إيران إذ تتحالف مع "القاعدة".. هل بقي هناك شيطان أكبر؟

إيران

إيران إذ تتحالف مع "القاعدة".. هل بقي هناك شيطان أكبر؟


18/06/2019

في ظلّ التوترات الإقليمية القائمة، والتي تبدو فيها إيران ضلعاً رئيساً في مثلث الأزمات الموجودة بمنطقة الخليج، وتحديداً لجهة دورها في سوريا واليمن؛ تتكشف أدلة جديدة عن تورطها في التعاون مع منظمات إرهابية، وجماعات مسلحة، تعرّي من خلالها مصالحها الخفية والمستورة، تحت غطاء المساعدات الإنسانية تارة، وتحرير القدس، ومحاربة واشنطن وتل أبيب، تارة أخرى.

اقرأ أيضاً: إيران وإستراتيجية "حافة الهاوية"
بيد أنّها ما تزال تفتح جيوباً طائفية ومذهبية، عبر ميليشياتها ووكلائها المحليين، بغية مدّ نفوذها السياسي والأيدولوجي، واستمرار رغبتها في توطين نموذجها للحكم، وتصدير الثورة و"الجمهورية الإسلامية" لمختلف البلدان العربية والإسلامية، ودول "المستضعفين"، كما يندرج في أدبياتها، ويقع ضمن أهدافها الإستراتيجية.
انبعاث القاعدة من طهران.. ما القصة؟
بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة وضع الحرس الثوري الإيراني ضمن قوائم الإرهاب، في 8 نيسان (أبريل) العام الحالي، جاء تصريح لافت، من أحد قادة الحرس الثوري السابقين، سعيد قاسمي، والذي كشف أنّ قوات الحرس دعمت الجماعات الجهادية المسلحة في البوسنة، خلال تسعينيات القرن الماضي، وتحالفت مع تنظيم القاعدة؛ حيث عمدت إلى استثمار الدور الإغاثي، عبر الهلال الأحمر الإيراني، الذي كان ينقل مساعدات إلى مناطق الصراع والحروب، بينما قامت بتدريب القوات الجهادية، المتواجدة ميدانياً، وتقاتل هناك، حيث شكّلت وحدات جهادية مع كافة المجاهدين في العالم.

غضّت طهران أعينها لعدّة أعوام عن عبور عناصر تنظيم القاعدة لأراضيها، بغية الانضمام لميليشيات مسلحة في العراق

توافقت تصريحات قاسمي مع تصريحات مماثلة، أيّد مضمونها حسين الله كرم، أحد قادة الحرس الثوري المتقاعدين أيضاً، وهو ما فتح شهية التيار المتشدد، والعديد من المحافظين داخل النظام الإيراني، للهجوم والتشنيع ضدّ الشخصيتين، اللتين نسبت إليهما تلك التصريحات، وعدّوها تصبّ في مصلحة ما قامت به الإدارة الأمريكية، من وضع الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، وتعزز من مشروعية القرار، والذي لطالما حاولت النخبة السياسية الحاكمة، نفي صحته، بدعوى عدم وجود صلات للحرس بالتنظيمات الإرهابية، والتملص من العمليات التي تقوم بها.
وقد نفى المتحدث الرسمي، باسم الحرس الثوري كلّ ما ورد في تلك التصريحات، وقال: إنّ "التصريحات التي أدلى بها سعيد قاسمي، الضابط المتقاعد بالحرس الثوري، عن استخدام الهلال الأحمر كغطاء للعمليات تفتقر إلى المصداقية".
 سعيد قاسمي، الذي كشف أنّ قوات الحرس دعمت الجماعات الجهادية المسلحة في البوسنة

صراعات محتدمة وتراشق بالكلمات
ومن جهته، نفى الهلال الأحمر الإيراني الأمر ذاته، وأكد في بيان رسمي؛ أنّه في صدد تقديم شكوى رسمية ضدّ قاسمي، بيد أنّ تصريحات قاسمي، بعثت بالعديد من الأسئلة والتكهنات، حول ماهية النشاط والأعمال التي تقوم بها جمعية الهلال الأحمر في إيران، ومدى توظيفها من قبل الحرس الثوري، بغرض دعم الميليشيات الإيرانية خارج الحدود، والذي تسبّب في وضع الجمعية في حرج شديد، لما تمثله تلك الاتهامات من مخالفات خطيرة أمام القانون الدولي، وفقدان الجمعية لمصداقيتها القانونية والأخلاقية، كمنظمة إغاثة.
ثمة تقارير، سياسية وحقوقية، تشير إلى استخدام الحرس الثوري الهلال الأحمر أداة لتمرير أهدافه السياسية والعسكرية، في إطار صراعات طهران، وحروبها الإقليمية؛ حيث سبق للحكومة اليمنية، عام 2009، أن أوقفت أنشطة مؤسستيْن علاجيتيْن تابعتيْن للهلال الأحمر الإيراني، إثر اتهامات مماثلة.

اقرأ أيضاً: أمريكا وإيران.. هل حان وقت المواجهة؟!
وعام 2016؛ وفي ذروة الصراع الذي تقوده طهران باليمن، عبر ميليشيات الحوثي، التابعة للحرس الثوري، اتهمت الحكومة اليمنية إيران، بإرسال أسلحة إلى الحوثيين، بواسطة جمعية الهلال الأحمر.
وشّن أصوليون ضمن الجناح المتشدد داخل النظام، بعضهم نواب بالبرلمان، والبعض الآخر، من النخبة الدينية، هجوماً على تصريحات قاسمي؛ ووصفوها بأنّها تمثل خطراً على الأمن القومي الإيراني، وتعدّ بمثابة دليل قاطع في يد الإدارة الأمريكية، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يؤكّد صحة قراره بتصنيف الحرس الثوري على قوائم الإرهاب.
وصرّح أحمد سالك، أحد قادة جمعية علماء الدين الإيرانيين، بأنّ "هذه التصريحات ليست أمراً صحيحاً في ظلّ الظروف الراهنة"، ووجه بضرورة أن يتصدى الحرس الثوري لها، ومتابعة ما يدور بشأنها، ويتكفل بالردّ عليها.
اتهمت الحكومة اليمنية إيران، بإرسال أسلحة إلى الحوثيين

بين التباين المذهبي والبراغماتية السياسية
وبحسب تقرير الحالة الإيرانية، الصادر الشهر الجاري، عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية؛ فإنّ "تصريحات قاسمي تؤكد أنّ العلاقة بين الإيرانيين وتنظيم القاعدة، لم تبدأ فقط بعد غزو أفغانستان، بل من المرجح أنها سبقت هذا التاريخ بكثير؛ حيث إنّ حرب البوسنة كانت في بداية التسعينيات، وقاسمي تحدّث عن تعاون، ولم يحدّد ما إذا كان هذا أول تعاون بين الجانبين، أم كان هناك تعاون وشراكة قبله، فيكون التعاون بين الطرفين إذاً، ليس بسبب الضربات التي تعرض لها التنظيم في أفغانستان؛ فقد كانت بين الجانبين قنوات مفتوحة، ربما، منذ حرب البوسنة أو قبلها، وإن كان الغزو الأمريكي لأفغانستان رسّخ هذا التعاون، وقوّى شوكة إيران في المعادلة، ما يعزز السياسة البراغماتية لدى الطرفين."

ثمة خصائص تجمع إيران والقاعدة في رؤيتهما للدين والدولة، ساهمت في تلاقي المصالح والرؤية والأهداف بينهما

على الجانب الأيديولوجي، ثمة خصائص تجمع كلا الجانبين، في رؤيتهما للدين والدولة، ساهمت في تلاقي المصالح والرؤية والأهداف بينهما، كما تشير دراسة المعهد الدولي؛ حيث إنّ النخبة الإيرانية تؤمن بولاية الفقيه وهيمنته، وامتداد سلطاته خارج الحدود، والتي تتماثل في مضمونها مع مفهوم "أستاذية العالم" أو دولة "الخلافة"، لدى تنظيم القاعدة، وغيره من التنظيمات الإسلاموية، ومن ثم، فإنّ الفريقين يجتمعان على التشابك مع "العدو البعيد"، المتمثل في الدول الغربية، وإنهاك العدو القريب، الذي يتمثل في الدول الوطنية بالمنطقة، وبالتالي، يسعى كلاهما إلى الانقلاب عليها، ونزع الشرعية السياسية عنها.
وفيما يبدو أنّه رغم التباين المذهبي بين النخبة الحاكمة الإيرانية، من جانب، وتنظيم القاعدة، من جانب آخر، فإنّ هناك مصالح مشتركة للطرفين أدّت إلى هذا التعاون، بحسب ما يشير التقرير الشهري للمعهد الدولي؛ فالإيرانيون وجدوا في إيواء قادة من تنظيم القاعدة، نوعاً من الضغط على أمريكا، بالإضافة إلى توجيه أعمال القاعدة بعيداً عن إيران، حماية لها من الاستهداف، ومن ثم، ينعكس على تهدئة بعض التوترات على الأطراف الإيرانية، من قبل بعض المحسوبين على القاعدة منهجياً، خصوصاً الحدود الإيرانية الباكستانية.
 تنظيم القاعدة قَبِل بهذه المعادلة مع الإيرانيين، تبعاً للظرف السياسي الذي مرّ به

من هنا عبروا!
وتوضح وثائق عدة، ظهرت في إطار التحقيقات إبان ما عرف بـ "غزوة منهاتن"، في أيلول (سبتمبر) 2011؛ أنّ تنظيم القاعدة قَبِل بهذه المعادلة مع الإيرانيين، تبعاً للظرف السياسي الذي مرّ به، في الفترة التي أعقبت الغزو الأمريكي لأفغانستان؛ حيث اضطرت بعض قيادات التنظيم إلى الفرار واللجوء إلى طهران، التي وفرت لهم الدعم والملاذ، بإشراف من قاسم سليماني، الذي كان خطّ الإتصال المباشر مع هؤلاء القادة التنظيميين.

اقرأ أيضاً: محمد بن سلمان: الاضطرابات السياسية مصدرها إيران والقاعدة وداعش والإخوان
ومن بين هؤلاء، جعفر الأوزبكي، والأخير، ساهم في دعم جماعة جبهة النصرة، في سوريا، المحسوبة على القاعدة، خلال فترة تواجده وإقامته في طهران، وحول هذه النقطة تحديداً، التي يبدو فيها أنّ النظام الإيراني استثمر تلك الجماعات لحسابات إقليمية، ما كانت لتتوافر له من دون هذا الفصيل، بهدف تحقيق أغراضه الميدانية والسياسية، فإنّ تقريراً للأمم المتحدة، يزيل الغموض والإلتباس عنها؛ إذ يشير إلى أنّ زيادة دعم إيران للقاعدة، خلال الحرب السورية، استهدف "لملمة شتات تنظيم "داعش"، وجيوبه في سوريا، عبر إعادة تأهيل وبناء تنظيم القاعدة، باستخدام علاقاتها الإستراتيجية والتاريخية بقادة التنظيم".
وكشفت وثائق الاستخبارات الأمريكية، المفرَج عنها، في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2017؛ أنّ عناصر القاعدة الذين فرّوا إلى إيران، في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان، في الفترة بين عامي 2001 و2002، استقروا في طهران، بكل سهولة، تحت مرأى ومسمع أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

اقرأ أيضاً: التوتير الإيراني والموقف اللبناني
وتضيف: "غضّت طهران أعينها، لعدّة أعوام، عن عبور عناصر تنظيم القاعدة لأراضيها، بغية الانضمام لمليشيات مسلحة في العراق؛ بل حتى لقتال الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران نفسها.
وفي الوثائق ذاتها؛ ثمة إشارة إلى وجود نحو 470 ألف ملف، لزعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بعد الغارة التي نفذتها قوات البحرية الأمريكية عام 2011، على مجمع بن لادن في باكستان، تفصح عن صلة وثيقة تجمع إيران بتنظيم القاعدة؛ إذ قدّمت إيران للأخير، التمويل والأسلحة، فضلاً عن تدريب أعضاء من القاعدة، في معسكرات حزب الله في لبنان، بهدف ضرب التنظيم للمصالح الأمريكية، في السعودية والخليج.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية