إبادة انتخابية..المغرب تطوي صفحة الإسلاميين في شمال أفريقيا

إبادة انتخابية..المغرب تطوي صفحة الإسلاميين في شمال أفريقيا


14/09/2021

أتت نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة، كصدمة حصرية من نصيب حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية؛ حيث سجلت صناديق الاقتراع هزيمة مدوية لحزب الأغلبية سابقاً، وحلوله المركز الثامن والأخير بـ13 مقعداً، بدلاً من 125 في انتخابات 2016.

تبع هذه الهزيمة الثقيلة استقالة الأمانة العامة للحزب بالكامل، بمن فيهم أمينه العام ورئيس وزراء المغرب السابق سعد الدين العثماني، الذي لم يستطع حتى الفوز في دائرته الانتخابية.

وفاز حزب التجمع الوطني للأحرار بـ97 مقعد، ليحتل المركز الأول بفارق 15 مقعد عن وصيفه حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما يمكن رئيس حزب التجمع رجل الأعمال والوزير السابق، عزيز أخنوش، من تشكيل حكومة ائتلافية بمقتضى الدستور المغربي، الذي لايسمح بانفراد حزب واحد بتشكيل الحكومة حتى وإن حاز على الأغلبية البرلمانية.

وعكس هذا الإخفاق الكبير لحزب العدالة والتنمية الانقسام الحاد بين صفوفه، والتي خرجت للعلانية قبيل وعشية إعلان النتائج، حيث تنديد عدد من رموز الحزب وعلى رأسهم أمينه العام السابق ورئيس الوزراء الأسبق، عبد الإله بن كيران، بقيادة العثماني للحزب في السنوات الأخيرة، وما خلفه من مراكمة إخفاقات في التعاطي مع أطراف العملية السياسية في المغرب، وعلى رأسها النخبة الملكية وكبار ملاك الأراضي ووجهاء القبائل، بالإضافة لكبار موظفي الدولة، والذي يُطلق عليهم في الدارجة المغربية مصطلح “المخزن”.

وعقب إعلان النتائج التي أتت عبر تصويت ما يتجاوز الــ50% ممن يحق لهم الاقتراع، اجتمع العاهل المغربي مع أخنوش لتكليفه رسمياً بتشكيل الائتلاف الحكومي القادم، الذي أشار الأخير بأنه سيكون “منسجم ومتماسك” للتمكن من التصدي للتحديات المتنوعة التي تواجهها المغرب، لاسيما وباء كورونا وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، بخلاف تسيير “النموذج التنموي“ الذي أطلقه ملك المغرب في وقت سابق هذا العام، والذي حدد عام 2035 كعام لاكتمال تنفيذه على مستويات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، بما في ذلك إعادة هيكلة النظام الضريبي والمصرفي الحكومي، عبر صناديق سيادية استثمارية.

وتعكس الانتخابات الخامسة منذ تولي العاهل المغربي، محمد السادس، 1999، والثالثة منذ تعديل الدستور المغربي 2011، تمكن القصر من هندسة مخرجات الانتخابات البرلمانية وفق ما يتماشى مع أولويات السياسة المغربية، في توقيت تشهد فيه البلاد تحديات على مستويات اقتصادية وصحية وأمنية، ليس أخرها ما أشار إليه الملك في خطابه قبل 3 أسابيع، بـ”تحديات وأزمات غير مسبوقة”، وخاصة على مستوى الخارج، حيث توتر العلاقات مع كل من الجزائر وإسبانيا، ناهيك عن ملف الصحراء المغربية، وتقاطع ذلك مع تعقيدات مستقبل خارطة الطاقة جنوب المتوسط وشمال أفريقيا.

فمنذ تعديل الدستور المغربي عام 2011، لاستيعاب موجة ما عُرف بـ”الربيع العربي”، ويتحفظ المخزن على تفعيل ما أقره هذا التعديل من تحول المغرب إلى ملكية دستورية برلمانية على غرار الأنظمة الملكية الأوربية، والإبقاء على عدة محددات تمكن القصر من تطبيق إرادته بغض النظر عن صندوق الاقتراع، أهمها تعيين الحقائب الوزارية السيادية، والتصديق على توزيع باقي الحقائب بين مكونات الائتلاف الحكومي، وهو ما دفع بن كيران للإذعان بالإعفاء2017، وتعيين العثماني محله، وقيادته لائتلاف حكومي كان لحزب أخنوش الذي حاز في انتخابات 2016 37 مقعد فقط، الحقائب الاقتصاديةالأهم في الحكومتين التي قادهم العثماني.

وفيما اعتبر متخصصين ومتابعين للشأن المغربي بأن نتيجة الانتخابات الأخيرة لم تكن مفاجأة إلا من ناحية ثقل الهزيمة التي مُنيَ بها العدالة والتنمية، والذي ارتد اثارها على الانقسام الذي يشهده الحزب بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، ووصول ذروة هذا الانقسام لتقزم حزب الأغلبية على مدار سنوات لحدود غير مؤثرة في المشهد السياسي المغربي، والتحاقه بمصير النهضة التونسي، مع فارق هام ومؤثر، وهو حدوث ذلك في المغرب عبر صناديق الاقتراع.

أما خسارة العدالة والتنمية لرئاسة الائتلاف الحكومي في الانتخابات الأخيرة، فهو أمراً كان متوقعاً بشكل كبير وعبر مشاهد ومواقف ليس أبرزها فرار العثماني من لقاء جماهيري والهتاف ضده، ولكن مع افتراض الحزب سوف يحافظ على موقعه كمكون رئيسي في خارطة السياسة المغربية، عبر كتلة برلمانية معتبرة تؤهله للاحتفاظ بحقائب وزارية وازنه.

إلا أن ما حدث كان معاكساً للفرضية السابقة، و كنتيجة منطقية تناسب مسار الإخفاقات التي تمعن فيها الحزب بشكل مطرد في السنوات الأخيرة وتحديداً منذ تشكيل حكومة العثماني الثانية؛ حيث شكل فشل هذه الحكومة في التصدي لأزمة كورونا وتبعاتها الاقتصادية، وتدخل القصر عبر إجراءات استثنائية مكنت أخنوش وحزبه من قضم حصة كبيرة من مقاعد العدالة والتنمية عبر صناديق الاقتراع، ومن ثم جاء تصويت المغاربة بشكل عقابي تعزز أثره على هذا الحزب -دون غيره- عبر التعديل الذي أدخل على قانون الانتخابات مطلع العام الجاري، والذي نص على احتساب أصوات المسجلين في الكشوف الانتخابية وليس اقتراع حر مباشر، لتقطعهذه العوامل ما تبقى من صلات انتزعت بشكل مطرد بين الحزب وبين قواعده الجماهيرية الشعبوية والمؤدلجة، وتحولها لعلاقة زبونيةساوت ما بين الحزب ذو المرجعية الإسلامية التي ساعدته على تصدر المشهد السياسي المغربي على مدار العقد المنصرم، وما بين أقرانه من الأحزاب مختلفة المشارب والاتجاهات في نظر الشارع المغربي.

دلالات

ويدل السابق على نمط استثمار وتوظيف المخزن في أخطاء العدالة والتنمية بشكل مدروس وتدريجي، جعل من كل قضية خلافية بمثابة اختبار لشعارات وتوجهات الحزب الإسلامية المحافظة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر أتى تعاطى الحزب مع ملفات وقضايا تشريع الحشيش وبقاء اللغة الفرنسية كلغة للتعليم وتطبيع العلاقات رسمياً مع إسرائيل، معاكساً لخطابه الايدلوجي والسياسي والدعائي الذي أوصله لترأس الحكومة على مدار العقد الماضي بدون فاعلية أو حكم حقيقي اللهم في مظاهر الفساد والمحسوبية. فيما تجنبت الدولة المغربية ممثلة في القصر ومنظومة الحكم الملكية ذات الخصوصية الدينية -يلقب العاهل المغربي بأمير المؤمنين- الصدام السياسي والاجتماعي والأمني مع الحزب، حال اتخاذ إجراءات استثنائية مشابهه لما حدث في تونس وقبلها مصر، قاطعة الطريق على مسار استقطاب هوياتي واجتماعي وخطاب مظلومية المفضل لدى الإخوان لاستمرار بقاءهم، حيث أن الإطاحة بهم في المغرب أتت عبر صندوق الانتخابات.

ويتأكد هذا الأمر عبر متابعة ردود فعل ومواقف رموز العدالة والتنمية، والتي أتت في معظمها كمحاولة لامتصاص الصدمة من أجل البقاء، وإن كان ذلك عبر 13 مقعد ليس من المتوقع أن يشكلوا تأثير على مجريات المشهد السياسي الداخلي في المغرب خلال المدى المنظور، وهو ما توازى مع إبراز جبهة بن كيران أن سبب الهزيمة الثقيلة التي لحقت بحزبه في هذه الانتخابات هو شخص وسلوك وطريقة إدارة العثماني، وليس تراكم إخفاقات الحزب على مدار 10 سنوات، وانفجارها بشكل متسارع منذ بداية تفشي وباء كورونا.

وكمحصلة عامة، فإن مشهد السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة يعكس توجهاً إقليمي نحو طي صفحات مخاطر وفوضى العقد الماضي، وذلك عبر اقصاء الإخوان بكل صيغهم واختلافاتهم وتبايناتهم من المشهد السياسي في شمال أفريقيا، وذلك ليس فقط بناء على اخفاقاتهم الذاتية على مختلف المستويات، ولكن عدم مناسبتهم لتحديات وتعقيدات المستقبل القريب وخاصة على مستويات إقليمية ودولية لم يعد لهم فيها موقع كأدوات لإدارة الصراع والمواءمات بين الدول، وهو الدور الوظيفي الرئيسي لجماعات الإسلام السياسي وخاصة في شمال أفريقيا، الذين باتوا على مشارف “تيه سياسي قد يستمر لعقود قادمة”، حسبما توقعت نيويورك تايمز في تعليقها على الانتخابات الأخيرة في المغرب.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية