إيران والأحلام المستحيلة!

إيران والأحلام المستحيلة!


18/09/2019

لا يمكننا ونحن نتابع تداعيات الهجمات التي استهدفت مؤخراً منشآت نفطية كبرى في المملكة العربية السعودية، إغفال الأضرار الاقتصادية الهائلة التي نجمت عنها، إنْ على مستوى اقتصاديات دول الخليج العربي القائمة على تجارة النفط، أو على مستوى العالم كله، لكن في الوقت نفسه ماذا عن التبعات السياسية المربِكة على منطقة الخليج؛ بل والشرق الأوسط عموماً التي تشتبك بشكل كبير، عالمياً، مع مختلف ملفات المنطقة، وما يدور فيها من صراعات إقليمية ودينية وسياسية، يهتم بها العالم، كونها تتماسّ مع الأمن الدولي المرتبط بمناطق التأثير والنفوذ الجغرافي والإستراتيجي والاقتصادي على السواء!

اقرأ أيضاً: الهجوم على أرامكو في بقيق وخريص
وكانت ميليشيا الحُوثي اليمنية، التابعة لإيران، قد أعلنت السبت، 14 أيلول الحالي، أنّها شنّت "هجوماً كبيراً" بعشر طائرات مسيرة (درونز) على منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة أرامكو السعودية الحكومية، هما (بقيق)، أكبر منشأة في العالم لمعالجة النفط، و(خريص) المجاورة التي تضم حقلاً نفطياً ضخماً شرق المملكة، ما أدى إلى توقف أكثر من نصف إنتاج المملكة من الخام.

التداعيات الاقتصادية

على المستوى الاقتصادي، تسببت تلك الهجمات في زيادة أسعار النفط عالمياً، وهي زيادة لم تتحقق منذ حرب الخليج، العام 1991؛ إذ ارتفعت أسعار النفط بنسبة 20%، بحيث ارتفع سعر البرميل الواحد من 5 إلى 10 دولارات، بعدما أدى الهجوم إلى توقف إنتاج ما يعادل 5% من الإمدادات العالمية، وتحتاج المملكة إلى بضعة أسابيع قادمة حتى تستطيع العودة إلى الطاقة الإنتاجية الكاملة إلى ما قبل تلك الهجمات، التي يبدو أنّها ستكون محور فصل حقيقي وفعّال في أزمة التهديدات الإيرانية، المباشرة وغير المباشرة، لمنطقة الخليج العربي على التخصيص.

تسببت هجمات الحوثيين في زيادة أسعار النفط عالمياً بشكل لم يحدث منذ حرب الخليج العام 1991

لعل أكبر مخاوف الاقتصاديين على مستوى دول العالم، خصوصاً الدول ذات الاستهلاك الكثيف من النفط، أن يصل سعر البرميل الواحد من النفط إلى حدود 100 دولار، في حال لم تتمكن السعودية من الوصول مجدداً إلى كامل طاقتها الإنتاجية لتصدير النفط بأسرع وقت ممكن.
وإذا نحن أخذنا في الاعتبار قلة المعلومات الرسمية المتداوَلة عن نتائج الحرائق، وحجم الأضرار الناجمة نتيجة الهجمات، فإنَّ ذلك يعني أنّ القلق سيخيّم لعدة أسابيع على أسواق الطاقة العالمية، وكلما زادت الشائعات والتخمينات حول ذلك، استبدّ القلق بأسواق النفط عالمياً، وارتفع نطاق عمليات المضاربة بالأسعار، وهو ما يعكس حجم وتأثير تلك الهجمات التي أثّرت تأثيراً بالغاً بالسلب على أسواق الأسهم الرئيسية الأخرى في دول الخليج ومصر، والتي انخفضت جميعها بنسب متفاوتة.

التداعيات السياسية وتراخي الدور الأمريكي

أما على المستوى السياسي، فيبدو بوضوح تورط إيران في تلك الهجمات؛ فمما هو معروف أنّ ميليشيا الحوثي تقوم بالتنسيق التام مع المسؤولين الإيرانيين، وتنال دعماً معنوياً ومادياً وعسكرياً من حكومة إيران، على الرغم من أنّ الخارجية الإيرانية وصفت، في أعقاب تلك الهجمات، اتهامات واشنطن لها بأنّها "واهية ولا أساس لها"، وأنّها ستعتمد على قوتها العسكرية وحلفائها في "محور المقاومة" للتعامل مع التهديدات.

اقرأ أيضاً: من بين دخان أرامكو.. بولتون حين ينظر بسخرية إلى ترامب
هذه التصريحات، بالفعل، تبدو غريبة للغاية، بل إنّها تحمل في طيّاتها اعترافاً ضمنياً من قِبَل المسؤولين الإيرانيين بأنّ ميليشيا الحوثي أحد حلفاء إيران وأذرعها العسكرية في منطقة الخليج، الأمر الذي يدلل على تورُّط طهران في تلك الهجمات، لسببين: الأول، ضرب الاقتصاد السعودي، خاصة، واقتصاد الخليج عامة، والإشارة إلى أنّها قادرة على الوصول إلى العُمق السعودي وتهديد اقتصادها، والثاني، الضغط على الولايات المتحدة للقبول بالتفاوض النووي معها والتفاهم حول مستقبل العلاقات الإيرانية معها ومع أوروبا، في محاولة لرفع العقوبات النفطية الثقيلة وإنهاء الضغط الاقتصادي المفروض عليها، ولا سيما أن إيران متأكدة من أنّ إدارة ترامب ليس لديها أي رد فعّال، فهي لا ترغب في الدخول في صراع عسكري معها.

يبدو واضحاً تورط الإيرانيين في الهجمات بحكم أنّ ميليشيا الحوثي تقوم بالتنسيق التام مع طهران

كما أنّ هذا الضغط لا يتعلق بالجانب الأمريكي فقط، بل بالجانب الأوروبي أيضاً، فمثل هذه الهجمات في وقت تضمن فيه إيران تراخي الرد الأمريكي أمر كفيل كي يجعل الأوروبيين يبذلون كل ما في وسعهم لإقناع كل جانب بالتخلي عن التصعيد، والتوسط للوصول إلى حلّ جديد يُرضي الجميع بمن فيهم المملكة العربية السعودية.
حالياً، تتجه أنظار العالم كلّه إلى الولايات المتحدة، ومتابعة ردود أفعالها إثر هذه الهجمات، وما إذا كان ترامب قادراً على اتخاذ قرار حيال ذلك، لكنه سيكون خياراً صعباً، فقد تضع واشنطن في اعتبارها أنّ هجوماً بهذا الحجم يطال أكبر مواقع إنتاج النفط السعودي يستدعي بالفعل رداً عسكرياً لردع إيران، ووأد أحلامها التوسعية في المنطقة.
لكن حتى الآن، يظهر أنّ ترامب غير متحمس ومستعد لاتخاذ أي إجراء من شأنه أن يورط بلاده عسكرياً في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى تحويل تركيزها ومواردها إلى غرب المحيط الهادئ وأوروبا، وهو أمر يبدو -في نظري- أقرب إلى التنفيذ؛ فعلى الرغم من أنّ ترامب قد ألمح إلى احتمال تورط إيران في هجوم أرامكو، بيْد أنه أكّد رغبته بتجنب الحرب معها، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ الدبلوماسية لا تستنفد أبداً عندما يتعلق الأمر بإيران!
     بعد أربعين عاماً من اندلاع ثورة الخميني وإعلان "الجمهورية الإسلامية"، ماتزال إيران تسعى إلى تصدير نموذجها إلى محيطها الإقليمي من خلال أذرعها، وتحقيق أحلام التوسع لإعادة إنتاج وبناء إمبراطوريتها تحت غطاء ديني، لكنها ستظل، دوماً، أحلاماً مستحيلة، عصيّة على التنفيذ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية