إغلاق مساجد في فرنسا هل يمنع التطرف؟

إغلاق مساجد في فرنسا هل يمنع التطرف؟


05/10/2021

في ظل تطبيقات فرنسا لقانون الانعزالية أو الانفصالية الذي تم تدشينه، العام الماضي، والذي ينص على احترام قيم الجمهورية، ويحذر من مخاطر تنامي التشدد الإسلاموي، تم إغلاق ستة مساجد وحل عدد من الجمعيات، مؤخراً، على خلفية "تبنيها الدعاية للإسلام المتشدد"، وفقا لوكالة فرانس بريس.

 وقد أشار وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى أنّ "عقد الالتزام الجمهوري"، المنصوص عليه في القانون الأخير، إنّما يشترط على الجمعيات التي تحصل على دعم وتمويل حكومي عدم مخالفتها للقيم الجمهورية، كما أعلن أنّه سيدخل حيز التنفيذ، مطلع العام القادم.

حواضن التشدد الإسلامي بفرنسا

وبحسب وزير الداخلية الفرنسي فإنّ "ثلث أماكن العبادة الـ89 المشتبه في كونها متشددة، وضعت تحت المراقبة، منذ تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2020"، لافتاً إلى أنّ الحكومة بدأت إجراءات إغلاق ستة منها، وهي موزعة في خمس مقاطعات فرنسية.

اقرأ أيضاً: لماذا يكثر الجدل في فرنسا حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب؟

كما أوضح أنّ الأجهزة الأمنية نفذت، منذ عام 2017، حوالي 24 ألف عملية تفتيش و650 عملية إغلاق لأماكن يتوافد عليها متشددون، مؤكداً على أنّه سوف يطلب حل دار النشر الإسلامية "نوى" و"رابطة الدفاع"، بالإضافة إلى أنّ هناك عشر جمعيات أخرى قد تتعرض لإجراءات مماثلة.

واللافت أنّ فرنسا منذ تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وتحديداً إثر الهجمات الإرهابية في مدينة نيس، ثم اغتيال المدرس الفرنسي صامويل باتي، عمدت إلى تصعيد المواجهة ضد ما أسمته النزعات "الانفصالية" الإسلاموية، والتي بدأت تتشكل بقوة، منذ عقود، وقد دشنت قوى الإسلام السياسي شبكات اجتماعية ودينية وسياسية مؤثرة؛ إذ يملك "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، وحده، الفرع الباريسي لجماعة الإخوان المسلمين، قرابة مائتي وخمسين جمعية إسلامية، ونحو مائة مسجد، فضلاً عن العديد من المؤسسات التعليمية والمراكز الدعوية والتدريبية، والتي تنشط في المجالات الدينية والاقتصادية والخيرية.

اقرأ أيضاً: فرنسا تغلق 6 مساجد في 5 مقاطعات لهذا السبب

مواجهة الإسلاموية التي صعدت في فرنسا، بقوة، في أعقاب اندلاع الثورة الإيرانية، حيث بدأ الإسلام السياسي يتشكل حركياً وتنظيمياً، لجهة أداء أدوار سياسية واسعة، واختراق النخب الفرنسي، من بين الركائز السياسية التي قام عليها البرنامج الانتخابي للرئيس الفرنسي، لا سيما وأنّ الفهم الفرنسي للأزمة الخاصة بالعنف والتشدد الديني، لا يحصر القضية في حوادث عرضية، إنّما يقف عند السرديات والأيدولوجيات التي تنبعث على أطرافها هذه السيولة الدموية، والمعاداة الواضحة أو بالأحرى الصدام التدميري للقيم اللائكية (العلمانية) بفرنسا، ومن ثم، تتجه السياسات الفرنسية إلى ضرورة نقد الأفكار المتشددة، وتجميد المؤسسات التي تتبنى الترويج لها.

خطط فرنسا لمواجهة الإسلام السياسي

ولذلك؛ يشير مركز الإمارات للسياسات إلى جملة الإجراءات التي اتخذتها فرنسا في هذا الصدد، والمتمثلة في حل الجمعيات والمنظمات المتهمة بنشر خطاب متشدد أو عنصري، وقد قامت السلطات، حتى الآن، بحل منظمة سلفية (بركة سيتي)، وجمعيتين مقربتين من التيار الإخواني (تجمع الشيخ ياسين، والتجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا)، ومنظمة تركية عنصرية (الذئاب الرمادية).

ويضيف: "كما استطاعت السلطات، خلال السنوات الثلاث الماضية، إغلاق قرابة 250 فضاء ومنشطاً إسلاموياً، بينها مدارس ومساجد، تبشر بأيديولوجية انفصالية، فضلاً عن فتح تحقيقات في تمويلات المؤسسات التابعة لتيار الإسلام السياسي؛ إذ فتحت السلطات في تموز (يوليو) العام الماضي تحقيقاً في شبهة التمويل الأجنبي تتعلق بتمويل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، وهو مؤسسة غير حكومية للتعليم العالي، قريبة من جماعة الإخوان، تقوم بتدريب الأئمة على وجه الخصوص".

الفهم الفرنسي للأزمة الخاصة بالعنف والتشدد الديني، لا يحصر القضية في حوادث عرضية، إنّما يقف عند السرديات والأيدولوجيات التي تنبعث على أطرافها هذه السيولة الدموية، والمعاداة الواضحة

ويضاف لذلك إطلاق "وحدة الخطاب الجمهوري المضاد"، وهو مشروع تابع لوزارة المواطنة، هدفه مواجهة الدعاية التي تروجها جماعات الإسلام السياسي على الشبكات الاجتماعية والإنترنت، وفقاً لمركز الإمارات، وكذا وقف الاستعانة بأئمة المساجد من الخارج؛ فقد أنهت السلطات الفرنسية اتفاقات سابقة مع المغرب والجزائر وتركيا، كان يأتي بموجبها المئات من الأئمة سنوياً إلى فرنسا، للقيام على شؤون المساجد؛ إذ يوجد نحو 151 إماماً مبتعثاً من طرف الدولة التركية، فيما يوجد 120 إماماً مبتعثين من الجزائر، و30 من المغرب، وعليه، يتجه الرئيس الفرنسي بالاتفاق مع مجلس الديانة الإسلامية نحو تدشين "مجلس وطني للأئمة"، تكون مهمته منح الاعتمادات للأئمة والدعاة وتدريبهم.

كيف نمنع النزعات الانفصالية؟

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، الدكتور عاصم حفني، إلى أنّ باريس سنت، مؤخراً، قانوناً لمكافحة النزعات الانفصالية بهدف مجابهة التيارات الإسلاموية المتطرفة، وقامت في هذا الصدد بغلق تسعة مساجد مطلع العام تبعها غلق أخرى في أيلول (سبتمبر) الماضي، وتابع: "أعتقد أنّ لفرنسا الحق في حماية أمنها وقيم جمهوريتها العلمانية، خاصة بعد تعرضها لحوادث إرهابية متكررة في السنوات الأخيرة، لا سيما واقعة قطع رأس المدرس المأساوية الشهيرة، ولكن على فرنسا في نفس الوقت ألا تعتمد على القبضة الأمنية وحدها؛ فالمتطرفون الإسلامويون يعتقدون مفاهيم جهادية يتصورون من خلالها أنّ معاناتهم، بل وموتهم في سبيلها هو ابتلاء أو استشهاد في سبيل الله".

الدكتور عاصم حفني،: باريس سنت، مؤخراً، قانوناً لمكافحة النزعات الانفصالية بهدف مجابهة التيارات الإسلاموية المتطرفة

وبحسب الأكاديمي المصري، فإنّ غلق المساجد ربما يمنع صوت دعاة الكراهية من الأئمة المتشددين، بيد أنّه قد يزيد الكراهية عند المصلين في هذه المساجد؛ فقد يعتبرون هذا الغلق حرباً على الإسلام عامة في ظل تاريخ استعماري غربي وخاصة فرنسي، محمل بذكريات سيئة تجاه بلاد المسلمين وثقافتهم الدينية، لذا على فرنسا التمييز بين أفراد متطرفين يدعون للكراهية لها مجابهتهم أمنياً، وبين عامة المسلمين الذي يذهبون للمساجد بهدف الصلاة وليس السياسة، وفي ذلك مراعاة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وكذلك العلمانية بوصفهما من أهم القيم التي قامت عليها جمهورية فرنسا.

د. عاصم حنفي لـ"حفريات": غلق المساجد ربما يمنع صوت دعاة الكراهية من الأئمة المتشددين، بيد أنّه قد يزيد الكراهية عند المصلين الذين قد يعتبرون ذلك حرباً على الإسلام

ويمكن لفرنسا مكافحة الفكر المتطرف، كما يقترح حنفي، من خلال "دعم فكر إسلامي اندماجي سلمي، مثلاً عبر تمويل أو إنشاء مؤسسات تعليمية تؤهل مسلمين فرنسيين للقيام بدور أئمة، ومدرسي دين إسلامي، مؤمنين بالديمقراطية، وقيم الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، في مجتمع متعدد الأعراق والأديان، ويعملون على نشر تلك القيم الإيجابية بين أجيال المسلمين المتعاقبة".

ولفت الأكاديمي المصري إلى أنّ "هذه التجربة قامت بها ألمانيا وبدأت تؤتي ثمارها، فقط عبر احترام الغرب معتقدات مواطنيه المسلمين، ومنحهم الشعور بمساواة حقيقية في الفرص والمشاركة السياسية والمجتمعية يمكن محاربة نزعات الكراهية والانفصالية".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية