اتفاق هش بين الولايات المتحدة وطالبان ولا ضمانات للسلام

طالبان

اتفاق هش بين الولايات المتحدة وطالبان ولا ضمانات للسلام


10/05/2020

لم يكن استئناف العمليات العسكرية التي قامت بها حركة طالبان ضد مواقع الحكومة الأفغانية، يحمل مفاجآت جمة، لا سيما بعد حوالي شهر من توقيع اتفاق السلام بين طالبان وواشنطن، برعاية الدوحة، نهاية شباط (فبراير) الماضي؛ إذ قامت طالبان بتنفيذ ما يزيد عن 4500 هجوم، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، في غضون 45 يوماً، منذ توقيع الاتفاق الذي استهدف وقف إطلاق النار، باعتباره الأساس للمفاوضات بين الأطراف الأفغانية. ورجح مراقبون فشل المفاوضات، وعدم قدرتها وقف العنف والحرب التي استمرت 19 عاماً.

في غضون شهر عاودت طالبان تنفيذ هجماتها على مواقع الحكومة الأفغانية، على إثر خلاف مستعر بين الطرفين

ويتضمن اتفاق السلام الذي جاء بعد 18 شهراً من المفاوضات بين واشنطن وحركة طلبان، عدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعة مسلحة أو عسكرية، لتهدد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها، بالإضافة إلى الإعلان عن خريطةِ طريق لانسحاب جميع القوات الأمريكية، وقوات حلف الناتو، من أفغانستان.
على مدى ما يقرب من عقدين، استمرت فيهما الحرب بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، حيث وصفها مراقبون بأنّها "فيتنام الثانية"، تعددت الوساطات الإقليمية بين الطرفين، بغية الوصول لهدنة أو اتفاق سلام لخفض العنف، ووقف الحرب والصراع الممتد بينهما في أفغانستان لمدة 19 عاماً؛ إذ إنّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وعد منذ تولّيه السلطة، وفي أثناء دعايته الاتخابية، بأنه سيعمل على إعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، وعدم التورط في أي حرب لا طائل من ورائها، خاصة، وأنه قتل خلال تلك الأعوام أكثر من 2400 جندي أمريكي، وفقاً لبعض التقديرات الأمريكية، بينما لا تزال هناك قوات أمريكية قوامها نحو 12000 جندي.

تداعيات غزوة منهاتن
يعود تاريخ الحرب وبدايات الصراع بين الطرفين إلى العام 2001، عندما شنت واشنطن غارات جوية، بعد شهر من تنفيذ هجمات ما عرف بـ"غزوة منهاتن" على مواقع طالبان، وذلك على إثر رفض الأخيرة تسليم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن. وبينما أنهى التحالف الدولي مهمته القتالية، في العام 2014، غير أنّه أبقى على آلاف العناصر، وفقاً لما عرف ببند تدريب القوات الأفغانية، كما أنّ واشنطن ظلت تستأنف هجماتها العسكرية، الميدانية والجوية، حتى في فترات تقليص قواتها.

اقرأ أيضاً: "كورونا" حوّل "طالبان" إلى دولة!
ويعد اتفاق السلام بين الحكومة الأمريكية وحركة طالبان مسألة قلقة، منذ البداية، كما أنّه من غير المتوقع، أن تحسم الاتفاقية التي شملت أربعة أجزاء الصراع المحتدم، والعمل على إنهائه. وتمهد الاتفاقية في أول بنودها على سحب القوات الأمريكية لكافة عناصرها العسكرية، وحلفائها، من الأراضي الأفغانية، بالإضافة إلى الموظفين المدنيين غير الدبلوماسيين، ومتعاقدي الأمن الخاص، والمدربين، والمستشارين، وموظفي خدمات الدعم، بحيث يجري ذلك في مدة أقصاها 14 شهراً.

اقرأ أيضاً: مخاوف إيران من الاتفاق الأمريكي الطالباني
وفي غضون شهر من توقيع الاتفاق، عاودت طالبان تنفيذ هجماتها على مواقع الحكومة الأفغانية، على إثر خلاف مستعر بين الطرفين حول آلية تنفيذ قرار الإفراج عن سجناء الحركة، فضلاً عن أعداد المطلوبين منهم ومواعيد التنفيذ؛ حيث تطالب الحركة بالإفراج عن 5 آلاف سجين، بينما تشترط الحكومة خفض العنف التدريجي لتحقيق ذلك.

أوهام السلام
ومن جانبه، قام الجيش الأفغاني بتنفيذ عدة غارات جوية، في إقليم جوزجان، شمال أفغانستان، منتصف الشهر الماضي، مما نجم عنه مقتل وإصابة العشرات من عناصر حركة طالبان، وذلك بعد ساعات من حدوث تفجيرين استهدفا قوى أمنية، في العاصمة كابول.

ذبيح الله مجاهد: الهجمات تولد هجمات وإذا لم يكن من الممكن تقليل العنف، ستكون هناك ردود

وإلى ذلك، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، أنّ طالبان والحكومة الأفغانية لا تفيان بالتزاماتها التي وقعت عليها في اتفاق السلام، بيد أنّ الأخيرة، بحسب وزير الدفاع، ليست طرفاً في الاتفاق الموقع بين واشنطن وطالبان.
في مطلع الشهر الجاري، شهدت منصة "تويتر" سجالاً عنيفاً، حمل تهديدات متفاوتة بين ممثل القوات الأمريكية، في أفغانستان، ونظيره في حركة طالبان؛ حيث غرد الكولونيل، سوني ليجيت، الناطق بلسان القوات الأمريكية، في أفغانستان: "إنّ القوات الأمريكية ترغب في تقدم عملية السلام إلى الأمام، لكنها سترد إذا واصلت طالبان الهجمات".
وواصل تهديداته الموجهة إلى الناطق الرسمي بلسان الحركة، ذبيح الله مجاهد: "الهجمات تولد هجمات بينما يؤدي ضبط النفس إلى ضبط النفس. إذا لم يكن من الممكن تقليل العنف، ستكون هناك ردود".
ومن جهته، رد الناطق الرسمي بلسان طالبان، بصورة أقل حدة، حيث اعتبر أنّ الحل يكمن في تنفيذ اتفاق السلام، وغرد: "لا تضر البيئة الحالية بتصريحات لا معنى لها واستفزازية، فنحن ملتزمون بتحقيق أهدافنا. التزم بتعهداتك".

إستراتيجية ترامب الجديدة
يمكن للسياق السياسي المحلي في أفغانستان، والصراع على السلطة والحكم، من جهة، بالإضافة إلى الأوضاع الإقليمية والعالمية التي دفعت بهذا الاتفاق وملابساته، من جهة أخرى، أن تعيد تأويل هذا الاتفاق سياسياً، وتفسر مخرجاته وعوامل فشله، وبالتالي، فهم الأطراف الستفيدة منه، وكذا، حقيقة الدور الإيراني المرتبك والرافض له.
وفي حديثه لـ"حفريات" يرى الباحث السياسي، محمد خليل، أنه من المفيد فهم اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، من خلال زاويتين رئيسيتين؛ الأولى هي الإستراتيجية الواضحة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بتخفيض تكاليف العمل العسكري الأمريكي خارج الولايات المتحدة، وبناء على ذلك، يطرح ترامب خيارين وهما أن يتم تخفيض التكلفة من خلال خفض مستويات العمل العسكري الأمريكي في الخارج كما حدث في سوريا، على سبيل المثال، أو تغطية هذه التكلفة من قبل الدول الحليفة، كما هو الحال مع اليابان وكوريا الجنوبية. ومن الواضح أنّ الخيار الأول كان هو الخيار المتاح في حالة أفغانستان.

اقرأ أيضاً: من قطر إلى باكستان.. لماذا غيّرت طالبان وجهتها؟
والزاوية الثانية، في تقدير الباحث الأردني، مرتبطة بالتغييرات الجيوسياسية التي سيحدثها هذا الاتفاق، حيث لا يمكن في هذا السياق، أن نهمل فرضية مهمة تتمثل في السياسة الأمريكية لوضع مزيد من الضغط السياسي والأمني على إيران؛ فطالبان عدا عن كونها عدواً طبيعياً لإيران لاعتبارات مذهبية، فهي أيضاً الحليف القوي لباكستان في مواجهة طهران. وقبل أن تقوم الولايات المتحدة بشن الحرب على أفغانستان، في العام 2001، كانت المواجهات على في حدودها القصوى بين باكستان المتحالفة مع طالبان وإيران الداعمة لتحالف الشمال الافغاني، وهو الأمر المرشح للتكرار بعد انسحاب القوات الأمريكية، وخاصة، إذا تمكنت طالبان من السيطرة على زمام الحكم في أفغانستان، وهذا ما سيفتح على إيران جبهة جديدة كانت حتى وقت قريب شبه مغلقة.


وبسؤاله عن مساحة التأويل الممكنة في أسباب اعتراض إيران على الاتفاقية، يجيب: "حتى لو لم تتحول حركة طالبان إلى حليف حقيقي للولايات المتحدة، فإنها بالتأكيد ستشكل ثقلاً على كاهل النظام الإيراني؛ فانشغال الحركة خلال السنوات الماضية بصراعها مع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية الموالية لها، قلل من قدرة الحركة على إحداث أي تهديد جدي ضد إيران، وفي حال تمكنت الحركة من السيطرة على مقاليد الحكم في أفغانستان سواء من خلال الحوار مع الحكومة الأفغانية أو من خلال فرض سلطتها بالقوة فانّ هذا يعني تغييراً هيكلياً في نظام إدارة الدولة في أفغانستان، وهو الأمر الذي لن يكون مريحاً لإيران على الاطلاق".
من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال احتمال فشل الإستراتيجية الأمريكية؛ فهناك من يرى أنّ هذا الاتفاق والذي سيترتب عليه انسحاب أمريكي من أفغانستان، هو تكرار للخطأ ذاته الذي قامت به واشنطن في فيتنام والعراق، ونجم عنه صعود لقوى معادية لواشنطن، وهذه القوى في واقع الأمر، شكلت تهديداً للأمن الإقليمي والعالمي، بنفس الدرجة التي مثلتها تجاه واشنطن. وفي الحالة الأفغانية، فإنّ هذه القوى المعادية قد تكون طالبان نفسها أو مجموعة منشقة عنها أكثر تطرفاً.


انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية