استقالة وزير الخارجية اللبناني: فتش عن أصابع حزب الله

استقالة وزير الخارجية اللبناني: فتش عن أصابع حزب الله


04/08/2020

في ظل الانسداد السياسي الذي يعاني منه لبنان، مؤخراً، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي بلغت حدوداً غير مسبوقة، جاءت استقالة وزير الخارجية اللبناني، ناصيف حتي، لتكشف عن مسار آخر أكثر تعقيداً وغموضاً يواجه الحكومة اللبنانية، برئاسة، حسان دياب؛ إذ إن تفاقم الظروف التي أدت بالمشهد السياسي إلى هذا الجمود والركود، لها سوابق وشواهد عديدة، تتمثل في انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، وتخطي سعر صرفها حاجز التسعة آلاف ليرة للدولار الواحد، ما تسبب في تنامي موجة هائلة من الغلاء والتوحش، وسوء الأحوال الاجتماعية والطبقية للمواطنيين، فضلاً عن التقديرات التي تشير إلى أن نسبة البطالة وصلت لنحو أربعين بالمائة، ووقوع نصف اللبنانيين مع تفشي فيروس كورونا تحت خط الفقر.

حزب الله يرهن لبنان لحساب مصالحه

منذ احتدام الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، واندلاع الاحتجاجات في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، التي حملت شعارات سياسية واضحة ومباشرة ضد الطبقة السياسية الحاكمة على أساس طائفي، تباينت مواقف وردود فعل الناشطين، من جهة، والقوى السياسية، المحلية والإقليمية، من جهة أخرى، تجاه المظاهرات السياسية والحقوقية، خاصة، وأن المتظاهرين اتهموا بعض المنخرطين في الحياة السياسية، لاسيما حزب الله، بتوريط الدولة في ملفات خارجية وصراعات إقليمية، ترهن لبنان لحساب مصالح إيران والولي الفقيه، كما تسببت في عزلته عن محيطه العربي.

وقد صرح رئيس الحكومة السابق، تمام سلام، في لقاء تلفزيوني، الشهر الماضي، بأن الفريق الحاكم، أوصل لبنان الى الهاوية، وعليه أن يتنحى ويفسح المجال للآخرين، للقيام بمحاولة إنقاذ، كما اعتبر أن رئيس الجمهورية، ميشيل عون، يتحمل مسؤولية كبيرة عما آلت إليه أحوال البلاد، وأن مواقف حزب الله الحادة تجاه الأشقاء العرب هي التي أوصلت لبنان إلى عزلته الحالية.

وزير الخارجية اللبناني في بيان الاستقالة: لبنان اليوم ليس الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة، وإنني أسائل نفسي كما الكثيرين كم تلكأنا في حماية هذا الوطن

يكاد لا يختلف الأمر كثيراً حول ما يتصل بالسياق الذي جاءت فيه استقالة وزير الخارجية اللبناني؛ إذ كشف في بيان الاستقالة عن تعذره في أداء مهامه السياسية والخارجية، بسبب غياب الرؤية والإرداة الفاعلة التي تمكنه من تحقيق إصلاح هيكلي شامل، إضافة إلى وجود أكثر من طرف سياسي يعمل لحساب مصالحه، وبصورة تتناقض مع مصالح قوى وأطراف أخرى، ما جعل العمل بينهم صعباً، حسبما أشار.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة يهرب الحرس الثوري الأموال لحزب الله اللبناني

وأضاف: "لم يكن قراري بتحمل هذه المسؤولية الكبيرة شأناً عادياً في خضم انتفاضة شعبية قامت ضد الفساد والاستغلال، ومن أجل بناء دولة العدالة الاجتماعية، فيما يشهد لبنان أزمات متعددة الأشكال والأسباب سواء في الداخل أو في الإقليم".

استقالة وزير الخارجية.. الأسباب والتداعيات

وتابع: "ما أصعب الاختيار بين الإقدام والعزوف عن خدمة الوطن، حتى ولو تلاشت احتمالية تحقيق اليسير في نظام غني بالتحديات المصيرية، وفقير بالإرادات السديدة. حملت آمالاً كبيرة بالتغيير والإصلاح، ولكن الواقع أجهض جنين الأمل في صنع بدايات واعدة من رحم النهايات الصادمة. لا لم ولن أساوم على مبادئي وقناعاتي وضميري من أجل أي مركز أو سلطة".

كما لفت وزير الخارجية اللبناني في بيان الاستقالة إلى أن "لبنان اليوم ليس الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة، وإنني أسائل نفسي كما الكثيرين كم تلكأنا في حماية هذا الوطن العزيز، وفي حماية وصيانة أمنه المجتمعي".

اقرأ أيضاً: هل سينضم لبنان إلى قائمة الدول "المفلسة"؟

ومن بين ما ذكره الوزير في أسباب خروجه من حكومة دياب: "إنني وبعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذر أداء مهامي في هذه الظروف التاريخية المصيرية، ونظراً لغياب رؤية للبنان الذي أؤمن به وطناً حراً مستقلاً فاعلاً، وفي غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني، ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به، قررت الاستقالة".

اقرأ أيضاً: كوميديا مُرة ـ اللبنانيون يواجهون الأزمة بالدعابة وروح التضامن

وبينما ترددت، بقوة، أحاديث بين الدوائر السياسية والإعلامية اللبنانية حول شروع وزير الخارجية اللبناني للخروج من الحكومة، إلا أن ذلك الأمر قد سبقه خلافات عميقة على ملفات إقليمية حساسة، تراكمت على السطح، وتصريحات حادة وهجومية من قبل الوزير المستقيل، أبرزت حجم التدخلات في عمله ونشاطه بالخارجية، وذلك في ظل محاولات وزير الخارجية اللبناني السابق، جبران باسيل، تعديل رؤية الوزير الجديد، التي بدت لا تتفق وأهداف النظام المتحالف مع حزب الله، فضغط من خلال أذرعه المختلفة بالوزارة لتبني سياسات مغايرة، خاصة، فيما يتصل بالقضية السورية.

خلافات باسيل وحتي

ومن جانبه، رد حتي على مطالبات باسيل باستعادة سوريا لعضويتها في الجامعة العربية، بأن "عضوية سوريا معلقة والأمر رهن التشاور العربي". وقال في تصريحات أخرى حول الإستراتيجية الدفاعية في لبنان، وأزمة سلاح حزب الله، بأن "مهمتها هي وضع قرار الحرب والسلم بيد الدولة لا تحديد الجهة التي تحمل السلاح".

وإلى ذلك، يشير الكاتب الصحافي اللبناني، منير ربيع، بأن استقالة وزير الخارجية اللبناني، ناصيف حتي، تعود أسبابها إلى كونه مطوقاً، بشكل كامل، من قبل وزير الخارجية السابق، جبران باسيل، والذي مازال يتحكم في مفاصل الوزارة، كما أنه يتدخل في عمل حتي، الأمر الذي يجعل الأخير غير قادر على اتخاذ أي قرار في وزارة الخارجية، سواء على مستوى التعيينات الدبلوماسية أو غيرها، وكذا تعيين المستشارين، حيث يتصدى له باسيل، ويعيقه عن تنفيذ مهامه، ويهدد بأنه سيحجب عنه توقيع رئيس الجمهورية.

يتوقع الكاتب اللبناني ربيع في تصريح لـ"حفريات" أن هناك وزراء آخرين سيقدمون استقالاتهم تباعاً، لكن ذلك لن يعطل استمرار الحكومة، بسبب وجود قرار بالبقاء عليها ومواصلة دورها من قبل حزب الله

ويضيف لـ"حفريات": "لا يبدو أن حتي راضٍ عن سلوك باسيل فيما يخص تدخلاته المستمرة في شؤون عمله، حيث تتناقض مواقفهما في عدة ملفات؛ أبرزها سوريا، كما أن الأخطاء الدبلوماسية التي وقعت، مؤخراً، تسببت في تعثر العلاقة بين وزير الخارجية ورئيس الحكومة، خاصة، بعد موقف الأخير من وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، وكذا ما حدث مع السفيرة الأمريكية في لبنان، حيث شعر بالتهميش من قبل رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وقد تم انتداب اللواء عباس إبراهيم، مدير الأمن العام، لعقد لقاءات سياسية ودبلوماسية في عدة دول بالخليج، مما أثار استياء وغضب وزير الخارجية المستقيل".

وبحسب الكاتب الصحافي اللبناني، فإن حتي يستشعر محاولات تطويقه مقابل إعطاء دوره الأساسي لمدير الأمن العام، لكن من بين الأمور التي تشكل نقطة مهمة في قرار الاستقالة، هو صدور حكم المحكمة الدولية، خلال الأيام القليلة المقبلة، في قضية مقتل رفيق الحريري؛ حيث لن يكون بمقدور وزير الخارجية المستقيل مواجهة المجتمع الدولي الذي سيطالبه بتسليم المتهمين، وبالتالي، سيجد نفسه في مأزق.

ويتوقع ربيع أن هناك وزراء آخرين سيقدمون استقالاتهم تباعاً، لكن ذلك لن يعطل من استمرار الحكومة، بسبب وجود قرار أو رغبة بالبقاء عليها ومواصلة دورها من قبل حزب الله، لكن استقالة حتي سوف تخدم باسيل الذي سيقوم بتعيين شخص قريب منه في هذه الوزارة التي يعتبرها مهمة وحساسة بالنسبة له.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية