استثناء شمال سوريا من عقوبات "قيصر" يلزمه ردع تركيا

استثناء شمال سوريا من عقوبات "قيصر" يلزمه ردع تركيا


22/05/2022

رغم إعلان الخارجية الأمريكية، مؤخراً، إعفاء مناطق شمالي شرق وغرب سوريا من عقوبات "قيصر"، تحديداً المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، وهي العقوبات التي كانت تقضي بتجميد مساعدات إعادة الإعمار، فضلاً عن فرض العقوبات على النظام في دمشق، وكذا المؤسسات والشركات التي تتعاون معه، فإنّ القرار الأمريكي في حاجة إلى خطوات إجرائية أخرى حتى يكون أكثر تأثيراً، بحسب مسؤولة بارزة في الإدارة الذاتية أوضحت لـ "حفريات"؛ أنّ "قرار الخارجية الأمريكية سيعطي دعماً اقتصادياً للمنطقة، حتى إن كان محدوداً، لكنّ الهجمات التركية المتواصلة على المنطقة، والتي لا تواجه بأيّ موقف دولي حازم، بما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتفلت الأمن، لن يتيح بيئة جاذبة للاستثمارات".

قرار جيد.. ولكن!

وتقول بيريفان خالد، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، في تصريحات لـ "حفريات"؛ "من بين الأمور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، مع هذا القرار الذي لطالما طالبت به الإدارة الذاتية المسؤولين الإدارة الأمريكية، وكذا المجتمع الدولي "عدم وجود معابر رسمية لوصول المستثمرين".

لذا؛ شددت خالد على ضرورة اتّخاذ قرار إضافي بفتح "معبر اليعربية (تل كوجر) وهو مغلق، منذ عامين، بسبب الفيتو الروسي الصيني".

ووفق بيان لوزارة الخزانة الأمريكية، فإنّه سيسمح بممارسة النشاط الاقتصادي في 12 قطاعاً، منها الزراعة والاتصالات والكهرباء والمياه والنفايات والبناء والطاقة النظيفة والتمويل والنقل والتخزين، فضلاً عن القطاعات المتعلقة بالخدمات الصحية والتعليم والتصنيع، في مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). ويتيح الاستثناء الأمريكي شراء المنتجات البترولية المكررة ذات المنشأ السوري للاستخدام في سوريا.

بيريفان خالد: من بين الأمور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار مع هذا القرار هو عدم وجود معابر رسمية لوصول المستثمرين

ولفتت الخزانة الأمريكية إلى أنّ "الترخيص لا يسمح بأيّة معاملات تشارك فيها حكومة النظام السوري، أو أيّ شخص مقرب منها"، مؤكدة على مواصلة "الضغط من أجل المساءلة في سوريا"، كما شدّدت على رفض أيّ تطبيع للعلاقات مع "الأسد" حتى يتمّ إيجاد صيغة للحلّ السياسي وإنهاء الصراع العسكري بالشكل الذي يتوافق وقرار مجلس الأمن رقم (2254).

وعدّت الخزانة الأمريكية، في بيانها، استثناء مناطق شمال سوريا من عقوبات قيصر، بأنّها خطوة تأتي ضمن إستراتيجية هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، وتهدف إلى إتاحة فرصة للاستثمارات الأجنبية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، ومن ثم، تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

هجوم تركي

وإلى ذلك، هاجم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، القرار الأمريكي وعدّه "قراراً خاطئاً"، بينما قال إنّ "وحدات حماية الشعب" تعد تنظيماً إرهابياً مثله مثل حزب "العمال الكردستاني"، وبالتالي، لا يمكن القبول بقرار واشنطن "الخاطئ"، حسبما نقلت عنه وكالة "الأناضول" الرسمية. كما رأى وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، الاستثناءات الأمريكية بشأن العقوبات على سوريا "محاولة لشرعنة تنظيم (اتحاد العمال الكردستاني)".

وتابع: "إنّهم لا يريدون توسيع ذلك ليشمل المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكنّهم يميزون ضدّ المناطق التي لا يسيطر عليها النظام حالياً". ووصف الوزير التركي الولايات المتحدة بأنّها تقوم بإجراءات "تمييزية"، وتتبع "نهجاً انتقائياً" ليس فيه موضوعية؛ إذ تتجه الإجراءات لصالح "الأماكن التي يسيطر عليها حزب "العمال" و"وحدات حماية الشعب"، حيث تشمل المنطقة التي طهرناها "يقصد تركيا" من الإرهاب وتنظيم داعش، ولا تشمل عفرين التي طهرناها من حزب "العمال"".

أعلن مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأمريكية عن سماحه العمل للشركات والأفراد في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام السوري في شمال شرق وشمال غرب سوريا

وفي حديثه لـ "حفريات"، أبدى الكاتب السوري الكردي، داريوس الدرويش، استغرابه من هجوم تركيا على القرار الأمريكي والذي لاقى ترحيباً من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لا سيما أنّ "الاستثناء الأمريكي يشمل مناطق سيطرة الميليشيات المسلحة المدعومة من أنقرة".

ويتابع: "بطبيعة الحال، سيساهم هذا الاستثناء بتحسين مستدام للأوضاع الخدمية والمعيشية للمواطنين في تلك المناطق، والذي سمح للشركات الأمريكية والأوروبية أخيراً الحصول على عقود من الدول المانحة لجهة إنشاء البنية التحتية، وتطوير القطاعات الاقتصادية الرئيسة في المنطقة، وعلى رأسها الزراعة والبناء، خصوصاً أنّ القرار جاء بعد يوم من انتهاء مؤتمر بروكسل، والذي تعهدت فيه الولايات المتحدة ومجموعة من دول الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات تنموية للشمال السوري".

هاجم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، القرار الأمريكي وعدّه قراراً خاطئاً

إذاً، بعد يومين من انعقاد مؤتمر بروكسل لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، مؤخراً، أعلن مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأمريكية عن سماحه العمل للشركات والأفراد في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام السوري في شمال شرق وشمال غرب سوريا، بحسب الباحث الاقتصادي السوري خالد التركاوي، وذلك بما يضمن لهم الحصول على سائر التسهيلات اللازمة لتنفيذ أعمالهم في قطاعات البناء، والصناعة والتجارة، والصحة والتعليم، والطاقة والنفايات، والتمويل والاتصالات، حتى لو كانت هذه التسهيلات محظورة بموجب قوانين العقوبات السابقة.

ما الجديد في القرار الأمريكي؟

اللافت في الإعلان الأمريكي الأخير، وفق التركاوي، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "العمل في هذه القطاعات لم يكن ممنوعاً، في وقت سابق، حيث بادر أفراد ومؤسسات عدة للعمل ضمن هذه القطاعات، لكنّ الجديد هو ضمان القدرة على تحويل الأموال واستيراد مستلزمات الإنتاج اللازمة لتنفيذ أعمالهم، حتى لو كانت من قبيل التقنيات والمعدات عالية التقنية، وأيّة معدات أو معاملات ضرورية لتنفيذ الأعمال في هذه القطاعات (باستثناء منتجات البترول السوري) وهي المسائل التي تمّ تقييدها سابقاً بموجب قوانين العقوبات الأمريكية".

ويتابع: "وبموجب هذه اللائحة؛ فإنّه سوف تستطيع الشركات الأمريكية والمؤسسات المرتبطة بها الدخول للعمل في الشمال السوري في القطاعات المحددة، وكانت الجالية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية قد طالبت بمثل هذه اللوائح، منذ عدة سنوات، للمساهمة في أعمال البناء والإسكان وضمان تحويل الأموال بطرق شرعية ومرخصة".

بيريفان خالد، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، لـ "حفريات": القرار الأمريكي سيعطي دعماً اقتصادياً للمنطقة لكنّ الهجمات التركية المتواصلة، لن تتيح بيئة جاذبة للاستثمارات

وكانت الدول الغربية قد توافقت على ضرورة الدفع بعجلة "التعافي المبكر" من خلال مشاريع متوسطة الأمد في سوريا بعيداً عن إعادة الإعمار الذي يتمّ رفضه ما لم يكن هناك حلّ سياسيّ، وفق الباحث الاقتصادي، كما تهدف عملية التعافي المبكر إلى دعم قدرة المجتمعات المحلية على الاعتماد على نفسها، وتحريك عجلة الإنتاج، بما يضمن تقليل الاعتماد على الأعمال الإغاثية والمعونات الإنسانية، الأمر الذي سيؤدي، بالتالي، إلى تخفيف العبء عن كاهل المانحين من جهة، وإضعاف قدرة المنظمات المتطرفة على تجنيد الشباب لأسباب مالية، من جهة أخرى.

ومن المتوقّع أن تفضي اللوائح المعلن عنها إلى تعزيز دخول مؤسسات (غير ربحية) بشكل أكبر لدعم برامج التعافي المبكر، وإقامة مشاريع صغيرة تطور من بنية القطاع العام، وتساهم في تطوير البنى التحتية، حسبما يوضح المصدر ذاته، كما يتوقّع أن تدخل بعض الشركات والأفراد في سبيل دعم عملية الإسكان وإنشاء مشاريع أكبر حجماً بخلاف السابق، كما "قد تشهد المنطقة تدفّق تقنيات اتصال ومكننة زراعية وصناعية متطورة نسبياً، وافتتاح مكاتب حوالات رسمية مرخصة".

ويختتم: "تؤكد اللائحة المعلن عنها على استبعاد مناطق النظام السوري والأفراد المعاقبين، وكذلك الأنشطة النفطية من أيّ استثناء من العقوبات، لكنّ الشكوك تدور حول إمكانية استفادة النظام السوري من هذه الاستثناءات من خلال التشابكات الكبيرة بين مناطقه والمناطق الخارجة عن سيطرته، خاصة في مجال العملات الأجنبية، والمواد الأولية".

مواضيع ذات صلة:

الولايات المتحدة تعلن عن استثناءات من عقوبات قانون قيصر.. من المستفيد؟

مراسيم العفو في سوريا: تلميع فاشل لصورة النظام

هل تبدأ تركيا حواراً مع سوريا لتحسين العلاقات؟.. دبلوماسي سوري يجيب



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية