اعتدال يجتث الغلو.. الإمارات تستعرض تجربتها في مكافحة التطرف بقمة أقدر

اعتدال يجتث الغلو.. الإمارات تستعرض تجربتها في مكافحة التطرف بقمة أقدر


29/08/2019

مبكرا، أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية اعتماد مقاربة شاملة لمواجهة الإرهاب عبر التصدي للتطرف الفكري وتجفيف منابعه، لتتصدر لائحة الدول التي أقرت سياسات وحلولا جذرية لقهر أحد أبرز أسباب معضلة الإرهاب.

اختارت الإمارات أن تحارب الظاهرة التي تؤرق العالم وتزعزع استقراره عبر نثر بذور الوسطية والتسامح والاعتدال، فحولت سهام الموت إلى شعاع حياة، وفنّدت أكاذيب الإرهابيين بحملات فكرية تستند إلى الحجة والبراهين، انطلاقا من إيمانها الراسخ بأن الإرهاب لن ينهزم إلا من خلال مواجهة الفكر الذي يحرض عليه.

وفي هذا السياق، تأتي ورقة عمل يقدمها الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس مجلس إدارة مركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف، حول استراتيجية دولة الإمارات في محاربة التطرف الفكري، ضمن فعاليات قمة “أقدر” العالمية التي تنطلق، اليوم الخميس ، في نسختها الثالثة بالعاصمة الروسية موسكو.

ورقة عمل من المنتظر أن تأتي في ختام الجلسة الثانية من أعمال القمة الهادفة إلى تنمية العقول لازدهار الأوطان، تحت شعار “تمكين المجتمعات عالميا.. التجارب والدروس المستفادة”.

الإمارات ومكافحة التطرف: 3 محاور
وأد بذور التطرف السامة المزروعة في المجتمعات يتطلب سياسات حكومية جذرية وفعالة، ومتعددة المحاور، تبدأ بالوقاية والعلاج وتنتهي بغرس قيم الاعتدال لدى النشء بما يحصن الأجيال الراهنة والقادمة، ويمنحها ترياقا اجتماعيا وثقافيا ودينيا مضادا للأفكار المسمومة والمغلوطة.

التشريعات
التشريعات أو القوانين تُعَد ركيزة وحجر زاوية استراتيجية الإمارات لمكافحة التطرف؛ حيث تمثل الإطار الذي ينظم هذه “الحرب” المعقدة بسبب تداخل عواملها وتمظهراتها وتقاطعها بين الجوانب الدينية والاجتماعية وحتى النفسية والأمنية.

ولتأمين الأرضية المناسبة، حرصت دولة الإمارات على إصدار تشريعات تعنى بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، في مقدمتها مرسوم بقانون اتحادي رقم 1 أصدره عام 2004، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حول مكافحة الجرائم الإرهابية.

وفي 2006، أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، القانون الاتحادي رقم 39 المتعلق بالتعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية، تلاه قانون آخر حمل رقم 7 لعام 2013، والذي تم بمقتضاه إنشاء “مركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف”، الذي يُعَد أول “مؤسسة بحثية وتطبيقية” مستقلة لمكافحة التطرف العنيف بجميع أشكاله ومظاهره.

ثم جاء القانون الاتحادي رقم 7 لعام 2014، والذي تبنى رؤية شاملة لمكافحة الإرهاب، ضمن تدابير تشريعية وقانونية ترمي إلى تحقيق مقاربة الأمن والتعايش المشترك بالبلاد. في مقدمتها أيضا مرسوم بقانون يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة جميع أشكال التمييز، ونبذ خطاب الكراهية، وتجريم التمييز بين الأفراد أو الجماعات.

الدين والثقافة
هما الضلع الثاني لمثلث الاستراتيجية الإماراتية لمكافحة التطرف، وحائط الصد الرئيسي للغلو، باعتبارهما الوازع المرتبط أساسا بالعقيدة والأيديولوجيا بمفهومها الواسع، وبالرؤية المعتدلة أو المجردة للأشياء، بالمفهوم الثقافي أو البعد اللامحسوس للمفاهيم الفنية والمجتمعية.

ومن خلال الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، حرصت الإمارات على غرس وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح في المجتمع، باعتبارها الدرع الأول الذي يقي السقوط في جب التطرف من خلال تنمية الوعي الديني والثقافة الإسلامية، استنادا إلى القيم السمحة للدين الإسلامي، ودعم جهود إصلاح الخطاب الديني.

وتبعا لذلك، قدمت الإمارات دعمها لمفهوم الوسطية في العالمين العربي والإسلامي، وأشرفت -ولا تزال- على فعاليات كان لها دور محوري في اجتثاث المفاهيم المغلوطة وتصويب الرؤية الدينية.

تستضيف العاصمة الإماراتية أبوظبي أيضا مجلس حُكَماء المُسلمين، وهو هيئة دوليَّة مستقلَّة تأسست في يوليو/تموز 2014، وتضم عددا من كبار علماء المسلمين حول العالم يعملون على غرس  قيم الوسطية، يرأسه إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب، ويهدف إلى تحقيق السِّلم والتعايش في العالم الإسلامي، ومحاربة الطائفية.

وتوجت جهود الإمارات في فبراير/شباط الماضي، بزيارة تاريخية لقداسة البابا فرنسيس؛ حيث التقى شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ووقعا معا وثيقة "الأخوة الإنسانية".

و"الأخوة الإنسانية" وثيقة تاريخية جاءت إعلانا مشتركا عن النوايا الصالحة؛ ليتوحد الجميع ويعملوا معا من أجل أن تعيش الأجيال الجديدة في أجواء من الثقافة والاحترام المتبادل والعيش المشترك، أخوة في الإنسانية حتى الوصول إلى سلام عالمي ينعم به الجميع في هذه الحياة.

المجتمع والإعلام
المجتمع حاضنة الوعي العام، والمرآة التي تعكس مستوى هذا الوعي على سلم الاعتدال، وهو ما يستبطن الأهمية التي يشكلها هذا الجزء من الضلع الثالث في استراتيجية الإمارات لمكافحة التطرف.

ومن أهم مبادرات الإمارات في هذا المجال “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” الذي استضافته الدولة عامين متتاليين، وكانت مخرجاته عبارة عن مبادرات مهمة أسهمت في بلورة رؤية جديدة في مجال تعزيز السلم وصناعة السلام.

أما الإعلام فهو الأداة التي تربط بين جميع الأضلع المذكورة، وهي الوسيلة التي تختزل المسافات، وتؤمن وصولا سريعا للمعلومات للرأي العام.

ومن هذا المنطلق، كانت مبادرات الإمارات المعنية بالاتصالات الاستراتيجية، والتأكيد على أهمية الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها من وسائل الإعلام البديل، في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، أو من خلال وسائط اتصالية ترتكز إلى البرامج الهادفة والمحتوى الرصين القائم على الحجة والمنطق والاستناد إلى قيم التسامح والوسطية.

كما تعد الإمارات من الأعضاء المؤسسين لمركز "صواب" الهادف لمواجهة أكاذيب "داعش" عبر الإنترنت وفضحها عبر إطلاق حملات توعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بما يسهم في التصدي للخطاب المتطرف.  

"أقدر" العالمية
قمة عالمية تُعقد في دورتها الثالثة تحت شعار "تمكين المجتمعات عالميا.. التجارب والدروس المستفادة"، خلال الفترة من 29 أغسطس/آب الجاري حتى 1 سبتمبر/أيلول.

وتجري أعمالها بالتزامن مع انطلاق فعاليات منتدى موسكو العالمي، الذي يجمع تحت سقفه نخبة من الأكاديميين والباحثين، ويهدف إلى تبادل الخبرات العلمية والثقافية وعرض آخر التطورات والتكنولوجيات الحديثة في مجال التعليم والتدريب.

وتسلط أجندة المؤتمر الضوء على المواضيع الملحة في مجال التعليم والثقافة والسياحة والاقتصاد والتجارة وغيرها، من خلال ورش عمل متخصصة وجلسات ونقاشات علمية متنوعة.

فيما يضم المعرض المصاحب عددا من المؤسسات والشركات الرائدة من القطاعين العام والخاص من دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها.

وتعقد القمة بتنظيم من برنامج "خليفة للتمكين – أقدر"، وبالتعاون مع شركة إندكس للمؤتمرات والمعارض، وبالشراكة مع الأمم المتحدة وعدد من المؤسسات الدولية والإقليمية والوطنية.

عن "العين" الإخبارية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية