إخوان المغرب يتصدّعون: لماذا صار بنكيران محطّ السخرية الشعبية؟

إخوان المغرب يتصدّعون: لماذا صار بنكيران محطّ السخرية الشعبية؟


21/03/2021

لم يكد يمضي أسبوع على الرسالة الخطية التي نشرها الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية الإخواني، ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، بالاستقالة من الحزب، وقطع علاقته الشخصية برئيس الحكومة، والأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، وقيادات ووزراء إخوان، على خلفية تصديق الحكومة على مشروع قانون تقنين القنب الهندي، حتى عاد برسالة خطية يعلن فيها تراجعه عن قطع علاقاته بالعثماني والقيادات الأخرى، بعد وساطة حزبية.

وأثار التخبّط والتراجع من بنكيران سخرية المتابعين في المغرب، كون الشخص الذي أدار المغرب في سنوات استثنائية يتصرف دون مسؤولية، وبانتهازية تامّة، ويُزايد في قضية تشغل المجتمع، لتحقيق مكاسب شخصية.

تقنين القنب الهندي

وفي 25 من الشهر الماضي، ذكرت الحكومة في بيان، أنّها تدرس مشروع قانون قدمه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، يتعلق "بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي"، على أن تستكمل دراسته والمصادقة عليه خلال اجتماعات المجلس الحكومي المقبلة.

رسالة خطية من بنكيران يعلن فيها استقالته من البيجيدي وقطع علاقته بالعثماني وآخرين

وأثار مشروع القانون جدلاً سياسياً وأخلاقياً واسعاً في المغرب، يقوده حزب العدالة والتنمية الإخواني الحاكم، (البيجيدي) الذي يواجه الاختبار الثاني للاختيار بين المبادئ الإخوانية أو الواقع العملي، بعد الاختبار الأول، وهو التطبيع.

ويرفض بنكيران فتح نقاش تقنين "الكيف"، وأكّد في تصريحات سابقة، أنّ دعاوى تقنين زراعة القنب الهندي "دمار للأمة بكاملها وخطر لفكر انفصالي لا قدر الله".

ويستمد الحزب قوته الانتخابية من ترويج المبادئ الدينية، واحتكار خطاب الإسلام في البلاد، ما يفرض عليه الالتزام بهذه المبادئ، ومنها رفض التطبيع ومشروع قانون تقنين القنب، أو التخلي عن المبادئ المرفوعة، وإعلان عدم صلاحيتها لتدبير الشأن العام في المجتمعات العربية.

يعيش إخوان المغرب تصدعاً داخلياً كبيراً على خلفية توقيع الأمين العام لحزبهم، ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل

لكن بدلاً من الاتساق الذاتي لإخوان المغرب، الذي يهدّدهم بالخروج من معادلة السلطة، أو التخلي عن الأيديولوجية الدينية الانتخابية، لجأ إخوان المغرب إلى خلق معارك حزبية داخلية، لمنع انصراف كتلتهم الانتخابية عنهم، عبر خلق بدائل لتنفيس الغضب تدور في فلك الحزب، مثلما يحدث اليوم من صراع بين الأمين العام، سعد الدين العثماني، والأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، الذي لا يعدو كونه متنفساً داخلياً للحفاظ على الكتلة التصويتية دون اهتمام للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لمشروع قانون تقنين القنب الهندي.

وينصّ القانون على تقنين زراعة واستعمال النبتة للأغراض الطبية والصناعية، في مناطق الريف في شمال المغرب، والتي تشتهر تاريخياً بزراعة هذه النبتة، وتعدّ عماد اقتصادها.

وكان بنكيران قد هدّد بالانسحاب من الحزب إذا ما صادق المجلس الحكومي على مشروع القانون، وهو الأمر الذي أقدم عليه، عقب مصادقة المجلس على القانون، في جلسة بتاريخ 11 آذار (مارس) الحالي.

اقرأ أيضاً: الاستقالات: كارت إخوان المغرب لخداع الناخبين

ونشر بنكيران رسالة خطية، أعلن فيها؛ تجميد عضويته في حزب العدالة والتنمية، وقطع علاقاته مع سعد الدين العثماني ومصطفى الرميد ولحسن الداودي وعبد العزيز الرباح ومحمد أمكراز، وهم أعضاء في المجلس الحكومي عن الحزب.

بعد أسبوع تراجع بنكيران عن القطيعة مع العثماني والوزراء الإخوان

وعقب تصديق المجلس الحكومي على مشروع القانون، سيُحال للتصويت العام في مجلس النواب، ويعدّ شكلياً بعد تصديق مكوّنات الحكومة، والتي تمثّل الأغلبية في البرلمان، فضلاً عن تأييد المعارضة للقانون.

انتهازية بنكيران

وبعد مرور أسبوع على رسالة القطيعة الخطية لبنكيران، عاد ونشر أخرى تضمنت التراجع عن القطيعة مع العثماني والقيادات الإخوانية، مع الإبقاء على تجميد عضويته في الحزب.

وقال بنكيران، في رسالته التي نشرها على حسابه الرسمي على موقع "فيسبوك": "إكراماً للأخوين الأستاذ عبد الرحيم الشيخي والدكتور عز الدين توفيق، واستجابة لطلبهما، أعلن أنا الموقع أسفله عبد الإله بنكيران التراجع عن قرار قطع العلاقات مع السادة الواردة أسماؤهم في البلاغ السابق، مع تأييد الباقي".

وأثارت الطريقة التي يُدير بها أهم شخصية في حزب العدالة والتنمية الحاكم الخلاف السياسي موجة من الغضب والسخرية بين أوساط المتابعين، بعد أن كشفت تهافت العقلية الإخوانية التي تدير البلاد، وغياب الإطار المؤسسي في إدارة الخلافات، واتباع نهج جماعة دعوية في إدارة الأزمات، وهو النهج الذي لا يصلح لحزب يدير الحكومة، في مرحلة مفصلية من تاريخ المغرب الحديث.

اقرأ أيضاً: إخوان المغرب: البقاء في السلطة على حساب المبادئ والشعارات

ويرى الباحث المغربي في العلوم السياسية والكاتب الصحفي، نور الدين اليزيد؛ أنّ إصدار بنكيران ثلاث رسائل في ظرف أسبوع، وبطريقة متسرعة، يضع المتتبع للشأن السياسي في المغرب أمام حقائق مرة وصادمة، حول السياسي المغربي.

ويردف اليزيد، في حديثه لـ "حفريات"؛ بأنّ أول هذه الحقائق؛ "افتقاد السياسي المغربي لواجب التحفّظ الذي يلزم رجل السياسة بعدم المجازفة، لا سيما في القضايا والملفات الوطنية ذات الحساسية والإجماع، أو على الأقل ذات الاهتمام الشعبي الكبير، وما يكشف تميز سياسيينا بقدر كبير من الصفاقة والوقاحة الصارخة، التي تضرب كلّ المؤسسات الوطنية والحزبية بعرض الحائط، وتنتصر للجانب الانتهازي في ممارسة السياسة، على حساب استخدام جانب الحكمة والرشد".

اقرأ أيضاً: المغرب في مواجهة المد الجهادي في الساحل الأفريقي

ويعالج الباحث اليزيد مواقف بنكيران المتضاربة من زاوية صدق المرجعية الإسلامية التي يتشدق الإخوان بها، ويرى أنّ "مواقفه تدقّ مسماراً آخر في نعش شيء اسمه الأيديولوجيا أو المرجعية الإسلامية، فشطحات هذا الرجل لا هي من مبادئ الرجل المؤمن والمتّبع لمبادئ الإسلام القائمة على الحِلم، ودرء المفسدة من أجل المصلحة، ونبذ الشقاق، خاصّة داخل جماعة المسلمين، ولا هي إضافة لقيمة ما راكمه الحزب طيلة أزيد من ثمانية أعوام في تدبير الشأن العام".

الباحث المغربي في العلوم السياسية والكاتب الصحفي، نور الدين اليزيد

ونوّه اليزيد إلى أنّ ما فعله بن كيران، يسيء إلى "الدولة أمام الخارج، لكنّه في الوقت ذاته يعكس تراجع مكانة البيجيدي، ما دامت قياداته من طينة بنكيران يغيّرون مواقفهم كما يغيّرون ألبستهم".

رهان الإخوان الأخلاقي

ولم يتمكّن حزب العدالة والتنمية من تأجيل مناقشة مشروع قانون القنب الهندي لما بعد الانتخابات التشريعية، المزمع إجراؤها العام الجاري، هرباً من تأثير القانون على الصورة الأخلاقية التي يُسوّق الحزب نفسه بها أمام الناخبين، باعتبار أنّ نبتة القنب هي من المخدرات.

وأخفقت محاولات البيجيدي في رفع القانون إلى المجلس العلمي الأعلى، المعنيّ بالفتوى في المغرب، وكان الحزب يريد رفع الحرج الأخلاقي عن نفسه، عبر الحصول على رخصة دينية من أعلى إدارة للفتوى في البلاد، لكن مصادر حكومية أكدت أنّ مشروع القانون عمل حكومي خالص.

الباحث السياسي المغربي، نور الدين اليزيد، لـ "حفريات": مواقف بنكيران تدقّ مسماراً آخر في نعش شيء اسمه الأيديولوجيا أو المرجعية الإسلامية

وأشار نور الدين اليزيد إلى أنّ "حزب العدالة والتنمية وجد نفسه معزولاً في الزاوية الضيقة، بعد أن تكتّلت جلّ الأحزاب الممثلة في البرلمان، أغلبية ومعارضة، من أجل تمرير مشروع القانون هذا بالنظر، لما حمله من مزايا وامتيازات، ستخدم أولاً المزارعين الذين تعدّ زراعة هذه العشبة الممنوعة مصدر رزقهم الوحيد تقريباً في مناطق كتامة ونواحيها، التي لا تصلح إلا لهذه الزراعة، كما سيساهم هذا القانون المتوقع في تنمية بعض الصناعات، خاصة المتعلقة بالمواد الصيدلية، والتجميلية وغيرها".

ويعيش إخوان المغرب تصدعاً داخلياً كبيراً، على خلفية توقيع الأمين العام لحزبهم، ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والتي تسبّبت في انشقاقات واستقالات داخل الحزب، وهجوم كبير من الكتلة الانتخابية، والإسلام السياسي في العالم.

وجاء قانون تقنين القنب الهندي ليزيد من التشظي والتخبط داخل البيجيدي، وفي وقت يقترب الاستحقاق الانتخابي، وفق قانون انتخابي جديد، يعتمد على القاسم الانتخابي الجديد الذي جرى التصويت عليه، في ظلّ معارضة البيجيدي.

فوائد اقتصادية واجتماعية وأمنية من وراء قانون تقنين القنب الهندي

وتسبّبت أيديولوجية الحزب الجامدة في دخوله في صراع مع الدولة والشعب، على خلفية تقديم المبادئ الجامدة على حساب إدارة الشأن العام المتغير، الذي يتطلب مرونة وفهماً لكلّ قضية على حدة، وفق سياقاتها المتعددة.

وتصدّر حزب العدالة والتنمية الإخواني (بيجيدي)، بزعامة عبد الإله بنكيران، نتائج الانتخابات في الدورة التشريعية الأولى، عام 2011، بعد التعديل الدستوري، وحصل على 27% من مقاعد البرلمان، بعدد 107 مقاعد.

وفاز الحزب في الدورة التشريعية الثانية بزعامة بنكيران، معززاً حصته بالحصول على 125 مقعداً. وجرى استبدال بنكيران من تشكيل الحكومة بعد إخفاقه في التوافق مع الأحزاب، وتولى خلفاً منه، سعد الدين العثماني، حتى اليوم، ومن المقرر أن تُعقد الانتخابات التشريعية خلال العام الجاري.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية