إدانة واسعة لسحب جائزة ألمانية من كاتبة بسبب دعمها الفلسطينيين

إدانة واسعة لسحب جائزة ألمانية من كاتبة بسبب دعمها الفلسطينيين


24/09/2019

أثار موجةً من الاحتجاجات قرارُ هيئة تحكيم جائزة ألمانية تحمل اسم الأديبة اليهودية، نيلي زاكس، بسحب الجائزة لهذا العام من الكاتبة الباكستانية البريطانية، كاميلا شمسي؛ لمواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني والداعية لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي. وانتقد مثقفون وأكاديميون ومنابر حقوق الإنسان الأوروبية، مثل: "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" هذا القرار الذي يضفي شرعية على الاحتلال الصهيوني.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع الجوائز الأدبية أن تصنع نجوماً؟
وكانت الجائزة، التي تأسّست عام 1961، في مدينة دورتموند الألمانية، قد مُنِحت لشمسي في السادس من أيلول الجاري، بقرار من لجنة تحكيم مكوّنة من ثمانية أعضاء، وبقيمة تبلغ 15 ألف يورو، ليأتي ضمن التزكية التي نالتها شمسي، المولودة في كراتشي عام 1973؛ أنّ كتاباتها "تبني الجسور بين المجتمعات"، ولتعاوِد اللجنة سحب الجائزة، بعد علمها بنشاط شمسي في حركة "بي دي إس" الداعية لمناهضة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومقاطعته ونصرة الفلسطينيين.

موقف الأورومتوسطي الرافض للتصرّف الألماني الذي حدث يعدّ دليلاً آخر على كون سحب الجائزة ينطوي على تمييز وعنصرية

بدورها، وصفت شمسي، كاتبة الروايات ذائعة الصيت: "الظلال المحترقة"، و"الملح والزعفران"، و"في المدينة بجوار البحر"، القرار بـ "انحناء هيئة المحلّفين أمام الضغط"، وبـ "المسألة المثيرة للغضب". وتابعت: "في الانتخابات الإسرائيلية، التي اختتمت لتوّها؛ أعلن بنيامين نتنياهو خططاً لضمّ ما يصل إلى ثلث الضفة الغربية، بما يتعارض مع القانون الدولي، واعترض منافسه السياسي بيني غانتز، فقط لأن نتنياهو سرق فكرته، وقد جاء هذا بعد مقتل اثنين من المراهقين الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية، وهو أمر أدانه منسّق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط ووصفه بالمروّع".
وكان موقع "حفريات" قد استطلع آراء عدد من الأكاديميين والمثقفين حيال سحب جائزة "نيلي زاكس" من الكاتبة الباكستانية البريطانية، كاميلا شمسي؛ لمؤازرتها حركة "بي دي إس"، التي وصفها البرلمان الألماني، في أيار (مايو) الماضي، بالحركة "المعادية للسامية".

فيما يلي بعض الآراء حول القضية المثارة:
عزم: حملة لتأكيد شرعية النضال الفلسطيني

أستاذ الدراسات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بيرزيت، الدكتور أحمد عزم، قال: "في الواقع، حتى الناشطون الفلسطينيون في المقاومة الشعبية السلمية، ونشطاء المقاطعة داخل فلسطين، يشعرون بحجم الضغوط ضدّ "بي دي إس"، وبات بعض المتضامنين العالميين يرتعبون من إعلان تأييدهم للمقاطعة، ويبلغون أصدقاءهم الفلسطينيين بضرورة ابتعادهم عن الظهور كمن يدعم المقاطعة، وهذا نتيجة "حرب" تشنّها وزارة متخصصة هي وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، ومراكز بحث، وشركات علاقات عامة، مهمّتها شيطنة "بي دي إس"؛ ذلك أنّ الحملة تضع العالم أمام ضرورة فعل شيء لوقف الاحتلال، فيما الحركة الصهيونية، تسعى لتثبيت "شرعيّة" حتى احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، تمهيداً للضمّ.
العرب والفلسطينيون مطالبون بحملة تؤكد شرعية النضال الفلسطيني، وتدافع عن مكانة الأسير الفلسطيني، وتدافع عن حقوق النضال بمختلف أشكاله، ومن ضمنه المقاطعة، وإلا ستكون هناك نتائج سياسية وخيمة قريباً".
ساري: الاحتكام لمقاييس مزدوجة
أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، ورئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع؛ الدكتور حلمي ساري أكد أنّ "حرمان الكاتبة كاميلا شمسي من جائزة تستحقها هو نوع من التمييز والإجحاف والعنصرية التي تمارسها المؤسسات الأكاديمية الغربية حيال من يؤمن بحقوق الفلسطينيين، وأوّلها حقّ المقاومة ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي، وما حدث يعني الاحتكام لمقاييس مزدوجة، وفيه إخفات أيّ صوت يؤازر الفلسطينيين، ويعود هذا للتأثير الذي تمارسه المنظمات الصهيونية، ومن لفّ لفها، على لجان التحكيم، والتي تخاف من اتهامها بمعاداة السامية. على الكاتبة أن ترفع قضية على القائمين على هذه الجائزة، وألا تستسلم، وأن تعرّي العنصرية، التي حدثت، أمام الرأي العام العالمي".
الجائزة الألمانية تحمل اسم الأديبة اليهودية نيلي زاكس

عثامنة: لوبيّات الإقصاء تسيطر على الجائزة
الإعلامي والكاتب، المقيم في بلجيكا، مالك عثامنة، قال إنّ "المفارقة تكاد تكون مفضوحة بين الجائزة التي تحمل اسم سيدة تعرضت للاضطهاد في حياتها، كونها يهودية صاحبة موقف، وبين موقف هيئة الجائزة التي تمارس ذات الاضطهاد والإقصاء. نيلي زاكس، الأديبة النوبلية، كانت ضحية إقصاء تاريخي بشع، وقد استطاعت بإبداعها أن تعكس كلّ ذلك الإقصاء، والأحرى أن تكون الجائزة التي تحمل اسمها فضاء لمواجهة الاضطهاد، لكنّ العكس هو ما حصل؛ فلوبيّات الإقصاء سيطرت على الجائزة، واختطفت اسم زاكس، لتمارس القمع ضدّ كاتبة بريطانية من أصل باكستاني؛ لمجرّد أنّ لها موقفاً ضدّ آخر احتلال على وجه الكوكب.

اقرأ أيضاً: الكاتبة السويدية جولبارج باشي تحتفي بـ "الأبجدية الفلسطينية" فتتهم بمعاداة السامية
النزاع قائم، وما يزال، دون حلّ، وهذا يفترض بالضرورة وجود مواقف سياسية بين أطراف الصراع، كان على الجائزة والقائمين عليها ألّا يتورّطوا في التخندق فيها، والجائزة أهانت ذكرى ونضالات الاسم الذي تحمله قبل كلّ شيء".

العباس: الأصل التجرد والابتعاد عن المواقف السياسية
أستاذ اللغة الإنجليزية في الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس الرابطة الأردنية للمترجمين واللغويين التطبيقيين؛ الدكتور سليمان العباس، رأى أنّ "الأصل في مثل هذه الأنشطة أن يكون تقييمها بتجرّد وبمعزل تام عن السياسة والمواقف والآراء الشخصية للمشاركين في أيّة مسابقة أو نشاط، وبصراحة أقول: إنّ كثيراً من الإسرائيليين أنفسهم لا يُقحمون المواقف الشخصية في أمور مدنيّة بحتة، وهذا ما كنّا نلاحظه خلال فترة دراستنا في الدول الأوروبية؛ حيث يتعامل المشرفون اليهود مع الطلبة العرب والفلسطينيين على أسس الكفاءة العلمية فقط، بل كانوا في مرّات يتعمّدون هذا؛ لإلغاء أيّ سوء نية مفترض؛ لذلك أرى أنّ الذين حرموا الكاتبة وجرّدوها من الجائزة، أرادوا أن يكونوا "ملكيّين أكثر من الملك"، بحسب المثل العربي".
عبد العزيز: سقطت الجائزة سقوطاً مدوّياً
الشاعر والكاتب يوسف عبد العزيز أعرب عن حزنه البالغ "أن يتلوّث الوسط الثقافي الغربي بالأكاذيب، أو بالأساطير المضلّلة التي تطلقها الصهيونية، لقد أصبحت هذه الضلالات بمثابة السيف المسلّط على أعناق الكتّاب والمثقفين في العالم؛ فمحاولة انتقاد الكيان الصهيوني، وجرائمه المرعبة بحقّ الشعب الفلسطيني، من قِبَل أيّ كاتب، يُعدّ "إساءة للسّاميّة"، ممّا يجعله عرضةً للمحاكمة، ولإيقاع أشدّ العقوبات به، كالسّجن والغرامة والطّرد من العمل؛ إنه قانون الغاب إذاً، والهدف من ورائه هو المحافظة على هذا الكيان الفضيحة، الكيان الصهيوني المجرم، الذي أقام دولته المارقة على أرض فلسطين التاريخية، ويتطلّع للاستيلاء على المنطقة من أجل إقامة ما يسمّى "دولة إسرائيل الكبرى"، والذي يقوم على مدار السّاعة أيضاً، بخرق القانون الدولي، سواء بقتل المواطنين الفلسطينيين واعتقالهم، أو بهدم البيوت الفلسطينية وتجريف الأشجار، وهكذا؛ فقد أخطأت لجنة الجائزة خطأ فادحاً حين سحبت الجائزة التي كانت قد منحتها للروائية كاميلا شمسي، وكان من المفترض بها ألا تخضع لابتزاز الأصابع الصهيونية، التي من المؤكّد أنّها أملت على أعضاء اللجنة قرارها.
إنّ الثقافة بشكل عام، والمؤسسات الثقافية في أنحاء العالم، ينبغي أن تنتصر للحرية والديمقراطية والجمال، وأن تقف ضدّ الجريمة والقتل واضطهاد الشعوب؛ أمّا القضية الأهم في العالم، والتي لا بدّ من الوقوف معها، فهي القضية الفلسطينية.
ومن موقعي كشاعر، أدافع عن الجمال والحبّ والحرية، أستنكر ما قامت به لجنة الجائزة وأقول: لقد سقطت هذه الجائزة سقوطاً مدوّياً حين تمّ سحبها من شمسي".
جاء ضمن التزكية التي نالتها شمسي أنّ كتاباتها تبني الجسور بين المجتمعات

زيدان: الإقصاء لمن يتحدث عن فلسطين!
وقالت الصحفية والباحثة في حقل الإعلام في إسبانيا، ربا زيدان: "يبدأ التمييز حيال العربي بمجرد أن يحلّ في المطار، وأن يلمح موظف الجوازات اسماً عربياً أو إسلامياً على جواز سفره، قد يُفلح العربي في الانخراط قليلاً، إن هو لم يلجأ للمجاهرة بهويّته ومواقفه السياسية، لكن بمجرد أن يتحدّث عن قضيّة فلسطين، وموقفه منها، ويحاول الدفاع عن عروبته والصورة المغلوطة المأخوذة عنه، تبدأ عملية الإقصاء والنبذ.

من المؤسف أن يتلوّث الوسط الثقافي الغربي بالأكاذيب، أو بالأساطير المضلّلة التي تطلقها الصهيونية بذريعة معاداة السامية

رغم جهودي كلّها في هذا السياق، ورغم أسفاري المتعدّدة ودراستي في الخارج، إلا أنّني كثيراً ما أشعر بهذا؛ ذلك أنّني أجمع ثالوثاً يثير القلق بالنسبة إلى الغرب، وهو: عربية مسلمة فلسطينية، ومحاولات التهميش والإقصاء لا تقف عند حدود حركة "بي دي إس" فحسب؛ بل حيال كلّ من يترافع عن الحقّ الفلسطيني، بغضّ النظر عن الوعاء الذي يختاره.
وحريّ بالذكر؛ أنّنا لا نعمل على مجابهة هذا بما يكفي، بل على العكس، نجد الباحث الإسرائيلي واليهودي يستفرد بالساحة الأكاديمية والثقافية كما يرغب، ما يعني أنّ علينا العمل على هذا بجهد حقيقي وحثيث".

أبو رقطي: إعادة الاعتبار لمبادىء الحرية
ويعتقد الإعلامي والكاتب زعل أبو رقطي أنّ "ما حدث لا يمكن نعته إلا بالعمل غير الأخلاقي، بل والعدائي، وقد ظهرت ألمانيا بهذا التصرف كمن يقف في وجه دعاة السلام والتسامح والاحترام، ولعلّ المضحك المبكي أنّ الجائزة تهدف لعكس هذا تماماً.

اقرأ أيضاً: روائي فلسطيني يقيم حفلاً لتوقيع روايته على بسطته لبيع القهوة
موقف الأورومتوسطي الرافض للتصرّف الألماني الذي حدث يعدّ دليلاً آخر على كون سحب الجائزة ينطوي على تمييز وعنصرية ومعاداة لمبادئ حقوق الإنسان والتسامح، وهذا بمنظور عالمي، وليس فلسطينياً وعربياً وإسلامياً فحسب، لا يكفي أن تدين الكاتبة ما حدث؛ إذ لا بدّ للمثقفين والأدباء والكُتّاب الأحرار في أنحاء العالم كافة من أن يتضامنوا معها، وأن يُعيدوا لها اعتبارها، وأن يُعيدوا لمبادئ الحريّة الحقيقية الاعتبار كذلك".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية