إخوان الشتات البريطاني في مواجهة مفتي مصر

إخوان الشتات البريطاني في مواجهة مفتي مصر


22/05/2022

قوبلت الزيارة التي قام بها مفتي الديار المصرية، الدكتور شوقي علام، إلى المملكة المتحدة، بردود أفعال عدوانية ومكثفة من قبل الأذرع الإخوانية في بريطانيا، ما يعكس مدى توجّس الجماعة من تلك الزيارة، لما يمكن أن يترتب عليها من ضغوط سياسيّة، قد تؤثر على وضعية مكتب الجماعة في لندن، الذي بات يمثل مركز الثقل الرئيسي للإخوان المسلمين، في ظل التضييق الذي أصبحت الجماعة تعاني منه في عدة دول أوروبية.

منذ الإعلان عن الزيارة، تحركت المجموعات الإخوانيّة على أكثر من محور، الأول: استباقي؛ بتنظيم وقفات احتجاجيّة، وممارسة ضغوط هائلة على الشخصيات العامة، التي أُعلن عن عزمها استقبال فضيلة المفتي، والثاني: دعائي؛ بزعم أنّ الأخير وقّع على مئات الأحكام بالإعدام بحق نشطاء سياسيين، دون الدخول إلى تفاصيل تلك الأحكام، وأنّها صدرت بحق إرهابيين، تورطوا في أعمال القتل والتدمير.

كانت دار الإفتاء المصرية، قد أعلنت قبل مغادرة المفتي إلى لندن، أنّ علام سوف يلقي خطاباً أمام مجلس العموم ومجلس اللوردات، وسيجتمع مع عدد من كبار السياسيين في المملكة المتحدة، كما أعلنت أنّه سوف يلقي عدة محاضرات وندوات، في عدد من المنتديات ومراكز البحث البريطانية.

أكاذيب دعائية وانتصارات زائفة

مارست الأذرع الإخوانية ضغوطاً هائلة على أعضاء مجلس العموم، وعلى بلدية لندن، وشارك أنصار الجماعة في توقيع رسالة مفتوحة، تتهم المفتي بانتهاك حقوق الإنسان؛ بزعم موافقته على عمليات الإعدام، منذ تعيينه مفتياً عاماً، قبل ما يقرب من عقد من الزمان.

ومنذ الإعلان عن الزيارة، تحركت رابطة مسلمي بريطانيا (ماب)، أحد أبرز المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين، وأعلنت على لسان المتحدث الرسمي، مصطفى الدباغ، أنّها "شعرت بالذهول، عندما علمت أنّ علام قد دُعي للتحدث إلى البرلمان البريطاني". وأضاف: "هذه الدعوة غير مقبولة حقاً، علينا أن نفترض أنّ كل من دعاه إلى المملكة المتحدة، ببساطة لا يعرف عدد الأبرياء، الذين سهل هذا الرجل موتهم". وأردف: "يجب إلغاء الدعوة، ولا يجب الترحيب به في مؤسساتنا".

منذ الإعلان عن الزيارة، تحركت المجموعات الإخوانيّة على أكثر من محور

ونتيجة للضغوط الإخوانية، قالت متحدثة باسم مجلس العموم البريطاني، إنّه ليس لديها أيّ "معلومات حول زيارة المفتي للمملكة المتحدة، رغم قوله إنّه تمت دعوته إلى البلاد"، وشكك تقرير صادر عن موقع Middle East Eye، في إمكانيّة حدوث الزيارة، زاعماً أنّه "لم تتم دعوة مفتي مصر؛ للتحدث في البرلمان البريطاني"، وهو ما التقطته المنابر الإخوانية بشكل دعائي، وراحت تروج له في مختلف وسائل الإعلام؛ رغبة في دفع الجهات المختصة تجاه إلغاء الزيارة.

وفي هذا السياق، قالت هانا أوليسون، مسؤولة العلاقات الإعلامية في مجلس العموم البريطاني، لموقع Middle East Eye إنّ البرلمان "ليس لديه المزيد من المعلومات، حول زيارة علام إلى المملكة المتحدة". وقال الموقع نفسه إنّ علام "تلقى دعوة من المجموعة البرلمانية الشاملة للأحزاب بشأن مصر". وزعم أنّها "مجموعة غير رسمية ومتعددة الأحزاب، شكّلها نواب وأعضاء مجلس اللوردات المهتمين بمصر، وليس لها وضع رسمي داخل البرلمان".

 

مارست الأذرع الإخوانية ضغوطاً هائلة على أعضاء مجلس العموم، وعلى بلدية لندن، وشارك أنصار الجماعة في توقيع رسالة مفتوحة، تتهم المفتي بانتهاك حقوق الإنسان

 

ويبدو أنّ فشل الإخوان وحلفائهم في منع الزيارة، دفعهم نحو محاولة التقليل من شأنها، ومن شأن الجهة الداعية لها. بينما أكد بيان صحفي صادر عن مكتب علام، أنّ زيارة المفتي جاءت بعد "دعوة رسمية من البرلمان البريطاني". وأنّه "من المتوقع أن يلقي كلمة أمام مجلس العموم ومجلس اللوردات".

بعد هذا الفشل الإخواني في منع الزيارة، ضغط الإخوان بكامل ثقلهم السياسي والمالي على بلدية لندن، لمنع مقابلة مفترضة بين عمدة العاصمة والمفتي، إلا أنّ المتحدث باسم رئيس البلدية، كشف أنّه لا توجد خطط لعقد لقاء بين الاثنين من الأصل، واستطرد قائلاً: "لا يعتزم العمدة مقابلة مفتي مصر خلال زيارته إلى المملكة المتحدة، أعتقد أنّ المفتي الأكبر قد تلقى دعوة من مجموعة برلمانية من جميع الأحزاب، لكن العمدة ليس له أيّ دور في ذلك".

وربما يكشف ذلك نهجاً إخوانياً رديئاً، يبدأ بافتراض وجود معركة غير موجودة من الأساس، وممارسة دعاية واسعة، تنتهي بانتصار وهمي، تراكم به الجماعة إنجازاتها الزائفة.

رد القائم بالأعمال يعكس ارتباك الجماعة

تلقّى مفتي الديار المصرية، ترحيباً رسمياً عند وصوله إلى المملكة المتحدة، حيث استقبله وفد من وزارة الداخلية، وتمت حمايته بمراقبة أمنية خاصّة، ونشرت وسائل الإعلام المختلفة لقطات لموكب يرافق علام إلى لندن.

من جهته، وبعد الخطاب الذي ألقاه المفتي في البرلمان البريطاني، ادعى نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والقائم بالأعمال، إبراهيم منير، أنّ ما ورد في كلمة المفتي، عبارة عن "افتراءات وأكاذيب".

 

تلقى مفتي الديار المصرية، ترحيباً رسمياً عند وصوله إلى المملكة المتحدة، حيث استقبله وفد من وزارة الداخلية، وتمت حمايته بمراقبة أمنية خاصّة

 

منير خاطب أعضاء مجلس العموم قائلاً: "أكتب إليكم اليوم، حول العرض الذي قدمه مفتي مصر في 17 أيّار/ مايو 2022، للمجموعة البرلمانية عن مصر، بُني العرض على أكاذيب صادمة حول جماعة الإخوان، والتي تلتزم التزاما تاماً بالسلمية، والديمقراطية، وترفض التطرف والعنف رفضاً لا يساويه شيء".

ويعكس هذا التعميم الفضفاض نوعاً من الارتباك الحقيقي، ذلك أنّ تقرير المفتي اشتمل على وقائع بعينها، مثبتة وموثقة، تؤكد تورط الإخوان في ممارسة العنف والإرهاب، ما يعني أنّ القائم بالأعمال لا يمتلك أيّ دفوع حقيقية، عن الجرائم التي اقترفتها جماعته.

 نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والقائم بالأعمال، إبراهيم منير

منير اتهم الجيش والشرطة باستخدام العنف المفرط، وزعم أنّ ما ورد في تقرير المفتي يناقض "حقيقة مساهمة الإخوان في المجتمع المدني، على مستويات متعددة على مدار عقود، وكذلك التزامهم بالعملية الديمقراطية، من خلال الدفع بمرشحيهم للبرلمانات". بحسب قوله.

وأردف: "نظام السيسي كما الأنظمة السلطوية الأخرى، يحتاج شبحاً، وقد اختار جماعة الإخوان لهذا الدور. إنّه يروج بشكل متزايد للخوف من خلال إعلام تديره الدولة، وعليه يروج لشروخ مجتمعية في المجتمع المصري؛ ليستطيع التحجج بها لمحاكمة الجماعة وإعدام أفرادها".

 

يبدو أنّ إبراهيم منير يصر على تجاهل حقيقة هامّة، وهي أنّ الجماعة التي ماتت إكلينيكيا، وضربها الانقسام والفساد، لم يعد أحد يهتم بجعلها فزاعة، وأنّ الشعب الذي لفظها، تجاوزها الآن تماماً

 

ويبدو أنّ إبراهيم منير يصر على تجاهل حقيقة هامّة، وهي أنّ الجماعة التي ماتت إكلينيكيا، وضربها الانقسام والفساد، لم يعد أحد يهتم بجعلها فزاعة، وأنّ الشعب الذي لفظها، تجاوزها الآن تماماً، ولم يعد أحد يهتم بشأنها في مصر، سوى على الصعيد الأمني، وأنّ الصراع الحقيقي الذي تخوضه الجماعة الآن، يتركز في دول الغرب، التي أدركت أخيراً الخطر القائم خلف التنظيم، الذي يكرس لكل قيم العزلة والانفصالية والكراهية.

وكشف إبراهيم منير في رده، توجساً من إمكانية حظر الجماعة في مركز ثقلها الأخير، حيث أبدى تأكده، بشيء من التوتر، "من أنّ أعضاء مجلس العموم البريطاني، على اطلاع أنّها ليست المحاولة الأولى لحظر جماعة الإخوان؛ فالمحاولة الأولى أدّت لمراجعة طالب بها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، ولجلسة مراجعة برلمانية تابعة". زعم أنّها برأت الإخوان.

 

مواضيع ذات صلة:

كيف يؤثر تقرير مفتي مصر على موقف الحكومة البريطانية من جماعة الإخوان؟

دراسة حديثة تكشف دور الإخوان في تشكيل الجماعات المتطرفة في بريطانيا

الشبكة الإخوانية في بريطانيا.. توسع رغم الحصار الأوروبي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية