أي درس سيتعلمه المدنيون والعسكريون في السودان؟

أي درس سيتعلمه المدنيون والعسكريون في السودان؟


30/09/2021

كان التوقعات ذاهبة باتجاه أن تدفع المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي قام بها بضعة ضباط في الجيش السوداني، شركاءَ الفترة الانتقالية، من المدنيين والعسكريين، إلى المزيد من التقارب، من أجل ضمان عدم تكرار ذلك، وتأمين الفترة الانتقالية بتحقيق متطلباتها الدستورية والهيكلية، وعلاج الصدع الذي أصاب المكوّن المدني، وردم الهوّة بين المدنيين والعسكريين، وفق آليات جديدة، بعد أن كشفت الفترة الماضية من عمر الانتقال أخطاء ومشاكل كبيرة على مستوى إدارة الدولة.

اقرأ أيضاً: هل يعيد السودان الأموال المصادرة من حركة حماس إلى الشعب الفلسطيني؟

لكن ما لا يمكن توقعه أن تتنزل الحكمة والتعالي عن الطموحات الشخصية بين قوى تأسست علاقاتها على صراع وتنافس في المقام الأول، رغم أنّ مثل هذه الحكمة وتقديم مصلحة الوطن هما الطريق الوحيد لنجاة مركب السودان الانتقالي، وهو ما يتطلب من جميع الأطراف ألا تتعامل مع الفترة الانتقالية على أنّها كعكة يجب تقاسمها، وصراع بقاء ضدّ الآخر.

غضب العسكريين

ومثّلت المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي شهدها السودان في 21 أيلول (سبتمبر) الجاري، القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين معظم القوى السياسية من جانب والمكوّن العسكري من جانب آخر، والذي يتضمن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.

البرهان وحميدتي في زيارة سلاح المدرعات

 وشهدت الساحة السودانية حملات إعلامية ممنهجة ما فتئت تهاجم المكوّن العسكري، وتحمّله مسؤولية تردي الأوضاع في البلاد، سواء الأمنية أو الاقتصادية، وهو الأمر الذي أغضب القوات المسلحة، دون تعبير صريح عن ذلك، إلا عبر مقالات لعدد من الضباط، بينما تكفّل نائب رئيس مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بالردّ على الحملات التي طالته مراراً، وطالت القوات التي يقودها بشكل أكبر من القوات المسلحة.

اقرأ أيضاً: لجنة تفكيك الإخوان في السودان تطلق هذا الوعد رغم التوترات

وعقب ساعات من سيطرة الجيش على الضباط المتمردين، الذين حاولوا السيطرة على كتائب سلاح المدرعات القريبة من العاصمة الخرطوم، خطب الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، من داخل سلاح المدرعات، ووجّه اتّهامات للقوى السياسية التي دعت المدنيين للتصدي لمحاولة انقلاب العسكريين على المدنيين، وشدّد على أنّ القوات المسلحة هي من قضت على المحاولة الانقلابية، وأنّها ملتزمة بحماية الفترة الانتقالية، وعقد الانتخابات العامة، وألقى باللوم على الحكومة في تردّي الأوضاع الاقتصادية والخدمات العامة.

وفي اليوم التالي، بتاريخ 22 من الشهر نفسه، حضر البرهان وحميدتي حفل تخريج دورة تدريبية للقوات الخاصة، وخلال خطابهما، صعّدا من الهجوم على الحكومة والقوى السياسية التي تهيمن على المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، وقال البرهان: "لا توجد حكومة منتخبة، ونحن أوصياء على الحفاظ على أمن الوطن"، في إشارة إلى الشرعية التي اكتسبتها الحكومة من التوافق مع العسكريين على الفترة الانتقالية، وفي رده على حملات الهجوم على القوات المسلحة، والدعوات لفضّ الشراكة وإقامة حكومة من السياسيين فقط، قال: "نحن أوصياء، رغم أنف الجميع، على وحدة وأمن السودان". وفي لوم واضح وصريح للحكومة المدنية، رأى أنّ القوات المسلحة تركت "العمل التنفيذي للسياسيين، لكنّ المسألة انحرفت عن مسارها الصحيح".

الصراع ليس كلياً بين المكونين المدني (المكوّن من 81 حزباً)، والمكون العسكري (المكون من الجيش والقوات النظامية الأخرى)، فهو صراع جزئي بين أربعة أحزاب نافذة

وحملت كلمة الفريق أول حميدتي هجوماً لاذعاً على السياسيين، وقال: "بشكل واضح وصريح؛ أرى أنّ السبب في تكرار محاولات الانقلاب هم السياسيون الذين أعطوا الفرصة لقيام الانقلابات"، كما رأى أنّ "السياسيين أهملوا المواطن وخدماته الأساسية وانشغلوا بالصراع على الكراسي والمناصب، ما خلق حالة من عدم الرضا والتململ وسط الشعب".

وتجددت النبرة العدائية من البرهان وحميدتي خلال خطابات متتالية في الأيام الماضية، ومنها كلمة البرهان خلال افتتاح امتداد مركز السودان للقلب، وفي كلمة أمام قيادات الجيش، أعاد البرهان التشديد على التزام الجيش بالفترة الانتقالية، ونفى بشكل قاطع ما ذكرته وسائل إعلام على لسان سياسيين عن نية الجيش الانقلاب على الشراكة مع المدنيين.

اقرأ أيضاً: السودان: تجمع المهنيين يدعو إلى قطع الشراكة مع الجيش... وهذا رد حمدوك

واستنكر البرهان وحميدتي ما وصفاه بالتقليل من دور العسكريين في حماية الثورة، والشراكة في المرحلة الانتقالية، والدفاع عن الحدود السودانية في الفشقة، وقال حميدتي: "رغم ذلك لم نجد من الذين يصفون أنفسهم بالشركاء، إلا الإهانة والشتم ليلاً ونهاراً لجميع القوات النظامية، فكيف لا تحدث الانقلابات والقوات النظامية لا تجد الاحترام والتقدير".

موقف القوى السياسية

ولم تلقَ تصريحات القوى السياسية رضا العسكريين، بسبب وضع القوى العسكرية كافةً في خانة المنقلبين على الثورة، وكان عضو مجلس السيادة عن المدنيين، محمد الفكي سليمان، قد كتب فور تسرّب نبأ المحاولة الانقلابية إلى الإعلام "هبوا لإنقاذ ثورتكم"، ودعا الجماهير للاحتشاد لحماية الثورة، وهي الدعوات التي صورت الحادثة على أنّها انقلاب العسكريين كافة على المدنيين، وعلى المنوال نفسه خرجت تصريحات قيادات قوى الحرية والتغيير والعديد من الأحزاب السياسية.

الاحتجاجات تتوسع في شرق السودان

وفي حديثه لـ "حفريات"، قال الفريق المتقاعد، المعز العتباني؛ إنّ خوف المكون المدني من الانقلابات نابع من الخوف على المناصب، وليس على الوطن، وكلّ محاولات الانقلابات الفاشلة لم تأتِ بأمر القوات المسلحة، بل من استقطاب الأيديولوجيات المدنية للعسكريين، ومن تصدى لمحاولة الانقلاب هي القوات المسلحة، لإيمانها  القاطع بالحكم المدني.

وأضاف العتباني؛ يجب أن تعمل كلّ الأحزاب للتحضير للانتخابات، وأن يحكم البلاد مستقلون في المجلس السيادي ومجلس الوزراء، مع وجود برلمان جامع ومحكمة دستورية وهيئة أو مفوضية للانتخابات، ووضع دستور يحدد النظام السياسي، وتحديد آجال الانتخابات، وهذا هو الحلّ الكفيل بعلاج أزمة انعدام الثقة بين المدنيين والعسكريين، وما نشهده من حرب إعلامية.

الفريق المتقاعد المعز العتباني لـ "حفريات": خوف المكون المدني من الانقلابات نابع من الخوف على المناصب، وليس على الوطن، وكلّ محاولات الانقلابات الفاشلة لم تأتِ بأمر القوات المسلحة

وفي خضم الصراع بين الطرفين، قررت قيادة القوات النظامية سحب الحراسات عن الممتلكات والمواقع التي صادرتها لجنة إزالة التمكين، وعن الشخصيات المدنية، واستبدالها بقوات الشرطة، ونظمت لجان المقاومة وتجمع المهنيين وغيرهم من الأجسام المدنية تجمعات في عدد من المدن لدعم الثورة والحكم المدني، وعقد مجلس مركزي قحت الجديد اجتماعه الأول، في 26 من الشهر الجاري، وشدد أعضاؤه على مدنية الدولة، والتصدي للانقلابيين من المدنيين والعسكريين، وهو ما يكشف غياب الثقة لدى قحت في العسكريين.

وكشفت خطابات البرهان عن غضب كبير من القوى السياسية المحدودة التي تهيمن على المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وكذا التي تشارك في الحكومة، بسبب هيمنة هذه القوى على المرحلة الانتقالية، واستئثارها بالسلطة دون القوى السياسية الأخرى التي وقّعت على الوثيقة الدستورية، وكان البرهان عقد لقاء مع عدّة قوى سياسية رافضة لمبادرة رئيس الوزراء لإصلاح قحت، والتي نتج عنها إعلان سياسي جديد، لم يحظَ بإجماع بين القوى السياسية، وغاب العسكريون عنه.

ومن جانب المدنيين، تصاعدت المطالبات بتسليم البرهان رئاسة مجلس السيادة إلى شخصية مدنية، كما نصّت الوثيقة الدستورية، ودخلت أزمة شرق السودان في الصراع بين الطرفين، وتتهم قحت العسكريين بدعم حراك نظارات البجا، بينما ردّ البرهان بوصف الحراك أنّه "سياسي"، ويعبّر عن غضب شعبي، يجب على الحكومة علاجه مسبباته، نافياً أيّة علاقة لهم بما يحدث في الشرق من احتجاجات.

وفي السياق ذاته؛ دعا رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، كلّ الأطراف للالتزام بالوثيقة الدستورية التزاماً صارماً، والابتعاد عن المواقف الأحادية، وأن تتحمل مسؤوليتها كاملة وأن تتحمل بروح وطنية عالية تُقدِّم مصلحة بلادنا وشعبنا على ما عداها.

انعدام الثقة بين الطرفين

وحول أسباب الخلاف بين الطرفين، يقول الصحفي والباحث الأكاديمي في قضايا القرن الأفريقي، عمار العركي؛ الصراع ليس كلياً بين المكونين المدني (المكوّن من 81 حزباً)، والمكون العسكري (المكون من الجيش والقوات النظامية الأخرى)، فهو صراع جزئي بين أربعة أحزاب نافذة داخل منظومة المكون المدني والمكون العسكري.

وحول أسباب الصراع، قال لـ "حفريات"؛ رتبت الوثيقة الدستورية العلاقة بين شركاء الفترة الانتقالية، لكنّ ما حدث هو هيمنة أربعة أحزاب على السلطة، بعد إقصاء شركائهم في قوى الحرية والتغيير، وعطلت إتمام استحقاقات الانتقال، وكذلك العمل داخل الجهاز التنفيذي والقضاء والنيابة، فلا يوجد رئيس قضاء، ولا نائب عام، ولا مجلس تشريعي، وبعد ذلك أفرغت أهم  صلاحيات وامتيازات تلك المؤسسات في قانون خاص بلجنة مصغرة اسمها "لجنة إزالة نظام الـ 30 من يونيو وتفكيك المؤتمر الوطني"، وبالطبع رئاسة وعضوية هذه اللجنة مكونة من الأحزاب الأربعة المذكورة، وتتمتع هذه اللجنة إلى حدّ كبير بصلاحيات  قضائية وتشريعية وتعد السلطة  الفعلية التي تحكم.

وتابع العركي؛ المكون العسكري ضاق ذرعاً من هذا الوضع، ولم يعد يتحمل خللاً كهذا تسبب في احتقانات سياسية وأمنية واقتصادية، خصوصاً بعد أن تسبب في تفجر أزمة الشرق التي تهدد وحدة البلاد، فأعلن انتقاده إبراء للذمة من المسؤولية، ودعوة إلى علاج حقيقي للأزمات، فحدث التصعيد بين الطرفين، في محاولة لإثبات الوجود والبقاء، والتنافس على السلطة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية