إيران: فصل جديد من الصراع الداخلي الأبدي

إيران: فصل جديد من الصراع الداخلي الأبدي


03/10/2021

ترجمة: علي نوار

لطالما اتّسمت السياسة الداخلية في إيران، منذ 1979، بتوتّر العلاقة بين الرئيس الذي يقود الحكومة والمرشد الأعلى الذي يرأس مجموعة من المؤسّسات الموازية، والتي تعمل على ضمان الالتزام بمبادئ الثورة الإيرانية، بالتالي، يدير المرشد الأعلى حرفياً دولة موازية تتكوّن من مجلس صيانة الدستور الذي يتمتّع بصلاحية رفض قرارات السُلطة التشريعية والبتّ في أمر المُرشّحين للانتخابات، والحرس الثوري وهي قوّات مُسلّحة موازية تتلقّى أوامرها مُباشرة من المرشد الأعلى.

اقرأ أيضاً: ضوء في نفق المفاوضات النووية مع إيران: عودة أم مماطلة؟

وظلّ هذا التوتّر قائماً منذ 1979، ويُمثّل عقبة حقيقية في وجه أيّة محاولات إصلاح، لكن تولّي رئيس البلاد الجديد، إبراهيم رئيسي، للمنصب، بعد انتخابات حزيران (يونيو) 2021، قد يُحدث تغييراً جذرياً في العلاقات بين الدولتين، الرسمية والموازية، في إيران.

وسبق للمرشد الأعلى الحالي، علي خامنئي، أن كان رئيساً لإيران، في الفترة بين عامي 1981 و1989، وقد تصادم خلال ولايته، لأسباب سياسية وفكرية، بالمرشد الأعلى السابق، روح الله الخوميني، زعيم الثورة الإيرانية. وفي 1989 وإثر وفاة الخميني، تمّ ترشيح خامنئي لخلافته ويخوض بدوره صراعات مع الرؤساء الذين تعاقبوا عليه حتى الآن بين أكثر اعتدالاً أو عملية منه شخصياً.

وبمعايير السياسة الإيرانية، لا يوجد بين الرؤساء الذين تولّوا حُكم الجمهورية الفارسية من يمكن تصنيفه كمتشدّد، حتى مع أفكارهم السياسية، وبغضّ النظر عن القواعد الشعبية التي تدعمهم، لأنّهم جميعاً ساروا وفق سياسات داخلية وخارجية تراها الدولة الموازية بدرجة أو بأخرى علمانية أو ليبرالية أو مُعادية للثورة أو متمرّدة.

وفي كل الأحوال، نفّذ خامنئي جميع أشكال المُناورات بمُساندة الحرس الثوري بغية احتواء والسيطرة على الحكومة، وتسبّب ذلك في خلق أجواء من التوتّر المُستدام نتج عنه استياء سياسي وجمود في الدولة.

خامنئي والحرس الثوري لم يواجها أيّة مقاومة تُذكر، في انتخابات 2021، لمنح رئيسي انتصاراً محسوماً وسلساً، كما أنّ مجلس صيانة الدستور استبعد أيّ مرشّح له قاعدة شعبية

ومع انتخاب الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، يُمكن أن يصُبّ التنافس بين المحافظين والتقدميين في صالح الدولة الموازية التي تحمي النظام، والحقيقة أنّ الرئيس الجديد، وهو أحد رجال النظام الديني الإيراني الأوفياء، وصل لمنصبه بعد انتخابات أجريت في تموز (يوليو) 2021، وتمّ التلاعب فيها بدقّة لضمان فوزه بها.

عمل رئيسي طوال عقود كنائب عام وقاضٍ، وصولاً إلى منصب رئيس السُلطة القضائية، وعلى مدار مسيرته المديدة، في القضاء، أظهر تشدّداً واضحاً، ويُنسب إليه وقوفه وراء إعدام آلاف السجناء وأعضاء جماعات سرّية مسلّحة أواخر عقد الثمانينات، كما أنّ هوسه بالقضاء على أيّ تهديد تشعر به الدولة الموازية أسهم في اكتسابه ثقة خامنئي، ويُعتقد أنّه بعد أن صار رئيساً ستكون إحدى أولوياته تعزيز سيطرة المرشد الأعلى على أجهزة الحكومة الإدارية.

بداية مرحلة جديدة؟

وينطوي الإطار الذي يتولّى فيه رئيسي الرئاسة على تحدّيات جديدة، فإيران تُعاني اليوم قسوة الفقر بسبب العقوبات التي تفرضها عليها الولايات المتحدة، فضلاً عن آثار جائحة "كوفيد-19"، بينما يتصاعد سخط الطبقة الوسطى بدرجة هائلة؛ ويتنامى شعور جمعي داخل البلاد بالعُزلة يغذّيه اللجوء المتزايد للعب دور الضحيّة، بينما ما يزال المحيط الإقليمي يمثّل تهديداً للدولة الإيرانية، ويزيد كلّ ذلك من أسهم هؤلاء الذين يقدّمون أنفسهم كحُماة للأمن القومي.

اقرأ أيضاً: هل حلّ حزب الله أزمة الوقود في لبنان؟.. هذا ما كشفه نائب إيراني

وفي خضم هذا الاضطراب، تقترب إيران من لحظة اختيار مرشد أعلى جديد: مرحلة تحوّل سيلعب فيها الرئيس الجديد بالقطع دوراً محورياً، وربّما ينتزع هو شخصياً المنصب، ولعلّ هذا التصوّر يكون إيذاناً ببدء عهد جديد في تاريخ الجمهورية الإسلامية، من المُحتمل أن ينتهي هذا التوتّر الراهن، حتى الآن، بسبب المواجهات المستمرّة بين المرشد الأعلى ورئيس الحكومة، بإيران أكثر تماسكاً على المستوى الداخلي وتملك رؤية أوضح فيما يتعلّق بسياستها الخارجية.

وتبدو الفرصة مواتية للجناح الأكثر محافظة من النظام، في ظلّ هذه الظروف لإعادة تشكيل السياسة والمجتمع الإيراني عبر توسيع سيطرة الحرس الثوري على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتقليص الحرّيات السياسية مقابل إبداء مرونة في المسائل الدينية والاجتماعية، وسيكون المنتصر في هذه المرحلة الجديدة هو القومية الإيرانية، الأداة التي يستغلّها النظام لتوسيع قاعدته الشعبية على المستوى الوطني، بينما سيقتصر دور الدفاع عن الشيعة ومناهضة الولايات المتحدة، اللذين لطالما كانا أبرز ملامح الهوية الفكرية للنظام الإيراني، على تعزيز سطوة طهران الإقليمية وليس كسب الدعم الداخلي.

ومن شأن هذه التعديلات أن تكون لها تبعات على العلاقات الدولية لإيران بصفة عامّة وموقفها تجاه الولايات المتحدة بصفة خاصّة، فمع ازدياد قوّة الحرس الثوري ودعمه المضمون وعدم القلق بشأن أيّة خلافات سياسية داخلية، قد تتعامل الحكومة الجديدة بدرجة أكبر من الحزم عند التعامل مع التهديدات الأمريكية التي تُعدّ وجودية بالنسبة لإيران.

اقرأ أيضاً: العلاقات بين الهند وإيران وتحولاتها... تقارب أم مواجهة؟

ومع ذلك، فربّما يتوصل رئيسي لاتّفاقات في الملفّ النووي، ما قد يخفّف وطأة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، وفي السياق ذاته، من المحتمل أن تنتهي محاولات الرؤساء السابقين للتقارب مع الغرب، لكنّ التوقّع الأقرب للحدوث هو تحالفات إستراتيجية مع الصين وروسيا، أما الشرق الأوسط، المنطقة ذات الأولوية بالنسبة لإيران، فقد نشهد اتفاقات ثنائية اقتصادية وأمنية بين طهران وجيرانها والعمل على تقوية "محور الممانعة" الذي صار يتألّف من شبكة تحالفات مع أطراف موالية في كلّ من العراق ولبنان وسوريا واليمن وباقي الإقليم.

إيران.. دولة تحارب نفسها

انبثق النظام السياسي، الذي وضعه الخميني، عام 1979، من فترة الصراع ضدّ الشاه الذي كان يحكم إيران منذ 1941، كانت الإطاحة بالشاه مسألة سهلة نوعاً ما، على عكس الصراع الذي دارت رحاه بعدها للسيطرة على مفاصل الدولة بين الإسلامويين وخصومهم، وكان هذا الخلاف دامياً وطويل الأمد، اضطّر أنصاره الخميني للقتال من أجل السُلطة مع رجال الدين والحركات القومية والماركسية، وفي 1979، وأسهم اقتحام السفارة الأمريكية بواسطة طلّاب موالين للخميني في ترسيخ ركائز حُكم الإسلامويين، ثمّ جاءت الحرب مع العراق بين 1980 و1988، لتزيد من سطوة الحرس الثوري كقوّة مسلّحة موازية للجيش النظامي الذي كانت الولايات المتحدة قد درّبته ليصبح ولاؤه للنظام الجديد مشكوكاً فيه، بالتالي، لجأت القوى الإسلاموية لإنشاء شبكة من المؤسّسات الموازية تحمل اسم "النظام" لتحييد أيّ خطر قد تشكّله الدولة العلمانية.

على أنّ الصراعات الداخلية ظهرت سريعاً في الدولة الناشئة؛ بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، بين قادة الحرس الثوري والقوات المسلحة، ومجلس صيانة الدستور والبرلمان، واتّسعت هوّة الخلاف في أعقاب وفاة الخميني، ورغم استيلاء الجناح المحافظ من الإسلامويين على الحُكم، وإبعاد جميع الشخصيات الأقلّ تشدّداً، انقسم الفصيل الحاكم على نفسه إلى معسكرين متناحرين؛ الدولة الموازية بقيادة المرشد الأعلى والحكومة الرسمية بقيادة الرئيس.

ينصّ الدستور الإيراني على أنّ المرشد الأعلى هو أرفع منصب في الدولة، والمسؤول الأول والأخير عن اتّخاذ القرارات، بينما توكل إلى الرئيس المهام الإدارية التقليدية، وعلى المنوال نفسه يتولّى البرلمان السُلطة التشريعية لكن تحت إشراف مجلس صيانة الدستور الذي يملك صلاحية رفض قرارات الأول، وفي ظلّ هذا النظام المزدوج، يتعيّن على الرئيس الاصطدام بشكل متكرّر مع المرشد الأعلى لتنفيذ سياساته، وفي حال رفض المرشد يضطرّ الرئيس للاستعانة بدعم الناخبين أو ضغط الشارع، الأمر الذي كانت له تبعات وخيمة في الماضي. وعلى مدار أعوام، أحدثت الانتخابات استقطاباً فيما يخصّ ملفّات مثل الحقوق المدنية والملبس والفساد والعلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما ظهر في صورة حركات اجتماعية واحتجاجات لم تستطع الدولة الموازية غضّ الطرف عنها، بينما تحاول الحكومة الاستفادة منها.

اقرأ أيضاً: المفاوضات حول الملف النووي الإيراني: العالم يترقب

والشيء المؤكّد أنّ الانتخابات المتعاقبة دفعت باتجاه تشكّل حركة إصلاحية قوية تتجاوز مطالبها بـ "ديمقراطية دينية" سقف المقبول بالنسبة للمرشد الأعلى، وكان نتاج ذلك توتّراً سياسياً لا يهدأ.

لكنّ مساعي رؤساء إيران المتتالية لحشد الشعور العام في طريق دعم الإصلاحات باءت جميعها بالإحباط والفشل، ودأب كلّ الرؤساء السابقين، من رفسنجاني، مروراً بخاتمي وأحمدي نجاد، وصولاً إلى روحاني، أثناء حملاتهم الانتخابية، على قطع الوعود بالعمل باستقلالية وإحداث انفتاح في الداخل الإيراني على العالم، ورُغم أنّهم كافة، بلا استثناء، استهلّوا مسيرتهم السياسية كمدافعين عن الدولة الموازية وشاركوا في قيام الجمهورية الإسلامية، لكن فور وصولهم لسُدّة الحُكم، تميل سياساتهم للعمليّة ويحاولون الالتفاف على ممانعة المرشد الأعلى المدعوم بالدولة الموازية.

اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر ميقاتي رئيساً لحكومة الوساطة الإيرانية الفرنسية؟

وكانت المحاولة الأولى لتقويض الدولة الموازية من نصيب رفسنجاني، الذي كان أحد مؤسسيها، بل وواحد من أبرز داعمي اختيار خامنئي مرشدًا أعلى، إلّا أنّه وأثناء فترة ولايته (1989-1997)، عمل على إنهاء الحقبة الثورية في إيران وإعادة بناء اقتصادها المتداعي عن طريق تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، بل وشرع في إدماج الحرس الثوري داخل الجيش الإيراني، أو على الأقل تقليصه، بحيث يتحوّل إلى وحدة خاصّة للصفوة.

كان رفسنجاني يرمي إلى تركيز سلطة اتخاذ القرارات لتصبح في يد الحكومة والحيلولة دون رسم الدولة الموازية لإستراتيجيات الأمن القومي؛ لذا لم يتأخّر كثيراً في الاشتباك مع خامنئي، الذي أفشل محاولات الرئيس ورفض مقترحاً بتعديل دستوري كان ليسمح لها بالحصول على ولاية ثالثة على التوالي.

رحيل رفسنجاني عن السلطة

بيد أنّ رحيل رفسنجاني عن السُلطة، عام 1997، لم يكن يعني بالضرورة اختفاءه من المشهد السياسي، فقد واصل العمل في الظل على سحب البساط من أسفل قدمي المرشد الأعلى، ولعلّ هذه الخصومة السياسية بين الرجلين هي ما يُفسّر مساندة خامنئي للإصلاحي خاتمي الذي فاز بأريحية شديدة في انتخابات 1997 بفضل دعم خامنئي العلني، ويتم وأد تطلّعات الشباب الغاضب والنساء والطبقة الوُسطى التي كانت قد أثريت بفضل إصلاحات رفسنجاني الاقتصادية.

استهلّ خاتمي ولايته بمرحلة وجيزة من الانفتاح ظهرت خلالها مئات من وسائل الإعلام الجديدة وتمكّن المثقّفون من الدعوة صراحة إلى التعدّدية الدينية، التي كانت تهُدّد احتكار المرشد الأعلى للسُلطة الدينية، واستفزّ كلّ ذلك المرشد الأعلى والحرس الثوري الذين تحرّكا بعنف لإجهاض هذه الجهود الإصلاحية، وأيّ تقارب مع الولايات المتحدة، وبدأ الأمر بسلسلة اعتقالات طالت مئات الصحفيين والمثقّفين والطلّاب، كانت تلك الفترة إحدى المراحل التي تمكّنت فيها الدولة الموازية من فرض كلمتها على السُلطة التنفيذية.

اقرأ أيضاً: هكذا تستبق ميليشيات إيران الانتخابات العراقية وقانون التجنيد الإلزامي

وعاد رفسنجاني ليخوض انتخابات 2005، لكنّه خسر لصالح أحمدي نجاد الذي نفّذ حملة ذات طابع شعبوي، ثم ولدى وصوله لمقعد الرئاسة أخذ نجاد في إلغاء أيّة خطوة انفتاح كان قد اتّخذها خاتمي، وتدهور وضع حقوق الإنسان والحرّيات المدنية بشكل مهول، بل وعكف نجاد على تسريع وتيرة البرنامج النووي وسمح للحرس الثوري بالتغلغل في مؤسّسات الدولة، وكانت النتيجة سقوط إيران في حالة من العزلة بسبب العقوبات التي حدّت كثيراً من قدراتها الاقتصادية.

ونال أحمدي نجاد، في 2009، فترة رئاسية ثانية على حساب الإصلاحي مير حسين موسوي، ما أدّى لخروج تظاهرات حاشدة قمعها الحرس الثوري بقسوة، بعدها بدأت حملة شعواء بحق كثير من القادة الإصلاحيين، الذين انتهى بهم الأمر إما بالحبس في السجن أو الإقامة الجبرية بمنازلهم.

اقرأ أيضاً: ماذا يريد الكاظمي من إيران؟

لكنّ النتائج جاءت عكسية وتصدّعت الدولة الموازية أيضاً، ما دفع قادة الحرس الثوري ليطوفوا أرجاء البلاد، كي يقدّموا لقيادات النظام سبباً للاستخدام المفرط للقوة بحقّ المتظاهرين، بل اصطدم أحمد نجاد نفسه بخامنئي والحرس الثوري، واعتباراً من 2011، دخل أحمدي نجاد في صدام مرير مع المرشد الأعلى حليفه السابق والبرلمان الذي يسيطر عليه المحافظون، الذين ضجّوا من خروجه عن النص وأسلوبه المحتدّ وهوسه بالمواجهة، وحاول المحافظون التخلّص من أحمدي نجاد بداعي عدم تحلّيه بالمسئولية والفساد وإساءة استغلال النفوذ.

وجاء ردّ أحمدي نجاد متمثّلاً في مناورة سياسية تحوّل بها من العداء للولايات المتحدة إلى التقارب مع واشنطن، واستبدال خطابه الإسلاموي بآخر يؤيّد القومية الإيرانية، بل واتّهم على الملأ الحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات المحلّية بالفساد.

ولاية روحاني (2013-2021)

كانت انتخابات 2013 متنفّساً للإيرانيين، للتعبير عن ضجرهم من سياسات أحمدي نجاد، فبعد ثمانية أعوام من حكمه، فضّل الإيرانيون منح ثقتهم لروحاني؛ المرشح الذي كان يحظى بتأييد رفسنجاني والإصلاحيين، والذي تعهّد بالعودة إلى الأوضاع الطبيعية قبيل تولّي نجاد الرئاسة، وحصل الرجل، الذي كان مستشاراً للأمن القومي ومفاوضاً نووياً مع رفسنجاني وخاتمي، على فترة رئاسية ثانية في 2017.

وقبل وصوله للمنصب، قطع روحاني وعوداً ضمن حملته الانتخابية بحماية المواطنين من الحرس الثوري والمتشدّدين الدينيين الذين دأبوا على التدخل في أدقّ تفاصيل الحياة اليومية للإيرانيين، وإطلاق سراح القياديين الإصلاحيين الذين يخضعون للإقامة الجبرية بمنازلهم، والارتقاء بالاقتصاد، وتسوية المسألة النووية.

لكن، وكما حدث مع سابقيه من الرؤساء، اصطدم روحاني أثناء ولايته بالدولة الموازية، فرغم مشاركته في تقوية الحرس الثوري خلال الثمانينيات، وتحويله من مجرّد تنظيم يقوم على المتطوّعين وصولاً إلى قوات مُسلّحة موازية، إلّا أنّ موقف روحاني تغيّر جذرياً لدرجة اتّهامه للحرس الثوري بلا مواربة بالتدخّل في الحياة السياسية.

وظهر ذلك واضحاً أثناء مؤتمر لمكافحة الفساد مع رئيسي، السلطة القضائية والبرلمان، حين أعرب علانية عن استيائه من الحرس الثوري بسبب أنشطته غير العسكرية دون أن يسمّيها رغم أنّه ألمح "إذا تركّزت الأسلحة والأموال والصُحف والدعاية في مكان واحد، بوسع المرء أن يثق في عدم وجود فساد".

اقرأ أيضاً: الملفّ النووي الإيراني: هل تتخلى واشنطن عن الدبلوماسية؟

ونتيجة للوضع الاقتصادي شديد الحساسية، سواء بسبب الركود أو تراجع قوة العملة أو التضخّم أو البطالة، ربط روحاني النمو الاقتصادي بالمفاوضات النووية، مؤكّداً "من الجيد امتلاك أجهزة طرد مركزي (نووية) تعمل، لكنّ حياة الأشخاص يجب أن تستمر أيضاً، ويجب أن تعمل مصانعنا"؛ لذا استأنف روحاني المفاوضات حول البرنامج النووي التي كانت قد بدأت قبل عقد في عهد خاتمي، لكن روحاني دخل في مُحادثات مباشرة مع الولايات المتحدة إضافة إلى الدول الأوروبية.

وانطلقت المُباحثات المبدئية بين إيران والولايات المتحدة سراً في عُمان، وبضوء أخضر من خامنئي، قبل أسابيع من انتخاب روحاني، لكنّ الرئيس الجديد استغلّ الدعم الشعبي ليضغط على المُرشد الأعلى كي يبدي قدراً أكبر من المرونة في المفاوضات، وانتهت المفاوضات بعد عامين، عام 2015، بتوقيع اتفاق مع ستّ قوى عُظمى عالمية يمنح إيران فرصة لالتقاط أنفاسها من العقوبات مقابل السماح للمفتّشين بفحص منشآتها النووية والتأكّد من خفض نسبة تخصيب اليورانيوم ولو مؤقّتاً.

الدولة الموازية تشتبك مع روحاني

سارعت الدولة الموازية في إيران بكل ما أوتيت من قوة لشنّ هجوم مضاد على الاتفاق النووي، لتظهر الصراعات في الداخل الإيراني بكل وضوح. ففي نيسان (أبريل) من العام الجاري سرّب مجهول لوسائل الإعلام تسجيل صوتي سرّي مدّته ثلاث ساعات يكشف فيه وزير الخارجية محمد جواد ظريف كيف أنّ الحرس الثوري يوظّف السياسة الخارجية للبلاد بما يتوافق مع مصالحه الخاصّة. وأكّد التسجيل أنّ روحاني والمحيطين به يعتبرون البرنامج النووي لا طائل منه بالنسبة للدولة، بل أنّه مشروع للحرس الثوري لا نفع منه.

وذهب ظريف لما هو أبعد من ذلك، باتّهامه للحرس الثوري بالتعاون مع روسيا لتخريب جهوده الدبلوماسية فيما يتعلّق بالملفّ النووي، فقد كان الروس يتخوّفون من اتفاق نووي قد يقرّب المسافات بين طهران وواشنطن، وبحسب الوزير، فقد سارع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للاجتماع عقب توقيع الاتفاق النووي مع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، لمناقشة الأزمة السورية.

وبدءاً من هذه اللحظة، بدأت المقاتلات والصواريخ الروسية تسلك مساراً أطول عن عمد عبر المجال الجوي الإيراني لاستهداف القوات التي كانت تقاتل ضد نظام بشار الأسد في سوريا، ويعتقد ظريف أنّ نيّة بوتين كانت إجبار إيران على التعاون مع روسيا في هذا النزاع الإقليمي للإبقاء على طهران في حالة عداء مع الولايات المتحدة.

كما يشكو ظريف في المقطع الصوتي من قضاء الدولة الموازية للأشهر الستة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي في محاولة تخريبه، وأكّد أنّ الحرس الثوري نفّذ سلسلة من الأفعال بهدف هدم الاتفاق مثل الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، أو الهجمات على السفن الأمريكية في الخليج، اضطرّ ظريف في الأعوام التالية للاتفاق على ترميم الأضرار الناجمة عن ممارسات الحرس الثوري التي أضرّت كثيراً بجهوده الدبلوماسية.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ تقليص بغداد عدد الإيرانيين الزائرين للمراقد الدينية؟

من جانبه، تعمّد سليماني عدم اطلاع ظريف على نواياه، مثلما حدث في كانون الثاني (يناير) 2016، حين قررت الإدارة الأمريكية تخفيف عقوباتها على خطوط الطيران الإيرانية "إيران إير" كنتيجة للاتفاق النووي، لكن بعدها بخمسة أشهر أبلغ وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، نظيره الإيراني؛ بأنّ "إيران إير" استأنفت نقل الأسلحة إلى حزب الله في سوريا وهو الأمر الذي كان قد تسبّب في فرض العقوبات السابقة، بل أنّ سليماني أصدر تعليمات مباشرة بزيادة حجم الأسلحة المُرسلة ستة أضعاف، ما دفع الولايات المتحدة لمعاودة فرض العقوبات.

كانت تلك العقوبات تهديداً حقيقياً لشركة الطيران الإيرانية، ومن وجهة نظر ظريف؛ فإنّ استغلال الحرس الثوري للشركة كان فقط بهدف استفزاز الولايات المتحدة رغم علمه بمخاطر ذلك، وعدم قدرته على تعويض خسائر الشركة، كما أنّ ظريف بدا حانقاً على فكرة تراجع شعبيته لصالح سليماني المدعوم من أجهزة الدعاية الموالية للحرس الثوري.

مصالحة بين الدولتين الرسمية والموازية

كان من الممكن أن ينتهي الصراع بين الحكومة الرسمية بقيادة روحاني والدولة الموازية بزعامة خامنئي بالتعادل، مثلما حدث في مناسبات سابقة، لكن عامل خارجي غيّر تماماً بالتوازن الداخلي في إيران، أسهم انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة عام 2016 في إمالة الكفّة بصورة حاسمة إلى جانب الدولة الموازية، كانت حكومة روحاني قد أكّدت للمواطنين أنّه من المستحيل بالنسبة للولايات المتحدة التراجع من جانب واحد عن الاتفاق، خاصّة أنّه موقّع مع ست دول وبدعم من مجلس الأمن الدولي، لكنّ قرار ترامب أحادي الجانب صدر.

في المقابل، كان الحرس الثوري قد وضع رهاناً مغايراً، نظراً إلى أنّه لم يكن يثق في وعود الولايات المتحدة ولا الاتفاقيات الدولية؛ لذا وفور فوز ترامب، بدأت الشركات التي تعمل كواجهة للحرس الثوري تحت مظلّة المصرف المركزي الإيراني ووزارة البترول ومؤسّسات حكومية أخرى في إبرام عقود تسمح لها بتفادي العقوبات الأمريكية.

وحين انسحب ترامب رسمياً من الاتفاق النووي، في أيار (مايو) 2018، كانت الشركات المذكورة مستعدّة لتولّي القطاع المالي الإيراني، بينما خرجت الشركات البعيدة عن الحرس الثوري من المنافسة، بالتالي دفع فرض ترامب للعقوبات مجدّداً إيران للاعتماد على شبكة اقتصادية تابعة للحرس الثوري من أجل الالتفاف حول العقوبات والوصول للأسواق المالية وبيع النفط وتحويل الدخل إلى البلاد.

اقرأ أيضاً: الملف النووي الإيراني يدفع طهران إلى المبالغة في رسم قوتها

وعلى حدّ وصف المحافظ السابق للمصرف المركزي الإيراني، عبد الناصر همّتي، فقد كانت مشاركة الحرس الثوري في هذه التحويلات المالية تضمن له عمولة 20% على كلّ عملية تحويل تجريها الدولة، إنّ سياسة ترامب أدّت إلى تعاظم قدرات الحرس الثوري، لا سيما الاقتصادية.

من ناحيتها، أنكرت إدارة ترامب على طول الخطّ وجود أيّ شقاق سياسي ذي شأن داخل الجمهورية الإسلامية، واتّبعت سياسة "أقصى ضغط" بهدف الحدّ من صادرات النفط الإيراني وإضعاف اقتصاد الدولة الفارسية، لكنّ الحقيقة أنّه كان هناك رؤى مختلفة في أروقة البيت الأبيض حيال الغاية المنشودة.

فبينما سعى ترامب إلى إجبار إيران على التفاوض من أجل اتفاق جديد، حاول وزير خارجيته، مايك بومبيو، ومستشاره للأمن القومي، جون بولتون، إحداث تغيير في النظام الإيراني، وبغضّ النظر عن الهدف، لم تنظر السياسة الأمريكية الجديدة وقتها بعين الاعتبار للمسئولين الإيرانيين الذين كانوا يعارضون الحرس الثوري من الداخل وتعرّض ظريف نفسه للعقوبات، في تموز (يوليو) 2019.

ومع إصرار إدارة ترامب على أنّ النّخبة الإيرانية هي كيان متوافق، تسبّب ذلك في زيادة تصلّب النظام وإقصاء الوجوه الأكثر اعتدالاً، وأدّى تعنّت واشنطن في فرض عقوبات هائلة إلى توحيد الصفّ بين الفرقاء الإيرانيين وإيجاد حالة من الإجماع على أنّ السبيل الوحيد لحماية مصالح البلاد الوطنية هي حماية النظام، ما أسهم في نهاية المطاف في ظهور الحرس الثوري وللمرّة الأولى في تاريخه كقائد للحركة الوطنية الإيرانية.

الاستيلاء على الأجندة الإصلاحية سواء فيما يتعلّق بالملفّات الاجتماعية أو السياسة الخارجية يستهدف تعقيد فكرة عودة الإصلاحيين للحُكم، لكن رُغم النجاح الذي تحقّق في البداية

وكان الحرس الثوري قد أكّد، مراراً وتكراراً، أنّ صواريخه الباليستية وشبكة حلفائه في الشرق الأوسط تسهم في حماية الأراضي الإيرانية، وحين تبيّن في 2019 أنّ "إستراتيجية الصبر" في التمسّك بالاتفاق النووي لا تجدي نفعاً، دخل الحرس الثوري على خطّ المواجهة للضغط على الولايات المتحدة، وبدأ في شنّ هجمات علنية، منها؛ الاعتداء على محطة لتكرير النفط في السعودية، وإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار في الخليج، ثم إطلاق صواريخ باليستية ضدّ القوات الأمريكية بالعراق، في كانون الثاني (يناير) 2020ـ رداً على اغتيال سليماني، سمح هذا الوضع أيضاً بإسكات صوت المعارضة داخل الدولة والمجتمع المدني في إيران.

على مدار عقود، كانت الدولة الموازية تخشى تحالف المجتمع المدني مع الحكومة المنتخبة، وقد عملت الدولة الموازية على تلافي حدوث ذلك حتى بالقوة، لكنّ هذا الخطر انزاح في الوقت الحالي، وبات الحديث ممكناً عن مستقبل جديد تتوحّد فيه الحكومة مع المجتمع المدني وراء الدولة الموازية وعلى رأسها المرشد الأعلى والحرس الثوري لتحقيق تطلّعات إيران.

انتخابات 2021

أجريت انتخابات 2021 في ظلّ هذا المشهد السياسي والاجتماعي الذي يغلب عليه صعود الجناح الأكثر تشدّداً في النظام منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، علاوة على تراجع زخم المعارضة الإصلاحية بشكل كبير إثر وفاة رفسنجاني عام 2017، والذي عانى التهميش طيلة عقود، بينما خضع خاتمي للإقامة الجبرية بمنزله وسط مقاطعة من وسائل الإعلام الممنوعة من ذكر اسمه أو نشر صورته، فقط استمر أحمدي نجاد في انتقاد النظام علناً ورأى أنّه بوريس يلتسين الإيراني رغم تراجع شعبيته.

في هذه الأثناء، وكنتيجة للعقوبات الاقتصادية، قفز معدّل التضخّم إلى 40% وغرقت البلاد في الفقر، وطبقاً لبيانات حكومية، فقد تضاعفت نسبة الفقر المدقع خلال عامين فقط من 15% في 2017 إلى 30% عام 2019، بيد أنّ المعارضة الإصلاحية الهشّة لم تستطع الاستفادة من السخط الشعبي، واستبدلت الاحتجاجات ضد القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان، التي لطالما وقف وراءها الإصلاحيون بأعمال عنف عفوية ذات دوافع اقتصادية، وبسبب شحّ الماء وانقطاع التيار الكهربائي، وكان الشعار الغالب في هذه الأحداث هو "إصلاحيون ومحافظون، انتهى وقتكم".

اقرأ أيضاً: تقديرات إسرائيلية: أفغانستان هدية من السماء لإيران

لكنّ خامنئي والحرس الثوري لم يواجها أيّة مقاومة تُذكر، في انتخابات 2021، لمنح رئيسي انتصاراً محسوماً وسلساً، كما أنّ مجلس صيانة الدستور استبعد أيّ مرشّح له قاعدة شعبية، ولم يقتصر الأمر على الإصلاحيين وحدهم، بل طال أحمدي نجاد، وكذلك علي لاريجاني، المتحدث السابق باسم البرلمان والمحسوب على التيار المعتدل، كما أنّه رئيس فريق التفاوض النووي، وكان المرشّح الوحيد المعتدل الذي دخل السباق الانتخابي هو همّتي، رئيس المصرف المركزي السابق في عهد روحاني.

وانتهى الحال بالإصلاحيين منقسمين إلى ثلاث جبهات؛ من قاطعوا الانتخابات، ومن أبطلوا أصواتهم، ومن صوّتوا لصالح همّتي؛ لذا ليس من المستغرب أن يكون الإصلاحيون هم أكبر الخاسرين في انتخابات 2021، خاصة مع فشل قياداتهم في تشكيل جبهة موحّدة أو وضع خطّة عمل متكاملة.

اقرأ أيضاً: هل تخدم حماس أهداف طالبان على الحدود الإيرانية؟

وطبقاً للأرقام الرسمية، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 49%، وهو إقبال متواضع للغاية، إلّا أنّ هذه النسبة تنخفض إلى درجة 26% في طهران معقل الإصلاحيين، وبحسب الأرقام نفسها، فقد حصل رئيسي على 62% من الأصوات مقابل 8% فقط لهمّتي.

والحقيقة أنّ الحملة الانتخابية للجناح المتشدّد من النظام لم تنجح بفضل القمع والتزوير وحدهما، بل لأنّها كانت قادرة على الاستئثار بجزء من رواية المعارضة، فرغم أنّ رئيسي يأتي من الوسط القضائي الديني، إلّا أنّه ركّز كمرشّح خلال حملته على الأمن والازدهار بدلاً من المسائل الدينية والفكرية، وقاد حملة شعارها "إيران قوية"، واعداً بمحاربة الفساد وتخفيف آثار العقوبات وتكرار تجربة الحرس الثوري في الاكتفاء الذاتي مع مجالات أخرى خلافاً للصناعات الدفاعية.

وحرصت أبواق دعاية الحرس الثوري على مرافقة رئيسي أثناء زياراته للمحال التجارية والمصانع وسوق الأسهم في طهران، ونقلت للعامة مقتطفات من أحاديثه مع العمّال والمهنيين حول إعادة فتح أماكن عملهم لتحفيز الاقتصاد.

 لم يكتف رئيسي بلعب دور التكنوقراطي الوسطي فقط؛ بل وتبنّى خطاب الإصلاحية العلمانية، وهو ما يظهر في وعوده بمكافحة العنف المنزلي وتقليص صلاحيات الشرطة الأخلاقية غير المحبوبة، كي تتوقّف عن ملاحقة العامة وتركّز على مكافحة الفساد، وظهرت في صور حملته بين أنصاره نساء لا يتبعن العرف التقليدي في ملابس السيدات.

نحو دولة واحدة

بوسع هؤلاء الذين كانوا يتكهّنون بتكرار الصراع بين الرئيس والمرشد الأعلى في الفترة الحالية أن يشعروا بالإحباط؛ فلا توجد معلومات وافية حول الحالة الصحية للمرشد الأعلى، البالغ من العمر 82 عاماً، وربّما حان الوقت للتفكير في خليفة له في غضون وقت وجيز قد يكون خلال ولاية الرئيس الجديد، وبدأت مراكز القوى نفسها التي مهّدت الطريق لفوز رئيسي في المفاضلة بين المسؤولين رفيعي المستوى في الجمهورية كي تجري عملية نقل منصب المرشد الأعلى بسلاسة قدر الإمكان، وفي حال لم يكن رئيسي ذاته، فعلى الأرجح سيلعب الرجل دوراً حاسماً في تسمية المرشد الجديد.

اقرأ أيضاً: طالبان وملالي إيران: ثلاثة سيناريوهات محتملة

لذا فمن غير الوارد حالياً أن يقدم رئيسي على رفع راية التحدّي في وجه الدولة الموازية، خاصة أنّه جزء من مشروع سياسي على نطاق أوسع، بدأ الإعداد له منذ أعوام خامنئي، وبوسع الرئيس الجديد اللجوء لتكتيك إضفاء قدر ما من الاعتدال على مواقفه السياسية، لكنّ أي تغيير حقيقي يُنتظر أن يتمّ بمستوى عال من التنسيق مع المرشد الأعلى.

على جانب آخر، تعمل الدولة الموازية على تعزيز قاعدتها الشعبية وصولاً إلى المجموعات القومية غير الإسلاموية، في محاولة لكسب ودّ المعارضين لفرض الشريعة الإسلامية، وقد انضمّت سيدات كثيرات من اللواتي يرتدين الحجاب للحراك الرافض لفكرة إلزامية ارتدائه من مُنطلق أنّ ذلك يبعث على الشقاق ويجلب لهن المشكلات في الشارع.

اقرأ أيضاً: لماذا تحذر أمريكا الإيرانيين في الخارج من العودة لبلادهم؟

وبالطبع، فإنّ الاستيلاء على الأجندة الإصلاحية سواء فيما يتعلّق بالملفّات الاجتماعية أو السياسة الخارجية يستهدف تعقيد فكرة عودة الإصلاحيين للحُكم، لكن رُغم النجاح الذي تحقّق في البداية، من شأن هذه اللُعبة أن تنكشف سريعاً، والحقيقة أنّ رئيسي يعتمد في سُلطته على توازن هشّ للغاية، فبجوار فريقه من الشباب التكنوقراط، ما يزال في حاجة لدعم الإصلاحيين، لكن بدون خسارة رعاية الجناح الأكثر تشدّداً من الدولة الموازية، كما يتعيّن عليه أيضاً الحفاظ على تأييد المحافظين المُهمّشين في دوائر صناعة القرار، وفوق كل ذلك، تلبية احتياجات المواطنين الذين يعانون قسوة الفقر والذين منحوا رئيسي أصواتهم على أمل أن يحقّق وعوده الاقتصادية.

ومن حيث السياسة الخارجية، سيعمل رئيسي على تعديل المسار بعد أن وصل الأمر بسابقيه للاعتقاد بأنّ أفضل طريقة لتأمين إيران وجعلها دولة مزدهرة هي عبر إدماجها في منظومة الاقتصاد العالمي. في المقابل، يرى الرئيس الجديد أنّ أمان إيران يعتمد حصراً على قوّتها الذاتية، لا التكامل مع العالم، وأنّ إيران قوية تتمتّع بسيادة إقليمية فقط بوسعها ردع أعدائها الخارجيين وتحقيق الازدهار الاقتصادي؛ لذا فمن المتوقّع أن تتمحور إستراتيجيته حول الارتقاء بالقدرات العسكرية للحرس الثوري للردّ على الضغط الأمريكي، ويتضمّن ذلك تعزيز الوجود الإيراني في العراق ولبنان واليمن لحماية الدولة الموازية في إيران.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3F342Ae



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية