إيطاليون يعتنقون المذهب الشيعي ويمتدحون التطرف والطغاة

إيطاليون يعتنقون المذهب الشيعي ويمتدحون التطرف والطغاة


كاتب ومترجم جزائري
08/12/2020

ترجمة: مدني قصري

لطالما كان يُنظر إلى التطرّف السلفيّ الجهاديّ على أنّه تهديد للأمن في أوروبا، لكنّ الجماعات الشيعيّة المتطرفة تمّ الاستخفاف بها بشكل صادم من قبل العديد من الدول الغربيّة.

 المنظمات الرئيسة هي: حزب الله اللبنانيّ، والحرس الثوري الإيراني، والعديد من الميليشيات الشيعية، من العراق وباكستان وأفغانستان واليمن ودول أخرى.

الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا واليابان وكندا من بين الدول التي كانت أكثر حزماً فيما يتعلق بطبيعة حزب الله، وكلّها أدرجت الجماعة في القائمة السوداء، وعام 1997؛ صنّفت الولايات المتحدة حزب الله كمنظمة إرهابية أجنبية، وفي عام 2008؛ أضافت المملكة المتحدة الجناح العسكري للجماعة إلى قائمة الإرهاب، وفي وقت لاحق، عام 2019، أدرجت المنظمة بأكملها.

 في الآونة الأخيرة، أدرجت صربيا أيضاً حزب الله على القائمة السوداء، كتنازل لفائدة إسرائيل والولايات المتحدة، في إطار المفاوضات مع كوسوفو، تحت وساطة واشنطن. وفي نيسان (أبريل) 2020، أعلنت ألمانيا الجماعة بأكملها منظمة إرهابية، وداهمت الشرطة بعد ذلك المساجد المرتبطة بالجماعة.

ليس من المعروف ما إذا كانت الدعاية الشيعية المتطرفة في إيطاليا قد أدت إلى تطرف أحد أفراد المجتمع لدرجة الانضمام إلى الجماعات المسلحة

من ناحيةٍ أخرى؛ ما تزال هناك دول أكثر تحفظاً؛ ففي عام 2013 أدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله في القائمة السوداء، لكن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد حدّدت تصنيفاتها الفردية الخاصة بها، على سبيل المثال؛ صنّفت فرنسا الجناح العسكري للحزب جماعة إرهابية، لكنّها لم تقرر بعدُ كيف ستصنّف التنظيم بأكمله باعتباره منظمة إرهابية، وفي إسبانيا؛ ضغط حزب "سيودادانوس" الليبرالي الوسطي، من أجل تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، لكنّه لم يحصل على موافقة بعدُ، وفي أيلول (سبتمبر) 2020، حكمت محكمة بلغارية غيابياً على اثنين من أعضاء حزب الله بالسجن المؤبد، لقيامهما بتفجير حافلة سياحية في بورغاس، عام 2012، مما أسفر عن مقتل خمسة إسرائيليين، وسائق الحافلة البلغاري المسلم، لكنّ المدّعي العام قرّر عدم اتهام حزب الله كمنظمة.

الوجود الشيعيّ في إيطاليا

لكنّ إيطاليا، بسبب علاقاتها الحسّاسة مع لبنان وإيران، تركت تصنيفَ حزب الله في منطقة رمادية، وعندما زار وزير الداخلية آنذاك، ماتيو سالفيني، إسرائيل، عام 2018، ووصف حزب الله بأنّه "إرهابيّ إسلامويّ"، أثار ذلك جدلاً سياسياً ساخناً في إيطاليا، لأنّ هذه الأخيرة  تنشر أكثر من ألف جندي في جنوب لبنان، كجزء من بعثة اليونيفيل لحفظ السلام، والتي تعمل كعازل بين قوات حزب الله وإسرائيل.

يفوق عدد المسلمين السنّة في إيطاليا عدد الشيعة كثيراً، تتركز غالبية الشيعة في روما وميلانو وبريشيا وميستري وكومو وليجنانو ونوفارا وكاربي؛ حيث تعيش جاليات كبيرة من المهاجرين، وتتكون جمعية العسيرات، المتمركزة في كومو، من الجالية الشيعية اللبنانية، ويترأسها عبد العزيز حمزة، وتنشر صفحة الجمعية على فيسبوك بانتظام، مقاطع فيديو للشيخ، بسام قاروت، والشيخ الإيطالي الشيعي، عباس دي بالما، ويكاد المحتوى على الإنترنت أن يكون دينياً وغير سياسي في مجمله، كما أقامت الجمعية حواراً وتعاوناً مع المجتمع الكاثوليكي المحلي.

اقرأ أيضاً: كيف نفسّر سياسات حزب الله في ضوء علاقته بالاقتصاد السياسي للبنان والشيعة؟

في تلك الأثناء، كانت الجماعات الشيعية لِكاربي ولِنْيانو، ونوفارا وباليرمو، تتكون من مهاجرين قادمين من باكستان وشبه القارة الهندية؛ وهذه المجموعات تنشط بشكل كبير في المناسبات الاجتماعية والطقوس الدينية، مثل احتفال عاشوراء الكبير أمام محطة ميلانو المركزية، لكنّها أقل مشاركة في النشاط السياسيّ، على الرغم من مشاركة منظمة الجعفرية في لِنْيانو نوفارا في إرسال رسائل تضامن مع قاسم سليماني، قائد فيلق الحرس الثوري الإسلامي في إيران، بعد القضاء عليه من قبل الجيش الأمريكي المتمركز في العراق.

دِي بالْمَا ناشط شيعيّ رئيسي في إيطاليا، استخدم صفحته على فيسبوك للإشادة بتصريحات ومبادرات زعيم حزب الله، حسن نصر الله، وبشار الأسد، والنظام الإيراني

يتألف مركز الإمام المهدي الإسلامي في روما، بشكل أساسي، من الإيرانيين والأفغان والباكستانيين، وليس من العرب، ويرأسه الإيطالي، عباس دي بالما، الذي درس اللاهوت في دمشق وقُم، ونظّم في الماضي مناسبات للاحتفال بـ "تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي"، في عام 2015، استضاف المركز أيضاً، نوار الساحلي، عضو حزب الله في البرلمان اللبناني، إضافة إلى رجال دين ومسؤولين إيرانيين.

الإيطاليون الشيعة

طفا عدد متزايد من المتحوّلين الإيطاليين في المجتمع الشيعيّ الصغير في البلاد، وهم غالباً ما يكونون أكثر نشاطاً سياسياً من المهاجرين؛ اعتنق إدواردو أنيلي، نجل الصناعي الإيطالي لمؤسسة فيات، جياني أنيلي، الإسلام الشيعي، بعد لقاء آية الله علي خامنئي في إيران، وفي عام 2000، انتحر في تورينو، وكان عمار لويجي دي مارتينو واعظاً إنجيلياً وناشطاً يمينياً متطرفاً من نابولي، اعتنق الإسلام الشيعي، ويُعدّ مؤسس المجتمع الشيعي المنظّم في إيطاليا، أسّس جمعية أهل البيت ومجلة تسمى "الإسلام النقي".

دِي بالْمَا هو أيضاً ناشط شيعيّ رئيسي في إيطاليا، استخدم صفحته على فيسبوك للإشادة بتصريحات ومبادرات زعيم حزب الله، حسن نصر الله، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، والنظام الإيراني، وقد شارك، مراراً وتكراراً، منشورات حول دور المقاتلين الشيعة الأجانب في سوريا واليمن والعراق، احتفالاً بالصراع ضدّ داعش والفصائل السنّية الأخرى، على سبيل المثال؛ أشاد، عام 2016، بكتيبة "زينَبِيون" (Zeinabiyun) المكوّنة من متطوعين شيعة باكستانيين، والجناح العسكري لحزب الله في سوريا، وكذلك مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، والتي تقاتل في اليمن، كما انتقد، عام 2015، مقتل الإرهابي اللبناني، سمير القنطار، الذي قَتل طفلة إسرائيليّة تبلغ من العمر أربع سنوات، ويقدّم الشيخ على موقعه الشخصي نصائح دينية لأتباعه، ولديه آراء اجتماعية متطرفة؛ إذ يُحرّم الرقص والموسيقى والاختلاط والأفلام التي تضمّ على مشاهد جنسية. كما يدعو إلى فرض قيود صارمة على سلوك المرأة.

اقرأ أيضاً: لماذا عزف الشيعة على وتر الطائفية في كركوك؟

هنية تركيان؛ ناشطة إيطالية إيرانية أخرى، لها آراء سياسية قوية لصالح النظام الإيراني ونظام الأسد، وحزب الله والجماعات الشيعية بشكل عام؛ فهي تشارك في ندوات تنظمها منصات تابعة لليمين المتطرف، مثل: "الأسبقية الوطنية" (Il Primato Nazionale)، ومجموعات الفاشية الجديدة، لكن أيضاً مع مجلة (Eurasia) المؤيدة لبوتين؛ فهي مدعوة للتحدث أثناء أحداث المجتمع الشيعي المتعلقة بالوضع السياسي في الشرق الأوسط، وتستخدم هنية تركيان حساباتها على فيسبوك وتلغرام لمشاركة مقاطع فيديو رسمية لحزب الله وحماس، من التي تحتفي بالهجمات الإرهابية في إسرائيل، ولِدعاية الدعاة الإيرانيين، كما تشارك وجهات نظر راديكالية وعدوانية حول الولايات المتحدة ودول الخليج والحكومات الغربية، وهي مرتبطة بمركز الإمام علي الثقافي في ميلانو، الذي ينشط كثيراًعلى تلغرام، وقد أقام المركز احتفالاً خارج محطة ميلانو المركزية، إحياء لذكرى سليماني بعد اغتياله، وشارك في مقابلةٍ مع الإمام علي فوزنيا، دعا فيها إلى الانتقام لاغتيال الجنرال الإيراني.

الهجمات الإرهابية الشيعية في إيطاليا

ليس من المعروف في هذه المرحلة ما إذا كانت الدعاية الشيعية المتطرفة في إيطاليا قد أدت إلى تطرف أحد أفراد المجتمع لدرجة الانضمام إلى الجماعات المسلحة، أو حتى القتال في الخارج في صفوف حزب الله؛ لواء زينبيون، أو فاطميون، أو حسينيون، أو أنصار الله  الحوثيون، أو وحدات أخرى، لكنّ حزب الله والجهاز الإيراني ينشطان في إيطاليا؛ حيث يُنفذان عمليات سرّية وهجمات إرهابية واغتيالات، وفي العقود الأخيرة، شهدت إيطاليا سلسلة من الهجمات من قبل مسلحين شيعة.

في 12 كانون الثاني (يناير) 1987؛ هبط الناشط اللبناني في حزب الله، بشير خضر، البالغ من العمر 26 عاماً، في مطار ميلانو لينيت، قادماً من بيروت. قامت الشرطة بتفتيشه ووجدت بحوزته 11 كغ من المتفجرات البلاستيكية، مخبّأة في حقائبه، ويُعتقَد أنّ المتفجرات استخدِمت ضدّ الجالية اليهودية في روما، التي استهدفتها في السابق جماعةُ أبو نضال الفلسطينية، عام 1982، مما أسفر عن مقتل طفل يهوديّ يبلغ من العمر عامين، وحُكم على خضر بالسجن 17 عاماً بتهمة الإرهاب، لكنّه أُعيد إلى لبنان بعد خمس سنوات فقط.

اقرأ أيضاً: شيعة يهتفون في جنوب لبنان: (نصر الله عدو الله)... هذه هي القصة

وفي قضية أخرى، بتاريخ 3 تموز (يوليو) 1991، بعد نشر كِتاب الكاتب الإيراني سلمان رشدي "آيات شيطانية"، والفتوى التي دعت إلى قتل رشدي، الصادرة عن المرشد الأعلى الإيراني آية الله الخميني، جاء رجلٌ زَعَم أنه يعمل في السفارة الإيرانية في إيطاليا، إلى منزل مترجم رواية "إيتوري كابريولو" في ميلانو، مستفسراً عن عنوان رشدي، ودعاه لزيارة إيران، وإثر إحجام كابريولو عن تقديم معلومات عن مكان وجود رشدي، طعنه الإيراني طعنات عديدة ولاذ بالفرار.

اقرأ أيضاً: الشيعة والإسلام السياسي..عندما يخفي التطرف المذهبي مشاريع سلطوية

في 16 أذار (مارس) 1993؛ اغتيل المعارض الإيراني، محمد حسين نقدي، بمدفع رشاش من نوع "سكوربيون"، على يد مجموعة كوماندوز من وحدة الاستخبارات الإيرانية "فيفاك"، بقيادة العميل أسيل منصور أمير بوزرجيان، في روما، حيث كان يعيش في المنفى، كان نقدي، وهو دبلوماسي إيراني سابق في روما، ممثلاً عن المجلس الوطني للمقاومة المعارض، ومن أشدّ منتقدي نظام الخميني.

عام 2006؛ قدّم شيعيٌّ لبناني معلومة زائفة إلى المخابرات الإيطالية زعم فيها أنّ مهاجراً سورياً سنياً كان يخطط لهجوم إرهابي في ميلانو، كان مؤيد حزب الله قد فرّ من البلاد في الوقت الذي اكتشف عملاء المخابرات أمرَه.

اقرأ أيضاً: الشيعة العرب..هكذا سيطرت إيران على الخطاب الشيعي

 وفي الآونة الأخيرة؛ كشف تحقيق أجرته وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية وجود حلقة غسيل أموال تابعة لحزب الله، شملت خمسة أشقاء شيعة في شمال إيطاليا، في تورينو وليجوريا، كانوا يبيعون السيارات والآلات الصناعية للعملاء الأفارقة، للتستر على أنشطتهم غير المشروعة، وإضافة إلى ذلك، خلال انتفاضة 2019 ضدّ الحكومة اللبنانية، والوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، تعرّضت مجموعة من المغتربين اللبنانيين كانوا يحتجون أمام سفارتهم في روما، للتهديد والمضايقة من قبل ناشط في حزب الله.

خطر حقيقي

إذا كان فشل الحكومة الإيطالية في تسمية حزب الله كمنظمة إرهابية يمكن اعتباره نقطة ضعف، فقد يتعلق الأمر بقرار محسوب لاتخاذ موقف محايد، من أجل تجنّب العنف.

 بالفعل، هناك خطر حقيقي من أن تتحوّل العناصر المتطرفة التابعة للطائفة الشيعية في إيطاليا إلى التطرف العنيف، هذا الاحتمال مدعوم فقط من قبل الدعاية الراديكالية للدعاة في إيطاليا، فعلى الرغم من أنّه من غير المحتمل أن يشكل هذا تهديداً مباشراً للأمن القومي، إلا أنه قد يُحفّز المهاجرين الشيعة على مضاعفة نشاطهم السياسيّ في القضايا الدوليّة، وتقديم الدعم، اللوجستيّ أو الماليّ، للجماعات الإرهابيّة الأجنبيّة، أو حتى أن يصبحوا مقاتلين أجانب في حروب الشرق الأوسط.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

eeradicalization.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية