الأزمة الليبية... هل تنتقل أوروبا من الدبلوماسية إلى العمل العسكري؟

الأزمة الليبية... هل تنتقل أوروبا من الدبلوماسية إلى العمل العسكري؟


29/06/2020

على مدار الأعوام الماضية، حاولت دول الاتحاد الأوروبي النأي بنفسها عن التورط العسكري المباشر في الشرق الأوسط، في خضم صراع روسيا والولايات المتحدة فيه، وتصارع تركيا وإيران على النفوذ.

رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن يدعو أوروبا إلى تعلم لغة القوة للحفاظ على مصالحها، والتدخل عسكرياً في ليبيا إذا لزم الأمر

ولم تتدخل أوروبا سوى بقوات محدودة في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش في العراق، والذي تزعّمته الولايات المتحدة الأمريكية، وجاءت كورونا لتكتب نهايته، حين رحلت فرنسا، صاحبة التمثيل الأوروبي الأبرز فيه، بجنودها خوفاً من الوباء، لكن، فيما الأزمة تقف على الشاطئ الآخر من أوروبا، هل تظل ملتزمة بالنهج نفسه؟

تعتبر أوروبا أنّ ليبيا عمق استراتيجي لأمنها ومخزن للثروات؛ فدون عناء يمكن أن ينتقل المقاتلون الذين نموا في ظل أيديولوجيات راديكالية متشددة في الشرق الأوسط وكذلك أجواء مواتية وقوى داعمة ليتوطنوا أراضيها، ودون عناء أيضاً يمكن أن تنهل أوروبا من ثروات ليبيا النفطية الكبيرة؛ إذ تملك ليبيا وحدها نحو ثلث الاحتياطي العالمي من الغاز.

وانطلاقاً من تلك الأهمية، فقد مثلت ليبيا ساحة للتنافس على النفوذ بين الدولتين الأوروبيتين فرنسا وإيطاليا، اللتين كانتا الحاضرتين الأبرز في الصراع الذي نشب منذ العام 2011، بعد الإطاحة بالرئيس الليبي السابق العقيد معمر القذافي، لكن بعد فترة، ومع تصاعد الأحداث، وتغير الخرائط، وتثبيت الأوضاع نسبياً وتقاسم النفوذ وإتمام الصفقات في سورية، اتجهت الأنظار كافة نحو ليبيا ومعها حدّة الصراع.

اقرأ أيضاً: ما جديد مرتزقة أردوغان في ليبيا؟

وبات التنافس على النفوذ ليس أوروبياً – أوروبياً فقط، بل دخلت أنقرة على الخط بحضور هو الأكبر حالياً، مدعوم بـ"شرعية مؤقتة" منحها المجتمع الدولي لحكومة الوفاق، واستغلتها مع عرقلة أي مسار سياسي، لتوقيع اتفاقيتين مع تركيا، إحداها أمنيّة والأخرى خاصة، بترسيم الحدود البحرية، بما يسمح لأنقرة بالتنقيب عن الثروات النفطية في مياه ليبيا.

وحاولت تركيا أن تستثمر التنافس الأوروبي التاريخي بين فرنسا وإيطاليا على النفوذ في ليبيا، باستقطاب الثانية، عبر طمأنة ودعوة للتنقيب المشترك عن الغاز شرق المتوسط، فيما فهم منه أنّه إغراء تركي لإيطاليا، غير أنّ الأخيرة حسمت موقفها سريعاً لصالح أوروبا.

وقد اتفقت أوروبا أخيراً على خط عريض يتمثل في أنّ "استمرار وجود القوات الأجنبية في لييبا أو تقدم الوفاق نحو سرت" غير مقبول، وهذا الموقف ذاته الذي تتبنّاه مصر.

وقد لوّحت مصر بالتدخل العسكري في ليبيا، إذا ما حاولت حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، تجاوز خط "سرت ـ الجفرة" ووصفته بأنّه "خط أحمر". وتجمع مصر وليبيا حدود ممتدة لآلاف الكيلومترات، بمحاذاة صحراء غربية واسعة في مصر، يمكن أن تمثل حاضنة يصعب تعقّبها للجماعات المتطرفة، لذا فإنّ مصر تبدي حزماً فيما يتعلق بوصول الميليشيات المسلحة إلى مناطق قريبة من حدودها.

اقرأ أيضاً: لماذا يعتقد الرئيس الفرنسي أنّ تركيا تلعب بالخطر في ليبيا؟

وبدأت أصوات أوروبية ترتفع لدفع أوروبا كي تحذو حذو مصر في الدفاع عن مصالحها، وتعلم "لغة القوّة". حيث قال رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، فولفغانغ إشينغر: يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يُهدّد باستخدام الوسائل العسكرية في ليبيا إذا لزم الأمر.

وقال إشينغر في تصريحات لصحف مجموعة "فونكه" الألمانية الإعلامية الصادرة اليوم الإثنين، بحسب ما أورد موقع "أحوال تركية": إنّ "باستطاعة أوروبا فرض ثقلها العسكري للتوصل إلى هدنة... من لا يستطيع التهديد باستخدام الوسائل العسكرية في نزاعات دولية، فإنّ دبلوماسيته ستظل في الغالب مجرّد كلام".

اقرأ أيضاً: كيف تفسر جيواقتصاديات الطاقة السياسية التركية في ليبيا؟

وشدد إشينغر على أنّه يتعين على الاتحاد الأوروبي تعلّم "لغة القوّة"، حتى يتمكّن من تمثيل مصالحه في الخارج بصورة أفضل. وتابع أنّه على الرغم من إعداد الحكومة الألمانية على نحو حثيث لمؤتمر ليبيا الدولي في برلين في كانون الثاني (يناير) الماضي، فإنّ النتائج حتى الآن صفر تقريباً للأسف.

واستبعد السفير الليبي السابق لدى الهند، رمضان البحباح، أن تشهد الأزمة الليبية تصعيداً عسكرياً أكبر من ذلك، أو خرقاً للخطوط، أو تلويحاً أوروبياً موحداً بعمل عسكري في ليبيا، خصوصاً بعد استئناف العمل في الموانئ النفطية، لافتاً إلى أنّه في ظل المصالح المتداخلة بين كافة القوى، فإنّ الهدف إطالة الصراع أطول فترة ممكنة، اعتماداً على سياسة تكسير عظام القوى التي لا تستطيع الصمود، لينتهي الوضع بحل سياسي "مائع" يحقق مصالح تلك القوى.

اقرأ أيضاً: أردوغان ينهب ماضي سوريا ويعبث بحاضر ليبيا ومستقبلها

ويشرح البحباح، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ ليبيا بالنسبة إلى أوروبا من الناحية الجيوبولتيكية تمثل منطقة مهمة للغاية، لا سيما لدى الإيطاليين؛ فهي تُعدّ شريان الحياة بالنسبة إليهم، وذلك لإمداداتهم بالنفط والغاز من ليبيا، فضلاً عن حجم التبادل التجاري والاستثمارات، وكذلك الحال بالنسبة إلى ألمانيا.

اقرأ أيضاً: أرض جديدة للجهاد.. ماذا سيثمر التدخل التركي في ليبيا؟

لكن الاتحاد الأوروبي، بحسب البحباح، "منقسم بشكل حاد في المسألة الليبية، ففي حين ترى إيطاليا وألمانيا أنّ ليبيا تمثل مصدراً للطاقة، ترى فرنسا أنّ من حقها التدخل في الشأن الليبي بحكم أنّها من قادت التحالف الدولي للإطاحة بنظام ليبيا واغتيال القذافي، والذي كان بمثابة عقبة كأداء أمام الأطماع الأوروبية، ليس في ليبيا فقط، بل في أفريقيا عموماً".

فيما ترى بعض الدول، وفق السفير الليبي السابق، مثل؛ تركيا، المنهارة اقتصادياً، أنّ ليبيا بمثابة الرئة التي تمدها بالأوكسجين، وأمريكا تنظر إليها على أنّها منطقة ذات أهمية قصوى لا يمكن أن يسمح لدولة مثل روسيا أن تضع أقدامها على جنوب المتوسط.  

ويتابع البحباح حديثه: هناك تصادم في المصالح بين هذه الدول، كل حسب مصلحته، وعليه لاحظنا جميعاً أنّ الأزمة الليبية طال أمدها، وهناك نية مبيتة في إطالتها طالما لا يوجد أي قاسم مشترك للتفاهم؛ حيث تتفق هذه الدول على أنّ ليبيا ينبغي أن تكون تحت حكومة ضعيفة تلبي متطلباتها.

وأشار الدبلوماسي الليبي السابق إلى خطورة ذلك، فوجود ليبيا تحت حكومة ضعيفة سيمكّن الجماعات المسلحة، من إرهابيين ومجرمين، من النمو والاستحواذ على بعض المصالح، أمّا وجود حكومة قوية بمؤسساتها واستقلال قرارها السياسي، فإنه سيحرم بالتأكيد دولاً، في حين سيمكن دولاً أخرى، وفقاً لمصالحها، من هنا تأتي إطالة عمر الأزمة، التي يدفع انعكاساتها السلبية المواطن الليبي من فقدان للخدمات والعيش الكريم.   

اقرأ أيضاً: كيف حوّل العثمانيون ليبيا إلى مستودع اتجار بالبشر؟

ويرى البحباح أنّ الوضع قد يتطور "وقد نشهد حملات من الشدّ والجذب بين هذه الدول بشكل كبير، فاستمرار هذا الوضع قد يضطر بعضها إلى ممارسة سياسة كسر العظم للدول التي لا تستطيع الصمود أكثر، وفي النهاية سيتم طرح مشروع سياسي لتدوير الأزمة على غرار الصخيرات، وإنتاج الحكومة نفسها بأسماء جديدة مهمتها السماح بانسياب النفط وفتح الموانئ النفطية المغلقة من ناحية، ومن ناحية أخرى لجم بعض الميليشيات التي كان لها دور في تجارة البشر وتهريب النفط ومشتقاته، وتصفية بعض القيادات الإرهابية التي بدأ وجودها يشكل عبئاً على مصالح الدول الأجنبية".

دبلوماسي ليبي سابق يقول إنّ أوروبا ما تزال منقسمة حول ليبيا، ويستبعد التصعيد العسكري بعد فتح موانئ تصدير النفط

في غضون ذلك، يلتقي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزراء ألمانيا المستشارة إنغيلا ميركل، مساء الإثنين ـ الثلاثاء في برلين، عشية تولي ألمانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بحسب وكالة الأنباء الألمانية، ويُعتقد أن ينال الملف الليبي حيزاً كبيراً من اللقاء.

وسبق أن أصدرت كلٌّ من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، قبل أيام، بياناً مشتركاً أكّدت خلاله على ضرورة خروج القوات الأجنبية من ليبيا، في إشارة فُهم منها أنّ المقصود هم المقاتلون المحسوبون على الفصائل السورية، الذين دفعت بهم تركيا إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية