الأمن أولاً: كيف نفهم الموقف الصيني من سيطرة طالبان على أفغانستان؟

الأمن أولاً: كيف نفهم الموقف الصيني من سيطرة طالبان على أفغانستان؟


21/08/2021

لم يكد يصل الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية حتى شهد العالم سقوط الولايات الأفغانية واحدة تلو الأخرى بشكل دراماتيكي في يد حركة طالبان حتى جاءت الذروة بدخول الحركة التي حكمت البلاد خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين إلى العاصمة الأفغانية كابل بعد عشرين عامًا من خروجها على يد تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2001 لتتزايد التساؤلات عن التغييرات التي ستحدث على الخريطة الدولية، ومن أبرزها موقف الصين من الحركة التي باتت تسيطر على دولة تتقاسم جزءا من حدودها مع العملاق الآسيوي.

أفغانستان في الرؤية الصينية

تتقاسم أفغانستان حدودًا مشتركة تقدر بحوالي 76 كيلو مترًا مع الصين من الناحية الغربية للأخيرة حيث يقع إقليم شينجيانغ التابع لبكين والذي يضم قومية الأويغور المسلمة وهو ما يجعل استقرار أفغانستان مع نظام معتدل مسألة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للصين.

وتاريخيًا لطالما ظلت أفغانستان شوكة في الفناء الخلفي لبكين، وهو ما ظهر جليًا مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979 فكانت بكين قد طبعت للتو علاقاتها مع الولايات المتحدة لتدعم -مع دول أخرى- من عرفوا بالمجاهدين ضد القوات السوفييتية.

ويمكن توصيف الرؤية الصينية لأفغانستان في مقولة الزعيم الصيني دينغ شياو بينغ “مهندس الإصلاح الاقتصادي” في نوفمبر 1982 والتي قال فيها إن “المشكلات في أفغانستان ذات أهمية استراتيجية عالمية، الصين وأفغانستان بينهما حدود مشتركة، وهذا يشكل تهديدًا للصين حيث يمكنها [جغرافيًا] تطويق الصين.”

ولذلك يمثل وجود أي نظام مختلف مع الإدارة الصينية أو متشدد من الناحية الأيدولوجية مصدر خطورة بالنسبة للصين خاصة إذا ما عادت كابل حاضنة للجماعات المتشددة لا سيما تنظيم القاعدة وقبلها حركة تركستان الشرقية الانفصالية والمصنفة كجماعة إرهابية التي كانت تتلقى تدريبات في معسكرات خاصة في أفغانستان خلال حكم طالبان بحسب هيكل مكافحة الإرهاب التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون.

وخلال الفترة من 1993 وحتى عام 2002 كانت السفارة الصينية في كابل مغلقة أي أنها لم تعترف بحركة طالبان خلال فترة حكمها الأولى “1996- 2001” وأنها لم تعد لعلاقاتها الدبلوماسية مع جارتها إلا بعد سقوط طالبان.

ومن الناحية الاقتصادية تشكل أفغانستان أهمية كبيرة لمبادرة الحزام والطريق حيث وقع وزيرا خارجية كابل وبكين عام 2016 مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في إطار المبادرة خلال زيارة للرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة في أفغانستان حينها عبد الله عبد الله.

يضاف إلى ذلك مساعي بكين لتوسيع مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وهو أحد أهم مشروعات مبادرة الحزام والطريق عبر ضم أفغانستان والتوسط لتحسين العلاقات التي لم تكن على ما يرام بين كابل وإسلام آباد عام 2017.

لهذه الأسباب عملت الصين خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين على إيجاد أداة تواصل مع حركة طالبان. وكانت الصين تحجم عن التعاون مع الولايات المتحدة في أفغانستان نظرًا لتشككها في إمكانية وجود حكومة خالية من طالبان وتحقيق نصر عسكري حاسم وكان هذا هو هدف الاستراتيجية الأمريكية، في حين أن الصين ترى أن التسوية السلمية هي الحل للحرب الدائرة في أفغانستان حتى لو شمل هذا الحل حركة طالبان أو سيطرت من خلاله الحركة وذلك تماشيًا مع مبادئها الخمسة  للسياسة الخارجية المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، عدم الاعتداء المتبادل، عدم التدخل في الشؤون الداخلية بصورة متبادلة، المساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.

وخلال محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان لم تكن الصين تعول على نجاحها رغم أنها كانت تأمل ذلك ولهذا بدأت مرحلة من الاستعداد للتعامل مع أي قوة تحكم بعد الانسحاب الأمريكي، فعملت منذ عام 2012 على التواصل مع الحركة من أجل القضايا الأمنية المتعلقة بالجماعات الانفصالية في منطقة شينجيانغ إلى حماية الاستثمارات الصينية بحسب Andrew Small أندرو سمول زميل صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة.

الصين بالنسبة لطالبان

من الناحية الأمنية تنظر الصين دائمًا بقلق إلى تحول أفغانستان لقاعدة للجماعات الانفصالية المنتمية إلى الأويغور، فتعمل دائمًا على التأكد  من أن عناصر حركة تركستان الإسلامية لن يجدوا ملاذًا آمنا وفرصة لجمع التبرعات. وهذه هي النقطة التي كانت تستغلها دائمًا حركة طالبان.

ففي عام 2000 أكد زعيم حركة طالبان حينها الملا عمر للسفير الصيني في باكستان لو شولين أن طالبان “لن تسمح لأي مجموعة باستخدام أراضيها للقيام بأي عمليات من هذا القبيل” ضد الصين. وطلب في مقابل ذلك اعتراف بكين بحركة طالبان وكذلك حماية بكين لها من العقوبات الدولية وذلك بحسب كتاب “حياتي مع طالبان” الذي يحوي السيرة الذاتية لعضو الحركة السابق عبد السلام ضعيف.

هذا الوعد ذاته هو ما جاء على لسان المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين في لقاء صحفي في يوليو الماضي حيث قال إن طالبان لن تسمح للمقاتلين الانفصاليين من الاويغور من الدخول إلى أفغانستان، وكذلك منع تنظيم القاعدة أو أي تنظيم إرهابي آخر من إدارة عملياته من الأراضي الأفغانية.

وعلى مدار 5 سنوات”2015- 2020″، انتقل بعض مقاتلي الإيغور من ملاذاتهم الآمنة السابقة في باكستان إلى مقاطعة بدخشان الأفغانية، التي تشترك في حدود قصيرة مع الصين، وبالتالي سيكون أمام حركة طالبان – إذا صدقت في وعدها وأرادت عقد صداقة مع الصين- تحدي القضاء على هذه الملاذات.

 على الجانب الاقتصادي يهم حركة طالبان وجود الاستثمارات الصينية في أفغانستان، يدلل على ذلك تصريح المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين إن الحركة ترحب بالاستثمارات الصينية وأنها ستضمن الأمان وأن أمان الصين مهم بالنسبة لهم.

شكل العلاقات بين بكين وطالبان

اتخذت الصين استراتيجية التحوط كأسلوب في التعامل مع حركة طالبان، فرغم تقديمها تدريبات عسكرية لقوات أمنية تابعة للحكومة الأفغانية إلا أنها بدأت عملية الاتصال بالحركة في السنوات الأخيرة، فكانت تستقبل وفود الحركة في الصين حيث زارها في يونيو 2019 نائب زعيم الحركة عبد الغني برادار والذي التقى كبير الدبلوماسيين الصينيين أيضًا نهاية يوليو 2021 وهو اللقاء الذي يمكن من خلاله رسم شكل العلاقة بين بكين وطالبان بعد وصول الأخيرة للحكم في أفغانستان.

فخلال اللقاء دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي طالبان إلى “رسم خط واضح بعيدا عن حركة تركستان الشرقية الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى، واتخاذ إجراءات صارمة ضدهم بحزم وفعالية، من أجل إزالة العقبات وتهيئة الظروف المواتية للسلام والاستقرار والتنمية في المنطقة”. وهو ما قابله تأكيد من جانب باردار أن “الحركة لن تسمح أبدا لأي قوى بفعل أي شيء ضار بالصين في الأراضي الأفغانية”.

هذه التصريحات المتبادلة تدلل على أن الصين ترهن حسن العلاقات مع طالبان بعدم استخدام أفغانستان كقاعدة لانطلاق الهجمات ضد الصين خاصة من جماعة تركستان الشرقية التي تسعلا لانفصال إقليم شينجيانغ موطن الأويغور.

يضاف إلى ذلك اتجاه الصحافة الصينية بشكل كبير إلى الدعوة لعدم معاداة طالبان وما ظهر في الفقرة الأخيرة لمقال رئيس تحرير موقع جلوبال تايمز الموالي للحزب الشيوعي الصيني هو شي جين الذي يقول إن العلاقات الدولية متغيرة وأن دعوة بعض المراقبين لجعل طالبان عدو يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة ولا يعود بالنفع على بكين، وأن الدبلوماسيين الصينيين سيتواصلون مع كافة الفصائل والقوى الأفغانية.

الحزام والطريق في أفغانستان طالبان

رغم الاتفاق الموقع لمشروعات مبادرة الحزام والطريق عام 2016 والمقدرة بـ 100 مليون دولار بين بكين وكابل إلا أن أفغانستان لم يتم تضمينها في هذه المبادرة بالشكل المأمول حيث لم تحدد الصين بالضبط كيف سيتم دمج أفغانستان في مبادرة الحزام والطريق.

وعلى مستوى الاستثمارات فرغم أنها أكبر مستثمر في أفغانستان إلا أن حجم الاستثمارات الصينية في البلاد وصل إلى 400 مليون دولار فقط عام 2017 في حين أنه وصل إلى 5.7 مليار دولار في باكستان خلال العام نفسه

وتمتلك أفغانستان أكبر احتياطيات غير مستغلة في العالم من النحاس والفحم والحديد والغاز والكوبالت والزئبق والذهب والليثيوم والثوريوم، تقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولار أمريكي، وفي عام 2011 استطاعت مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) الفوز بعرض بقيمة 400 مليون دولار أمريكي لحفر ثلاثة حقول نفطية لمدة 25 عامًا، تحتوي على ما يقرب من 87 مليون برميل من النفط، كما حصلت شركات صينية على حقوق في مناجم النحاس في منطقة ميس آيناك في مقاطعة لوجار التي تبعد عن العاصمة كابل 40 كيلو مترًا فقط.

رغم ذلك فإنه لم يتم استخراج أي شيء، وتشير مصادر إلى أن الحكومة الصينية سعت للحصول على هذه الامتيازات فقط لمنع الدول الأخرى منها، وأنها كانت تعرف أنها لن تقوم بأي تطوير نظرًا لصعوبة الوضع الأمني وفساد الحكومة الأفغانية، وبالتالي فإن تحسن الاستثمارات والعمل في مشروعات مبادرة الحزام والطريق وضم أفغانستان للممر الاقتصادي الصين الباكستاني مرهون أولا بالوضع الأمني في أفغانستان.

الخلاصة

أدركت الصين في السنوات الأخيرة تضاؤل الأمل في الوصول إلى اتفاق بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان فعملت على فتح قنوات اتصال مع الحركة، لكن رغم ذلك فإن بكين ترهن تحسن العلاقات مع طالبان وزيادة وجودها الاقتصادي وتفعيل مبادرة الحزام والطريق في أفغانستان خصوصًا بعد الانسحاب الأمريكي بالعامل الأمني المرتبط باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الانفصاليين المنتمين لقومية الأويغور.

فوجود حركة طالبان كحاكم في أفغانستان لن يثير قلقها طالما أنه لا يهدد أمنها الداخلي لكنها ستتعامل دائمًا بقدر كبير من التحوط والتنسيق الأمني مع دول الجوار لا سيما عبر منظمة شنغهاي للتعاون وهو ما فعلته بكين عبر جولة وزير خارجيتها في يوليو تموز 2021 لكل من تركمنستان وأوزبكستان وطاجيكستان من أجل “تعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان.”

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية