منطقة شائكة شرق المتوسط

على عكس النفط، الذي يمكن شحنه بثمن بخس في جميع أنحاء العالم بحالته الطبيعية، يحتاج الغاز إلى النقل عبر خطوط الأنابيب أو تبريده إلى درجات حرارة منخفضة للغاية تسمح بنقله في صورة سائلة على ناقلات خاصة.

لكنّ بناء محطات جديدة لاستقبال شحنات الغاز الطبيعي المسال، كما تخطط ألمانيا للقيام به على ساحلها الشمالي بحلول عام 2026، يهدد بالاعتماد على الوقود الذي سيتعيّن عليها التخلي عنه لمنع درجات الحرارة من الارتفاع، فقد قال المستشار الألماني أولاف شولز: إنّ المحطات ستُعاد تهيئتها لاحقاً لاستقبال شحنات الهيدروجين- وهو وقود يمكن تصنيعه بطريقة نظيفة من الكهرباء من مصادر متجددة-، إلّا أنّ الخبراء شكّكوا فيما إذا كان ذلك ممكناً من الناحية الفنية. 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية