إريتريا زيرو كورونا: حين تجتمع الديكتاتورية مع عشبة القرض

إريتريا زيرو كورونا: حين تجتمع الديكتاتورية مع عشبة القرض


29/06/2020

أثار إعلان إحدى أصغر الدول الأفريقية وأفقرها خلوّها تماماً من فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، حالة من الجدل حول التدابير التي نجحت في تطبيقها، في الوقت الذي فشلت فيه دول عظمى في السيطرة على انتشار الوباء، رغم تسخير كافة الإمكانات المادية والبشرية المتوفرة لديها، فضلاً عن الأبحاث الصحية المتطورة التي تضافرت بالتنسيق مع مؤسسات دولية كبرى كمنظمة الصحة العالمية.

الطبيعة التسلطية للنظام الإريتري مكّنته من فرض سيطرته على سلوك المواطنين وحركتهم اليومية ما ساعد في انحسار الوباء

فقد مثّل إعلان وزارة الصحة الإريترية، منتصف أيار (مايو) الماضي، تعافي جميع الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في البلاد، صدمة، لا سيما أنّ أسمرا كانت قد أعلنت في وقت سابق، تسجيلها 39 حالة إصابة مؤكدة، منذ وصول أول حالة وافدة من النرويج، في الثالث والعشرين من آذار (مارس) الماضي، وذكرت وزارة الصحة الإريترية في بيان؛ أنّ البلاد أصبحت خالية من فيروس كورونا تماماً، بخروج آخر حالة إصابة من المستشفى بعد تماثلها للشفاء، وبذلك تكون أول دولة أفريقية تعلن تعافي جميع حالات الإصابة دون حدوث أيّة حالة وفاة!

حالة من الجدل حول التدابير التي نجحت في تطبيقها، في الوقت الذي فشلت فيه دول عظمى في السيطرة على انتشار الوباء

والسؤال الجوهري في حالة هذه الدولة الشرق أفريقية، التي يحكمها نظام تسلطي، لا يُعرف عنه التزامه بالمواثيق الدولية، هو: كيف تمكّن هذا النظام من السيطرة على الوباء؟ فضلاً عن أسئلة أخرى تتعلق بمدى مصداقية هذه المعلومات؟ وما هي البروتوكولات العلاجية التي اتّبعها والتدابير الاحترازية التي طبّقها على مواطنيه؟

برتوكولات خاصة وتدابير مشددة

في الإجابة عن الأسئلة سابقة الذكر؛ يقول لـ"حفريات" الدكتور المعز قسم الباري، المشرف على قسم الأوبئة، في مستشفى "أروتا" التعليمي، والأستاذ المحاضر في كلية الطب بجامعة أسمرا: إنّ "اللجنة الوطنية العليا، لمواجهة وباء كورونا، قد اعتمدت برتوكولات علاجية محددة وبسيطة في علاج الحالات المصابة"، ويضيف الباري، في تسجيل فيديو بثّه على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي: "اللجنة الطبية العليا اعتمدت على عقارين طبيين، هما: (Zinc sulfate) و(أسبرينAspirin إضافة إلى عشبة القرضAcacia nilotica L)) كعامل مساعد،  وهو ما مكّنها من تحويل جميع الحالات الـ 39 في البلاد من حالات إيجابية إلى نتائج سلبية،  وتأكّد خلوّ المرضى جميعاً من الفيروس المستجد، وتماثلهم للشفاء التامّ".

 ونصح الباري، وهو طبيب سوداني، الدول الأخرى "باعتماد هذا البروتوكول العلاجي، الذي أكّد نجاعته في علاج الحالات المصابة، في إريتريا، مما مكّن البلاد من أن تصنَّف كأول دولة أفريقية بصفر إصابة".

اقرأ أيضاً: إثيوبيا وإريتريا تواجهان كورونا بالكوميديا السوداء والأغاني

وأضاف الباري: "الطبّ البديل كان جزءاً من بروتوكول العلاج"، الذي اعتمدته لجنته، مشيراً إلى أنّ "عشبة القرض كان لها الأثر البالغ في تدابير العلاج"، ومؤكداً "هناك عدة طرق للاستفادة من فوائد القرض، حتى لغير المصابين، كإجراء وقائي".

والملاحظ في البروتوكول الذي اعتمدته إريتريا وأعلنه المشرف على لجنة مواجهة وباء كورونا؛ أنّه لم يتمّ الالتزام بشكل أساسي بتعليمات منظمة الصحة العالمية، التي ظلّت تصدر بين الفينة والأخرى بورتوكولات علاجية دقيقة لحكومات العالم، لاعتمادها في علاج الحالات المصابة، والواقع أنّ النظام الإريتري لا يتمتع بتاريخ علاقات جيد مع المنظمات الدولية، بما فيها منظمة الصحة العالمية، التي يقودها الدكتور تيدروس أدحانوم (وهو من مواليد إريتريا وخريج جامعة "أسمرا").

اقرأ أيضاً: هل تحوّل إسلاميو إريتريا نحو المدنية؟

من جهة أخرى؛ اعتمدت إريتريا عدة إجراءات مشددة على سبيل التدابير الاحترازية، وذلك منذ وصول حالات الإصابة إلى اثنتي عشرة حالة؛ حيث فرضت في البدء حظراً جزئياً على مواطنيها، وأغلقت المدارس والمطارات ودور العبادة، قبل أن يتطور الأمر إلى حظر كليّ في نهاية، في شهر نيسان (أبريل) الماضي؛ حيث حُظر على المواطنين الخروج من المنازل طوال الـ 24 ساعة في اليوم، إلا لتأمين الاحتياجات الضرورية، والتي يشترط فيها تفويض شخص واحد من العائلة، ولمدة لا تتجاوز الـ 30 دقيقة فقط في اليوم الواحد! وهو الأمر الذي ظلّ سارياً لأكثر من سبعة أسابيع متتالية.

التسلّط إذ ينجح في محاصرة كورونا

من جهته، يرى الدكتور الإريتري أسمروم تسفاماريام، أستاذ الطبّ العام في جامعة "سيدني" بأستراليا؛ أنّ "الإجراءات الاحترازية التي اتبعتها حكومة بلاده، كان لها أثر مهم في السيطرة على إمكانيات انتشار الوباء، لا سيما أنّ إحدى أهم المعضلات التي عرفها العالم في مواجهته للجائحة تتعلق بسرعة الانتشار، والتكاثر الملحوظ في أعداد المصابين، مما يحدّ من إمكانيات السيطرة عليه"، ويضيف أسمروم: "الطبيعة التسلطية للنظام مكّنته من فرض سيطرته على سلوك المواطنين وحركتهم اليومية، ما ساعد في انحسار الوباء".

اعتمدت إريتريا عدة إجراءات مشددة على سبيل التدابير الاحترازية

ويردف أسمروم، بخصوص البروتوكولات التي اعتمدتها حكومة بلاده في علاج المصابين، قائلاً: "لستُ متأكداً على وجه الدقة، على ماذا اعتمد الأطباء في أسمرا، وأشكّ في التزامهم الأمين بتعليمات منظمة الصحة العالمية"، مضيفاً: "هناك بعض التصريحات المقتضبة، والمعلومات المتواترة والصادرة من بعض منتسبي اللجنة المكلفة بمواجهة الوباء، تكشف اعتمادهم جزءاً من بوروتوكلات العلاج الدولية، كعقار الزنك والأسبرين وبعض المضادات الحيوية، وهذا يمثل حوالي 10% من إجمالي التوصيات  التي تقدمها منظمة الصحة العالمية"، ويؤكد أسمروم: "هناك تفاوت ملحوظ بين دول العالم حول ما يمكن تقديمه للمرضى، فهناك دول اعتمدت بشكل حرفي على كافة تعليمات المنظمة، وأخرى اعتمدت على بورتوكولات خاصة، من بينها الدول التي  اعتمدت على "الكولوروكين"، وهو العقار الطبي المستخدم في علاج الملاريا، كما أنّ هناك دولاً طوّرت أدوية سبق أن تمّ اعتمادها في علاج "الإيبولا".

الصحفي الإريتري حسن الطويل لـ "حفريات": الفرد الإريتري معروف بالالتزام بكافة القوانين التي تنظم الحياة، وهو مواطن منضبط جداً

ويوضح أسمروم هذا التفاوت قائلاً: "السبب هو عدم وجود أدوية خاصة بعلاج "كوفيد 19"؛ حيث ما تزال الأبحاث جارية للوصول إلى لقاح خاص بهذا الوباء، وهناك جدل طبي حول هذا الأمر"، ويبرر أسمروم نجاح بلاده في السيطرة على هذا الأمر باتخاذ تدابير احترازية مشددة جداً، وهذا يعود إلى طبيعة النظام من جهة، ومن جهة أخرى قلة عدد المصابين، التي قد تكون سبباً في القدرة على تقديم رعاية طبية شاملة لهم، وبالتالي تماثلهم للشفاء في وقت قصير".

 ويضيف: "بالعودة إلى عامل السنّ؛ فقد تبيّن أنّ معظم من تأكّدت إصابتهم بالمرض في اريتريا كانوا من الشباب، وهذا أيضاً له دور مهمّ في سرعة التشافي"، بحسب رأيه.

ويستطرد: "حتى اللحظة، لا يمكننا الجزم بشكل دقيق بأنّ البلاد خالية تماماً من وجود الفيروس، لأنّ ذلك يتطلب إجراء فحوصات عامة تغطي عدداً كبيراً من المواطنين، كما أنّ المعلومات الواردة في حاجة إلى التأكيد من المؤسسات الدولية، خاصة منظمة الصحة العالمية".

التزام الشعب هزم الكورونا، ولكن..

من جهته، يرى الصحفي الإريتري، حسن الطويل، في إفادته لـ "حفريات"؛ أنّ "طبيعة الشعب الإريتري، المتعلقة بالتزامه المعروف بالقوانين والإجراءات، تمثّل السبب الرئيس في نجاح خطة مواجهة الكورونا"، ويضيف حسن: "الفرد الإريتري معروف بالالتزام بكافة القوانين التي تنظم الحياة، وهو مواطن منضبط جداً قياساً بالشعوب المجاورة"، ويستطرد الطويل: إنّ "تدابير الحظر الكلي تمّ الالتزام بها بشكل دقيق، ما قلّل من حالات الإصابة"، ويردف: "إلا أنّ لتلك الحالة تداعيات تتجاوز الوباء؛ حيث إنّ السواد الأعظم من المواطنين يعتمد على الأجرة اليومية، وفي ظلّ انعدام موارد بديلة، أو تعويضات تؤمّن حياة الناس من الحاجة والعوز، فإنّ مناطق كثيرة من البلاد تعدّ معزولة ومعرّضة لنذر المجاعة وندرة المواد الاستهلاكية".

ويطالب الطويل بضرورة "تدارك المخاطر الناجمة عن الحظر الكلي قبل تعرض البلاد للمجاعة". 

ويشير الطويل إلى الحملات المكثفة التي يقودها الناشطون الإرتيريون، على مواقع التواصل الاجتماعي، لتدارك نذر الندرة الغذائية، خاصة في إقليم دنكاليا الساحلي، وغيره من أقاليم البلاد، في الوقت الذي يحتفل فيه النظام بتصنيفه كدولة صفر كورونا، ويختم بالقول: "علينا تدارك هذه المخاطر الآن، حتى لا يقع من نجا من احتمال الإصابة بالكورونا فريسة للموت جوعاً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية