إياد نصار يبرع في تجسيد السياسيين وكشف العقل الإخواني

إياد نصار يبرع في تجسيد السياسيين وكشف العقل الإخواني


06/11/2019

أميرة فكري

أصبح الفنان الأردني إياد نصار وجها مألوفا لدى المشاهدين في الدول العربية، بعدما نجح في أن يحجز لنفسه مكانة عند جمهور السينما والدراما، واختيار أدواره الفنية بعناية شديدة، ورغم تنوعها بين الشرير والمثالي، لكن لا يملك الجمهور، إلا أن يحبه وينتظر أعماله بشغف.

أحدثت مشاركته في الفيلم المصري “الممر” الذي يتحدث عن فترة ما بعد هزيمة يونيو 1967، جدلا في الشارع المصري مؤخرا، بعد قيامه بدور الضابط الإسرائيلي “ديفيد” الذي يهين ويقتل الجنود المصريين، بعدما قدم الدور ببراعة أجبرت الكثير من النقاد والفنانين على الإشادة به، حتى أن الجمهور المعروف أنه ضد الإسرائيليين أثنى على أدائه الفني.

يتمسك نصار بأن تكون أعماله واقعية ويعيش داخلها ويتأثر بها، حتى لو كان يكره الشخصية التي يؤدي دورها، ويشعر المشاهد أن شخصيته في العمل الفني تكاد تكون نفس شخصيته في الحقيقة، من شدة تركيزه في الدور الذي يقدمه، وإصراره أن يكون صادقا.

متعدد الجنسيات

نصار ينتمي إلى أكثر من جنسية عربية، لذلك اعتاد في كثير من أعماله أن تحمل صبغة تخاطب الجمهور العربي وتناقش قضاياه وهمومه، فهو ابن لأسرة فلسطينية الأصل، لكنه أردني الجنسية، متزوج من مصرية ويقيم في القاهرة. أضاف إليه اختلاطه بأكثر من بلد عربي، مزايا فنية وسمات لا توجد في أغلب أبناء جيله.

تحمل مسوؤليات جساما منذ أن كان طفلا لم يتجاوز عمره العشر سنوات، ونشأ في ظروف اجتماعية قاسية ومعقدة، جراء التهجير الذي عانت منه أسرته من فلسطين إلى الأردن، واستمرت المعاناة لسنوات، ما جعل منه شخصية مثابرة تتحدى الصعاب والعقبات الحياتية للوصول إلى الاستقرار الاجتماعي.

لم يكن نصار ذلك الشاب الذي يستسلم للواقع المفروض عليه، بل اعتاد أن يثبت جدارته مهما بلغت التحديات، ويكفي أن والده كان رافضا بشدة أن يدخل ابنه مجال الفن، لكنه تمسك بتحقيق طموحاته لشعوره أنه سوف يكون نجما حتى قبل مشاركته في أي عمل فني.

كان يتوقع ويحلم بأنه في يوم ما سيصبح فنانا مشهورا، وبدأ يرسم طريق النجاح بخطوات محسوبة، فدرس النحت بكلية الفنون الجميلة استجابة لرغبة والده، لكن في موازاة تحقيق رغبته الشخصية كان يقضي أغلب وقته في المسارح الجامعية بالأردن، حتى نجح بعد سنوات في التسلل إلى بوابة الفن، بالمشاركة في أدوار صغيرة وهامشية، لكنه أجاد تقديمها بما جعل المنتجين والمخرجين يتحدثون عنه بشكل إيجابي ويتوقعون له شأنا مهما في المستقبل.

سيد التناقضات

لدى نصار سجل حافل من المشاركة في أعمال فنية عربية قيمة، فقد كانت بداياته مع الدراما الأردنية، ومن بعدها السورية، ثم المصرية، ومع كل مشاركة ترك بصمة يصعب نسيانها من جانب الجمهور، وتظل مشاركته في مسلسل “الاجتياح” علامة بارزة في الدراما النضالية التي اعتاد تقديمها، بعدما قام بدور شاعر فلسطيني ثائر ضد الممارسات الإسرائيلية البشعة، وساهم في إظهار حقائق بدت غائبة عن الصراع العربي الإسرائيلي.

ليس سهلا على أيّ فنان أن يخلع عباءة الشخصية الفنية التي يقدمها ليتقمص شخصية أخرى مناقضة لها تماما في عمل فني آخر، أو يبتعد بنفسه عن التكرار والنمطية، لكنه يجيد ذلك ببراعة، لأنه اعتاد أن يعيش أجواء الدور الفني الذي يؤديه قبل أن يوافق عليه، حتى لو كان يتناقض مع أعمال أخرى شارك فيها.

وجد نفسه مستعدا لأن يقدم الدور الفني بطريقة استثنائية لا يشعر الجمهور بأنه مجرد ممثل يقبل العمل وكفى، وإذا شعر بأنه لن يستطيع تقديم الشخصية وفق ما يرضيه أولا ويقنع نفسه بأنه واقعي يرفض ويعتذر عن المشاركة في الفيلم أو المسلسل.

لا يعنيه كثيرا أن تكون مشاركته في العمل بطولة مطلقة أو جماعية أو حتى دورا ثانويا، ولا يهتم بأن تكون المساحة الممنوحة له كبيرة أم صغيرة، لكن الأهم أن يقتنع بأن وجوده سوف يضيف، وأن يرضي العمل المشاهد، فهو يعتبر كل مشهد يقف خلاله أمام الكاميرا إضافة إليه وزيادة في رصيده عند الجمهور، ويقول عن ذلك “لا يشغلني كثيرا تاريخ من يعملون معي، لأنني في يوم من الأيام كنت وجها جديدا أبحث عمن يقف إلى جانبي”.

صنع نصار لنفسه دستورا لا يحيد عنه في مختلف أعماله الفنية، فإن لم يجد إضافة جديدة لا يقبل المشاركة، واستطاع أن يكون صاحب بصمة قوية في كل الأعمال التي يشارك فيها، ولم يجد صعوبة في حجز مكان وسط الساحة الفنية التي تعج بمئات الفنانين من مختلف التوجهات والأعمار، وأكثرها يمتلك شعبية كبيرة لدى الجمهور.

يرتبط نجاح نصار في أن يصبح نجم شباك لدى الجمهور العربي بأنه مثقف إلى حد بعيد، وقارئ جيد للتاريخ والأدب والشعر، ويجيد مخاطبة الجمهور وكسب وده، حيث يختار كلماته بعناية، ويمتلك أسلوبا مقنعا يعتمد على السهل الممتنع، كما أنه بطبعه شخصية هادئة متزنة تحمل الكثير من سمات الرجل الشرقي، ما انعكس على طريقة أدائه لكل دور يقدمه.

سهل اهتمامه بالتاريخ كنوع من التثقيف الذاتي تجسيد الكثير من الشخصيات التاريخية، بل إنه نجح إلى حد بعيد في إعادة الجمهور لمشاهدة هذه النوعية من الأعمال الفنية، بحكم أن أكثرهم يملك هذا النوع من الفن ويفضل عليه الدراما أو السينما التشويقية والأكشن والأعمال التي تعكس الواقع الحاضر، وليس تلك التي تتحدث عن الماضي.

عندما تقمص دور الخليفة عمر بن عبدالعزيز في مسلسل “أبوجعفر المنصور”، ومن بعده شخصية الخليفة المأمون في مسلسل “أبناء الرشيد”، تم تصنيفه ضمن أكثر الفنانين الذين يجسدون الشخصيات التاريخية والسياسية كما لو كانت تعيش في حاضرنا.

لم تشغله الأعمال الدرامية التي تناقش قضايا عصرية، أو تلك التي تتطرق إلى أحداث تاريخية عن الدخول بقوة في المجال السينمائي، حيث شارك في فيلم “بصرة” وتقمص دور شاب مخرج إعلانات من حي شبرا الشعبي وسط القاهرة، وقدم صورة للشباب الشغوف بالقفز من الفقر إلى الثروة.

الفنان والسياسي

قدم الدور الأهم بالنسبة له في مشواره بالسينما المصرية بالمشاركة في بطولة فيلم “أدرينالين”، وقدم دور ضابط شرطة يتمتع بسمات استثنائية، كما شارك في فيلم “بنتين من مصر”، وناقش قضية لها أبعاد مرتبطة بالمجتمعات الشرقية، عندما تمسك بأن تقوم خطيبته بإجراء كشف عذرية للتأكد من أنها فتاة، وبعدها شارك في “حفل زفاف”، ثم قام ببطولة فيلمي “مصور قتيل” و”ساعة ونصف”.

يمكن أن تشعر مع هدوء نصار وتجنب الظهور المتكرر في وسائل الإعلام، أنه شخصية انطوائية تتحفظ على الاحتكاك بالآخرين، لكن في حقيقة الأمر هو فنان يرفض انعزال الممثل عن مجتمعه وقت التوترات، بذريعة أن اقتراب الممثل من السياسة سوف يؤثر على مشواره الفني، لأنه جزء من المجتمع وغير مقبول أن يلتزم الحياد وقت الأزمات حفاظا على رصيده.

امتزجت أعماله الدرامية والسينمائية بالصبغة السياسية، واعتاد أن تلامس أدواره التطورات الحاصلة في المجتمعات العربية، بحكم أنها مقبولة لدى قطاعات كبيرة من الجمهور بمختلف انتماءاته وأعماره أو حتى الطبقة الاجتماعية التي يمثلها.

دفعته هذه القناعات ليشارك في المظاهرات التي خرجت في ديسمبر عام 2012 ضد الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي، وقت أن أصدر إعلانا دستوريا مكبلا للحريات الإعلامية والقضائية والسياسية، ثم عاد للمشاركة في ثورة 30 يونيو 2013 التي أسقطت حكم الإخوان، ودعا الناس للنزول إلى الشارع لتخليص البلاد من هذا الفكر الرجعي.

فسر البعض جرأة نصار في الوقوف بوجه الإخوان بتأثره بتجسيد دور “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مسلسل “الجماعة”، واقترابه من فكر هذه الفئة، ما جعله يخرج من المسلسل وهو كاره لكل ما هو إخواني “فكرا وعقلا وتصرفا”، ويرتبك كل ذلك بالدم والتكفير والخراب والدمار. عندما سُئل عن كيفية تقمص دور مؤسس جماعة الإخوان، ثم تجسيد ضابط إسرائيلي في فيلم “الممر”، والفارق الشاسع بينهما، أجاب بأن “كليهما واحد، فالإخوان والإسرائيليون وجهان لعملة واحدة، ومصالحهما متقاربة وتكاد تكون متطابقة”.

يظل دوره في مسلسل الجماعة علامة في مشواره الفني، حيث كان من الصعب عليه تجسيد شخصية مؤسس جماعة الإخوان، وهو في الأساس يعاديه، لكنه تغلب على شعوره الداخلي، ونجح في تقديم عمل فني أحدث طعنة في ظهر الجماعة على مدار تاريخها، وتسبب في أن يتعرض له الإخوان بهجوم شرس، إلى درجة أن بعضهم أفتى بتكفيره بذريعة أنه أهان الإسلام بتشويه صورة الجماعة.

تجاهل الهجمة الإخوانية، واستمر في تقديم قوالب فنية سياسية، آخرها عندما شارك في فيلم “18 يوم” الذي يدور حول أحداث ثورة 25 يناير 2011، التي أسقطت نظام حسني مبارك، وكيف تسبب الفساد والقمع والتعذيب والتوريث في خروج الناس بشكل جماعي ومنظم. يرتبط شغفه بالتقرب من الثورات، بأنه يعتبرها عاملا رئيسيا في إصلاح الفن العربي، ويقول عنها “فتحت الباب على مصراعيه لظهور أجيال جديدة من الشباب لتقديم أدوار بطولية كانوا محرومين منها وألغت احتكار فئة بعينها لهذه الأدوار، والأهم أن الثورات أدخلت ثقافة جديدة في الفن، وهي البطولة الجماعية”.

أكثر ما يميز نصار، أنه يعتبر كل عمل فني يقدمه مجرد بداية، ويتعامل مع أيّ دور يقوم به على أنه نقطة انطلاقة نحو التقرب إلى الجمهور، أيّ أنه لا يتسلل إليه الشعور بأنه وصل إلى قمة النجومية، أو أصبح نجما ينافس الكبار في الوسط الفني، فهو عندما يحقق نجاحا في أيّ عمل يغلق الصفحة ليبدأ من جديد.

حصانة ضد اللعنات
لم يجد صعوبة في تحصين نفسه من الإصابة بلعنة النجومية وصدارة المشهد الفني ما ساعده على الحفاظ على قاعدته الجماهيرية بين مختلف الفئات، لأنه شخصية متواضعة تعادي الغرور.

تأسست قناعات نصار، من إدراكه التام بأن لقب النجم الفني تمنحه الجماهير والنقاد فقط، وليس من حق الممثل أن يقيّم نفسه أو يضع لذاته مكانة، أو يحدد رقمه وموقعه في ترتيب النجوم، فالفنان دوره الفن، ومن هم خارج هذا الإطار، سواء كانوا مشاهدين أو نقادا، دورهم القاضي الذي يحكم على الأداء.

من النادر أن يتورط في تصريحات تثير غضب الناس عليه، ويقدّس رأي الجمهور في أعماله، ويرفض أن يناقش منتقدي أدواره في وجهات نظرهم، بل يقبلها بصدر رحب. هكذا هو شخص دبلوماسي يصعب أن تفتش في دفاتره وترصد له معارك أو خصومات.

ويرفض أن يكون خطابه وتمثيله موجهين لفئة أو طبقة بعينها، بل لكل المجتمع، فهو يسعى دائما لأن يقدم فنا له دلالة اجتماعية وسياسية للخروج بنتائج ورسائل وحقائق تبدو غائبة عن كثيرين، يهدف من ورائها تصحيح مفاهيم مغلوطة وهدامة وموروثات عقيمة عفّى عليها الزمن.

عندما قدّم دور سليم، في مسلسل “أريد رجلا”، استطاع ببراعة أن يناقش قضية تشغل اهتمام الكثير من المجتمعات القبلية، مثل صعيد مصر، بإنجاب الذكور، بذريعة أنهم يحملون اسم ولقب العائلة، ومع رضوخه لرغبات والدته في العمل، الفنانة سهير المرشدي، بالزواج من امرأة ثانية لأن زوجته الأولى تنجب إناثا فقط، انتهى الحال بانفصاله عن زوجتيه، ودُمرت حياته، وخسر وظيفته المرموقة، لأنه لم يكن شجاعا في الوقوف بوجه التقاليد الاجتماعية الهدامة.

تظل الشريحة الأكبر من الجمهور من هواة الشاشة النظيفة، وإياد نصار يحافظ على صورته كفنان يعادي الابتذال والخروج عن الآداب العامة وعدم احترام خصوصية المجتمعات الشرقية المحافظة، بغض النظر عن وجود أجيال صاعدة تناهض هذا الفكر أم لا، لذلك أصبح من الفنانين القلائل الذين حصّنوا أنفسهم من سهام النقد بالثبات على مبدأ التعلم من أخطاء الآخرين.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية