استبداد بنكهة ديمقراطية

استبداد بنكهة ديمقراطية


16/12/2019

فاروق يوسف

وعد الأمريكيون العراقيين حين احتلوا بلادهم بالديمقراطية. كان ذلك وعدا مضحكا. فالديمقراطية لا تنقلها الدبابات باعتبارها بضاعة جاهزة.

بعد سنوات أدعى الاميركان أن مشروعهم في بناء الديمقراطية في العراق قد فشل بسبب تركيبة البلد الاجتماعية التي لا تتسق مع الديمقراطية.

ما بين الوعد وإنكار القدرة على تنفيذه كانت الإجراءات الأميركية ترسخ أسس نظام المحاصصة الطائفية والعرقية. وهو نظام لا علاقة له بالأغلبية السياسية التي يستند عليها النظام الديمقراطي.

أما حين شنت القوات الأميركية حروبا طاحنة على المدن ذات الأغلبية السنية فقد كان العزم واضحا على إرساء دعائم الحكم الشيعي في المناطق العربية من العراق بعد أن استقل إقليم كردستان بأكراده.

تلك هي الخلفية التاريخية التي مهدت لصعود الأحزاب الطائفية التابعة لإيران، والتي تعيننا على معرفة الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في إقامة نظام سياسي "ديمقراطي" لا يمكن لديمقراطيته سوى أن تنتج حكومات مستبدة، مقطوعة الصلة بالشعب الذي يُقال إنه انتخبها.

لقد وجدت إيران أمامها المائدة جاهزة، ولم يكن عليها سوى توزيع الأدوار بين الأحزاب التابعة لها. فإيران على سبيل المثال لم تكن مسؤولة عن وصول طائفي معتق من نوع نوري المالكي إلى منصب رئيس الوزراء، حين اُتيحت له الفرصة للاستيلاء على ثروات العراق والتصرف بها لمدة ثمان سنوات.

في حقيقة الأمر فإن الديمقراطية بالوصفة الأميركية هي التي نصبت المالكي زعيما مطلق الصلاحيات، بحيث استطاع عبر سنوات حكمه أن يسن القوانين التي شرعنت الفساد وحمت الفاسدين وجعلت من مستقبل العراق الاقتصادي رهينة للمكتسبات التي حصلت عليها فئات، معظمها محسوب على حزب الدعوة.

عمل الأميركان على تكريس سيطرة الأحزاب الشيعية حين أهدوا العراق قانون انتخابات، لن يتمكن أحد من خلاله منازلة تلك الأحزاب ومنافستها. كما أنها بسببه كانت قادرة على تعبئة مجلس النواب بالأعضاء التي يناسبون رغباتها.

كان ذلك كله قد تم في إطار ديمقراطي.

لذلك فإن ما أنتهى إليه العراق على المستوى السياسي هو أمر طبيعي.

الأحزاب اليوم تدافع عن النظام الاستبدادي الذي أقامته انطلاقا من شرعية وجودها في السلطة، بغض النظر عن رأي الشعب في الأداء الحكومي. من وجهة نظرها فإن الشعب قد أقر من خلال صناديق الاقتراع بوجودها في السلطة.

تلك الأحزاب الموجودة اليوم بقوة سلاح ميليشياتها ترى أن الشعب ينقض عهده حين يطالب برحيلها عن السلطة. وهو ما يعيدنا إلى الكذبة الأميركية التي كان عنوانها الديمقراطية.

كان كل شيء مبيتا منذ اليوم الأول للاحتلال.

فمن غير المعقول أن تُبنى ديمقراطية في العراق في ظل السماح للميليشيات التي تأسست في إيران بالدخول إليه. ولم يكن مقبولا أن تكون الديمقراطية حاضنة لنظام المحاصصة بين الأحزاب التي تبنتها الولايات المتحدة وهي أحزاب طائفية لا تؤمن بالديمقراطية.

لا يزال الرصيد الديمقراطي الأميركي قائما. وهو ما يمنع الولايات المتحدة من التفوه بقولها الصريح في ما يتعلق بالأزمة العراقية. فهي لم تعترض من قبل على هيمنة الميليشيات على الجيش العراقي واستيلائها على أسلحته كما أنها لم تقل شيئا في ما يتعلق بسطوة تلك الميليشيات في الشارع.

فهل يتسق وجود الميليشيات مع المشهد الديمقراطي الذي لا يزال يحظى بقبول الإدارة الأميركية؟

أعتقد أن الديمقراطية التي تنتج نظاما استبداديا شموليا مطلقا في سياساته ولا يخضع لإي نوع من المساءلة والحساب ولا يمكن ازاحته من السلطة التي صار يعتبرها ملكا مسجلا باسمه هي وصفة أنتجت خصيصا للعراق من أجل أن يقضي ليلا طويلا إلى أن يصل إلى قيامته.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية