إياد الحلاق العربي .. و"يوتم" اليهودي!

إياد الحلاق العربي .. و"يوتم" اليهودي!


03/06/2020

لا يفارقني التفكير باللحظات الأخيرة لحياة إياد الحلاق. أنا لست من النوع العاطفي، لكن عندما شاهدت والده في التلفاز انذرفت الدموع من عيني وشعرت بغضب عاجز يتملكني.
لدي أيضاً ابن من ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي شهر كانون الثاني سيبلغ عمره 25 سنة، تقريبا مثل عمر الحلاق الذي كان عمره 32 سنة عندما أطلق رجال الشرطة النار عليه في البلدة القديمة في القدس.
كان الحلاق وحيدا تماما عند قتله بدم بارد. هرب إلى غرفة القمامة بذهول. بحث هناك عن ساتر بعد أن هرب راكضا من رجال الشرطة الذين أرادوا فحصه.
هو لم يفهم قصدهم. لم يفهم ماذا يريدون منه، وهم أخافوه. أنا أعرف بالضبط كيف خاف. أعرف بالضبط كيف انغمر بالذعر في ثانية أو ثانيتين.
وفي اللحظة التي نادى عليه فيها رجال الشرطة بلهجة متسلطة ومهددة أعرف بالضبط كيف بدا وجهه وملامحه.
أنا أعرف ذلك من خلال ابني. فعندما كان صغيراً ضممته بذراعي عندما كان يغمره ذعر كهذا. ضممته بشكل قوي حتى يهدأ.
أنا لا استطيع التوقف عن التفكير به وهو مختبئ هناك، في غرفة القمامة، وحيدا تماما، دون أن يكون بجانبه شخص ما يستطيع تهدئته، كي يشرح له الواقع، ويشرح له الوضع، ويوجهه كيف يتصرف.
أنا أفكر فيه وأرى ابني. ابني لم يكن ليتصرف بشكل مختلف عنه. الحلاق كان في الطريق إلى المؤسسة التي يعالج فيها.
مكان فيه يشعر بأنه محمي ومحبوب. ولكنهم أطلقوا النار عليه مثل كلب، هكذا كتبت.
هذا مجرد تعبير غبي. هم لم يطلقوا النار عليه مثل كلب، فهم لا يطلقون النار على الكلاب في البلدة القديمة. هم يطلقون النار على العرب. هم أطلقوا النار عليه كعربي. أنا لا أستطيع تحمل التفكير بأنه على الأقل سبع رصاصات أطلقت عليه.
هل يوجد هناك وحدة أكبر من شخص متوحد يرتجف من الخوف في غرفة قمامة، لا يعرف تماما ماذا يحدث ولماذا، في الوقت الذي يقوم فيه رجال الشرطة بتفريغ مخزن السلاح عليه؟
الله أكبر، هم قاموا بإعدامه. ولو أن هذا حدث مع ابني لكنت سأجد صعوبة في مواصلة العيش.
التفكير به وقد ذبح بهذه الطريقة في غرفة القمامة كان سيقضي علي. أيضا الآن وأنا أكتب يصعب هذا الأمر. تصعب علي الكتابة رغم أنها سهلة علي. ولكن كم هي غير مجدية هذه الكلمات. فهي لن تساعد إياد الحلاق ولن تساعد عائلته.
يصعب عليك أن تكون متوحدا في هذا العالم. عندما كان ابني في السابعة قالت لي الطبيبة النفسية في المؤسسة التي درس فيها، التي دربتني على كيفية التعامل معه عندما يدخل في هستيريا: «تخيل أنه في الغرفة الصغيرة التي نجلس فيها يوجد جهاز تكييف ضخم، وعندما نأخذ ورقة ونمزقها إلى قطع صغيرة والمكيف يخلطها مع الهواء في الغرفة، يلفها ويطيرها بلا توقف. هكذا يبدو العالم بالنسبة لابنك يوتم. فوضى كبيرة جدا، فوضى لا تنتهي».
وقد قالت لي إن يوتم بطل، فقط بسبب حقيقة أنه في كل يوم يفتح عيونه ويواجه هذا الوضع الوجودي. تخيلوا ماذا يعني العيش في فوضى دائمة كهذه. كم هذا صعب. أي جهد مطلوب من أجل القيام بالأمور الصغيرة والهامشية جدا.
أيضا إياد الحلاق كان بطلا. حتى في يوم موته كان بطلا. عندما سار في شوارع البلدة القديمة من منزله إلى المؤسسة.
هذه الجولة في أزقة البلدة القديمة ليست أمرا سهلا على شخص متوحد. هذا يقتضي قوة عقلية. ويقتضي تجنيدا للقوة. ولكن الحلاق محسوب على الأشخاص الضعفاء في هذا العالم، الأشخاص ذوي الجمجمة الضعيفة. الجمجمة التي تتحطم إلى شظايا بسبب ضربة لا تشعر بها مطلقا جمجمة عادية.
الأشخاص الذين يحتاجون إلى درجة من الإنسانية الأساسية، ليس من أجل أن تكون الحياة أسهل عليهم، وليس من أجل أن يستطيعوا قضاء أيامهم في أجواء لطيفة أكثر، بل من أجل أن يتمكنوا من مجرد العيش.
ليس عبثا أن اختار من يشكل في نظري كبير الأدباء في جنوب إفريقيا الذين حاربوا الابرتهايد، ج.م.كوتزي، أن يصف بطل روايته «حياة وزمن مايكل كاي» بالشخص ضعيف العقل.
في المكان الذي لا توجد فيه إنسانية فإن الأشخاص الضعفاء في المجتمع يتم سحقهم بعنف دون أي رحمة تقريبا.
البلدة القديمة كانت مكانا خطيراً بالنسبة لإياد الحلاق، ليس فقط لكونه عربيا، بل لأنه كان شخصا متوحدا.
في ظل نظام ابرتهايد عنصري كان ذلك كما يبدو فقط مسألة وقت إلى أن يقوم ممثلو تطبيق نظام الابرتهايد هذا، أشخاص مخيفون يرتدون الزي العسكري ويحملون السلاح، بالنباح نحوه بعدة جمل تغرق روحه في رعب مذهل.
رعب جعله يلوذ بالفرار، كما يبدو من أجل إنقاذ نفسه، وبالفعل قرر مصيره بالموت على أيديهم. هذا كان فقط مسألة وقت إلى أن يقوم الظلم الذي أحاط به من كل صوب بالوصول إليه وأن يقضي عليه.
حقا، هو خاف منهم. لو كان هناك فقط شخص إلى جانبه كي يشرح له بأنه «متوحد»، معنى ذلك أنه لا يشكل خطرا، لا عليكم ولا أي شخص آخر، خلافا للأشخاص «العاديين» أو «الطبيعيين» (ما هو «الطبيعي» في رجال الشرطة هؤلاء؟).
المتوحدون لا يضرون غيرهم بصورة متعمدة. هم لا يبدؤون بالمعارك. هم لا يسيطرون على أشخاص آخرين. هم ليسوا قتلة. هذا يفعله الأشخاص «العاديون».
عندما شاهدت الأخت الصغرى ليوتم وأنا أشاهد والد الحلاق في التلفاز، رأت أنني أفعل شيئا لم أفعله أثناء مشاهدتي للأخبار، بكيت، قبلت، أطلقت من بين أسناني همسات غضب، حركت رأسي.
ولو أنها لم تكن هناك لكنت سأحطم شيئا ما على الحائط من كثرة اليأس. ضائقتي أقلقتها. وبعد نصف ساعة تقريبا سألتني: «أبي، صحيح أن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث ليوتم؟». أجبتها «صحيح، هذا لا يمكن أن يحدث له لأنه يهودي».

مصدر الترجمة عن العبرية: روغل ألفر - "هآرتس"/نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية