الأزمة السياسيّة في تشاد والحرب على جهاديي منطقة الساحل

الأزمة السياسيّة في تشاد والحرب على جهاديي منطقة الساحل


10/05/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

كان يُشار إلى دولة تشاد الفقيرة بسخرية على أنّها "دولة لا شيء"، ووفقاً لوزير الخارجيّة قبل ثمانية أعوام، فقد تخلّصت من هذه التّسمية عندما أصبح جيشها لاعباً رئيساً في القتال ضدّ الجهاديّين في منطقة السّاحل، وهي منطقة شبه قاحلة في غرب ووسط أفريقيا، جنوب الصّحراء الكبرى، ومع ذلك، تواجه تشاد الآن تصعيداً لأزمة الأمن والاستقرار الخاصّة بها بعد وفاة الرّئيس إدريس ديبي، في نيسان (أبريل)، نتيجة للإصابات الّتي لَحِقت بها في هجوم لمتمرّدين، وفق الجيش، وأثارت وفاته المفاجئة، الّتي أعقبها استيلاء عسكريّ على السّلطة، تساؤلات حول استمرار دور تشاد كدولة حليفة لفرنسا والولايات المتّحدة وقوى أخرى في المعركة ضدّ الإسلامويّة العنيفة.

1. من هو إدريس ديبي؟ وكيف كان؟

انضمّ ديبي، وهو ابن راعٍ من أقلّيّة الزغاوة العرقيّة، إلى الجيش وتسلّق صفوفه ليصبح القائد العامّ له، تولّى الرّئاسة عام 1991، بعد أن قاد تمرّداً ضدّ الزّعيم الأتوقراطي حسين حبري، الذي تمت إدانته لاحقاً بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة من قِبل محكمة خاصّة في السّنغال، في البداية، رُحّب بديبي كمحرّر للبلاد، لكن تراجعت شعبيّته مع تزايد سلطويّة حكمه، رغم أنّ ثروة تشاد النّفطيّة إنتاجها اليوميّ البالغ 127,000 برميل هو سابع أكبر إنتاج في أفريقيا جنوب الصّحراء، فهي ما تزال واحدة من أفقر دول العالم، حيث يعتمد حوالي 80 في المئة من سكّانها، البالغ عددهم 16 مليون نسمة على الزّراعة، الّتي بالكاد تكفي حاجتهم، والرّعي للبقاء على قيد الحياة. وكان للإنفاق العسكريّ الأسبقيّة على الصّحّة والتّعليم، ويعدّ هذا عاملاً مساهماً رئيساً في مستويات المعيشة المروّعة في تشاد، وقد خصّص ثلث الميزانية الوطنيّة لقوّات الدّفاع، عام 2009، بالرّغم من أنّ النّسبة انخفضت إلى 14 في المئة، بحلول عام 2019، بحسب بيانات البنك الدّوليّ.

 أصبح جيشها لاعباً رئيساً في القتال ضدّ الجهاديّين في منطقة السّاحل

2. ما الدّور الذي لعبته تشاد في محاربة الجهاديّين؟

أرسلت تشاد ما لا يقلّ عن 1,200 جنديّ إلى فرقة عمل إقليميّة تُعرف باسم "جي - السّاحل"، والّتي يتمّ نشرها في المنطقة الحدوديّة بين النّيجر ومالي، حيث مكّن التّمرّد الانفصاليّ الذي بدأ في شمال مالي، عام 2012، المقاتلين الجهاديّين، للمرة الأوّلى، من الحصول على موطئ قدم، والجنود التّشاديون هم أيضاً جزء من جهد متعدّد الجنسيّات لمواجهة الهجمات الّتي تشنّها الجماعات المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة في أماكن أخرى من منطقة السّاحل. وتستضيف تشاد نحو 1,000 من أصل 5,100 جنديّ نشرتهم فرنسا في المنطقة، لكنّ الهجمات استمرّت رغم الجهود المبذولة لقمعها، وطمأن جمادوم تيراينا، نائب رئيس المجلس العسكريّ، الدّبلوماسيّين بأنّ تشاد ما تزال ملتزمة بالعمليّات العسكريّة في منطقة السّاحل.

3. لماذا يُشكّ في دور تشاد؟

يبدو أنّ جيشها، الّذي يبلغ إجماليّ عدد أفراده 35,000 جنديّ، مُرهَق، وراكم المتمرّدون المحلّيّون أسلحة ثقيلة وخبرة قتاليّة في ليبيا المجاورة، وخلال توغّلهم، في نيسان (أبريل)، وصلوا إلى مسافة 300 كيلومتراً (190 ميلاً) من العاصمة نجامينا، قبل صدّهم، وقد يؤدّي تجدّد هجوم المتمرّدين إلى قيام المجلس العسكريّ بإعادة بعض قوّاته من منطقة السّاحل، وقد يحتاج المجلس العسكريّ أيضاً إلى تعزيز صفوف قوّاته الأمنيّة محلّيّاً في حالة أدّى السّخط المنتشر على الفقر والهيمنة السّياسيّة المستمرّة لعائلة ديبي إلى اضطّرابات اجتماعيّة، سيكون انسحاب القوّات التّشاديّة إشكاليّاً بالنّسبة إلى الحكومة الفرنسيّة، التي تريد تقليص عمليّاتها، وحذّر الرّئيس النّيجيريّ، محمّد بخاري، من أنّ وفاة ديبي "ستخلق فراغاً كبيراً" في جهود مكافحة الإرهاب.

الرّئيس التشادي الراحل إدريس ديبي

4. من هم المتمرّدون؟

عارضت عدّة مجموعات ديبي، ولا تنتمي أيّة واحدة منها حالياً إلى الجهاديّين، كانت "جبهة التّغيير والوفاق في تشاد" مسؤولة عن التّوغّل الّذي يقول الجيش إنّه أودى بحياة الرّئيس عندما زار ساحة المعركة، تأسّست الجبهة، التي تتّخذ من ليبيا مقرّاً لها، عام 2016، على يد محمّد مهدي علي، وتتألّف بشكل أساسيّ من منشقّين عن الجيش، وانشقت المجموعة عن "اتّحاد القوى من أجل الدّيمقراطيّة والتّنمية" بعد اقتتال داخليّ، إلى حدّ كبير على طول الخطوط العشائريّة، عندما حاول مهدي السّيطرة، كاد الاتّحاد أن يطيح بديبي، عام 2019، قبل أن تصدّه القوّات الفرنسيّة (نجا ديبي أيضاً من محاولات الإطاحة به، عامي 2006 و2008)، وقدّر تقرير خبير إلى مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة، عام 2019، أنّ الجبهة كان بها حوالي 700 رجل، والاتّحاد 100 رجل.

5. ماذا يريد المتمرّدون؟

مهدي، الذي درس القانون والسّياسة في فرنسا، قال إنّ مجموعته، على عكس "اتّحاد القوى من أجل الدّيمقراطية والتّنمية"، لا تريد الاستيلاء على السّلطة لنفسها، لكن من أجل تمهيد الطّريق أمام انتقال ديمقراطيّ للسّلطة في تشاد، وبعد وفاة ديبي، قال لراديو "فرانس إنترناشيونال": إنّ "جبهة التّغيير والوفاق في تشاد" مستعدّة لقبول وقف إطلاق النّار وإيجاد حلّ سياسيّ للأزمة، ونقل عنه قوله: "تشاد في حاجة لقادة جدد"، ومن جانبه، استبعد المجلس العسكريّ المفاوضات.

6. كيف تشبّث ديبي بالحكم كلّ هذه المدّة؟

كان الرّئيس الرّاحل قد نصّب نفسه وجيشه كلاعبين رئيسين في القتال ضدّ الجهاديّين، ما ساعد على صرف النّقد الدوليّ عنه حتّى عندما قام بقمع المعارضة وجماعات الحقوق المدنيّة، وكمّم أفواه وسائل الإعلام، وقام ديبي بتعيين أفراد من عائلته لرئاسة الأجهزة الأمنيّة وشركة النّفط الحكوميّة والمؤسّسات الرّئيسة الأخرى، كان من الممكن أن يسمح التّغيير الدستوريّ لعام 2018 للرّجل البالغ من العمر 68 عاماً، والذي كان يُعدّ بالفعل أحد أطول القادة خدمة في أفريقيا، بالبقاء حتّى عام 2033، وبينما أجريت انتخابات منتظمة منذ عام 1996، فإنّ مصداقيتها كانت موضع تساؤل، مراراً وتكراراً، وأظهر الفرز المؤقّت من اقتراع 11 نيسان (أبريل)، والّذي استبعد سبعة مرشحين معارضين، فوزه بفترة ولاية سادسة بنسبة 79 في المئة من الأصوات، وتمّ الإعلان عن وفاته، في 20 نيسان (أبريل)، بعد ساعات فقط من إعلان النّتائج.

7. من يحكم تشاد الآن؟

مجلس عسكري انتقاليّ يتألف من 15 جنرالاً في الجيش ويقوده نجل الرّئيس الرّاحل، الجنرال محمّد إدريس ديبي، البالغ من العمر 37 عاماً، يقول المجلس العسكريّ إنّه سيحكم لمدّة 18 شهراً، بالرّغم من أنّ الدّستور ينصّ بوضوح على أنّه يجب انتخاب خليفة في غضون 90 يوماً، وأعاد المجلس تعيين رئيس الوزراء، ألبرت باهيمي باداكي، الذي شغل المنصب حتّى ألغاه ديبي، عام 2018، وطلب من وزراء الحكومة الاستمرار في العمل، ووصفت أحزاب المعارضة وجماعات الحقوق الدّينيّة والمدنيّة وغيرها، بما في ذلك المتمرّدون، استيلاء الجيش على السّلطة بأنّه غير قانونيّ، لكن بصرف النّظر عن الانتصار العسكريّ للمتمرّدين، لا توجد خيارات حقيقيّة سوى الاحتجاجات في الشّوارع والضّغط على المجتمع الدوليّ، ودعمت فرنسا، القوّة الاستعماريّة السّابقة، المجلس العسكريّ بحجّة الحاجة إلى الاستقرار، لكنّها دعت إلى فترة انتقاليّة قصيرة، وأعرب الاتّحاد الأفريقيّ عن قلقه العميق بشأن سيطرة الجيش على مقاليد الحكم، قائلاً إنّ الوضع يُهدّد "السّلام والأمن والاستقرار" في المنطقة.

 

8. كيف تجري المعركة في منطقة السّاحل؟

لقد قُتل ما لا يقلّ عن 1,000 جنديّ ومسلّح ومدنيّ في هجمات، في الرّبع الأوّل من عام 2021، وكانت النّيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا ومالي أكثر البلدان تضرراً، وبينما قتلت القوّات الفرنسيّة عدداً من كبار قادة المسلّحين الإسلامويّين، كافحت القوّات المحلّيّة للسّيطرة على الأراضي، ويُحاجج المحلّلون بأنّ الوقت قد حان لإستراتيجيّة أكثر تركيزاً على التّنمية لمواجهة المتمرّدين وجعل تجنيد الشّباب السّاخط أكثر صعوبة عليهم، في غضون ذلك، اتّهمت جماعات الحقوق المدنيّة، بما في ذلك منظّمة العفو الدّوليّة و"هيومن رايتس ووتش"، القوّات الغربيّة والإقليميّة بإساءة معاملة المدنيّين وتصعيد الصّراع، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى إحباطهم من الإرهاق المفرط.

9. كيف يمكن أن تؤثّر الأزمة على دائني تشاد؟

في حين أنّ الحكومة ليس لديها سندات أجنبيّة مستحقّة، فهي مدينة لبنوك ودول أخرى وبعض المقرضين من القطاع الخاصّ، بما في ذلك شركة "جلينكور بي إل سي"، الّتي تدين الحكومة بمبلغ 347 مليون دولار، واضطّرت الشّركة التي تعمل في تجارة السّلع إلى إعادة هيكلة قروضها لتشاد، في 2015 و2018، بعد انخفاض أسعار النّفط، وانخفض سعر ديون تشاد في السّوق الثّانوية، ممّا يشير إلى أنّ المستثمرين قلقون بشكل واضح من أنّ المجلس العسكريّ سوف يتخلّف عن السّداد أو يسعى إلى إعادة الهيكلة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كاتارينا هويجي - ينكا إيبوكون، بلومبرغ، 28 نيسان (أبريل) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية