إيران وفلسطين: كيف تاجر الإسلام السياسي بالقضية؟

إيران وفلسطين: كيف تاجر الإسلام السياسي بالقضية؟


08/01/2020

أثار مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني ردود أفعال متعددة ومتباينة في العالم العربي، فما بين فَرِحٍ بموته نظراً لما اقترفه بحق السوريين والعراقيين، وما بين مترحّم عليه بوصفه كان عدواً شديد البأس ضد الأمريكيين، لكن ما يستحق الوقوف أنّ هذا القائد الإيراني المشهود له بالجسارة والدموية يقود تشكيلاً عسكرياً اسمه "فيلق القدس"؛ فيتوهم المرء أنّ الرجل له بطولات وجولات في فلسطين بفيلقه، لكن ما يثير العجب أنّه حرّكه في كل مكان، وحارب العرب والمسلمين والأكراد والأفغان ولم يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل!

اقرأ أيضاً: تركيا وقناع الإسلام السياسي في المنطقة العربية

لك الله يا فلسطين، فمنذ أن أطل علينا ما يسمى "بالإسلام السياسي" في أوائل القرن العشرين وهم يزعمون الجهاد في سبيل تحريرها؛ كل فصائل الإسلام السياسي تقريباً تضع فلسطين وتحرير بيت المقدس على رأس أولوياتها، لكن بالبحث والتدقيق لن تجدهم قاموا بأي توجّه حقيقي مؤثر لصالح القضية الفلسطينية ولا للشعب الفلسطيني؛ يؤلفون اللجان باسم فلسطين ويعقدون مؤتمرات باسم فلسطين، يجمعون التبرعات باسم فلسطين، يؤسسون شركات باسم القدس، ومحلات تجارية باسم الأقصى، ثم عند الفعل لا شيء، ولا يختلف في هذا الإسلام السياسي السني في توظيف القضية عن الإسلام السياسي الشيعي.


عندما ظهرت المشكلة الفلسطينية في منتصف القرن العشرين، زعم الإخوان المسلمون أنّهم سيحررونها، فأسّسوا النظام الخاص وجمعوا له الأموال والسلاح، وخالفوا الأعراف والتقاليد والقوانين، تحت زعم التجهز لمقاتلة الصهاينة وتحرير القدس، ثم عندما دارت المعارك الحقيقية، لم يقدموا شيئاً، اللهمّ بعض المتطوعين الذين لم يتجاوزوا المئتين وخمسين. 

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي الشيعي.. لماذا فشل؟
وحتى المجاهدون الأفغان الذين جمعوا أموالاً طائلة وأسلحة لا حصر لها، تاجروا بالقضية الفلسطينية، فقد أعلن "عبد رب الرسول سياف" أحد قادة المجاهدين، أنّ هدفه بعد دخول كابُل  التوجّه بالجيوش الإسلامية إلى فلسطين لتحريرها من المغتصب الصهيوني، وبعدما فتحوا كابل قتلوا بعضهم بعضاً، وتبادلوا الرصاص على أنفسهم، ولم يطلقوا رصاصة واحدة ولو (صوتية) تجاة إسرائيل لتحرير الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى، كما كانوا يتعهدون.

منذ ظهور "الإسلام السياسي" في أوائل القرن العشرين وهم يزعمون الجهاد في سبيل تحرير فلسطين

وحتى تنظيم القاعدة الذي رفع راية الجهاد العالمي، والذي أعلن أنّ تحرير فلسطين والقدس والأقصى هدفه وغايته، ومع كل العمليات الإرهابية التي قام بها والتفجيرات التي نفّذها، والأموال والسلاح والرجال المدربين الذين حازهم، لم يطلق أيضاً رصاصة واحدة تجاه "إسرائيل"، ولم يعلن الزعيم أسامة بن لادن ولا خليفته أيمن الظواهري الزحف المقدس على الكيان المغتصب لتحرير المقدسات وأهلنا هناك!
وكذلك تنظيم داعش، الذي أعلن "الخلافة الإسلامية"، وأكد قادته مراراً وتكراراً أنّ إقامتهم للخلافة من أجل تحرير فلسطين ومن أجل القدس، ومن أجل المسجد الأسير، "دولة داعش" التي أنشأت أفرعاً في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي، ونفذت عمليات عسكرية شاملة وحرقت مدناً عربية كاملة وأبادت سكانها، مشرّدين الآلاف من المسلمين والعرب، لم تتحرك نحو القدس خطوة واحدة، ولم تنفذ عملية "جهادية" واحدة، لا باستشهادي ولا بانغماسي ولا بالذئاب المنفردة ولا المجتمعة، ولم نرَ ذئباً داعشياً شريداً في القدس، ولا عمليات دهس ولا طعن ولا إطلاق رصاص ولا قناصة ولا أي شيء ولم يأمر الخليفة البغدادي بشن هجوم ولو صوري على إسرائيل.


وجماعة "أنصار بيت المقدس" التي بدأت قاعدية ثم تحولت إلى داعشية وأطلقت على نفسها "أنصار بيت المقدس" لم تحاول مجرد المحاولة أن تهاجم إسرائيل، في حين أنّها تهاجم الجيش المصري ليل نهار، رغم أنّ المسافة بينها وبين الجيش الإسرائيلي المحتل أقرب مما بينها وبين الجيش المصري، ولم ينفذوا أي عملية في القدس ولا في فلسطين، ولم يثبتوا أنّهم أنصار بيت المقدس فعلاً.

اقرأ أيضاً: كيف نظر الإسلام السياسي إلى مفهوم الأمة؟
تاجر الإسلام السياسي السنّي بفلسطين وبالقضية، ولا يختلف عنه في ذلك نظيره الشيعي؛ فكلاهما استخدما "القدس" لقباً لفصائلهما ليكتسبا شرعية مزعومة، لكن المصيبة أكبر في الإسلام السياسي الشيعي؛ لأنّه أقام دولة لها سيادة، وسياستها الخارجة قائمة على تحرير فلسطين واستعادة القدس والمسجد الأقصـى!

كل هذا السلاح والإمكانيات التي امتلكها "فيلق القدس" كانت دائماً موجهة في صدور المسلمين

عندما قامت ثورة إسلامية في إيران في العام 1979، أُسس إثرها "حرس الثورة" المسؤول عن حماية النظام الجديد لآية الله الخميني، الذي زعم أنّ من أولوياته تحرير القدس، ولكنه لم يخطُ خطوة واحدة على هذه الطريق.

وفي العام 1990 أُنشِئ فيلق القدس في حرب الخليج الأولى كوحدة خاصة من قوات حرس الثورة الإسلامية ليصبح الذراع المسلح لإيران في الخارج، وكان "أحمد وحيدي" أول قائد لقوة القدس والذي كان يشغل منصب معاون الاستخبارات في فيلق حرس الثورة آنذاك، وبعد إشغاله المنصب الجديد قال إنّ الغرض من تشكيل هذه القوة هو "خلق الجيش الإسلامي الدولي"، وفي العام 1997 تسلم القيادة "قاسم سليماني" وكان وقتها من أقدم قادة فيلق الحرس وأكثرهم دموية.
وقد دَعمت هذه الوحدة الأكراد في حربهم ضد صدام حسين، كما وَسّع فيلق القدس عملياته إلى أفغانستان المُجاورة، أبرَزُها كان بمُساعدة عبد العلي مزاري رئيس حزب الوحدة الشيعي ضد حكومة محمد نجيب الله، ثم بدأ بتمويل ودعم التحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود ضد حركة طالبان.


وفي عامي 2006 و2007، قام فيلق القدس بقيادة سليماني بتزويد الميليشيات الطائفية في العراق بالأسلحة، وهي التي تتهم بارتكاب جرائم مروعة ضد العراقيين والفلسطينيين هناك.
وفي العام 2011، أعلنت السلطات الأمريكية تورط فيلق القدس في مخطط اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير في حينه، لكن أحبطت المخطط، وتحت إشراف سليماني المباشر قام "فيلق القدس" بتنفيذ مجموعة من العمليات ضد الشعب السوري أثناء الثورة السورية، وزار قاسم سليماني اليمن ودعم الفيلق الحوثيين في اليمن، ونفذ وقاد عمليات تفجير ودك مواقع يمنية، كشفت وثيقة سرية للاستخبارات الإيرانية، نشرها موقع The Intercept، دور قاسم سليماني بارتكاب جرائم إبادة أثناء الحرب على داعش؛ ففي العام 2014، أثناء قيام الميليشيات الشيعية العراقية بمقاتلة التنظيم، قام فيلق القدس بارتكاب مجزرة "جرف الصخر" ضد السكان السنّة دون أن يكون لهم علاقة بداعش.

الإسلام السياسي الشيعي أقام دولة سياستها الخارجة قائمة على تحرير فلسطين واستعادة الأقصـى!

كما حذّرت الوثيقة من اندلاع حرب طائفية فى العراق بسبب سياسات سليماني في تدريب وتخزين السلاح للجماعات الشيعية، مع مراكمة الكراهية بين الطوائف العراقية.
كل هذه المجازر،  كل هذه العمليات،  كل هذا السلاح، الذي امتلكه "فيلق القدس" كان دائماً في صدور المسلمين من عرب وأكراد وتركمان وبشتون، ولم تتجه رصاصة واحدة لتحرير القدس؛ فمن الواضح أنّ الاسلام السياسي، السنّي والشيعي، لم يضع الحرب مع اسرائيل موضع الجدية، هكذا حوّل الإسلاميون قضية القدس وفلسطين الى قضية شعارات، مفرغة من المضمون، ولم يقدموا حتى حلاً لفلسطين، بل كانوا دائماً عبئاً على القضية وعلى مساراتها، ولعل دور حماس في تقزيم القضية وتحجيم المطالب الفلسطينية أكبر دليل على ذلك.
الإسلام السياسي استخدم فلسطين والقدس مجرد شعارات، ولعلكم تذكرون شعارهم "شهداء بالملايين على القدس رايحيين"، وعندما حملوا السلاح حملوه على جيشهم وعلى أهلهم وعلى مؤسساتهم، تمدّد الإسلام السياسي وكبر وصارت له دول وحكومات ورجال ومال، مع ذلك ظلّت فلسطين وحيدة تواجه المستعمر الصهيوني!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية