اشتباكات طرابلس الأخيرة: هل تسعى الميليشيات لإجهاض عمليّة التسوية؟

اشتباكات طرابلس الأخيرة: هل تسعى الميليشيات لإجهاض عمليّة التسوية؟


13/09/2021

أثارت الاشتباكات المتكررة التي وقعت خلال الأسابيع الأخيرة، بين الميليشيات في غرب ليبيا، وإعلان وزارة الدفاع التركية عن استمرارها في تدريب هذه الميليشيات، عدداً من علامات الاستفهام، حول الصعوبات التي تواجه ليبيا، إذا لم يتم تفعيل قرارات مؤتمر "برلين 2" الخاصّة بحل الميليشيات، ورحيل القوات الأجنبية؛ لتأمين الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

يمثل الوصول إلى مشهد الانتخابات الرئاسيّة في ليبيا، مع نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل، نقطة بالغة الحساسيّة، إزاء ما تواجهه البلاد من تحديات وعراقيل، تمتد من أزمة توحيد المؤسسة العسكرية، والعمل على دمج المجموعات المسلحة، وخروج قوات المرتزقة والأجانب من الأراضي الليبيّة، ما يسمح بمواجهة الصراعات المسلحة، التي تندلع بين الحين والآخر، في عدد من المناطق، سيما ما وقع مؤخراً في العاصمة طرابلس.

اقرأ أيضاً: الإمارات تستكمل تشييد وتجهيز مدرسة في ليبيا متوقفة منذ 15 عاماً... تفاصيل

من الصعوبة أن يمتثل السيناريو الليبي نحو الاستقرار، دون أن تقبض الدولة وحدها على السلاح وتحتكره، وأن يخضع الجميع لسلطانها ومؤسساتها الشرعية.

عبر ذلك، نستطيع أن ندرك عمق التداخل بين الأمرين، ودلالات توظيف الواقع الميداني في مسار العملية السياسيّة، وتوتيره بين الحين والآخر لأهداف تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية، وكذا سعي بعض قادة هذه المجموعات المسلحة، نحو البحث عن مصالح ذاتيّة، وحجز مناصب في السلطة الجديدة، استناداً لحيازتهم القوة والسلاح.

إلى ذلك، جدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مطالبته للدول المتدخلة في الشأن الليبي؛ بسحب جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب، داعياً في تقرير لمجلس الأمن الدولي، حسبما أفادت قناة (ليبيا الحدث) إلى تنفيذ خطة شاملة للانسحاب الفوري وغير المشروط، لجميع المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، بجداول زمنية واضحة، كما حث الأحزاب الليبيّة على بذل كل جهد ممكن؛ لضمان إجراء الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة في 24 كانون الأول (ديسمبر)، وفقًا لخريطة الطريق، التي أنهت الأعمال العدائيّة العام الماضي.

 حسين مفتاح: ما جرى يعكس بشكل واضح حقيقة الوضع الميداني في طرابلس حيث انتشار السلاح في أيدي مجموعات غير منضبطة

بينما يتحرك وزير الداخلية الليبي، خالد مازن، من أجل فك الاشتباكات، وفتح تحقيقات في أسباب ودوافع اندلاعها بين المجموعات المسلحة، يذهب كثير من المتابعين إلى أنّ أفق الصراع تلوح بين قادة هذه المجموعات، على النفوذ، وتقاسم المواقع، خاصّة في العاصمة طرابلس، حيث تسعى جماعة الإخوان إلى تأجيجه، واظهاره غير مرة، في صورة  اشتباكات مسلحة، بغية أن يبدو ظل الحرب الأهلية جليّا في أعين الجميع، وأن يضحى ذلك ورقة ضغط مهمة، في مقابل التحرك نحو مسار خارطة الطريق السياسيّة.

البُعد الإقليمي للاشتباكات الأخيرة

في إطار ذلك، يقول الكاتب الصحفي الليبي حسين مفتاح، نائب رئيس تحرير صحيفة "بوابة أفريقيا" الإخبارية، إنّ "الاشتباكات التي وقعت مؤخراً في طرابلس، استمرت لساعات بين مجموعات مسلحة، أحدهما اللواء 444، التابع لرئاسة الأركان المنبثق عن حكومة الوحدة الوطنيّة، ومجموعة أخرى تتبع جهاز دعم الاستقرار، التابع للمجلس الرئاسي".

ويلفت مفتاح، في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّه "رغم عدم وضوح أسباب حقيقيّة، لاندلاع الصراع المسلح بين الطرفين، غير أنّه وفقاً للبيان الصادر عن آمر قوات طرابلس، عبدالباسط مروان، فإنّ اللواء 444، انحرف عن مساره، وأصبح يتعامل بشكل مستقل، ولا يمتثل للأوامر، بل وصل الأمر حد اتهامه بتلقي الأموال من أطراف خارجية، سيما وأنّ آمر اللواء محمود حمزة، كان في تركيا أثناء بداية الاشتباكات، وانضم لاحقاً لباقي المجموعات، المتواجدة في العاصمة الليبية طرابلس".

ويرى الكاتب الليبي، أنّه بعيداً عن الأسباب وموجبات الاشتباك المسلح، فإنّ ذلك "يعكس بشكل واضح الوضع الميداني وحقيقته في طرابلس، حيث انتشار السلاح في أيدي مجموعات غير منضبطة، وهي مجموعات لا تتبع المؤسّسة العسكريّة الرسميّة، ولا حتى مؤسّسة شرطيّة أمنيّة".

إلى ذلك يؤكد مفتاح، أنّ كافة الترتيبات التي تجرى؛ من أجل إنجاح خريطة الطريق، والوصول لمشهد الاستحقاق الانتخابي، في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) "بات يواجه خطر الوضع الميداني، وتوظيف هذه المجموعات غير المنضبطة، وفوضى امتلاكها السلاح، الأمر الذي يضع شكوكاً كبيرة حول مدى نجاح الوصول إلى هذا الاستحقاق، وتحقيق خريطة الطريق، التي ينظر إليها أبناء الشعب الليبي، باعتبارها الصيغة المثلى لانتهاء الأزمات، وتحقيق المصالحة، والخروج بالبلاد من الفوضى نحو الاستقرار، عبر انتخاب السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة".

ويتابع: وربما من الأهمية بمكان، الإشارة إلى أنّ هذه الآمال والطموحات، التي يتعلق بها أبناء الشعب الليبي، قد تضحى في مهب الريح، ما لم تواجه هذه المجموعات غير المنضبطة بحزم، والعمل على إنصهارها داخل المؤسّسات الرسميّة.

  إبراهيم بلقاسم: الغيوم التي تحيط بمشهد الانتخابات كثيفة بشكل يجعل الاستحقاق غير محدد المعالم

"هذا الأمر تتحمل مسؤولياته وتبعاته السلطات الموجودة الآن في الحكم، وكذا الأطراف الدوليّة المعنيّة بالشأن الليبي، خاصّة البعثة الأممّية التي تشرف على خريطة الطريق، وبعض الدول الفاعلة في الشأن الليبي"، وفق المحلل السياسي الليبي الذي ينوه إلى أنّه، ينبغي الالتفات إلى الدول التي تتمسك بحضور ميداني في ليبيا، عبر قوات عسكريّة، سواء كانت نظاميّة أو مرتزقة، وهذه الدول، في ظنه، عليها أن تلتزم بكافة القرارات الدوليّة، المطالبة بضرورة خروج كافة القوات والمرتزقة من الأراضي الليبية، ومن جانب آخر، ثمة حتمية نحو العمل بجدية؛ بغية توحيد المؤسّسات العسكرية في ليبيا، بحيت يضحى الولاء الواحد، والمطلق للشعب الليبي.

يختتم مفتاح بالتأكيد أنّه "لا يمكن الحديث عن عملية سياسيّة في ليبيا، قبل وأد فوضى انتشار السلاح، والتحرك نحو التعامل الأمثل مع هذه المجموعات، حتى يمكن إعادة تأهيلها مرة أخرى، ودمج العناصر اللائقة، داخل المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة الرسميّة، ومن خلال ذلك فقط، يمكننا الحديث عن مسار سياسي، واستحقاق انتخابي، يستجيب لطموحات الشعب الليبي، الذي عانى كثيراً خلال سنوات العقد الماضي".

الانتخابات المقبلة حتمية سياسيّة

من جانبه، يذهب الكاتب والمحلل السياسي الليبي، إبراهيم بلقاسم، إلى أنّ "مشهد الانتخابات في الرابع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) القادم، تحتشد وراءه الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من القوي الإقليمية الهامة، من بينها مصر، والاتحاد الأوروبي بقيادة إيطالية أسبانية في الملف الليبي، وتدفع المؤسّسات السياسيّة في الداخل الليبي، سواء مجلس النواب، برئاسة المستشار عقيلة صالح، أو الحكومة برئاسة السيد عبدالحميد الدبيبة، لدعم إجراءات تنفيذها في الموعد المحدد، بيد أنّ ثمة مؤشرات، لجملة من التحديات والعراقيل، تقف أمام الاستحقاق الانتخابي، تبدو تمثلاتها في التوظيف السياسي للوضع الميداني لفوضى السلاح في الشارع، في مختلف مناطق ليبيا، وهناك جملة من الاستحقاقات تتمثل في تهيئة الظروف، لتوحيد المؤسسة العسكرية, والتعامل مع الأجهزة الأمنيّة، وبناء قدراتها على أن تكون جزءاً من الأدوات الفاعلة للدولة الليبيّة".

ويتابع بلقاسم حديثه لـ"حفريات": تحتاج الانتخابات في ليبيا إلى توافق سياسي، يتمثل في إنجاز المنتدي السياسي الليبي، برعاية الأمم المتحدة، وهو يمثل الأطراف السياسيّة الليبيّة، على طاولة واحدة، في إنتاج قواعد دستورية، وإطار عام للانتخابات؛ لإصدار تشريعات تحتاجها المرحلة، في ظل غياب الدستور، وتأخر إنجاز مشروعه، الذي ينتظر أن يري وضعاً سياسيّاً مستقراً للاستفتاء عليه.

اقرأ أيضاً: تحركات جديدة لداعش والقاعدة بين ليبيا وتونس

ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي الليبي أنّ "ثمة تقاطعاً لا ينبغي أن يتم إغفاله، بين الفاعلين الإقليميين والدوليين، وبعض السياسيين في الداخل الليبي، الأمر الذي يفرض غيوماً على المشهد القادم، ويدفع نحو سيناريو تمديد عمل حكومة عبدالحميد الدبيبة، لفترة تتجاوز الأفق الزمني، للرابع والعشرين من كانون لأول (ديسمبر) القادم، وما يتبعه من تداعيات سياسيّة، قد تعيد مرة أخرى صياغة حكومة موازية في الشرق الليبي، يلوح بها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، في حالة تعثر إجراء الانتخابات في موعدها".

يختم بلقاسم: "الغيوم التي تحيط بمشهد الانتخابات كثيفة، وتتجه نحو الحد الذي يجعل الاستحقاق غير محدد المعالم، بيد أنّ التقاء كافة الأطراف السياسيّة في ليبيا، حول حتميّة العمل لصالح البلاد، وتحقيق المصالحة الوطنيّة، يبقى الأمل الوحيد للنفاذ نحو الاستقرار، ووحدة الأراضي الليبية؛ إذ إنّ مصالح الدول والقوي الدولية في ليبيا، تدفعها نحو استثمار استدامة السلام والتهدئة، ورفض أيّ صراعات مسلحة موازية لحالة الاستقرار".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية