اغتيال سليماني.. انتشاء "داعشي" وتخوّفات إقليمية

اغتيال سليماني.. انتشاء "داعشي" وتخوّفات إقليمية


19/01/2020

ترجمة: علي نوار


يعدّ اغتيال الجنرال القوي قاسم سليماني على يد واشنطن قفزة نوعية في السجال القائم بين الولايات المتحدة وإيران منذ 1979. الذي شهد ليس فقط سقوط أحد أهم الحلفاء الإقليميين لواشنطن في المنطقة (نظام الشاه رضا بهلوي)، بل وأيضاً إيجاد تحدّ للوضع الراهن عن طريق نوايا نقل نموذج الثورة الإسلامية والحصول على اعتراف كقوة قي المنطقة. خاصة مع نجاح إيران في اكتساب ثقل دولي ومقاومة العقوبات الآخذة في التزايد واستمرار النظام الحاكم في طهران، فضلًا عن تطوير برنامج نووي مثير للجدل وخلق شبكة من الحلفاء الإقليميين مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وبالطبع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وعدد من الفصائل المسلحة في فلسطين وسوريا والعراق. كل ذلك يربك ويعقّد حسابات أي عدو محتمل لإيران.

اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر اغتيال قاسم سليماني أهم من تصفية بن لادن؟

وقد دفعت حالات الفشل المتكررة لواشنطن في المنطقة وتصاعد الشعور بأنّ إيران ليست لقمة سائغة عسكرياً، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاعتماد استراتيجية يطلق عليها "الضغط الأقصى" التي تتضمّن عقوبات اقتصادية قاسية والخروج من الاتفاق النووي المُبرم في حزيران (يونيو) 2015، ودعم الأقلّيات العربية والبلوشية داخل إيران، والضغط على شركاء آخرين وعملاء لإيران من أجل غلق الباب في وجه الجمهورية الإسلامية، وكذلك الهجمات السيبرانية وأعمال العنف.

من جانبها، ردّت إيران بالعنف أيضاً سواء عن طريق وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني وهي "فيلق القدس" التي كان يرأسها سليماني، أو الميليشيات العديدة الموالية لها والمنتشرة بطول المنطقة وعرضها مع الحرص في الوقت ذاته على عدم استجلاب ردّ فعل كبير نظراً لضآلة إمكاناتها مقارنة بالآلة العسكرية الأمريكية. واستفادت طهران من كونها الحلقة الأضعف كي تحافظ على علاقات تجارية مع الاتحاد الأوروبي، وهو نفس الأمر الذي استغلّته إسرائيل على النحو الأمثل بتوجيه ضربات جوية ضد المصالح الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق، دون أن تتمكّن إيران من الردّ عليها.

يتخوّف كثيرون من احتمالية أن يسفر تجدّد الصراع بين الولايات المتحدة وإيران في منح قبلة الحياة للتنظيم الإرهابي

ولعلّ تصاعد وتيرة الكرّ والفرّ على مدار الأسابيع الماضية يعكس رغبة واضحة نحو الثأر، الذي من شأنه أن يؤدّي لأخطاء كارثية مثل مصرع 176 شخصاً كانوا على متن طائرة مدنية، وتغافل كل طرف عن أنّ هذا المسار لن يفضي نحو أي وجهة أو تحقيق أي أهداف. يصعب في مثل هذه الظروف معرفة من الذي بادر بإلقاء الحجر الأول، لا سيما في ظل مشهد يتحرّك بوتيرة مفرطة في السرعة يتبادل فيها الجانبان التراشق بالنيران. لكن العامل المنطقي هنا هو أنّ أياً من الجانبين يريد حقاً الدخول في مواجهة مباشرة، حتى ولو كان إخراج سليماني من اللعبة والانتقام الإيراني الناتج عنه سيسفر عن خسائر تفوق المكاسب بكثير.

الأمر الحتمي أيضاً أنّ الوقت سيكشف جميع العواقب السلبية لقرار ترامب باغتيال شخص يعتبره الكثيرون قاتلاً ويراه آخرون بطلاً قومياً وشهيداً، إلّا أنّه بوسعنا في الوقت الحالي استشفاف نتيجتين. الأولى أنّه ينبغي التمسك باتفاق 2015 النووي حتى لو كانت إيران لا تجد أي محفّز أو دافع خصوصاً مع غياب إرادة وانسحاب الولايات المتحدة للوفاء بالتزاماتها مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بيد أنّها ستحاول مجدّداً جمع موارد وحشد قدرات كي تحصل على موقع أفضل يفيدها في مرحلة تفاوض محتملة. وفي ظل مثل هذه الظروف ستسعى بالطبع قوى إقليمية أخرى لزيادة جهودها كي لا تخرج من الساحة، الأمر الذي يرفع بدوره خطر ازدياد حدّة سباق التسلّح في منطقة ذات وضع معقّد ومتوتّر بالفعل.

اقرأ أيضاً: حسابات تركيا من مقتل سليماني

على الجانب الآخر، فإنّ موقف القوات الأمريكية في العراق- الذي يعتبر ترامب أنّها نقطة انطلاق لمهاجمة إيران- سيكون أصعب. فقد أصدر البرلمان العراقي في الخامس من كانون الثاني (يناير) الجاري قراراً بخروج هذه القوات، ورغم أنّ القرار لم يُنفّذ بالكامل، لكن التهديد بلغ مستوى أكبر بالنسبة لخمسة آلاف عسكري أمريكي ينتشرون على الأراضي العراقية. كما أنّ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الذي يتعرّض للتجاهل من قبل ترامب، يمرّ بوقت عصيب هو الآخر بسبب الاحتجاجات العنيفة والضغط من قبل المواطنين في الشوارع بسبب تدخّل واشنطن، وزاد الطين بلة اعتراض قيادات مثل؛ مقتدى الصدر وهادي العامري اللذين يرأسان كتلًا برلمانية مؤثّرة.

بعبارة أخرى، هناك مخاوف من حرية أكبر لتنظيم "داعش" في التحرّك ومزيد من المشكلات بالنسبة للحكومة المركزية في العراق وقدر أقلّ من الأمان للقوات الأمريكية وحلفائها، وفوق كل ذلك هامش مناورة أرحب لإيران في محاولتها لمواصلة ممارسة تأثيرها على كل ما يجرى داخل العراق المجاور.

استقبل قادة تنظيم داعش نبأ اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بالكثير من الحفاوة، فيما مثّل تنفيذ الولايات المتحدة لهذه الضربة القاتلة مفاجأة مزدوجة، وفقاً لخبراء. ففي رد فعله، أشار "داعش" إلى مقتل سليماني بوصفه "تدخّلاً إلهياً" يصب في مصلحة الجهاديين، خاصة وأنّ الحكومتين الأمريكية والإيرانية شنّتا لأعوام حرباً بلا هوادة لطرد التنظيم المتطرّف من سوريا والعراق.

اقرأ أيضاً: العبقرية الشريرة لقاسم سليماني

كان سليماني أحد ألدّ أعداء كل من إدارة ترامب والتنظيم الإرهابي، فقد نجح الرجل في بناء تحالف من الجماعات الموالية لإيران والتي لعبت دوراً رئيساً في إضعاف "داعش" بجميع أرجاء الشرق الأوسط، لذا وبعد مقتل سليماني يتخوّف الكثيرون من احتمالية أن يسفر تجدّد الصراع بين الولايات المتحدة وإيران في منح قبلة الحياة للتنظيم الإرهابي.

وإزاء هذا القلق، يطفو على السطح تساؤل مهم: هل تنظيم داعش هو الرابح الأكبر من تصاعد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة؟

نزاع مُرحّب به من الجهاديين

بغضّ النظر عن البيان الذي يعبّر عن الاحتفاء بمقتل سليماني، تلفت المقالات والمواد الإعلامية السابقة لتنظيم "داعش" الانتباه إلى أنّ الأخير يسعى للاستفادة بأي شكل من التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، ويؤكّد خبراء أنّ مؤيدين للتنظيم عبر الإنترنت أشادوا بالهجمات التي شنّتها إيران على قواعد جوية تستضيف قوات أمريكية.

وبالفعل، كشف قطاع من "الجهاديين عبر الإنترنت" أنّهم ينتظرون دخول العدوّين في نزاع عسكري يضعفهما معاً، وهو ما يتّضح من عبارات مثل "صراع المستبدّين الاثنين" والذي من شأنه أن "يفتح الباب أمام استعادة السيطرة" من جديد وهو الهدف الذي يعمل عليه "داعش" حالياً عبر الاستفادة من وضع الإلهاء الذي يبعد الأنظار عنه.

الرابح الأكبر
يعتبر ماثيو هينمان رئيس "مركز جين للإرهاب والتطرّف" أنّ تنظيم داعش هو "الرابح الأكبر" من هذه المواجهة "فأي وضع يسمح للتنظيم بالحصول على وقت ومساحة لإعادة تجميع ذاته واسترداد عافيته يقابل بكل ترحيب من جانبه"، في تصريحات أدلى بها لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

كشفت دراسة أعدّها الكونغرس الأمريكي عن وجود آلاف المقاتلين تحت إمرة داعش يعملون على لمّ شتات التنظيم

وأوضح الخبير في شؤون الإرهاب أنّه في حالة اشتداد حدّة الصراع، فسيتراجع اهتمام الطرفين المتناحرين به بل وقد تتوقّف تماماً المجهودات المبذولة للقضاء على "داعش"، مذكّراً في نفس الوقت بتوقّف عمليات التحالف ضد التنظيم الإرهابي في شمال سوريا على خلفية التدخّل العسكري التركي في المنطقة عينها العام الماضي.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أمر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بتنفيذ حملة عسكرية داخل الأراضي السورية بغرض إنشاء "منطقة آمنة" خالية من الجماعات الكردية المسلّحة، إلّا أنّ هذه العملية أثّرت سلباً على العمليات المضادة لتنظيم  داعش لعدّة أسابيع، وهو الموقف الذي استغلّه الإرهابيون كي يعيدوا تنظيم أنفسهم.

فرصة سانحة لـ"داعش"؟

ويعود هينمان للتحذير من أنّ التنظيم بدأ بالفعل في عملية استجماع قواه وأنّ توقّف العمليات ضدّه سيمنحه "فرصة لتجنيد أفراد والتخطيط واستعادة وجوده محلّياً" وكذلك حشد الدعم الشعبي "عن طريق الإيذاء والتخويف"، ويتّفق معه عبد الرحيم سعيد من فريق "بي بي سي" المختصّ بالملفّ الجهادي موضّحاً أنّ غياب القانون والنظام في أي دولة "سواء نيجيريا أو العراق أو سوريا" تستفيد منه جماعات متطرّفة، لذا فإنّ حرب محتملة ستثلج صدر "داعش".

وأضاف سعيد "إنّ هذا الوضع يجعل الإرهابيين هم الفائز الأكبر. فالولايات المتحدة وإيران كلاهما عدو لتنظيم داعش. وإذا تناحرا فيما بينهما، ستنشغل قواتهما المسلحة للغاية عن الحرب ضد الإرهاب".

اقرأ أيضاً: هل ستكون حماس جزءاً من الردّ الإيراني على مقتل سليماني؟

ورغم إعلان السلطات العسكرية تحقيق النصر عسكرياً على "داعش" في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2017، لكن الحقيقة أنّها لا تزال تقاتل ضد فلول التنظيم الذي بات هشاً للغاية خاصة بعد خسارته لمساحات كبيرة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، إلّا أنّه لا يزال حاضراً عن طريق مناوشات مع القوات المسلحة العراقية متبعاً أساليب حرب العصابات.

ويبرز سعيد "ذهبت خلافة التنظيم أدراج الرياح. خسر الأراضي التي كانت في قبضته سواء بالعراق أو سوريا. لكنه لا يزال نشطاً في البلدين باستراتيجية الإنهاك والاستنزاف حيث يهاجم ويلوذ بالفرار"، وبالفعل كشفت دراسة أعدّها الكونغرس الأمريكي في نيسان (أبريل) 2019 عن وجود آلاف المقاتلين تحت إمرة التنظيم يشنّون هجمات ويعملون على لمّ شتات "داعش".

اقرأ أيضاً: كيف أطفأتْ إيران بريق مقتل سليماني في أيام؟
وبعد خسارته الموصل في العراق والأراضي المحيطة بوادي نهر الفرات في سوريا، والتي اعتبرها البعض نهاية "داعش"، فقد يستفيد التنظيم الإرهابي من تصاعد حدة التوتر في الشرق الأوسط كي يعيد إقامة "خلافته" المزعومة.

لقد أخطأ ترامب باتخاذ هذا المسار ووجّه ضربة للمصالح الأمريكية ذاتها ومصالح حلفائه الغربيين والإقليميين، فقط لأهداف انتخابية بحتة. والحقيقة أنّ هذا القرار لا يضمن له أي فوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة المُقرّر إجراؤها في الولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.


أما في الداخل الإيراني، فإنّ هذا الوضع يصب في صالح القطاعات الأكثر راديكالية في نظام طهران خلال الانتخابات البرلمانية المرتقبة في 21 شباط (فبراير) المقبل. كما أنّ طهران لم تفقد قدرتها على التحرّك بعد اغتيال سليماني، بل على العكس تحظى بخبرة طويلة في البقاء والنجاة في أحلك الظروف ولا تبدو مستعدّة للعودة إلى مائدة تفاوض في المستقبل القريب. رغم أنّ الجميع واثق من حتمية العودة لهذه المائدة في وقت ما.

والواقع أنّ واشنطن تسعى لاستعادة السيطرة على منطقة بدأت في الإفلات من نطاق هيمنتها خلال الأعوام الـ20 الأخيرة. والحقيقة أنّ الأزمة الراهنة والتصعيد العسكري الخطير هما نتاج لتعقيدات عديدة ومتشابكة في الشرق الأوسط يقابلها تزايد عجز الولايات المتحدة عن إدارة هذه الملفّات في ظل مشهد يعجّ بالاضطرابات الهوياتية والاجتماعية والسياسية.

اقرأ أيضاً: هذا الأمر سهّل قتل قاسم سليماني

وقد بدأت الولايات المتحدة عملية طويلة لمغادرة المنطقة، لكن نظراً للتأثير الذي لطالما أحدثته والوجود والتحالفات التي لا تزال تحتفظ بها والقوة العسكرية التي تملكها، فإنّ هذا الانسحاب يتسبّب في حالة من الدمار والفوضى. فضلًا عن أنّه يتزامن مع تطلّعات بعض القوى الإقليمية والخارجية مثل إيران والسعودية وتركيا وروسيا والصين، علاوة على التواجد الأوروبي. ومن جانبها، تبلور إسرائيل سياستها الخارجية والدفاعية لحسابها الخاص وتتلاقى أحياناً مع الولايات المتحدة، رغم أنّها تنشئ تحالفات غير تقليدية مع موسكو وأنقرة.

اقرأ أيضاً: أية منافع ربما يحملها مقتل سليماني إلى طهران؟

ويقول المؤرّخ فيكتور بالمر توماس إنّ الخروج من المنطقة بالنسبة لواشنطن يعني التخلّي إزاء الأحداث الجارية عن دور الهيمنة وقدرتها على التأثير في الأحداث. بعبارة أخرى، إبقاء الجسور قائمة والتأثير في بعض الأحيان، لكن دون هيمنة بالضرورة.

تعبّر القرارات التي اتخذها ترامب مؤخراً عن سبعة عقود من العلاقة المعقّدة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، لا سيما بين واشنطن وطهران. كما أنّها تعدّ إحياء لمنهج التدخل العسكري الذي كان يتبعه الرئيس السابق جورج دبليو بوش والضربات الجراحية ضد قيادات التنظيمات المسلّحة التي اعتمدها الرئيس السابق باراك أوباما للحيلولة دون دخول القوات الأمريكية في مواجهات مباشرة. وكانت هاتان الصورتان من استخدام القوة على اختلافهما تستهدفان تعويض تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة.

علاقة مضطربة

منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، أقامت واشنطن هيمنتها على أساس إرث التأثير الكولونيالي لبريطاني وفرنسا، وعلاقاتها مع أنظمة محلية لشراء النفط وبيع الأسلحة إليها، وبالطبع السيطرة على المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.

وتعزّز هذا النفوذ في إطار الحرب الباردة حين اعتبرت الولايات المتحدة أنّ صعود الحكومات القومية وحركات التحرّر الوطني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، جزءاً من الحرب الفكرية مع الاتحاد السوفييتي البائد.

وفي حالة إيران، تآمرت واشنطن مع بريطانيا لإسقاط الحكومة القومية عام 1953 وتحالفت مع نظام الشاه رضا بهلوي الشمولي الموالي للغرب. لكن جاءت الاحتجاجات عام 1979 ضد حكم الشاه بقيادة الإسلاميين ثم أعقبها اقتحام السفارة الأمريكية واحتلالها طيلة 444 يوماً. كانت هذه الأحداث نقطة تحوّل فارقة في العلاقات بين واشنطن وطهران.

اقرأ أيضاً: غرفة العمليات في قطر.. تفاصيل جديدة عن قتل سليماني

مثّل صعود الإسلام السياسي مع بداية حقبة التسعينيات تحدياً بالنسبة للوجود الأمريكي بالمنطقة. ورغم نجاح واشنطن في إخراج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان عام 1989 وطرد العراق من الكويت عام 1991 ودفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الأحداث الإقليمية بدأت في تقويض نفوذ الولايات المتحدة. وبالفعل نتج عن اشتداد ساعد الشبكات الإسلامية الأصولية ضربات ضد أهداف أمريكية في تنزانيا والسعودية وميناء عدن. وأخيراً كشفت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ضد مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأمريكية مدى هشاشة الولايات المتحدة.

ديمقراطية قسرية

أثبتت التدخلات العسكرية في أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 والحرب ضد الإرهاب لمواجهة تنظيم القاعدة فشلها في احتواء الإسلام الأصولي. بل وعلى العكس أصبح الأخير أكثر تعقيداً وتنوعاً من حيث التيارات السنية والشيعية، ما تُرجم إلى ظهور عشرات الحركات المسلحة في حربي سوريا والعراق وصولًا إلى ميلاد تنظيم داعش.

هزيمة داعش وانتهاء حلم خلافته لم يمنع وجود آلاف من عناصره من العمل داخل سوريا والعراق

ويوضّح مايكل هدسون من جامعة جورجتاون الأمريكية أنّ غياب الاستقرار الاجتماعي الاقتصادي والسياسي إضافة إلى الأصولية جعلا الولايات المتحدة تدرك مع بداية القرن الـ21 "رغم وجودها العسكري في المنطقة أنّها غير قادرة على ممارسة دور سياسي ودبلوماسي يضمن فرض السلام الأمريكي في منطقة متوترة مثل الشرق الأوسط".

لقد كانت سياسات التدخل العسكري لإدارة جورج دبليو بوش مصدرها مجموعة من المُنظّرين المحافظين الجدد الذين كانوا يرفضون احترام الولايات المتحدة للقانون الدولية ومبدأ التعدّدية وكانوا يرون أنّ الطريقة المثلى لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط هي تغيير الأنظمة التي ترعاه في دول ذات مؤسسات ضعيفة وفاسدة وإحلال الديمقراطية الليبرالية. لكن دفع الديمقراطية عن طريق القوة باء بالفشل لأسباب مختلفة على رأسها استخدام أساليب تفتقر للديمقراطية مثل التعذيب وانتهاء القانون الدولي وكذلك الجهل بمجريات الأوضاع الإقليمية.

وبالفعل كانت نتيجة التدخل في أفغانستان هي استفادة حركة طالبان التي تسيطر اليوم على الجزء الأكبر من أراضي البلاد. وتكرّر نفس الأمر في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين السني الذي سمح بصعود التيار الشيعي الذي يرتبط بصلة وثيقة بإيران. ونتيجة لتصاعد الشقاق بين الهويتين، علاوة على الضغط الكردي من أجل الاستقلال، يعاني العراق أزمة حادة.

تغيير النظام مرة أخرى

غيّر وصول ترامب إلى البيت الأبيض العلاقات مع طهران بشكل جذري. فقد قرّر البيت الأبيض في 2018 الخروج من الاتفاق النووي حول البرنامج النووي الإيراني، الذي كان أوباما قد وقّع عليه في 2015، ليضع الجمهورية الإسلامية وحلفاءه الأوروبيين في موقف عصيب. وفرض ترامب عقوبات على إيران وهدد بإجراءات ضد باقي دول العالم التي تبتاع النفط ومنتجات أخرى من إيران.

وبهذه السياسة، طال ترامب البيت الأبيض بإعادة التفاوض على الاتفاق بحيث يشمل النفوذ الإيراني في المنطقة الذي يتضمّن عمليات سرية تقريباً في سوريا واليمن ولبنان وغزة.

اقرأ أيضاً: مقتل قاسم سليماني: ماذا يعني للعراق؟

بالتالي يأخذ الرئيس الأمريكي جانب المعسكر الأكثر ميلًا للتدخّل في إدارته وعلى رأسه وزير خارجيته مايك بومبيو، وكذلك اللوبي الإسرائيلي وجميع المحافظين سواء القدامى أو الجدد الذين يشغلون مناصب في حكومته ويشجّعون ترامب على اتخاذ إجراءات تتسم بعدم التعدّدية وتأييد إسرائيل وشن الهجمات لتغيير النظام الإيراني.

مستقبل المنطقة

من المؤكّد أنّ اغتيال سليماني لن يغيّر سياسة إيران بحماية مصالحها في المنطقة عن طريق الجماعات المسلحة والحلفاء السياسيين. بل على العكس ربما يكون ذلك الوسيلة المثلى للانتقام لأنّه يعني تحقيق ثلاثة أهداف: محاربة الوجود الأمريكي، محاربة الأنظمة السنية، والاستئناف العملي والرمزي لدور قائد "فيلق القدس" الراحل.

اقرأ أيضاً: مصير مليشيات إيران بعد مقتل سليماني

وسينتج عن إعلان إيران عدم احترامها للالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي اتجاه السعودية والإمارات لتطوير برامج نووية، وهو الهدف الذي سعتا له منذ بدء أوباما المفاوضات مع طهران. وفي خلال عقد، يتوقّع أن تمتلك دولة عربية أو اثنان وإيران- إضافة إلى إسرائيل- أسلحة نووية، ما يجعل الشرق الأوسط المكان الأخطر في العالم.

لكن الطرف الأكثر تأثراً فعلياً هو العراق الذي يعتمد على الطرفين المتناحرين، لا سيما في ظل الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد وغياب الخدمات الأساسية ووجود القوات الأمريكية. كما أنّ هزيمة "داعش" وانتهاء حلم خلافته لم يمنع وجود آلاف من عناصره من العمل داخل سوريا والعراق. لا سيما وأنّ التوتر بين واشنطن وطهران أدّى لتوقّف العمليات الدولية ضد التنظيم.


مصادر الترجمة عن الإسبانية:
https://bbc.in/38b4mMg
https://bit.ly/38a7UhM
https://bit.ly/38dWDgA



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية