استراتيجيات الحوثي الإرهابية مآلها الفشل

استراتيجيات الحوثي الإرهابية مآلها الفشل


19/01/2022

جمعة مبارك الجنيبي

اختلف تعاطي المحللين السياسيين مع الهجوم الحوثي الإرهابي على منشآت ومناطق مدنية في دولة الإمارات اختلافاً كبيراً. فمنهم من ركز على التطور النوعي للعمل الإرهابي، سواء من حيث التخطيط للعملية، أو من حيث الجرأة التي اتسم بها الإرهابيون لاستهداف مطار أبوظبي الدولي ومخازن وقود تابعة لشركة أدنوك، أو من حيث التقنيات والتكتيكات الجديدة التي وظفها «الحوثيون»، أو من حيث استراتيجيتهم القتالية ومحاولتهم تصعيد مستوى الصراع مع دول التحالف العربي لدعم الشرعية. فيما اهتم آخرون بدراسة العلاقة المحتملة بين الجماعة الإرهابية وبين تنظيم «الإخوان المسلمين» في اليمن (حزب الإصلاح اليمني)، أو استقراء أوجه الدعم الذي تلقاه «الحوثي» من الخارج، ولاسيما أنّ المتحدث باسم الحوثيين، المقيم في إيران، حذّر بمواصلة مهاجمة الإمارات!

ووصفت وكالة أنباء «تسنيم» الإيرانية هجمات الحوثي على أبوظبي بأنها «عملية مهمة». وهناك من انشغل بالتعرف على الأسباب والعوامل المختلفة وراء هذه الهجمات الإرهابية، وبصفة خاصة الانتصارات التي تحققها القوات المشتركة في شبوة ومأرب والبيضاء وتعز والحديدة، وإطلاق التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية عملية «حرية اليمن السعيد»، في 13 يناير الجاري. وثمة من حاول استشراف التأثيرات الاقتصادية لهذه الهجمات على أسعار النفط العالمية التي ارتفعت بالفعل، أو على قطاع السياحة والمعارض النشط في دولة الإمارات، أو تحليل انعكاساتها على مستقبل الصراع في اليمن.

بينما تجاوز آخرون قضية الهجوم في ذاتها إلى بحث كيفية مواجهة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي، واقتراح أساليب أكثر نجاعة وتنظيمات أكثر فعالية في هذا الخصوص. وعلى الرغم من أهمية اتجاهات التحليلات الفائتة، فإن الهجمات «الحوثية» على أبوظبي قد كشفت عن ثلاث استراتيجيات قديمة جديدة طبقها الإرهابيون، تدل الخبرة السابقة والتحليل الموضوعي على أنّ مآلها جميعاً إلى الفشل. وتتلخص هذه الاستراتيجيات في مهاجمة المدنيين والمواقع المدنية الحيوية، ودغدغة مشاعر الرأي العام الداخلي، واستهداف خلق ضغط دولي على قوات التحالف لإيقاف عملية «تحرير اليمن السعيد».

هذه الاستراتيجيات قديمة، لأن جماعات إرهابية عديدة سبق أنْ وظفتها في أنحاء متفرقة من العالم (في مصر والفلبين وروسيا وإندونيسيا والهند والولايات المتحدة والعراق وغيرها)، بيد أنّها جديدة التطبيق في منطقة الخليج العربي. أولى الاستراتيجيات التي اتبعها إرهابيو «الحوثي» هي مهاجمة المدنيين والمواقع المدنية الحيوية، مستهدفين إيقاع أكبر عدد من الخسائر البشرية وأوسع مدى من الخسائر الاقتصادية في دولة الإمارات.

وقد أسفرت الهجمات عن مقتل نحو ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين. وبرغم فداحة هذه التكلفة البشرية على قلتها، إلا أنّ العدوان «الحوثي» لم يسفر عن أضرارٍ اقتصادية تُذكر. وهذا أول دليل على فشل استراتيجية مهاجمة المدنيين، بالنظر إلى ما حققته من نتائج مباشرة (عدد القتلى محدود جداً ولا خسائر اقتصادية ذات بأس) أو نتائج غير مباشرة (سخط عام في أنحاء العالم على إرهابيي «الحوثي» ومن تبعهم، وتعاطف ومساندة قوية لدولة الإمارات حكومةً وشعباً). دون الحديث عن الدعم الدولي الذي تلقته حكومة الإمارات، في صورة إدانة دولية وإقليمية واسعة النطاق للهجوم الإرهابي.

علاوة على ذلك، تمدّنا الخبرة السابقة منذ أن شرع تنظيم «القاعدة» بمهاجمة المدنيين والمناطق المدنية في تسعينيات القرن المنصرم (أبرزها هجمات 11 سبتمبر، التي راح ضحيتها نحو 3000 شخص)، بأدلة أخرى دامغة على فشل استراتيجية إرهابيي الحوثي. فـ«القاعدة» لم تفلح في تحقيق أي من مراميها في كسب تعاطف الرأي العام في الدول العربية والإسلامية، أو إضعاف الولايات المتحدة أو الدول المتعاونة معها، بل إنّ ما حدث هو العكس، حيث تضعضعت قدرات «القاعدة» بفعل الحرب العالمية على الإرهاب التي يشنها المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

ثانية الاستراتيجيات التي تبناها «الحوثيون» هي التوجه للرأي العام الداخلي لكسب دعمه وتعاطفه في معركة «وهمية» مع أعداء خارجيين. ولم تخلف هذه الاستراتيجية فشلاً ذريعاً في تحقيق غايات «الحوثيين» وحسب، بل ارتد السحر على ساحره، حيث ترصد التقارير الإخبارية المستندة إلى شهادات موثقة من الداخل مواجهة الميليشيات «الحوثية» صعوبات جمة في حشد مقاتلين جدد من القبائل اليمنية في الشمال والجنوب، وتأييدا شعبيا جارفا في الشمال والجنوب لعمليات القوات المشتركة في الجنوب. ثالثة الاستراتيجيات التي تبناها إرهابيو «الحوثي» هي استهداف خلق ضغط دولي على قوات التحالف لإيقاف عملية «حرية اليمن السعيد».

وهذه الاستراتيجية أُثبت فشلها منذ الوهلة الأولى، فقوات التحالف العربي ردت على هجوم أبوظبي بغاراتٍ جوية متفرقة على مواقع عسكرية ولوجستية «حوثية» في صنعاء، وباتت مصممة أكثر من أي وقتٍ مضى على دحر «الحوثيين» واستعادة النظام اليمني الشرعي، وفقاً لاتفاق الرياض (2019) بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي. وكما لاحظنا من ردود الأفعال الدولية، ثمة اتجاه دولي ناشئ يؤيد هذا الهدف، ويدعم عملية «حرية اليمن السعيد».

وهكذا، فإنّ استراتيجيات جماعة «الحوثي» لتحقيق أي اختراقٍ لمصلحتها في الصراع اليمني أو الإضرار بالمصالح الوطنية لدولة الإمارات ما هي إلاّ سراب! ولكن اتضح أنّ الأعمال الإرهابية التي تنفذها هذه الجماعة لها مضامين وانعكاساتٌ خطِرة على الأمن والسلم الدوليين، وحركة الملاحة في الممرات المائية الحيوية بالمنطقة، والتي تستدعي من المجتمع الدولي أنْ يقوم بواجبه في الحد من خطورة جماعة «الحوثي»، وإعادة تصنيفها جماعة إرهابية، وإدراجها ضمن المستهدفين في الحرب على الإرهاب.

عن "الاتحاد" الإماراتية

الصفحة الرئيسية