إيران تحوّل شارع أنس بن مالك في دمشق إلى الإمام الخميني

إيران تحوّل شارع أنس بن مالك في دمشق إلى الإمام الخميني


19/10/2020

"الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيّته وجواز سفره، بل لمن يدافع عنه ويحميه"؛ لم يكن هذا التصريح الذي أدلى به الرئيس السوري، بشار الأسد، في 26 تموز (يوليو) العام 2015، سوى تعبير عن درجة قصوى من الالتباس والخلط التي حدثت في سوريا، تحت تأثير سنوات الحرب، والتغييرات العنيفة التي شكلتها التدخلات الخارجية، خاصة، التي جرت برعاية النظام.

 ورغم العبارة التي تبدو أقرب إلى (الكليشيه)، وتستجيب إلى تأويلات عديدة، إلا أنّ سياقها الدلالي يفصح عن مضمونها المباشر والعلني، لا سيما في ظلّ وجوه التغيير الديموغرافي التي تراكمت فوق المدن السورية، وشوارعها التاريخية، وريفها، وأسواقها العتيقة، بالتهجير والتوطين والتجنيس، وعن طريق الميلشيات الإيرانية، ووكلاء الحرس الثوري. 

الجهود الإيرانية تسعى إلى حدّ كبير نحو تأمين نفوذها في دمشق وضواحيها، وكذا المنطقة الممتدة من المقام المسلم الشيعي للسيدة زينب وحتى الحدود اللبنانية

إيران وتوغّلها الناعم في المنطقة

مع تنامي النفوذ الإيراني، سياسياً وعسكرياً، في سوريا، الأمر الذي يعكس الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية للأخيرة في العقل السياسي للولي الفقيه، لتحقيق النفوذ الإقليمي بالمنطقة، الذي تسعى إليه منذ عقود، يبرز دور آخر يعمل بالموازاة مع الدور السياسي والميداني، من خلال أدوات التشييع، وتغيير التركيبة السكانية، لجهة خلق حاضنة مجتمعية، تحلحل البيئة القائمة، وتعمد إلى تشكيل أخرى غيرها، لتكون بمثابة حامل اجتماعي وسياسي للوجود الإيراني، ينقلها من الراهن إلى الدائم.

تعمل إيران ومليشياتها بدأب كبير من أجل إحداث تغيير ديموغرافي واسع في دمشق ومحيطها

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فإنّ الميليشيات الإيرانية غيّرت مؤخراً أسماء مجموعة من الشوارع التاريخية في دمشق، والتي تحمل دلالات وطنية سورية، إلى أخرى إيرانية، من بينها: شارع "أنس بن مالك"، والذي استبدل بـ "الإمام الخميني"، إضافة إلى شارع "الجيش"، الذي تحوّل إلى شارع "الإمام العباس"، كما تمّ وضع اسم "الشهيد قاسم سليماني" على شارع "أبو غروب"، وحملت شوارع أخرى أسماء الميلشيات الإيرانية، مثل شارع "فاطميون". 

ويشير المرصد السوري إلى مواصلة الميليشيات الإيرانية، والعناصر التابعة لها، مثل حزب الله اللبناني، عمليات التجنيد "بشكل سرّي وعلنيّ، في كلّ من الجنوب السوري، والضفاف الغربية لنهر الفرات، وذلك مقابل مبالغ مالية هائلة، ودعم مادي غير محدود، وكذا استخدام الدعاية الدينية، الطائفية والمذهبية، بغية استمرار عمليات التشييع"؛ إذ تجري في محافظة درعا، جنوب سوريا، أنشطة مختلفة للتعبئة والتجنيد بهدف استهداف الشباب والرجال، من خلال العناصر المدعومة من إيران، مثل: "سرايا العرين، التابعة للواء 313، شمال درعا، فضلاً عن مراكز عسكرية في صيدا وداعل وازرع؛ حيث يخضع المجندون الجدد لدورات تدريبية في منطقة اللجاة، شرق درعا، على حدود محافظة السويداء".

اقرأ أيضاً: ما الإستراتيجيات العربية لتجفيف الوجود الإيراني في سوريا؟

الحرس الثوري يسرق المدينة

ويلفت المصدر ذاته إلى أنّه؛ في المنطقة الحدودية المشتركة بين سوريا ولبنان، يقوم حزب الله بمواصلة التغلغل وتعزيز نفوذه في القنيطرة، وذلك بواسطة جذب الشباب الهاربين من ملاحقة الأجهزة الأمنية، لا سيما فيما يتّصل بعدم تنفيذهم الخدمة العسكرية الإلزامية، موضحاً أنّ عوامل التجنيد تتمّ لأسباب ومعطيات أخرى، من بينها "تردي الأحوال المعيشية، وانعدام فرص العمل، بالتالي، تتركز عمليات التجنيد والتشييع، في كلّ من مدينة البعث وخان أرنبة".

تعمل إيران ومليشياتها بدأب كبير من أجل إحداث تغيير ديموغرافي واسع في العاصمة السورية، دمشق، ومحيطها، إضافة إلى أماكن أخرى من سوريا؛ إذ استغلت إيران الفقر الشديد الذي أصاب الدمشقيّين، بحسب ما يشير إليه الصحفي السوري، زكي الجنيدي، "وذلك على خلفية سياسات نظام الأسد التخريبية التي تعاني من الفساد والمحسوبية، ومن ثمّ اشترى إيرانيون، وكذا عناصر من الحرس الثوري، الكثير من العقارات في دمشق، تحت وطأة التهديدات، بالذات في المناطق المحيطة بالمسجد الأموي، ومرقد السيدة رقية، وشارع الأمين، فحوّلتها إلى مناطق شيعية؛ حيث أصبحنا نرى اللطميات، وممارسات أخرى للمذهب الشيعي، في نسخته الإيرانية، بصورة علنية، في سوق الحميدية وغيره من الأماكن، حتى أصبحت المنطقة وكأنّها مربَّع أمني خاص بالإيرانيين والمليشيات الطائفية التابعة لهم".

ويضيف لـ "حفريات": "امتدّ التغيير الديموغرافي إلى الأحياء الجنوبية من دمشق، كمخيم اليرموك، وحي الحجر الأسود، وحي القدم، وأجزاء من حيّ التضامن، بعد أن دمّر القصف الهمجي الذي قامت به قوات الأسد هذه الأحياء، ولم يسلم ريف دمشق من التغيير الديموغرافي؛ فقد تحوّلت منطقة السيدة زينب إلى معقل لميليشيات إيران، منذ عام ٢٠١٢، كما تمّ تهجير أهالي داريا إلى محافظة إدلب، بعد حصار طويل وقصف مستمر، واستوطنت بدلاً منهم حوالي 300 عائلة عراقية شيعية، بذريعة وجود مقام السيدة سكينة".

تهجير وتوطين قسري

وفي عام 2018، وضمن ما عرف بـ "اتفاق المدن الأربع"، تمّ تهجير سكان بلدتَي الزبداني ومضايا، في ريف دمشق، إلى إدلب، حسبما يوضح الجنيدي؛ إذ تمّ إحلال شيعة أتوا من بلدتي الفوعة وكفريا بريف إدلب، بينما استولت ميليشيا حزب الله، في وسط سوريا وعلى الحدود مع لبنان غرباً، على مدينة القصير، عام 2013؛ التي تمّ تهجير سكانها، ومنعهم من العودة إليها، ومن ثمّ، توطين شيعة سوريين، شكّل الحزب منهم ميليشيا طائفية باسم "لواء الرضا". 

الصحفي زكي الجنيدي لـ"حفريات": تحوّلت منطقة السيدة زينب إلى معقل لميليشيات إيران، وهُجّر أهالي داريا بعد حصار طويل واستوطنت مكانهم 300 عائلة عراقية شيعية

بيد أنّ التركيبة الاجتماعية السورية، لا تساعد على نجاح مشاريع التغيير الديموغرافي التي تقوم بها إيران في سوريا؛ فإحلال أقلية مذهبية في محيط كبير من السكان الأصليين، يجعل بقاءها على قيد الحياة صعباً في المدى القصير والمتوسط، لكن ثمّة أبعاد أخرى تشكّل خطراً على الاستقرار والأمن في المستقبل، تتعلق بأنّها ستصبح بمثابة مفارز أمنية وعسكرية متقدمة للمشروع الإيراني في المنطقة، وذلك على غرار ما تقوم به ميليشيا حزب الله في لبنان، وكذا التشكيلات الأمنية العسكرية التابعة لإيران في عدد من الدول العربية.

وعليه، يرى المصدر ذاته؛ أنّ "الحلّ الوحيد لضمان الاستقرار في المنطقة هو تطبيق بيان جنيف واحد، وقرارات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا، لإجبار إيران على كفّ يدها، ومنعها من التدخّل في الشأن الداخلي للدول المحيطة؛ لأنّ هذا التدخل لم يكن ليحدث لولا الضوء الأخضر الأمريكي من إدارة أوباما".

اقرأ أيضاً: تركيا وإيران تنظمان اقتسامهما لمناطق النفوذ من العراق إلى سوريا ولبنان

وتتفق والرأي ذاته الباحثتان في معهد واشنطن؛ حنين غدار، ودانا سترول، اللتان تريان أنّ ضمان نفوذ طويل الأمد في سوريا يتطلب أكثر من الوسائل العسكرية، حسبما يعتقد القادة الإيرانيون، ومن ثم، فإنّهم "يطبّقون أفضل الممارسات، انطلاقاً من تجربتهم مع حزب الله في لبنان؛ حيث قام الوكيل الإيراني النافذ بترسيخ نفسه، ليس على الصعيد العسكري فحسب، بل على المستوى السياسي والديني والثقافي أيضاً". 

وبغية تطبيق هذا النموذج في سوريا، تتّبع طهران مسارَين من الجهود: أوّلهما؛ شراء العقارات، وتغيير التركيبة السكانية، وتطوير شبكات من الدعم بين دمشق والحدود اللبنانية، وذلك مع الهدف النهائي، المتمثل في إقامة منطقة سيطرة جغرافية مماثلة لمعقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.

 وثانيهما: تطبيق برامج اجتماعية ودينية واقتصادية، تهدف إلى استمالة المجتمعات المحرومة، التي قد لا تكون متفقة أيديولوجياً مع طهران، لكنّها تفتقر إلى البدائل القابلة للتنفيذ.  

وبحسب معهد واشنطن؛ فإنّ الجهود الإيرانية تسعى إلى حدّ كبير نحو تأمين نفوذها في دمشق وضواحيها، وكذا المنطقة الممتدة من المقام المسلم الشيعي للسيدة زينب وحتى الحدود اللبنانية؛ إذ إنّ ذلك، من وجهة نظر طهران، يتطلب إجراء تغييرات ديموغرافية منهجية، فعلى مدار عام 2018، تمّ طرد المجتمعات السنّية من منازلها التي تشغلها منذ زمن بعيد، واستبدلت بأشخاص موالين لكلّ من إيران ونظام الأسد.

اقرأ أيضاً: شرق سوريا وفق النموذج التركي: تشيّع ومُرتزقة وأسماء فارسية

كما أصدر النظام السوري، في نيسان (أبريل) عام 2018، القانون رقم 10، الذي أتاح، قانونياً وتشريعياً، لأصحاب الأملاك من السوريين، مهلة 30 يوماً لإيجاد وكيل محلّي، وتقديم طلب ملكية بشكل شخصي، في محاولة واضحة لانتزاع الأراضي من السنّة، الذين يشكّلون الجزء الأكبر من لاجئي الحرب، وكانوا غير قادرين، أو غير راغبين في العودة في الموعد المحدد لتقديم الطلبات، حسبما يوضح المعهد الأمريكي، ومن ثم، استغل حزب الله والحرس الثوري الإيراني هذا الوضع في شراء عقارات عديدة، ووفق تقارير عن مسؤولين سوريين؛ فقد تمّ نقل أكثر من 8 آلاف عقار في منطقة دمشق إلى مالكين شيعة، خلال الأعوام الثلاثة الماضية. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية