إرهاب اليمين المتطرف الخطر القادم من الغرب

إرهاب اليمين المتطرف الخطر القادم من الغرب


26/12/2018

انشغل العالم، طوال الأربعة عقود الماضية؛ بالتطرف والتشدد الديني العنيف، والإرهاب الذي يُنسب إلى الجماعات الإسلاموية المسلّحة، وبلغ هذا الانشغالُ ذروته عقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت الأراضي الأمريكية، في 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

ورغم أنّ إرهاب ما يسمى "اليمين المتطرف" ضارب الجذور في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وأقدم بكثير من الإرهاب الذي يُنسب الى الجماعات الإسلاموية المتطرفة؛ إلا أنه في حمأة هذا الانشغال غفل العالم، خاصة في الغرب، أو تغافل، عن الخطر الذي يشكله التطرف العنيف والإرهاب الذي يمثله "اليمين المتطرف" في الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية.

اقرأ أيضاً: كندا تواجه تحديات أخطر من الإرهاب.. ما هي؟

ورغم تشوش وتعقد وصعوبة التعريف؛ فإنّ المقصود باليمين المتطرف هنا؛ أنّه طيف واسع من الجماعات القومية والدينية المتطرفة التي تشترك في عددٍ من الرؤى والأهداف والدوافع، وعلى رأسها: النازية والفاشية الجديدة، كراهية الأجانب، العنصرية، اللاسامية، وتهدف إلى التخلص من الحكومات الحالية، واستبدالها بأخرى قومية، ورغم أنها تنهل من أفكار النازية الألمانية والفاشية الإيطالية القديمة إلا أننا لا نستطيع القول إنّ هناك قاعدة أو أصولاً أيديولوجية صلبة لهذه الجماعات المعاصرة.

لكنّ الفكرة الرئيسة التي يعتنقها المتطرف اليميني هي؛ أنّ الدولة وهي تحكم نفسها يجب عليها التخلص من العناصر الأجنبية التي تضعفها من الداخل، حتى تستطيع أن تؤمن العدل لمواطنيها الطبيعيين.

في حمأة الانشغال غفل العالم عن الخطر الذي يشكله التطرف العنيف والإرهاب الذي يمثله "اليمين المتطرف"

وأنّ الصراع في المجتمع يتكوّن من: عدوّ خارجي، حقيقي أو متخيَّل، وهو على الغالب يتكون من المهاجرين والغرباء. وعدوّ داخلي، وهو الأخطر، ويتكون من الدولة الفيدرالية والحكومة ومؤسساتها المختلفة. 

يبدو هذا التحوّل، أو الاستدارة، نحو الالتفات الى إرهاب جماعات اليمين المتطرف بدلاً من الجماعات الإسلاموية، مرتبطاً بجملة التحولات السياسية التي يشهدها الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى قيادتها السياسية القومية، برئاسة دونالد ترامب، أنّ مهمة أمريكا بالقضاء على تنظيم داعش قد انتهت؛ ولذلك أعلن، في 19كانون الأول (ديسمبر) 2018، وقبيل أعياد الميلاد وبداية السنة الجديدة، سحب القوات الأمريكية المكونة من 2000 عسكري من سوريا.

لقد ترافقت هذه الاستدارة، بالطبع، وكما يحدث دائماً في الغرب ومنظومته المعرفية، مع تهيئة البنية التحتية الفكرية لهذه الاستدارة، من خلال حرف بوصلة الاهتمام نحو إرهاب اليمين المتطرف، معتمدة على البيانات والإحصائيات التي تؤكد انخفاض عدد العمليات الإرهابية في العالم، خاصة الغرب، من قبل تنظيم داعش والتنظيمات الإسلامية الأخرى بعد عام 2014، الذي سجل الرقم الأعلى في عدد العمليات الإرهابية، ومجموع القتلى والخسائر المادية، ثم أخذ منحنى العمليات بالانخفاض حتى عام 2017.

اقرأ أيضاً: الإرهاب في فرنسا.. معلومات جديدة يكشفها وزير الداخلية

وبحسب مؤشر الإرهاب العالمي، الذي يصدره بشكلٍ دوري معهد الاقتصاد والسلام "Global Terrorism Index" (IEP)، وقد نشره بتاريخ 5 كانون الأول (ديسمبر) 2018؛ فإنّ عدد العمليات الإرهابية في العالم، شهد طيلة العقود الثلاثة الماضية، أي منذ عام 2001، ارتفاعاً متواتراً في عدد العمليات الإرهابية، حتى بلغ ذروته عام 2014، وهو العام الذي شهد ولادة تنظيم داعش الحقيقية بإعلان "دولة الخلافة".

في ذلك العام؛ بلغ عدد العمليات الإرهابية ذروته (32,685) عملية إرهابية، ثم أخذت العمليات الإرهابية بالانخفاض الدراماتيكي، طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، حتى بلغت عام 2017 (18,814) عملية إرهابية؛ بمعنى أنّ العمليات الإرهابية انخفضت أكثر من النصف، وبنسبة (75%).

المنظومة المعرفية الغربية تريد إعادة توزيع الموارد والجهود نحو التحضير لمواجهة الخطر القادم من داخل المجتمعات الغربية

أما على صعيد ضحايا الإرهاب؛ فإنّ "المؤشر العام للإرهاب" يوضح أن عدد الضحايا في أوروبا الغربية، خاصة في بلجيكا وألمانيا وفرنسا، انخفض بشكلٍ كبير أيضاً؛ من (168) شخصاً عام 2016، إلى (81) شخصاً عام 2017، دون أن نُغفل حقيقة أن العدد الكلي للعمليات الإرهابية عام 2017 كان يبلغ (282) عملية، وهو أكثر من عام 2016 بواقع (19) عملية.

ويعود هذا الانخفاض في عدد ضحايا العمليات الإرهابية إلى عاملين هما:

- تراجع جاذبية تنظيم داعش وقدرته على تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية؛ نتيجة هزائمه المتلاحقة في العراق وسوريا.

- صرامة وكثافة إجراءات وبرامج مكافحة الإرهاب، خاصة في مجال المراقبة والملاحقة، وتوفر الموارد المالية لهذه البرامج.

تحولات الإرهاب

اليوم، تواجه أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية مشكلة إرهاب اليمين المتطرف، بدلاً من إرهاب تنظيم داعش، الذي انخفض عدد ضحاياه بشكلٍ حادٍ جداً، بنسبة (52%)، خاصة في سوريا والعراق، لكنه يبقى التنظيم الإرهابي الأخطر عام 2017.

وكما ذُكر سابقاً؛ فقد انخفض عدد العمليات الإرهابية عام 2017، للسنة الثالثة على التوالي، وانخفض عدد وفيات الإرهاب في أوروبا بشكل كبير، بنسبة (75%).

اقرأ أيضاً: هل بدأ فكر الجماعات الإرهابية حقاً في الانحسار؟!

في المقابل؛ لوحظت زيادة في إرهاب اليمين المتطرف؛ فخلال الأعوام الأربعة، بين 2013-2017، نفّذَ اليمين المتطرف (127) عملية إرهابية، نتج عنها (66) حالة وفاة؛ في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.

قفزت نسبة جرائم الكراهية في أمريكا إلى (17%) عام 2017، مقارنة بـ 2016، بينما كانت النسبة أكبر في كندا

وقد حظي هذا الاتجاه باهتمام متزايد في الدوائر السياسية ومراكز البحث، في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أكد عليه معهد الاقتصاد والسلام في تقريره الأخير، ومما زاد الأمر خطورة؛ ترافق هذا الاتجاه مع زيادة في حدّة منسوب ما يسمى "جرائم الكراهية"، خاصة في الولايات المتحدة وكندا؛ فبحسب بيانات "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (FBI): قفزت نسبة هذه الجرائم إلى (17%) عام 2017، مقارنة بعام 2016، بينما كانت النسبة أكبر في كندا؛ حيث بلغت (50%) بحسب تقرير للحكومة الكندية، نشرته في كانون الأول (ديسمبر) 2018.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك جدلاً واسعاً في الأوساط الغربية اليوم، حول تعريف المفاهيم الملتبسة مثل: "التطرف العنيف"، و"اليمين المتطرف "، و"جرائم الكراهية"، ومتى يوصف العمل العنيف بالإرهاب.

أخيراً؛ إنّ المنظومة المعرفية الغربية، تحديداً الطبقة السياسية، استشعرت نهاية تنظيم داعش في سوريا والعراق، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي،دونالد ترامب (القومي) سحب القوات الأمريكية من سوريا، ونيّته سحبها من أفغانستان، وتريد الآن إعادة توزيع الموارد والجهود نحو التحضير لمواجهة الخطر القادم من داخل المجتمعات الغربية، المتمثل بخطر إرهاب اليمين المتطرف.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية