الأصمعي: صوت صفير البلبلِ.. هيّج قـــلبي الثمــلِ

الأصمعي: صوت صفير البلبلِ.. هيّج قـــلبي الثمــلِ


09/10/2018

تمتّع الأصمعي، واسمه أبو سعيد، عبدالملك بن قريب بن عبدالملك الأصمعي (123- 216هـ) المولود في البصرة، بشهرة واسعة؛ إذ كان الخلفاء يجالسونه ويحبون منادمته، وقد هيّأت مجالس الرشيد له أن يذيع صيته في كل الأوساط والمحافل الأدبية، فسعى يجمع الأخبار والأشعار، ويدقق في اختياره لها وفي إنشاده، بحيث دفعت هذه الشهرة الرواة أن يضعوا أخباراً وأقوالاً تنسب إليه .

ومما يبرهن على شهرته الواسعة، وتفوقه على أقرانه ما نراه من غالب المصنفين الذين جاؤوا من بعده يستقون ثروته اللغوية والأدبية. كما أنّ كتب اللغة والأدب قد جمعت الكثير من الأخبار والأشعار التي يرويها، وكان يعلل شهرته بقوله: وصلت بالعلم، وكسبت بالملح.

مما يبرهن على شهرته الواسعة، وتفوقه على أقرانه ما نراه من غالب المصنفين الذين جاؤوا من بعده يستقون ثروته اللغوية والأدبية

عاش الأصمعي في أسرة متعلمة؛ بدليل ما رواه عن أبيه من أخبار وطلب العلم في (الكتاب)، وتطورت العلوم النقلية تطوراً كبيراً ومن أهمها: القراءات القرآنية، إذ عاش في هذا العصر من كبار القراء أبو عمرو بن العلاء وحمزة بن حبيب والكسائي. وبدأ جمع الحديث فكان لابن جريح والأوازعي وسفيان الثوري، ثم بدأت مرحلة التأليف في الحديث فكان علم الجرح والتعديل وأشهر رجاله يحيى بن معين، وبرز في هذا العصر كبار الفقهاء كالإمام أبي حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل. وقد هيأت الظروف للأصمعي فرصة اللقاء بهؤلاء العلماء وغيرهم؛ فتتلمذ على أيديهم وتابع مجالسهم في مدينة البصرة منذ أن كان صبياً حتى صار علماً من أعلامها، وتابع أجواءها العلمية .

تمازج الثقافات

تطورت الحركة العلمية في عصره بسبب تمازج الثقافات وتشجيع الخلفاء؛ فعقدت مجالس المناظرة في قصور الخلفاء، وكانت حافزاً للعلماء على البحث والنظر، وأسهم الأصمعي فيها إلى جانب من أسهم من علماء عصره .

اقرأ أيضاً: تأثير الشعر العربي القديم في خطاب "الجماعات الدينية" المتطرفة

وكان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يضيّق على الشعراء؛ فهو كان يحفظ القصيدة من أول مرة يسمعها فيها، وكان يدعي بأنه سمعها من قبل. فبعد أن ينتهي الشاعر من قول القصيدة يقوم الأمير بسرد القصيدة إليه، وكان لديه غلام يحفظ القصيدة بعد أن يسمعها مرتين فيأتي به ليسردها بعد أن يقولها الشاعر ومن ثم الخليفة. كما كانت لديه جارية تحفظ القصيدة من المرة الثالثة فيأتي بها لتسردها بعد الغلام ليؤكد للشاعر بأنّ القصيدة قد قيلت من قبل وهي في الواقع من تأليفه، وكان المنصور يفعل هذا مع كل الشعراء فأصيب الشعراء بالخيبة والإحباط، خاصة أنّ الخليفة كان قد وضع مكافأة للقصيدة التي لا يستطيع سردها وزن ما كتبت عليه ذهباً، فسمع الأصمعي بذلك فقال: إنّ في الأمر مكراً. فأعدّ قصيدة منوعة الكلمات وغريبة المعاني، ولبس لبس الأعراب وتنكر، حيث إنه كان معروفاً لدى الأمير، فدخل عليه وقال: إنّ لدي قصيدة أود أن ألقيها عليك، ولا أعتقد أنك سمعتها من قبل. فقال له الأمير هاتِ ما عندك، فألقى عليه القصيدة التالية:

عندما أسقط في يد الأمير

حينها أسقط في يد الأمير فقال: يا غلام يا جارية. قالوا: لم نسمع بها من قبل يا مولاي. فقال الأمير: أحضر ما كتبتها عليه فنزنه ونعطيك وزنه ذهباً. قال: ورثت عمود رخام من أبي وقد كتبتها عليه، لا يحمله إلا عشرة من الجند. فأحضروه فوزن الصندوق كله. فقال الوزير: يا أمير المؤمنين ما أظنه إلا الأصمعي. فقال الأمير: أمط لثامك يا أعرابي. فأزال الأعرابي لثامه فإذا به الأصمعي. فقال الأمير: أتفعل ذلك بأمير المؤمنين يا أصمعي؟! قال: يا أمير المؤمنين قد قطعت رزق الشعراء بفعلك هذا. قال الأمير: أعد المال يا أصمعي. قال: لا أعيده. قال الأمير: أعده. قال الأصمعي: بشرط. قال الأمير: فما هو؟ قال: أن تعطي الشعراء على نقلهم ومقولهم. قال الأمير: لك ما تريد.

اقرأ أيضاً: أشهر 10 شعراء مديح في التاريخ الإسلامي

ويُروى أنّ الأصمعي قال لأعرابي: أتقول الشعر؟ .. قال الأعرابي: أنا ابن أمه وأبيه.

فغضب الأصمعي، فلم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل (لَوْ) قال فقلت: أكمل، فقال: هات

فقال الأصمعي:

الأعرابي:

فقال الأصمعي: لو ماذا؟

فقال الأعرابي:

قال الأصمعي: منطو ماذا؟

الأعرابي:

قال الأصمعي: الجو ماذا؟

الأعرابي:

الأصمعي: أعلو ماذا؟

الأعرابي:

الأصمعي: ينعو ماذا؟

الأعرابي:

الأصمعي: يلقوا ماذا؟

الأعرابي:

الأصمعي: بو ماذا؟

الأعرابي:

الأصمعي: أوْ ماذا؟

الأعرابي:

قال الأصمعي:

فخشيت أن أقول قو ماذا، فيأخذ العصى ويضربني!!

يصلّون وبقربهم شيخ ملتف بكساء

وحكى الأصمعي، أيضاً:

ضلت لي إبل فخرجت في طلبها وكان البرد شديداً، فالتجأت إلى حي من أحياء العرب، وإذا بجماعة يصلّون وبقربهم شيخ ملتف بكساء، وهو يرتعد من البرد وينشد:

قال الأصمعي فتعجبت من فصاحته، وقلت يا شيخ: أما يستحي تقطع الصلاة وأنت شيخ كبير، فأنشد يقول:

قال فأعجبني شعره وفصاحته فنزعت قميصاً وجبّة كانا علي ودفعتهما إليه، وقلت له البسهما وقم فاستقبل القبلة وصلِّ جالساً، وجعل يقول:

قال فعجبت من فصاحته وضحكت عليه وانصرفت.

ما مدح الأعشى أحد إلا رفعه

وكتب الأصمعي عن الشاعر "الأعشى":

ما مدح الأعشى أحد إلا رفعه، ولا هجاه إلا وضعه، فمن ذلك أنه مرّ باليمامة على المحلق بن جشم الكلبي، وكان خامل الذكر، وله بنات لا يخطبن رغبة منه، فنزل عنده، فنحر له ناقة لم يكن عنده غيرها، وسقاه خمراً، فلما أصبح قال له الأعشى: ألك حاجة؟ قال: تشيد بذكري، فلعلي أشهر وتُخطب بناتي، فنهض الأعشى إلى عكاظ، وأنشد قصيدته القافيّة، التي يمدح بها المحلق، ويقول فيها:

فما أتت على المحلق سنة إلا زوّج بناته .

الصفحة الرئيسية