أولويات الاسلام السياسي في العراق من وجهة نظر ميليشياوية

أولويات الاسلام السياسي في العراق من وجهة نظر ميليشياوية


24/04/2022

زكي رضا

ما هي الاولويات في معالجة اوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية في بلد كالعراق اليوم، هل هي في ايجاد حلول او السعي لايجاد حلول للمشاكل التي يمر به البلد، ام الهروب للامام في توجيه الراي العام لمشاكل هي بالاساس نتائج مباشرة لسوء الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ ازمة تشكيل الحكومة هي نتاج مباشر لنظام المحاصصة الطائفية القومية وفشله في حل مشاكل البلاد على مختلف الصعد، وعوضا عن المضي قدما لتوفير مناخ سياسي صحّي ياخذ على عاتقه الاسراع في تشكيل الحكومة والخروج بسرعة من ازمة الفراغ السياسي والشد والجذب بين نفس القوى التي تقاسمت امتيازات السلطة منذ الاحتلال لليوم، خرج علينا قيادي في الاطار الشيعي وبمناسبة ذكرى تاسيس ميليشياته في ايران، ليعلن في كلمة له من انّ التحديات الكبيرة التي تواجه العراق هي "ظاهرة الالحاد والمثلية والتخلي عن القيم الاصيلة وانتشار الافكار المنحرفة والوهّابيّة والمساس بالمقدسّات وافة المخدرات والاخطر من ذلك فقدان الامل لدى الشعب"!!
من الصعب ان لم يكن من المستحيل ربط الالحاد (ليس ظاهرة كما يقول هادي العامري) بتبني الملحدين بالعراق لفلسفة معيّنة او ايديولوجية ما، بل وحتى تاثرّا بالعلم الذي يستند اساسا على التشكيك بالظواهر الطبيعية والميتافيزيقية، كون الملحد العراقي وهو يعيش في مجتمع بلغ عدد الامييّن فيه وفق احصاءات وزارة التربية 12 مليون مواطنة ومواطن من مختلف الاعمار لا يملك هذا الترف الفكري بغالبيته العظمى. بل على العكس فانّ هؤلاء الـ 12 مليون امّي ومعهم ما يقابلهم من جمهور في اسوا الحالات متاثر بالعادات والافكار الدينية، والذي هو تحت رحمة برامج دينية طائفيّة مكثفة. فالقوى الدينية ومعها المؤسسات الدينية تصول وتجول في عقول الناس البسطاء والاميين من خلال الاعلام المرئي والمسموع والمقروء لحدود (لانتشار الاميّة) والمنابر، لتزرع في هذه العقول كل شيء الّا التفكير بحاضرهم وحياتهم، فهي تربطهم دوما بحياة اخروية مليئة وغنيّة بما يفتقدونه في الحياة الدنيا. 
هذا الجمهور بالحقيقة هو اوسع من الارقام التي ذكرناها، فلو اضفنا لهم عوائلهم والعاطلين عن العمل وجيش الفقراء المتنامي باضطراد وانصاف المتعلمين والمثقفين والذين باعوا ضمائرهم للسلطة الدينية من "مثقفين واعلاميين"، سنرى انّهم جيش من مواطنين مؤمنين بما تصدرّه لهم المنابر. وهؤلاء المؤمنون بعيدون عن الالحاد او هكذا يجب ان يكونوا، فلماذا اذن تزداد نسبة الالحاد في المجتمع كما يقول العامري وقبله الكثير ومنهم ممثل السيد السيستاني في خطبة له بكربلاء، هذا اذا وافقنا العامري وامثاله بما اعلنوه! 
انّ زيادة نسبة الملحدين لا يعود الى الفضاء الديموقراطي والحرية والتحصيل العلمي وتاثيره على عقلية المواطن كما في الغرب، بل يعود اساسا كردّ فعل لجرائم الاسلام السياسي بحق الناس منذ الاحتلال لليوم. وقد لعب الفضاء الافتراضي دورا كبيرا في اظهار الوجه القبيح لبعض رجال الدين وهم ياتون بالترهات من بطون كتب صفراء، من على منابرهم التي تتقيأ التجهيل والدجل والكذب. واصبح رجال الدين هؤلاء هزءا امام انظار الملايين، وهذا ما جعل الدين او المذهب نفسه هزءا للاسف الشديد. وهذا الامر لا يتحمله الملحد مطلقا، بل المؤسسة الدينية التي لا تريد عقلنة الخطاب الديني وانسنته، فترى هذا الخطاب اليوم وفي عصر الفضاء يغوص في غيبيات لا يقبلها العقل البشري مطلقا. هذه كانت النقطة الاولى في كلمة السيد هادي العامري، بمناسبة تاسيس ميليشاته من قبل السلطات الايرانية اثناء الحرب الصدامية-الخمينية.
النقطة الثانية التي اثارها السيد العامري هي المثلية الجنسية، وهي اساسا نتاج عوامل وراثية او بايولوجية او اجتماعية او بيئية، ولو تركنا العاملين الاولين لانهما فوق المستوى الفكري والعلمي للكثير من ساسة المحاصصة ورجال الدين، فاننا بحاجة لمعرفة الطبيعة الاجتماعية والبيئة الاجتماعية للشعب العراقي، المتّهم اليوم من قبل العامري وغيره من الاسلاميين بشيوع المثلية فيه! العامري وغيره من قادة الاسلام السياسي ومعهم المؤسسة الدينية يملاون الدنيا صراخا اثناء الزيارات المليونية للمراقد الشيعية، ويعتبرون هذه التجمعات مبايعة من قبل هذه الجماهير للخط العلوي الحسيني الذي يدّعون تمثيله طبعا، وبالتالي فانّها اي هذه الزيارات وبهذه الاعداد الكبيرة صك مبايعة لهم!! فهل هؤلاء الزوّار الحسينيون العلويون المبايعون للعامري والاسلام السياسي مثليون!!؟؟ ومن المسؤول عن شيوع المثلية ان وجدت كظاهرة كما يقول العامري، هل هو النظام السياسي الفاسد والفاشل في تلبية حاجات الناس ام الطبيعة والبيئة الاجتماعية، ولماذا لم تكن المثلية ظاهرة في الانظمة التي سبقت الاحتلال كما يدّعي السيد العامري؟ تعتبر المجتمعات المنغلقة بيئة خصبة للمثلية الجنسية، اذا ما اهملنا العوامل الوراثية والبايولوجية. ولا توجد احزاب ومؤسسات تعمل على ترسيخ مثل هذه البيئة، واتهام اي علاقة بين شاب وشابّة في الجامعة على سبيل المثال بالفجور كما الاحزاب والمؤسسات الدينية.
النقطة الثالثة التي اثارها السيد العامري كانت التخلي (اي تخلّي المجتمع) عن القيم الاصيلة، ولغويا فانّ "قيمة الشيء في اللغة هي قدره، وقيمة المتاع ثمنه. يقال: قيمة المرء ما يحسنه، وما لفلان قيمة، اي ما له ثبات ودوام على الامر"، من خلال هذا التعريف نريد ان نعرف ما يعنيه السيد العامري تحديدا، وما هو تعريفه للقيم والقيم الاصيلة؟ فعلى سبيل المثال ما هي قيمة وثمن تشكيل الوزارة العراقية اذا ما تمّت باوامر من خارج الحدود؟ واين هي قيمتها وهي تقوم على اساس نهب ثروات البلد من خلال المحاصصة الطائفية القومية؟ "قيمة المتاع ثمنه" فما هو ثمن الفقر الذي ينهش جسد المجتمع، وما هو ثمنه وهو يباع من قبل اطفال صغار في تقاطعات المرور!؟ لقد دمّرت حروب الدكتاتورية الكثير من القيم الاصيلة في مجتمعنا، وجاء الاسلام السياسي ليعلن مقتل هذه القيم، بعد ان اصبح العراق مرتعا للجريمة المنظمة والميليشيات والفساد والعادات والتقاليد العشائرية البالية. ولمّا كانت قيمة المرء ما يُحسنه، فلنسال السيد العامري عن محاسنهم وهم على راس السلطة، والبلد يسير نحو المجهول؟
النقطة الرابعة في كلمة السيد العامري كانت حول "انتشار الافكار المنحرفة"، وهنا نكون امام سؤال كبير ومهم وبحاجة الى تعريف وتوضيح كي يكون مفهوما للجماهير المغلوبة على امرها، نتيجة فساد وجرائم السلطة واركانها. ما هي الافكار المنحرفة التي تعصف بالمجتمع العراقي اليوم، والتي جعلت فرائص الاسلاميين ترتجف من وقعتها!؟ هل هي الافكار التي تقف على الضفّة الاخرى من افكار السيد العامري، ام توظيف المؤسسة الدينية لخدمة الاسلام السياسي وميليشياته من خلال اصدار فتاوى ما انزل الله بها من سلطان لزرع وتعزيز الافكار المنحرفة في هذه التنظيمات، والتي هي سبب اساسي في الارهاب والقمع؟
حصر السلاح بيد الدولة يعني عدم احقيّة اي جهة سياسية في ان يكون لها ذراع عسكرية، ويعني ايضا وصف كل فصيل مسلح من انّه ميليشيا خارجة عن القانون. لذا فانّ المؤسسة الدينية ولغرض منح الاسلام السياسي وميليشياته وسيلة السيطرة على الشارع وتهديد السلم المجتمعي، قامت باصدار فتوى الجهاد الكفائي والذي لم تعلّق المؤسسة الدينية العمل به بعد ان انتهى مفعول الفتوى. واستمرار العمل به من قبل الاسلام السياسي وميليشياته، هو تفسير حقيقي لوجود افكار منحرفة تريد ان تقود البلاد الى المجهول. انّ الفكر الديني الطائفي والافكار العشائرية، هي من صلب الافكار المنحرفة وان استمدّت "شرعيتها" من "الدولة ومؤسساتها".
النقطة الخامسة في كلمة السيد العامري كان تناوله للوهّابية، وهو يعني بالضبط دورها كفكر منحرف وهدّام في تغذية المنظمات الارهابية، كما يغمز من خلالها للدور السعودي بالعراق من خلال دعمها وبقية دول الخليج وتركيا وقوى اقليمية ودولية لتنظيم القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الارهابية التي دمّرت بلادنا وهو على حقّ في ذلك. الّا انّه يتجاوز في حديثه الخمينيّة كفكر ونهج هو الاخر، ودورها في تاسيس ودعم ميليشيات ساهمت في الاقتتال الطائفي لتصدير ثورته الاسلامية، علاوة على دورها المشبوه كما الوهّابية في تدمير سوريا واليمن ولبنان. امّا عن العراق ودورها في نهبه وتخلفه وضعفه عن طريق ميليشياتها وعلى راسها ميليشيا بدر بزعامة العامري، فالتاريخ شاهد على قبحه قبل جرائمه.
النقطة السادسة في كلمة العامري كانت حول المساس بالمقدسّات!! هنا نكون امام سؤال بحاجة الى اجابة من قبل السيد العامري وهو ان كانت بيوت الله من مساجد وحسينيات من المقدسّات ام لا، وان كان القران مقدّسا ام لا؟ ولا اظن من انّ الانسان العاقل وهو يرى هدم المساجد والجوامع وتفجير الماذن وحرق مئات ان لم يكن الالاف من نسخ القران، بحاجة ليكتشف من الذي يدنّس المقدسات التي يتباكى عليها العامري، ومن الذي يفجرّها؟ اجزم من انّ العامري وغيره من دهاقنة الاسلام السياسي لن يستطيعوا ولو بعد مئة عام ان يلصقوا التهمة باحزاب ومنظمات ذات ايديولوجيات غير اسلاميّة، لكننا وبكل اريحية نقول انّ الاحزاب والميليشيات الاسلامية هي المسؤولة وصاحبة المصلحة الحقيقية بالمساس بالمقدسات الاسلامية، بل وباهانة المقدسّات الاسلامية. واحداث الايام الاخيرة من الصراع الشيعي الشيعي، وحرق وتدمير بيوت الله وحرق كتب القران فيه، شاهد حقيقي على ما نقول.
النقطة السابعة التي تناولها العامري في كلمته كانت عن انتشار المخدرات بالبلاد، ولا يسعنا هنا الا ان نشاطر العامري خوفه على شباب العراق من هذه الافة الخطيرة والقاتلة. لكن هل يعرف العامري من انّ تعاطي المخدرّات كان شبه معدوم ومحكوم بقوانين قاسيّة جدا للحيلولة دون انتشاره في الانظمة العراقية السابقة ومنها النظام البعثي، وحتّى في ظل النظام البعثي بعد حروبه الكارثية كان العراق ممرا للمخدرات القادمة من ايران وليس سوقا مستهلكة له بشكل يشكل خطرا على النسيج الاجتماعي كما اليوم عهد الاسلاميين!
السيد العامري وانت قد عشت سنوات طويلة في ايران وشاهدت بامّ عينيك قوافل المدمنين وهم يفترشون الازقّة الفقيرة وسط طهران، والشباب الايراني الضائع وهو يدمن على المخدرات باصنافها المختلفة، تعرف جيدا منشا هذه السموم ونقاط عبورها وتجارها المحميين من السلطة.
السيد العامري صدقني من انّ الارجنتين لا حدود لها مع بلادنا لتحملّوها نشر المخدرات ببلادنا، وصدقني من انّ ايران ومعها الاحزاب الاسلامية لها المصلحة الحقيقية في ادمان الشابات والشباب العراقي على المخدرات، فهؤلاء يضافون الى جيش من الشباب الضائع الذي يضاف الى جيش العاطلين عن العمل.
وفي ختام كلمته تحدث العامري عن فقدان شعبنا لامله في حياة حرة وكريمة!! ما هو السبب الذي جعل شعبنا يصل الى هذا الياس القاتل بنظركم ايها السيد العامري، وهو يعيش في ظل حاكم جعفري وليس سنّيا كما كانت الدولة العراقية سابقا كما تقولون. للاجابة على هذا السؤال علينا قراءة تاريخ الاسلاميين وهم على راس السلطة، من خلال الكم الهائل من الجرائم المرتكبة بحق شعبنا ووطننا، فالياس وفقدان الامل بحياة كريمة ووطن معافى لن يتحقق بوجودكم في السلطة مطلقا ولو بقيتم في السلطة حتى ظهور المهدي الذي تنتظرون. الحل الوحيد ايها السيد العامري لاعادة الامل لشعبنا هو بناء نظام ديموقراطي علماني يحترم عقائد الناس ومنها الاديان المختلفة، على ان تحترم المؤسسات الدينية السلطة السياسية والقانونية وتبتعد عن المشاركة والتاثير فيها وفق قوانين دستورية وضعية. دولة علمانية ديموقراطية تبدا ببناء وطن ومجتمع جديدين على انقاض وطن ومجتمع دمرته الحروب والحصار والفساد والارهاب والميليشيات، دولة تستند وتعتمد على القانون في محاسبة كل من يتخابر مع دولة اجنبية على حساب "وطنه وشعبه".
اذا كانت تجربة الاسلام السياسي والمؤسسات الدينية التي نشرت وتنشر الفساد والجهل والتخلف والاميّة، ودمرّت وتدمّر القطاعات الزراعية والصناعية والصحية والتعلمية والخدمية وغيرها مما يشكل خطرا على مستقبل شعبنا ووطننا ايمانا، كونكم على راس السلطة ومؤمنون بالله ونبييه وال بيته. فاني ايها السيد العامري اعلن امامكم عن رفضي لايمانكم هذا معلنا كفري والحادي بكل ما تؤمنون به.

عن "ميدل إيست أونلاين"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية