أي علاقة تجمع سيف الإسلام القذافي مع روسيا والإخوان وتركيا؟

أي علاقة تجمع سيف الإسلام القذافي مع روسيا والإخوان وتركيا؟


16/11/2021

رغم أنّ الحديث عن ترشح نجل الرئيس الليبي السابق، سيف الإسلام معمر القذافي كان متداولاً منذ الاتفاق في مؤتمر جنيف على عقد الانتخابات العامة في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، إلا أنّ ظهور الرجل كان بمثابة صاعقة فوق رؤوس الجميع، حتى بين مؤيديه الذين كان كثيرٌ منهم يشكك في وجوده حياً.

فبالأمس القريب لم يكن بمقدور أحد التحدث بيقين عن وجود سيف الإسلام حياً أم ميتاً، ثم فجأةً يظهر الرجل بصحبة مسؤولين من نظام والده، وبجمع من مؤيديه، وتحت حراسة كبيرة في مدينة سبها، ليقدم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية، بعد استيفاء المتطلبات كافة التي حددتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بناءً على القوانين الصادرة عن مجلس النواب.

إقرأ أيضاً: ورقة سيف الإسلام.. لعبة تركية لإيجاد شرعية في ليبيا

ويطرح ما سبق أسئلة عديدة، بعضها ليس بمقدور أحد الإجابة عنه سوى أجهزة الاستخبارات، وبعضها يمكن الإجابة عنه بناء على قراءة وتحليل الواقع الليبي، ومن هذه الأسئلة: أين كان سيف الإسلام قبل وصوله إلى سبها؟ ولماذا وفرت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي الحماية له؟ ولماذا اختار مدينة سبها؟ وكيف خرج من منطقة النفوذ التركي إلى منطقة نفوذ القيادة العامة؟ ولماذا سمحت تركيا له بالرحيل؟ وما هي مصلحتها؟ وما دور روسيا؟

الساعدي القذافي

وليس من باب المبالغة؛ القول إنّ هناك رواية تُكتب من قبل أطراف دولية ومحلية حول ليبيا، ضمن خطط واتفاقات عديدة أخرى من أطراف متعددة، ومن بين ذلك تبدو خطة ترشح سيف الإسلام هي الأكثر غموضاً وخطورةً، والأفضل مهارةً في التخطيط والتنفيذ، والتعقيد، إنّ جاز القول، ولمحاولة فهمها يتعين تتبع الخيوط التي تتعلق باسم القذافي خلال الفترة الماضية.

سافر الساعدي القذافي إلى تركيا في ظروف غامضة

ويعتبر أغرب حدث يمكن أنّ يساعد على فهم ما يجري، الخبر الذي نشرته حكومة الوحدة الوطنية في 5 أيلول (سبتمبر) الماضي، بشأن الإفراج عن الساعدي معمر القذافي وعدد من رموز النظام السابق، ثم الخبر المثير للريبة حول سفر الساعدي إلى تركيا، وهو ما لم تنفِه أنقرة سوى بعد مرور 7 أيام.

لم يكن التوافق الروسي - التركي - الإخواني على ترشيح سيف الإسلام القذافي ليحدث لولا إدراك الجميع أنّ تنظيم الانتخابات في موعدها بات في حكم الواقع

وبقي السؤال عن سفر الساعدي إلى تركيا دون إجابة، حتى ظهور أخيه سيف الإسلام في سبها، في 14 من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، مقدماً أوراق ترشحه للرئاسة، لتتضح خيوط القصة؛ أنّ هناك ارتباطاً بين تركيا وترشح سيف الإسلام، ولهذا سافر الساعدي إليها، بجانب أنّ سيف الإسلام كان محتجزاً في مدينة الزنتان، التي يتحالف أقوى رجل فيها، آمر غرفة العمليات المشتركة للقيادة العسكرية في طرابلس، اللواء أسامة الجويلي، مع تركيا والإخوان المسلمين.

موقف المشير حفتر

وبظهور سيف الإسلام في منطقة تسيطر عليها القيادة العامة للقوات المسلحة، بقيادة المشير حفتر، حتى بعد تكليفه رئيس الأركان، عبد الرازق الناطوري، في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي بمهامه، كخطوة تمهيدية لإعلان ترشحه للرئاسة، يظهر تساؤل عن سبب قبول حفتر بوجوده في سبها، رغم ما يعنيه ذلك من وجود خصم انتخابي له ثقل داخل المنطقة الشرقية التي يحظى بدعمها، وهل هناك مصلحة لحفتر أو شيء آخر يتعلق بالتواجد الروسي في المنطقة الشرقية، ووجود خطة سياسية روسية تجاه الانتخابات.

المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة: هبطت طائرة سيف الإسلام في مطار تمنهنت، واستقبلته قوات تابعة للواء طارق بن زياد

يقول المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة: "هبطت طائرة سيف الإسلام في مطار تمنهنت، واستقبلته قوات تابعة للواء طارق بن زياد، وتم نقله الساعة السادسة صباحاً الى مدينة سبها، ودخل مقر المفوضية الذي تحميه أحد كتائب اللواء 128، وكلها قوات تتبع القيادة العامة".

إقرأ أيضاً: رياح العنف تهب على الانتخابات الليبية غرباً... هل تعرقل الاستحقاق المُنتظر؟

وأضاف لـ"حفريات": "من المرجح أنّ تذهب أصوات طرابلس الرافضة للمليشيات، والتي كانت ستصوت للمشير الآن إلى سيف الإسلام، وبهذا يخسر المشير أصوات طرابلس والجنوب بالرغم من قلة أصوات الجنوب، التي لا تتعدى 160 ألف ناخب، وفق السجل الانتخابي".

ولهذا ربما وافق المشير حفتر على وجود سيف الإسلام بضغوط روسيا، التي تربطها علاقة قوية بسيف الإسلام، وتواصلت معه كثيراً خلال العامين الماضيين، وهو ما يكشف عن توتر العلاقة بين حفتر والروس، ما جعل الروس يطرحون مرشحاً في الانتخابات ينافسه.

وأفاد مصدر ليبي، تحفظ على نشر اسمه، لـ"حفريات"، أنّ هناك ضغوطاً روسية مُورست على حفتر لاستقبال سيف الإسلام في سبها من ناحية، ومن أخرى فإنّ حفتر لا يعارض ترشح سيف الإسلام، الذي لا يوجد ما يمنعه قانوناً من الترشح، فضلاً عن ثقته في حظوظه الانتخابية، وموقفه هذا يكشف عن التزام تامّ بالعملية الانتخابية، وحرية المنافسة حتى لو ستحرمه أصواتاً كانت مؤيدة له.

موقف الروس

وينبئ الموقف الروسي عن عدم رضا على المشير خليفة حفتر، وقالت تقارير صحفية عديدة إنّ الروس يخشون تغير موقف حفتر، وعلاقاته بالولايات المتحدة، وهو أمر لن يخدم نفوذهم في ليبيا، ولهذا يريدون شخصاً له حظوظ انتخابية، ويكون محل ثقة لديهم، وهو ما مهدت موسكو له منذ أعوام.

رئيس أركان قوات طرابلس مستقبلاً الوفد الروسي

ومن المرجح أنّ خطة الروس الأساسية كانت دعم المشير حفتر، ولكن بسبب ظهور خلافات بينهما قاموا بالدفع بسيف الإسلام، وقال المصدر السابق لـ"حفريات": "تريد موسكو رئيساً موالياً لها، وحفتر ليس هذا الرجل، فهو قومي وطني يأبى موالاة أحد على حساب مصلحة ليبيا، وإن صار رئيساً سيطلب من الروس الانسحاب، ويفقدون نفوذهم".

السياسي سعد الدينالي لـ"حفريات: لو جزمنا أنّ ترشيح القذافي حدث برعاية روسية، فمن المؤكد أنّ لتركيا مكسباً في ذلك، يتمثل في صفقة مع روسيا في مكان آخر

ولهذا تريد موسكو رئيساً يحافظ على نفوذها، ولم تكن موسكو جاهلة برد الفعل المتوقع، وهو تهديد عقد الانتخابات من أساسها، بسبب رفض جزء كبير من الميليشيات في المنطقة الغربية لأي عودة للقذافي، وهو ما حدث بإعلان عدد من البلديات في إقليم طرابلس منها؛ الزاوية ومصراتة وزليتن والخمس، رفض تنظيم الانتخابات رداً على ترشح سيف الإسلام.                                           

الدور التركي

ولا تغيب تركيا عن هذه الأحداث، فبداية سافر الساعدي القذافي إليها، ثم خرج سيف الإسلام من مناطق نفوذها عبر وسيط إلى مدينة سبها، ولا يوجد أحدٌ غير الروس له مصلحة في ذلك، فمن ناحية يرى الروس والأتراك أنّ ليبيا منطقة نفوذ لهما، يتقاسمانها كما يفعلان في سوريا، ويستخدمانها ككارت تفاوض على قضايا ثنائية دولية، مثل؛ الوضع في سوريا، ومواجهة الضغوط الأمريكية، وإدارة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وملف غاز شرق المتوسط.

زيارة سابقة للدبيبة إلى تركيا

وتواجه تركيا نفس الخطر من الانتخابات، كونها خطوة حاسمة في مصير الوجود العسكري في ليبيا، وإدراكاً من أنقرة لضعف شعبية حليفها السياسي، الإخوان المسلمين، ورفض كثير من الليبيين في طرابلس لوجودها والميليشيات حلفائها، بات أمامها خياران: دعم مرشح له حظوظ انتخابية كبيرة، أو عرقلة الانتخابات، واستمرار الوضع كما هو عليه بما يحافظ على نفوذها، وهو ما سيعني بقاء النفوذ الروسي، خاصةً إذا ما ذهبت الأحداث لجهة صراع عسكري جديد.

إقرأ أيضاً: ماذا يحمل مؤتمر باريس جديداً لليبيا؟

ويرى رئيس مكتب الاستشارات السياسية بالحزب الاتحادي الوطني، سعد الدينالي، أنّ خروج سيف الإسلام من الزنتان حدث بمساعد روسية، وبموافقة تركيا، التي كانت تخطط للأمر مع الروس، إذ لم يذكر إعلام الإخوان والموالين لهم أي خبر عن إطلاق سراح سيف الإسلام، قبل الظهور المفاجئ له،  ولهذا فربما هناك مصلحة للإخوان أيضاً.

وتبعاً لذلك، ربما كان سفر الساعدي إلى تركيا، كضمانة من الروس وسيف الإسلام للحفاظ على التوافق الروسي - التركي حول ترشحه للرئاسة، وهي خطوة ليست غريبة عن العقلية التركية، سواء في عهد العثمانيين أو الجمهوري.

أهداف إخوانية

وأما الإخوان المسلمون فجمعتهم علاقات طيبة بسيف الإسلام خلال عهد والده، وكان سيف قاد مبادرات سياسية في الداخل والخارج لتسويق نفسه كخليفة لوالده، يُدخل البلاد إلى عهد جديد من الانفتاح والديمقراطية، وبالطبع لم يكن الأمر يتعدى صفقة بين سيف الإسلام والإخوان المسلمين، ومن المحتمل أنّه جرى تنشيطها، مع اختلاف السياق، إذ انتقلت القوة العسكرية من يد سيف إلى الإخوان المسلمين، ولكن شعبيته الكبيرة في مناطق متفرقة، تجعل الإخوان يوظفونه ضدّ المشير خليفة حفتر.

ولم يكن التوافق الروسي - التركي - الإخواني على ترشيح سيف الإسلام ليحدث لولا إدراك الجميع أنّ تنظيم الانتخابات في موعدها بات في حكم الواقع، بسبب الدعم الأممي والغربي والإقليمي، ومن قبل التأييد الشعبي الكبير، وتأييد حفتر وقيادات في مصراتة، لتنظيم الانتخابات.

إقرأ أيضاً: تهديدات خالد المشري.. هل يلوح شبح الحرب في ليبيا من جديد؟

ومن جانب آخر، يكشف وجود غضب شعبي في مدن طرابلسية، والتهديد بعدم تنظيم الانتخابات، عن خطة إخوانية لاستعادة الشعبية داخل طرابلس، بورقة معسكر ثورة فبراير، وهو التوصيف الذي كاد أنّ يندثر من المعادلة الليبية، ولكن ظهور سيف الإسلام أعاده مرة ثانية.

عرقلة الانتخابات

والهدف الذي يشترك فيه الثلاثي السابق، هو احتمال عرقلة الانتخابات الرئاسية من الأساس، وهو ما طالبت به تركيا والإخوان بشكل صريح، وعملت على تحقيقه سواء عبر تفخيخ اجتماعات الملتقى السياسي حول القاعدة الدستورية للانتخابات، وتأزيم المفاوضات مع البرلمان حول القوانين الانتخابية.

ويبدو المشهد السياسي بعد قبول المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أوراق ترشح سيف الإسلام القذافي، كثاني مرشح تم قبوله في الانتخابات الرئاسية، وكأنّ هناك رهانين للثلاثي السابق: أنّ يفوز سيف الإسلام ويحافظ على نفوذ الروس، ويضمن الأتراك نفوذهم بوجود الساعدي القذافي لديهم كأنه رهينة، سواء كان في تركيا أو دولة أخرى موالية لها، ووجود تفاهمات بين الإخوان وسيف الإسلام.

هدد رئيس المجلس الأعلى للدولة، الإخواني خالد المشري بعرقلة الانتخابات

والرهان الثاني ألا تُعقد الانتخابات الرئاسية من الأساس، وتخفق الضغوط الغربية والإقليمية لإخراج المرتزقة والوجود العسكري الروسي والتركي من ليبيا، وتستمر حالة عدم الاستقرار والفوضى، بما يجعل المجتمع الدولي يرضخ لتمديد السلطة الانتقالية القائمة.

وحال التمديد في عمر السلطة الانتقالية ستظل المصالح التركية والإخوانية مضمونة، وكذلك المصالح الروسية، وتكشف زيارة وفد من هيئة رئاسة الأركان الروسية، برئاسة نائب القائد العام للقوات البرية الروسية، الفريق أول آلكسي كيم، إلى طرابلس في العاشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري عن وجود تنسيق روسي عسكري مع السلطة الانتقالية، وهو أمر لم يحدث من قبل، خاصة وأنّ الروس داعمون للقيادة العامة.

ويقول السياسي سعد الدينالي: "لو جزمنا أنّ الأمر حدث برعاية روسية، فمن المؤكد أنّ لتركيا مكسباً في ذلك، ربما صفقة مع روسيا في مكان آخر غير ليبيا".

وكانت واشنطن وموسكو عارضتا خطة تركيا للقيام بعملية عسكرية رابعة في مناطق الشمال - الشرقي السوري، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التي تراها تركيا كمنظمة إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني، ولهذا ربما يكون للتفاهم الروسي التركي حول سيف الإسلام صلة بسوريا أو غيرها.

إقرأ أيضاً: ليبيا: هل يخطط الدبيبة للترشح للانتخابات الرئاسية؟

ومن جانب آخر، طالبت المحكمة الجنائية الدولية السلطات الليبية بتسليم سيف الإسلام، وعلقت السفارة الأمريكية ببيان طالبت فيه الليبيين بالتطلع للمستقبل، ووصفت ترشح سيف الإسلام بأنه عودة إلى الماضي.

وبحسب مصدر سابق، فإنّ هناك احتمالاً كبيراً بأنّ ترفض المفوضية العليا، بناء على حكم قضائي، ترشح سيف الإسلام، وهو خيار سيفسد اللعبة السابقة، ويعيد الانتخابات إلى مربع يبدو فيه الإخوان وتركيا والروس كمعرقلين للانتخابات، لكن دون قدرة على خلط الأوراق مرة ثانية بخطة مثل ترشح سيف الإسلام القذافي.

الصفحة الرئيسية