الأسلحة الكيماوية تاريخيا: إلى أين وصلت الآن؟

الأسلحة الكيماوية تاريخيا: إلى أين وصلت الآن؟


15/04/2018

تعتبر الأسلحة الكيماوية إحدى أخطر أسلحة الدمار الشامل الحديثة؛ حيث يمكنها الفتك بأعداد كبيرة من البشر، مع إمكان استخدامها على نطاقات محددة، وذلك بتكلفة إنتاج واستخدام أقل من نظيرتها النووية.
السلاح الكيماوي في الحروب القديمة
لا يمكن القول بأنّ البشرية عرفت الأسلحة الكيماوية منذ العصور القديمة، ولكنّ التاريخ يسجل استخدامات متفرقة لما يمكن اعتباره محاولات ابتكار لأسلحة غير تقليدية، تقتل البشر دون سفك الدماء؛ حيث تُخبرنا الأساطير الإغريقية بأنّ هرقل استخدم أسلحة احتوتْ على سُمّ من نبات "الهيدرا"، وفي ملحمتَيْ هوميروس: الإلياذة، والأدويسة، يردُ أنّ الأسلحة المسمومة كانت تُستخدم في الحروب الإغريقية، وفي كتاب "فن الحرب"، يذكر الفيلسوف الصيني "صن تزو" مادة الزرنيخ كأحد الأسلحة المستخدمة في الحروب.
السلاح الكيماوي في الحروب المعاصرة
أول استخدام عسكري على نطاق واسع للأسلحة الكيماوية كان خلال الحرب العالمية الأولى؛ من قبل قوات الحلفاء والمحور، في العام 1915، وفي البداية كان غاز الكلور أكثر الأسلحة الكيماوية استخداماً في الحرب، قبل أن تظهر بعد فترة قصيرة الأقنعة المخصّصة للوقاية من تأثيره، وهو ما دفع بالألمان إلى تطوير غاز الأعصاب، الذي لم يكن بإمكان الأقنعة الحماية منه. وقد سجلت الحرب العالمية الأولى وقوع أكثر من مليون إصابة بفعل الأسلحة الكيماوية وحدها.

قوات يابانية ترتدي أقنعة واقية من الغازات الكيماوية خلال معركة شنغهاي (1937)

كما استخدمت أنواع جديدة من الأسلحة الكيماوية خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب استخدمت على نطاق واسع من قبل الأمريكان في حرب الفيتنام خلال الستينيات من القرن الماضي، واستخدم الجيش العراقي غاز الأعصاب في الهجوم على حلبجة بإقليم كردستان عام 1988.

فيتناميون يحاولون وقاية أنفسهم من الأسلحة الكيماوية الأمريكية

وفي عام 1992، وقعّت 192 دولة، على معاهدة "حظر الأسلحة الكيماوية"، ولم تمتنع من التوقيع عليها في حينه سوى دولتَين: مصر، وكوريا الشمالية.
ولم يقتصر استخدام السلاح الكيماوي على الدول، ففي العشرين من آذار (مارس) عام 1995 قامت منظمة "أوم شنريكيو" الإرهابية باستخدامها ضد المدنيين في اليابان؛ حيث أطلق الإرهابيون غاز السارين في إحدى محطات قطارات الأنفاق في العاصمة طوكيو، ما أدى إلى مقتل 62 شخصاً، وإصابة نحو 5000 آخرين. 

وقد استخدمت الأسلحة الكيماوية كذريعة لتوجيه اتهام النظام العراقي السابق باقتناء أسلحة دمار شامل، وذلك تمهيداً للحرب الأمريكية على العراق العام 2003، قبل أن يتبيّن زيف تلك الاتهامات.

المكان الذي وقعت فيه عملية الغازات السامة في مترو طوكيو

السلاح الكيماوي في سوريا
بحسب المعارضة السورية، فإنّ النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية منذ العام 2013 نحو 140 مرة، وكان أولها في آذار (مارس) من العام 2013، في خان العسل بريف حلب. أما الاستخدام الأكبر فكان بتاريخ  21 آب (أغسطس) العام 2013، في عدد من بلدات ومدن غوطتي دمشق؛ الشرقية والغربية، وقد وصل عدد ضحايا الهجوم بحسب منظمة "أطباء بلا حدود" إلى 355 حالة وفاة، فيما أعلنت المعارضة أنه وصل إلى نحو الـ 1500 حالة وفاة، وأكثر من 5000 إصابة.

أول استخدام عسكري على نطاق واسع للأسلحة الكيماوية كان خلال الحرب العالمية الأولى

أنكر النظام السوري القيام بالهجوم بدايةً، في حين شكّكَ الروس في صحة الصور والتقارير المنقولة، أما على الصعيد الدولي فقد تم تشكيل لجنة تحقيق مختصّة من قِبَل الأمم المتحدة، ومع تصاعد لهجة الإنذار من قِبَل باراك أوباما – رئيس الولايات المتحدة في حينه - أعلنت الحكومة السورية استعدادها لتسليم ترسانة الأسلحة الكيماوية. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته بدأ تفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، وكان ذلك بإشراف من منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية؛ حيث تم تدمير مخزون سوريا من غازَيْ: السارين، والخردل.

استخدمت الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع من قبل الأمريكان في حرب الفيتنام خلال الستينيات

وفي الرابع من نيسان (أبريل) من العام 2017، اتهمت المعارضة النظام السوري باستخدام غاز السارين ضد المدنيين في خان شيخون بريف إدلب، وهو ما أدانه مجلس الأمن في اجتماع طارئ له، في حين نفى النظام وحلفاؤه الروس ذلك، وقد وجّهت الولايات المتحدة بعد هذا الهجوم بأقل من أسبوع ضربة عسكرية إلى مطار الشعيرات العسكري في سوريا، كنوع من العقاب والردع.
وفي السابع من نيسان (ابريل) الجاري، أفادت مجموعة من التقارير، بأنّ هجوماً كيماوياً مزعوماً استهدف مدينة دوما السورية في غوطة دمشق الشرقية، وقد أودى بحياة ما لا يقل عن 70 شخصاً، وفقاً لتقارير نشرتها وكالات الأنباء العالمية والعربية.
ويعود امتلاك الجيش السوري للأسلحة الكيماوية إلى عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، وكان ذلك بمعاونة من السوفييت، وذلك في إطار تحقيق التوازن الإستراتيجي مع المنظومة العسكرية "الإسرائيلية".

خبراء يتفحصون موقع هجوم كيماوي في سوريا

أنواع الاسلحة الكيماوية وتأثيرها
وتنقسم الأسلحة الكيماوية بالأساس إلى أربعة أنواع:
الأول، هو الغازت الخانقة، وأشهرها: الفوسجين، وغاز الكلور، وكلوريد الهيدروجين، وتسبب هذه الغازات الاختناق، وتظهر أعراضها سريعاً على المصاب؛ حيث يصاب بالكحّة، مع حُرقة وآلام حادة في الصدر، وضيق في التنفس.

بحسب المعارضة السورية، فإن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية منذ العام 2013 نحو 140 مرة

أما النوع الثاني؛ فهي المواد السُمّية المسببة للموت عن طريق الدم، وأشهرها: مشتقات الساينيد، ومشتقات الزرنيخ؛ حيث يتم امتصاص هذه المواد عبر الدم، وتبدأ بعمل أثرها، وإذا وصلت كميات محددة منها إلى الدم فإنها تسبب الموت، وذلك بفعل منعها دخول الأكسوجين إلى الدورة الدموية.

النوع الثالث من الأسلحة الكيماوية، هو غازات الأعصاب، والتي تُفسد التوصيلات العصبية بين المُخ والأعضاء المختلفة، ومن أشهرها:
1-سلسلة غازات الـ G، كما سمّاها الألمان عند تطويرهم لها إبّان الحرب العالمية الأولى، نسبةً إلى "جيرهارد شرادر"، العالم الذي إخترعها.

جيرهارد شرادر في مختبره

2 -سلسلة غازات الـ V، وأخطرها غاز الـ Vx، الذي طوّره الإنجليز خلال الخمسينيات.
3- غازات الـ "نويتشوك"، التي طوّرها السوفيت منذ الستينيات.

أما النوع الرابع؛ فهو: مولدات البثور، وهي غازات كيميائية تتسبب في ظهور بثور كبيرة الحجم في كل أنحاء الجسم، بعد ملامسة الغاز للجسم مباشرةً. ويعتبر "غاز الخردل" أشهر الغازات المسببة للبثور، والذي يؤدي إلى التلاعب بالجينات؛ حيث استخدم هذا الغاز على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى حصول اختلالات جينية وتشوهات في الأجيال التالية من أبناء المصابين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية