إيران: انتخابات بلا معركة؟

إيران: انتخابات بلا معركة؟


02/02/2020

حسن فحص

على مسافة نحو 20 يوما عن موعد الانتخابات البرلمانية الايرانية، مازال الغموض يلف الاجواء حول طبيعة التحالفات التي ستخوض المعركة الانتخابية داخل التيارين الاصلاحي والمحافظ على حد سواء.

واذا ما كان الوضع بالنسبة للتيار المحافظ يتجه الى حسم سريع للنتائج حتى قبل موعد الاقتراع، الا ان ذلك لم يمنع او يقطع الطريق امام بروز تناقضات وصراعات بين اجنحة هذا التيار للحصول على الحصة الاكبر من المقاعد النيابية ما يسمح له بالتالي التحكم بقرار هذا التيار على حساب القوى والاجنحة الاخرى المتنافسة.

وينصب تركيز المحافظين على معركة العاصمة طهران التي تشكل بالنسبة لهم "ام المعارك" الانتخابية في تنافسهم وصراعهم مع التيار الاصلاحي والرئيس حسن روحاني، انطلاقا من قدرتهم على التحكم بنتائج الريف ومناطق الاطراف من خارج المدن الكبرى ومراكز المحافظات، خصوصا في مدن مثل مشهد واصفهان وشيراز، في حين سيواجه تحديا كبيرا في محافظة خوزستان خصوصا في تمثيل الصوت العربي في الاهواز والنواحي التابعة لها.

خصوصية معركة طهران، انها في حال انتقل تمثيلها الى التيار المحافظ، فانها ستشكل هزيمة واضحة للتيارين الاصلاحي والمعتدل على حد سواء، وستعتبر لدى المحافظين بمثابة ثأر واضح للهزائم التي لحقت بهم في كل الانتخابات السابقة بمختلف انواعها، ان كان في المجالس البلدية او مجلس خبراء القيادة او النابية، والانتصار فيها يعني في السياسة خسارة التيار الاصلاحي قاعدته الشعبية التي يعتمد عليها في طهران، كونها عاجزة عن ايصاله او فرض شراكته على خصومه في البرلمان، فضلا عن محاولة ترسيخ فكرة ان المزاج العام الايراني وخاصة الطهراني يميل لصالح القوى والاحزاب المحافظة، بالاعتماد على الحالة العاطفية الشعبية التي شهدتها طهران في الاسابيع الاخيرة خلال تشييع قائد قوة القدس في حرس الثورة الجنرال قاسم سليماني.

ويسعى المحافظون لترتيب بيتهم الداخلي وتنظيم لوائح مرشحيهم وتحديدا في طهران لمنع التيار الاصلاحي من اصطياد الاصوات على حسابهم اذا ما كانوا في لوائح متعددة، لذلك فان الجهود داخل هذا التيار تنصب على تقريب وجهات النظر بين اجنحته من اجل التوصل الى لائحة موحدة وواحدة من ثلاثين إسما موزعة بالتوازن بينها تأخذ بعين الاعتبار الكوتا النسائية والكوتا الشبابية، وتكون قادرة على حسم إسم مرشح رئاسة البرلمان المقبل، والذي من المرحج ان يكون الجنرال في حرس الثورة وعمدة طهران السابق محمد باقر قاليباف رأس القائمة عن العاصمة بعد مرور الاسماء المرشحة التي يتجاوز عددها 150 اسما في مراحل التصفية عبر انتخابات داخلية لتصل في المرحلة الاولى الى 90 إسما ثم اعادة تصفية لترسو الامور على 30 إسماً بعدد المقاعد المخصصة لطهران.

في المقابل يبدو ان التيار والقوى الاصلاحية لا تملك رفاهية الاختيار بين المرشحين المنتمين لهذا الاتجاه، فمقصلة لجنة دراسة الاهلية في مجلس صيانة الدستور كفتهم عناء الدخول في متاهة الاختيار والمفاضلة بين مرشح واخر، فلم تترك لهم أياً من شخصيات الصف الاول او حتى الصف الثاني، حتى انها اطاحت بالاسماء المحافظة المعترضة التي قد تشكل نقطة التقاء في الرؤية مع الاصلاحيين..

أربعون إسماً من الاصلاحيين استطاعوا العبور من مصفاة مجلس صيانة الدستور ليكونوا مرشحي التيار الإصلاحي والمعتدل عن دائرة طهران، ما يعني ان الاصلاحيين لن يكونوا امام تحدي تشكيل لائحة تمثلهم في مواجهة لائحة القوى المحافظة، في حال تمكنت هذه القوى من التوصل الى تفاهم داخلي بينها، الا انهم سيكونوا – اي الاصلاحيين- امام تحدي اعادة انتاج هويتهم السياسية والفكرية، خصوصا وان المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تحدٍ حقيقي، وسيكون على الاصلاحيين مواجهة مشروع جر ايران الى نظام جديد يختلف في جوهره عن النظام الذي أسسته الثورة قبل اربعة عقود، خصوصا في البعد الجمهوري الذي قام عليه. وبالتالي اعادة ترميم العلاقة بينهم وبين الشرائح الاجتماعية ذات التوجهات المختلفة والمتنوعة، ما يعني ان عليها مواجهة المساعي التي تحاول الانتقال بايران الى نظام قائم على الشراكة بين المؤسستين العسكرية والدينية والعمل على انتاج سلطة دينية تستند في شرعيتها على اقلية شعبية مؤدلجة او مصلحية الى جانب قوة عسكرية تقبض على مفاتيح القرار.

امام هذا الكم الكبير من التحديات التي تحملها الانتخابات البرلمانية للتيار والقوى الاصلاحية والمعتدلة، قد يكون من الطبيعي ان تعلن هذه القوى الانسحاب من السباق البرلماني ومقاطعة الانتخابات التي تمت "هندستها" بشكل دقيق من قبل السلطة والقوى المحافظة، الا ان الاصرار الذي تبديه القيادات الإصلاحية ومعهم الرئيس حسن روحاني بالاصرار على المشاركة مع اعترافهم بالعجز عن تحقيق خرق في النتائج، ينبع من حرص هذه القوى للحفاظ على احد اهم ابعاد النظام الايراني وعدم التأسيس لسابقة اجراء انتخابات من دون منافس تكون بمثابة "تزكية" للمحافظين والتسليم لهم بالسيطرة على مفاصل الدولة والقرار وأخذها الى حيث يريدون. من هنا يمكن فهم الهجوم القاسي الجريء الذي شنه روحاني قبل ايام دفاعا عن البعد الجهوري في النظام الذي يمثل ما تبقى من مظاهر الديمقراطية، وان ايران لا يمكن ان تحكم من حزب واحد، فالمجتمع الايراني بتنوعه وتعدده لن يقبل بمثل هذا الامر، وعلى الاخرين ان يفهموا حقيقة ان استبعاد الاخرين قد يتحول الى تهديد حقيقي لوحدة ايران واستقرار نظامها.

عن "المدن"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية