اعتراف روسيا باستقلال لوغانسك ودونيتسك... ما تبعاته؟

اعتراف روسيا باستقلال لوغانسك ودونيتسك... ما تبعاته؟


22/02/2022

بعد أسابيع من الترقب الدولي للخطوة المقبلة في النزاع الروسي الأوكراني بين مخاوف من تطورها لحرب عالمية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتشمل دولاً أوروبية، ومساعٍ تعلق الكثير من الآمال على الحلّ الدبلوماسي، صدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب أمس الإثنين بالتوقيع على مرسومين للاعتراف باستقلال منطقتي "لوغانسك" و"دونيتسك" الانفصاليتين شرق أوكرانيا.

ويأتي التوقيع بعد عدة أيام من تعرّض المنطقتين الانفصاليتين لقصف بالأسلحة الثقيلة، اتهموا الجيش الأوكراني بالوقوف خلفه، وهو ما يُعدّ انتهاكاً لاتفاقيات مينسك الموقعة منذ (8) أعوام، وبموجبها تمّ فرض وقف إطلاق النار، وإبعاد القوات الأوكرانية إلى خط التماس.

اقرأ أيضاً: فرص إيران من أزمة أوكرانيا

وقبيل التوقيع على المرسوم، قال الكرملين في بيان: "اليوم تلقت قيادة جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية نداءات للاعتراف بسيادتهما فيما يتعلق بالعدوان العسكري للسلطات الأوكرانية، والقصف المكثف لأراضي دونباس، ونتيجة لذلك يعاني السكان المدنيون. ومع وضع كلّ ذلك في الاعتبار، قال الرئيس الروسي إنّه يعتزم التوقيع على مرسوم ذي صلة في المستقبل القريب".

آليات بلا راية تنتشر في دونيتسك ولوغانسك

لم يكد حبر التوقيع على المرسومين يجفّ حتى انتشرت قوافل من الآليات العسكرية في مدينة دونيتسك الموالية لموسكو، من بينها (5) دبابات، وفقاً لوكالة "رويترز" التي قالت إنّه رغم أنّ هذه الآليات العسكرية لم تحمل أيّ راية تحدد هويتها، إلّا أنّها في الغالب روسية.

ترقب دولي للخطوة المقبلة في النزاع الروسي الأوكراني

يأتي ذلك عقب أوامر لبوتين للقوات المسلحة الروسية، بعد التوقيع على المرسومين أمس، بـ"حفظ السلام" في المنطقتين الانفصاليتين المواليتين لموسكو في شرق أوكرانيا اللتين اعترف باستقلالهما، في خطوة من شأنها أن تشعل نزاعاً كارثياً مع أوكرانيا المدعومة من الغرب.

وقال شهود عيان: إنّ صفوفاً من المركبات العسكرية، بما في ذلك الدبابات وناقلات الجند المدرعة، شوهدت في ضواحي دونيتسك التي اعترف بوتين باستقلالها أمس.

طموح روسيا أبعد من دونيتسك ولوغانسك

ألمح بوتين أكثر من مرّة إلى أنّ أوكرانيا هي تاريخياً جزء من روسيا، متّهماً سلطات كييف باضطهاد الناطقين بالروسية، والتحضير لـ"حرب خاطفة" ضدّ منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا.

 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصدم الغرب أمس بالتوقيع على مرسومين للاعتراف باستقلال منطقتي "لوغانسك" و"دونيتسك" الانفصاليتين شرق أوكرانيا

 

وفي خطاب متلفز استمر ساعة أمس قال بوتين: إنّ أوكرانيا الحديثة "أنشأتها" روسيا السوفييتية، مشيراً إلى البلاد على أنّها "أراضٍ روسية قديمة"، وأشار إلى تعرّض روسيا "للسرقة" أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، واتّهم أوكرانيا بأنّها "مستعمرة أمريكية" تديرها حكومة "دُمية"، وزعم أنّ الناس يعانون في ظلّ قيادتها الحالية، ووصف احتجاجات 2014 التي أطاحت بالزعيم الأوكراني الموالي لروسيا بأنّها انقلاب.

إدانات وعقوبات

وأثار التوقيع على استقلال لوغانسك ودونيستك غضباً واسعاً وموجة من الإدانات الأوروبية والأمريكية، حيث استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية اعتراف بوتين باستقلال المنطقتين.

اقرأ أيضاً: هل تنقذ الدبلوماسية أوكرانيا من غزو روسي محتمل؟

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان على موقعها الرسمي على الإنترنت: "ندين بشديد العبارة قرار الرئيس بوتين الاعتراف باستقلال ما يُسمّى بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين"، مضيفة: "يمثل هذا القرار نقضاً تاماً لالتزامات روسيا بموجب اتفاقيات مينسك، ويتناقض بشكل مباشر مع التزامها المزعوم بالدبلوماسية، ويشكّل هجوماً واضحاً على سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها."

أثار التوقيع على استقلال لوغانسك ودونيستك غضباً واسعاً وموجة من الإدانات الأوروبية والأمريكية

ودعت الوزارة الدول إلى "الالتزام بعدم الاعتراف بدولة جديدة نشأت من خلال التهديد بالقوة أو استخدامها، فضلاً عن الالتزام بعدم الإخلال بحدود دولة أخرى"، مضيفة: "يُشكلّ قرار روسيا مثالاً آخر على عدم احترام الرئيس بوتين الصارخ للقوانين والأعراف الدولية."

وأوضحت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي أنّ الرئيس جو بايدن أصدر أمراً تنفيذياً "يحظر على الأمريكيين القيام بأيّ عمليات جديدة، استثمارية أو تجارية أو تمويلية، إلى أو مِن أو داخل ما يُسمّى جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية في أوكرانيا".

 

لم يكد حبر التوقيع على المرسومين يجفّ حتى انتشرت قوافل من الآليات العسكرية في مدينة دونيتسك الموالية لموسكو، من بينها (5) دبابات، يعتقد أنها في الغالب روسية

 

من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية: "سنواصل التنسيق مع أوكرانيا وحلفائنا وشركائنا لاتخاذ الخطوات المناسبة للردّ على هذا الإجراء غير المبرر وغير المقبول من جانب روسيا"، موضحة أنّ الأمر الذي أصدره بايدن يهدف إلى "منع روسيا من الاستفادة من هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، وهو لا يستهدف شعب أوكرانيا أو الحكومة الأوكرانية، وسيسمح للأنشطة الإنسانية وغيرها من الأنشطة ذات الصلة بالاستمرار في هذه المناطق."

تبعات القرار الروسي

إلى جانب الغضب الغربي الواسع وسيل الإدانات الذي لم يهدأ منذ إعلان بوتين عن اعتراف بلاده باستقلال دونيتسك ولوغانسك أمس، يحمل القرار في طياته تبعات قد تمتدّ إلى دول الشرق الأوسط، وخاصة ليبيا وسوريا ومنطقة الساحل الأفريقية، في ضوء تقارير غير رسمية عن استعداد روسيا للعب دور أكبر في هذه المناطق، وفي منطقة الساحل الأفريقية على وجه الخصوص، مستغلة انسحاب فرنسا.

ماركو دي ليدو، لـ "حفريات": الولايات المتحدة الأمريكية ربما تحاول القيام بعمل مضاد لروسيا في منطقة الساحل أو سوريا

ورغم استبعاده نشوب حرب عالمية ثالثة بمعناها التقليدي، قال ماركو دي ليدو، كبير المحللين في معهد الدراسات الدولية في إيطاليا، في تصريح لـ "حفريات": إنّ الولايات المتحدة الأمريكية ربما تحاول القيام بعمل مضاد لروسيا في منطقة الساحل أو سوريا.

 استبعاد نشوب حرب عالمية ثالثة بمعناها التقليدي

 وفي ليبيا، ورغم نفي الدولة الروسية مراراً تواجدها في الأراضي الليبية، إلّا أنّها لم تنكر وجود مرتزقة "فاغنر" الشركة الروسية شبه العسكرية، التي يتهمها الغرب بأنّها الذراع العسكرية للاستخبارات الروسية. ضعف التواجد الروسي في ليبيا ربما لا يؤثر كثيراً على مسار الأزمة السياسية الليبية، إلّا أنّ التوقعات بضرب المصالح الروسية في ليبيا قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، وفي هذا الشأن، قال دي ليدو: إنّ "الأزمة في ليبيا داخلية".

 

بوتين يتهم أوكرانيا بأنّها "مستعمرة أمريكية" تديرها حكومة "دُمية"، وزعم أنّ الناس يعانون في ظلّ قيادتها الحالية

 

واستبعد المحلل السياسي طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، في تصريح لـ"حفريات"، نشوب حرب عالمية ثالثة، قائلاً: إنّ كلّاً من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وغيرهما من الدول الأوروبية والآسيوية أصبحت قوى نووية، والدخول في حرب عالمية يعني "هلاك الكرة الأرضية"، مشيراً إلى أنّ تلك القوى قد تدخل في حروب أخرى لا تأخذ شكل الحروب التقليدية، كـ"الحروب السيبرانية، والهجمات الإلكترونية، والعقوبات، أو من خلال وكلاء."

وفيما يتعلق بالأزمة الليبية، أشار البرديسي إلى أنّ هناك مرتزقة فاغنر، وهم شكل من أشكال الدعم الروسي للقوى الليبية المسيطرة على شرق ليبيا، مضيفاً: "موسكو تقول إنّه لا علاقة لها بفاغنر، لكن من الواضح أنّهم جزء من عمل استخباراتي".

اقرأ أيضاً: أوكرانيا تعلن الحرب على نفسها وتقصف هاتين المنطقتين

وقال البرديسي :"في حالة التصعيد، سوف تعمل روسيا على تأكيد تواجدها في ليبيا وزيادة دعمها لشرق ليبيا، ممّا قد يؤدي إلى صعوبة في الحلّ السياسي، حيث تمثل تركيا، في المقابل، الولايات المتحدة الأمريكية في غرب ليبيا، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى عرقلة الجهود السياسية ومساعي حلّ الأزمة"، موضحاً أنّ "الأمر يظلّ مرتبطاً بموقف الدول العربية"، وأعرب عن اعتقاده بالوصول إلى مقاربة في حال وقفت الدول العربية على الحياد، أمّا لو ساند طرف عربي أيّ طرف من أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية - حال تحوّلها إلى حرب عالمية- فقد يكون لذلك انعكاس على كلّ قضايا المنطقة العربية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية