إيران تحت الضغط مجدداً.. خلاصة سيناريوهات القرار الأمريكي

إيران وأمريكا

إيران تحت الضغط مجدداً.. خلاصة سيناريوهات القرار الأمريكي


06/05/2018

لا أحد يستطيع، على وجه الدقة، الإجابة عن جملة التساؤلات التي تطرح حول القرار الأمريكي المحتمل بخصوص الصفقة النووية؛ حيث تعدّدت السيناريوهات للقرار الأمريكي حول هذا الاتفاق، ما بين الإبقاء عليه والتفاوض على التهديدات التي تمثلها إيران في الإقليم، أو تعديل الاتفاق نفسه، بإعادة التفاوض على بنوده من حيث المدد الزمنية، وإدخال تعديلات مرتبطة بصناعة الصواريخ الإيرانية، وتدخلها في الإقليم، أو انسحاب أحادي تنفرد به الولايات المتحدة، وهو ما يعني الوصول إلى السيناريو الرابع، وهو الانهيار الكلي للاتفاق، ولكلّ سيناريو من هذه السيناريوهات الأربعة عوامل مساندة، وأخرى تشكل عراقيل ومحاذير، سواء من حيث حجم التأييد والرفض داخل الإدارة الأمريكية، أو الكونغرس الأمريكي، وتداعيات كلّ سيناريو على علاقات الولايات المتحدة مع كلّ من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى انعكاسات كلّ سيناريو في الإقليم، ارتباطاً بردود الفعل المحتملة من قبل القيادة الإيرانية، بما فيها احتمالات الحرب في حال انهيار الاتفاق.

 احتمالات الحرب في حال انهيار الاتفاق

من الواضح أنّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وعلى خلفية مخرجات حواراته مع القادة الأوروبيين (ماكرون، ميركل، وتيرزا ماي)، يصرّ على تعديل الاتفاق، بما يضمن شروطاً جديدة على الاتفاق النووي، والحدّ من برنامج إيران الصاروخي، وتغيير سلوك إيران في المنطقة، وربما قدمت مبادرة الرئيس الفرنسي، ذات المحاور الأربعة، أملاً في التوصل إلى حلول وسط تحول دون الانهيار الكامل للاتفاق، وهي: (ضبط البرنامج النووي الإيراني في إطار الاتفاقية الحالية، واتفاق جديد طويل الأجل لضمان طبيعة برنامج إيران النووي السلمية، والحدّ من برنامج الصواريخ الإيرانية ومناقشة القضايا الإقليمية)، إلّا أنّ تقديرات الرئيس الفرنسي المتضمنة أنّ ترامب يجنح باتجاه إلغاء الاتفاق لأسباب داخلية، عززت إمكانية أن يذهب الرئيس الأمريكي باتجاه هذا الخيار، خاصة أنّه كان الأصدق من بين الرؤساء الأمريكيين التزاماً، بترجمة برنامجه الانتخابي ووعوده على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، سواء ما يتعلق بإعادة تنظيم الهجرة إلى أمريكا، أو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أو بناء الجدار العازل مع المكسيك، وانسحابه من اتفاقات دولية، تمّ إنجازها في إطار العولمة؛ كالتجارة الحرة والمناخ، كما أنّ "الانهيار" المفاجئ لكوريا الشمالية أمام الضغوط الأمريكية، بتنازلات غير مسبوقة شملت القبول بتفكيك برنامجيها النووي والصاروخي، مقابل وقف استهداف النظام ورفع العقوبات الاقتصادية، سيشكّل دافعاً قوياً للرئيس ترامب، لرفع شروطه على إيران، وربما الإصرار على إلغاء الاتفاق.

الإجماع الشعبي على رفض نهج القيادة الإيرانية سيتعزز مما يعني انتقال الصراع في القيادة إلى مستويات جديدة

وبصرف النظر عن القرار الذي سيتم اتخاذه، سواء بتعديل الاتفاق أو إلغائه، فإنّ تداعياته على إيران ستكون أكبر من المتوقع، وفق كثير من الخبراء؛ حيث من المؤكد أنّ ظاهرة عدم "تماسك" القيادة الإيرانية، التي تفجّرت بعد انتفاضة الشعوب الإيرانية، منذ أواخر العام الماضي، بإجماع شعبي على رفض القيادة الإيرانية ونهجها "متشددين وإصلاحيين" ستتعزز، وهو ما يعني انتقال الصراع في القيادة الإيرانية إلى مستويات جديدة، خاصة أنّ الاتفاق يعدّ منجزاً للتيار الإصلاحي، وهو ما يفسر تصدي الرئيس روحاني ووزير خارجيته للدفاع عنه، مقابل ضعف ظهور ردود الفعل من قبل التيار المتشدد، خاصة الحرس الثوري، في ظلّ إدراك أنّ إلغاء الاتفاق يعني عودة العقوبات المفروضة قبله، حول الصادرات العسكرية والنووية إلى إيران إضافة للاستثمارات في مجال النفط والبتروكيماويات، وقائمة طويلة من العقوبات الاقتصادية، المرتبطة بالشركات التي يشرف عليها ويديرها الحرس الثوري الإيراني، وإلغاء عقود الاتفاقات التي شكلت أملاً بالخلاص الاقتصادي، بعد توقيع الاتفاق، وهو ما يعني تراجعاً في كافة المؤشرات الاقتصادية، وتعزيز أسباب انتفاضة جديدة في إيران.

خيارات القيادة الإيرانية تبدو محدودة، وذات كلف عالية على إيران، في مواجهة القرار الأمريكي

إنّ خيارات القيادة الإيرانية تبدو محدودة، وذات كلف عالية على إيران، في مواجهة القرار الأمريكي، بما فيها خيارات الذهاب إلى الحرب، لذا كانت التهديدات بالبدء الفوري برفع نسب تخصيب اليورانيوم، والدعوات من قبل المرشد الأعلى لتشكيل تحالفات إسلامية، أو مع روسيا والصين، بهدف "عقلنة" القرار الأمريكي، فمصالح كافة الأطراف مع أمريكا أكبر من حسابات مصالحها مع إيران، بما فيها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي؛ حيث إنّ ما نسبته 90% من العقوبات مرتبط بأمريكا، فيما تتطلع الصين وروسيا وأوروبا للاستفادة من رفع العقوبات عن إيران، للحصول على حصتها من الاقتصاد الإيراني "المتهالك"، وهو ما يعني أنّ بقاء تلك القوى في حال انسحاب أمريكا منه يعني إسقاطه؛ لأنّ الشركات العالمية لن تغامر بعلاقاتها مع أمريكا بالتعامل مع إيران.

وفي الخلاصة، رغم أنّه من غير الواضح اتجاهات القرار الأمريكي القادم بخصوص الصفقة النووية، لكون كافة الاحتمالات قائمة، بما فيها الخيار الأكثر خطورة على إيران، وهو إلغاء الاتفاق، إلّا أنّ ترجيحات كثيرة تشير إلى أنّ المقترحات الأوروبية بفرض ملحق على الاتفاق يعالج الثغرات التي نفذ منها الحرس الثوري، وتحديداً البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي لإيران في المنطقة، وهو ما يشار إليه باستفادة إيران من الاتفاق، وعدم قدرته على ضبطها واحتوائها، كل ذلك سيسهم في إضعاف إيران، ويؤسس للتغيير الشامل من الداخل الإيراني، خاصة أنّ أمريكا أظهرت انسجاماً مع أوروبا في قضايا دولية وإقليمية، تمثلت بالضربة الصاروخية الثلاثية للنظام السوري، والموقف الحازم من روسيا على خلفية قضية الجاسوس المزدوج في بريطانيا، رغم الخلافات التجارية بين أمريكا والدول الأوروبية، الأمر الذي يعني أنّ أوروبا ستتوافق مع أمريكا على القرار.

 

*كاتب وباحث في الأمن الإستراتيجي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية