اغتيال الهاشمي.. هل يُعجل تقليم أظافر إيران في العراق؟

اغتيال الهاشمي.. هل يُعجل تقليم أظافر إيران في العراق؟


07/07/2020

على الرغم من أنّ حوادث الاغتيال في العراق أصبحت وقائع اعتيادية في ظل انتشار الأسلحة بين الميليشيات وترهّل قبضة الدولة، غير أنّ اغتيال المحلل الأمني والخبير الاستراتيجي هشام الهاشمي، ليل الإثنين الثلاثاء، في بغداد، كان أقرب إلى عملية انتحارية للمتورطين فيها، وليس محض اغتيال تقليدي يمرّ مرور الكرام.

 

التحقيقات العراقية لم تنته بعد غير أنّ مؤشرات كثيرة ترجح تورط ميليشيا حزب الله العراقي في الاغتيال

اغتيال الهاشمي أثار الجميع، بداية من المسؤولين العراقيين الذين يرغبون في تقليم أظافر إيران في العراق، مروراً بسفارات الدول والدبلوماسيين، ثم بزملائه وتلاميذه الباحثين، حتى الجمهور العربي، وليس فقط العراقي، ومثلت رحلته حالة دراماتيكالية، وأحاط برحيله كثير من الملابسات، حتى أنّها بمادتها الثرية أقرب لعمل أدبي أو لفيلم روائي طويل.

وتتجاوز عملية الاغتيال الدقيقة، التي نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، الواقعةَ نفسها، لتستدعي مرحلة كاملة، بداية من التظاهرات في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، التي خرج فيها العراقيون يواجهون سلطة المرشد الأعلى في بلادهم، وما صاحبها من كثرة الاغتيالات لنشطاء وصحافيين، وصولاً إلى تربّع رئيس وزراء عراقي، بهدف واضح، استعادة سيادة البلاد.

أمّا سؤال: لماذا الهاشمي تحديداً الذي يذهب جرّاء تلك المواجهة؟ فالإجابة ببساطة لأنّه أحد أبرز رجالها، هو قريب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، هو رجل فكر ورأي معروف بجُرأَته ونَزاهته، هو قادر على التوغل وتفكيك العقلية الإيرانية ومنظومتها الميليشية في العراق، كما كان يفعل مع تنظيم داعش من قبل، وأخيراً لأنّه قابل تهديدات كثيرة بلا مبالاة بادية، لم تثنه عن مساره.

اقرأ أيضاً: القمار والاتجار بالبشر.. ملاذ مليشيات إيران بالعراق من الإفلاس

صحيح أنّ التحقيقات لم تنته بعد، ليصبح من المبكر الجزم بأنّ ميليشيات شيعية، وتحديداً ميليشيا حزب الله التي دخلت في صدامات مع الكاظمي، خلال الأسبوع الماضي، هي الفاعلة، غير أنّ مؤشرات كثيرة ترجّح تورّط تلك الميليشيا.

الكاظمي يتعهد بحصر السلاح في يد الدولة وإنشاء لجنة قضائية خاصة للتحقيق في وقائع الاغتيالات

ودشّن نشطاء عبر "تويتر" هاشتاغ "#كتائب_حزب_الله_تغتال_الهاشمي" تداولوا خلاله تدوينة للهاشمي نشرها قبل أيام، يكشف فيها عن شخصية أبو علي العسكري، وهو حساب معروف باعتباره متحدّثاً لكتائب حزب الله العراقي، لا تخرج تدويناته عن التهديد والوعيد، حتى ضد رئيس الوزراء نفسه.

ونشر الهاشمي قبل أيام من اغتياله صورة لمن يُعتقد أنّه "أبو علي العسكري"، وكتب: أبو علي العسكري واسمه الحقيقي حسب مصادر، حسين مؤنس، وهو عضو في مجلس كتائب شورى حزب الله، ويعمل مستشاراً أمنياً وعسكرياً.

وكان العسكري هدّد الهاشمي، وقال في إحدى رسائله: "سوف أقتلك في منزلك".

واغتيل الهاشمي عقب عودته من إحدى المداخلات التلفزيونية التي تحدّث فيها عن "خلايا الكاتيوشا"، نسبة إلى طراز الصواريخ الذي تطلقه الميليشيات على المنطقة الخضراء وسط بغداد لاستهداف المصالح الأمريكية.

وأظهر مقطع مصوّر توجُّهَ مسلح إلى سيارة الهاشمي وهو يوقفها أمام منزله تمهيداً للترجل منها، حيث باغته القاتل فيما بدا متردداً ومهزوزاً، قبل أن يستجمع نفسه ليطلق 4 رصاصات متتالية على الهاشمي من جانب السيارة. ونُقل المحلل الاستراتيجي إلى المستشفى، ولقي مصرعه فيه، بعد دقائق فقط.

اقرأ أيضاً: كيف يستعين أردوغان بأحلام عثمانية للتوسّع في سوريا والعراق

أمّا توصيف الواقعة بأنّها "عملية انتحارية" لمرتكبيها ومن يقف وراءهم، فلأنها تمنح مسوّغاً إضافياً متيناً وقوّة دفع كبيرة لرئيس الوزراء العراقي لتنفيذ مخططه في استعادة هيبة بلاده وتوازنها، وإفلاتها من قبضة المرشد الأعلى الإيراني، وإن كان ذلك يضع الكاظمي نفسه في مركز بؤرة الخطر، خصوصاً بعدما أبدته تلك الميليشيات من وحشية مَنْ يصارع الموت في لحظاته الأخيرة.

 نشر الهاشمي قبيل اغتياله صورة لمن يُعتقد أنّه "أبو علي العسكري" الذي هدده بإحدى رسائله بالقتل

وتعهّد الكاظمي، عقب الحادث، بحصر السلاح في يد الدولة، مشدّداً "لا قوّة تعلو فوق سلطة القانون"، وقال وفق وكالة الأنباء الرسمية: نتوعد القتلة بملاحقتهم لينالوا جزاءهم العادل، ولن نسمح بأن تعود عمليات الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي، لتعكير صفو الأمن والاستقرار، ولن تدّخر الأجهزة الأمنية جهداً في ملاحقة المجرمين".

وعلّق رئيس الوزراء على مصرع الهاشمي قائلاً: "لقد كان الفقيد من صنّاع الرأي على الساحة الوطنية، وكان صوتاً مسانداً لقواتنا البطلة في حربها على عصابات داعش، وساهم كثيراً في إغناء الحوارات السياسية والأمنية المهمة".

ومن جانبه عدّ الرئيس العراقي، برهم صالح، اغتيال الهاشمي "جريمة خسيسة"، قائلاً بحسب وكالة الأنباء الرسمية: إنّ أقلّ الواجب هو الكشف عن المجرمين وإحالتهم إلى العدالة، لضمان الأمن والسلام للبلد.

في غضون ذلك، قرّر مجلس القضاء الأعلى تشكيل هيئة تحقيقية تختصّ بجرائم الاغتيالات بالتنسيق مع وزارة الداخلية، بحسب الوكالة الرسمية.

ردود فعل

وتوالت ردود الفعل الدولية على اغتيال الهاشمي، حيث أعربت السفارة الأمريكية في العراق عبر "تويتر" عن "عميق حزنها جرّاء الاغتيال الجبان الذي طال الأكاديمي المحترم"، داعية الحكومة العراقية إلى الإسراع في تقديم المسؤولين عن اغتياله إلى العدالة.

وقال سفير الاتحاد الأوروبي في العراق، مارتن هوث: نشارك عائلة وأصدقاء الهاشمي الحزن على وفاته، يجب تقديم مرتكبي هذه الجريمة الشنيعة إلى العدالة، وذلك عبر حسابه على تويتر.

فيما علقت السفارة الإيرانية قائلة، بحسب ما أورده موقع "سي إن إن"، بأنّ الاغتيال "عمل إجرامي كشف عن وجهه الخبيث باغتيال النخب"، قائلة إنّ "مُنفذي مثل هذه العمليات (هدفهم) ضرب أمن واستقرار العراق وإثارة الفتنة والتفرقة بين أبنائه وإعادة العنف إليه".

اقرأ أيضاً: استهداف جديد للسفارة الأمريكية في العراق... من وراءه؟

وبدا التعليق الإيراني مثيراً للسخرية، حيث إنّ غالبية الصواريخ التي يطلقها مسلحون على المنطقة الخضراء هي صناعة إيرانية، فضلاً عن سطوة الحرس الثوري على تلك الميليشيات.

وآخر دراسة قدّمها الهاشمي قبل أسبوع من وفاته كانت تدور حول خلافات داخل الميليشيات المسلحة في العراق، تحت اسم "الخلاف الداخلي في هيئة الحشد الشعبي"، الصادرة عن مركز صنع السياسات للدراسات السياسية والاستراتيجية.

حياة دراماتيكالية

عاش الهاشمي الذي وُلد في العام 1973 مسيرة دراماتيكالية، بمعاصرته لكافة جروح العراق، ومراحل تحوّلها من دولة إلى لا دولة، ثمّ مساهمته بالفكر ليعاد بناء الدولة من جديد.

عُرف الهاشمي بصفته خبيراً استراتيجياً قادراً على التغلغل في عقول الجماعات المتشددة، خصوصاً السنّية منها، سواء القاعدة أو داعش فيما بعد، وله كثير من المقالات والمؤلفات محل الثقة، حتى أنه كان يُستعان به من قبل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.

اختار الهاشمي أن يكون صاحب فكر، وألا يربط نفسه بأي أيديولوجيا أو فكر يتناقض مع الانتماء لبلده، فقد كان طبيعياً أن يصبح عدوّاً لجميع من يدينون بالعنف، لا فارق وقتها أكانت البندقية التي قتلته في قبضة مسلّح شيعي أو سنّي، ميليشي أو داعشي.

وكانت آخر تدوينة كتبها الهاشمي عبر صفحته على فيسبوك بمثابة "إبراء للذمّة" وشهادة تليق بتاريخ زاخر لمثله، حيث كتب: أكثرُ الشباب الذين يطبّلون للسياسيين الفاسدين هم باحثون عن فتات وبقايا طعام من موائدهم وأموالهم التي سرقها الفاسدون، لا يعرفون شيئاً لحظة التطبيل لسلطة الفاسد، فلا ناقة لهم فيها ولا جمل، وإنّما أنفُسَهم يظلِمون.

أمّا عبارته الأخيرة على "تويتر"، فكانت أقرب لرثاء أو نصيحة أخيرة، حيث كتب: تأكدت الانقسامات العراقية بـ: 1ـ عُرف المحاصصة الذي جاء به الاحتلال "شيعة، سنّة، كرد، تركمان، أقليات" الذي جوهر العراق في مكوّنات 2ـ الأحزاب المسيطرة "الشيعية، السنّية، الكردية، التركمانية..." التي أرادت تأكيد مكاسبها عبر الانقسام، والأحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية