الأمير الحسن عن هاني فحص: كان مفكراً حراً وباحثاً عنيداً

الأمير الحسن عن هاني فحص: كان مفكراً حراً وباحثاً عنيداً


16/01/2022

يكتسب منحُ رئيس منتدى الفكر العربي، الأمير الحسن بن طلال، جائزة "صنّاع السلام"، التي تقدمها أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام، أهمية استثنائية من كون الأمير الأردني شخصية عالمية ذات حضور ثقافي وسياسي؛ إذ عمل طوال مسيرته على ترسيخ ثقافة التعددية والحوار وصناعة السلام.

الحدث، الذي جرى في مركز الحسين الثقافي بالعاصمة الأردنية عمّان، مطلع الشهر الجاري، يكرس القيمة الثقافية والدينية العابرة للطوائف التي جسّدها الراحل هاني فحص (1946 - 2014)، الذي وصفه الأمير الحسن، بأنه كان مفكراً حراً وباحثاً عنيداً استمر في نقد ومراجعة كل فكرة تمسّ كرامة الإنسان، لافتاً إلى أنّ "فلسطين سكنت عقل ووجدان الراحل فحص، ولم يتردد في رفع الظلم والعدوان عنها".

الأمير الحسن بعد منحه جائزة "صنّاع السلام": لم يكن هاني فحص رجل دين عادياً

وشدّد الأمير على ضرورة الحوكمة الرشيدة للتعددية: "لم يكن هاني فحص رجل دين عادياً. كان مفكراً عن الإجابات القديمة، مثيراً لأسئلة جديدة تستفّز العقول". وتساءل الحسن: "أين اليوم الحركة الثقافية العربية الحضارية؟ يتوجب التفكير في الحوكمة وإعادة ترتيب الأولويات، وتطوير السياسات، من خلال القيمة الجوهرية للإنسان والإيمان بالقدرة البشرية. يجتمعون لمواجهة تحديات المناخ والوباء. ألا نعقد لقاءات تشاورية بين التربويين حيث تدخل القضايا الإنسانية في المناهج الوطنية؟ هل تكسب الإنسانية معركتها مع الزمن؟ هل هذا الجيل قادر على نقل الإرث الحضاري؟ قد نهتم بصياغة مشاريع أكثر مما نهتم بأهدافها. الحاجة (ماسّة) إلى الانتقال من المهانة إلى الكرامة من أجل مستقبل من التضامن، وأن نتحد عالمياً في تنوعنا المحلي ولتعميق الجوامع. ربما ننطلق من الأطلال لصنع المستقبل".

تعزيز الحوار بين أتباع الحضارات

وأكد الأمير الحسن، على ضرورة "تعزيز الحوار بين أتباع الحضارات والثقافات والشعوب على أساس احترام القيم المشتركة"، مشيراً إلى أنّ "الاعتراف بالقيمة الجوهرية للإنسان والقيم الأخلاقية المشتركة بين كل المجتمعات هي القوة الدافعة وراء العمل المشترك من أجل خير الجميع".

الأمير الحسن بن طلال: فحص كان مفكراً حراً وباحثاً عنيداً استمر في نقد كل فكرة تمسّ كرامة الإنسان. فلسطين سكنت عقله ووجدانه، ولم يتردد في رفع الظلم عنها

بدوره، اعتبر وزير الثقافة العراقي ورئيس كرسي اليونسكو في جامعة الكوفة في العراق حسن ناظم أنّ "مناسبة منح الجائزة للأمير الحسن بن طلال هي مناسبة لتنمية العمل وتطوير المؤسسات الفاعلة في ميدان الحوار والتعددية"، منوهاً بأنّ "اللقاء هو لقاء الفكر والممارسة في شخصيتين كبيرتين؛ الأمير الحسن بن طلال والراحل هاني فحص عبر الجائزة التي مهرت باسمه للحوار والتعددية".

من جانبه، قال رئيس كرسي الأونيسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القدّيس يوسف، البروفسور أنطوان مسرّة: أعرف سمو الأمير حسن بن طلال في مبادراته المجدّدة وتواضعه العلمي وعمق تفكيره ومساهماته في الحوار الديمقراطي والدفاع عن التضامن الوطني.

اقرأ أيضاً: هل تعدّ التقلبات الفكرية خطيئة؟

وأطلقت جائزة "هاني فحص للحوار والسلام" في نيسان (أبريل) 2016، في احتفال أقامته في بيروت أكاديميّة "هاني فحص للحوار والسلام" وكرسي اليونيسكو لدارسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القدّيس يوسف في بيروت وكرسي اليونيسكو في جامعة الكوفة ودار العلم – الإمام الخوئي.

جائزة هاني فحص للأمير الحسن تقديراً لدوره في تنمية ثقافة الحوار

وجائزة هاني فحص للحوار والتعددية جائزة سنوية تُقدم في ثلاثة مجالات: صنّاع السلام، والدفاع عن التعددية، والبحث العلمي، حيث تمنحها أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام وشركاؤها: كرسي اليونسكو في جامعة القديس يوسف – بيروت، وكرسي اليونيسكو في جامعة الكوفة – العراق، وأكاديمية البلاغي في النجف الأشرف في العراق، وجامعة القديس يوسف في بيروت، في سبيل متابعة تراث الراحل هاني فحص في مجالات الفكر الديني والتعددية والحوار.

رجل إيمان في زمن تعبئة أيديولوجيّة

وفي حفل الإطلاق، تحدّث رئيس كرسي الأونيسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القدّيس يوسف، البروفسور أنطوان مسرّة، الذي استذكر صديقه الراحل العلاّمة هاني فحص، فقال: "أريد دائماً الإصغاء إلى هاني فحص. كلمته محملة بالصدق والمحبّة، مُجسّدة، نابعة من الخبرة، من المعاناة، ومن القلب تجاه سجال أيديولوجي سائد ومعلّب".

اقرأ أيضاً: هل مايزال الفكر الإسلامي أسير الثقافة الشفوية؟

وأضاف: "إنّه رجل إيمان في زمن تعبئة أيديولوجيّة، ورجل مبدأ في زمن حيث القواعد البديهية في الحياة العامة تلوثت مع مساحيق تجميليّة، رجل الشجاعة في زمن الانتهازيّة والتموضع والمسافة الواحدة تجاه التناقضات. كنت أدرك أحياناً إلى أي مدى نفسه حزينة بدون لجوئه إلى سجال عقيم أو اتهام الغير أو تصوير نفسه كضحية، لأنّ عمق إيمانه المعاش لا يأتلف مع أي مسلك عدائي. هاني فحص رجل الحوار الحق بدون مراوغة وبإدراك نيّر ورؤية وجرأة. إنه يعطي معنى وأبعاداً للتفاعل الثقافي. في زمن استنسابيّة موحشة وأيديولوجيّات مستترة بالدين وتُجَّار هيكل يقتحمون كلّ الهياكل. هاني فحص متجذّر في لبنانيته وعروبته وإسلامه وشيعيّته... في إنسانيّة عالمية. هاني فحص الملتزم في الإيمان والحياة العامة لم يصمت طيلة ثلاثة أجيال على الأقلّ. غادر هاني فحص بفعل المرض وأيضاً بفعل حزن عميق أكثر وطأة وربما إدراكاً منه أنه وحيد بين مواطنيه وأقرانه".

اقرأ أيضاً: معهد تونس للفلسفة.. اشتباك الفكر الحر مع هموم الناس خارج الأكاديميات

ورأى مسرّة أنّ "ما نعيشه اليوم من مخاطر تعصب من أزمنة غابرة وما نعيشه من تدهور وانحطاط قيمي، هو نتيجة سلوكيّات رمادية ملتبسة خائنة للحق والعدل"، مستشهداً بقول الكاتب الفرنسيّ أنطوان دي سان أكزوبري عن هؤلاء الرماديين: "إني أتقيؤهم وأعيدهم إلى أجوائهم الضبابيّة، تعالوا إليّ حين اكتمال بنيتكم".

الجائزة التي تحمل اسم هاني فحص تعيد الراحل إلى الزمن الحاضر، وإلى اللحظة الراهنة لتؤكد أنه عابر للزمن، ففحص، بحسب الأمين العام لـ"مؤسّسة الإمام الخوئي الخيريّة" عضو "المجلس العراقيّ لحوار الأديان" الدكتور جواد الخوئيّ "لم يكن لبنانياً ولا عراقياً أيضاً، بل عربيّاً مفتخراً بهوّيته. لم يمثّل الشيعة بل السنّة كذلك، لم يهتم بالمسلمين حصراً بل بالمؤمنين جميعاً، لم يكن إسلامياً بل كان مسلماً عقلانياً معتزاً بانتمائه. حضوره يمثّل روح الأديان السمحاء، مشروعه إنسانيّ لجميع البشر، كان يحبّ الحياة ويريدها للجميع متصالحاً مع نفسه أولاً ومن ثمّ مع الآخر، ليس ضد الاختلاف لكن يؤكّد المشتركات، يحترم المختلف كما هو بما هو، لم يكن تبشيرياً ولا داعية لدين أو مذهب. هاني فحص لم يرد من الحوار الخوض في المسائل اللاهوتيّة العقيديّة، بل اهتمامه بالعيش المشترك والكريم للجميع على أساس المواطنة والدولة المدنيّة العادلة وترسيخ فصل الدين عن الدولة".

مصطفى فحص عن أبيه: كان رفيق درب الحقّ

منحُ الأمير الحسن بن طلال، جائزة "صنّاع السلام"، أعاد كما في السنوات السابقة الحضور الوهّاج لشخصية هاني فحص الاستثنائية، التي تحدث عنها نجلها الصحفي مصطفى فحص في حفل تدشين الجائزة قبل ستة أعوام: "من الكوفة، حيث بيت جدّه علي بن أبي طالب، مدرسته الأولى، تجلت مواهبه في الشعر والأدب والسياسة والدين كمنطلق إلى الإيمان بالآخر لا إلغائه، فيها وَلَّد من اقتران الحروف لغة سمحاء فاستحقَّ لقب السماحة. كان الكلّ حين تضيع الجماعة في تشتتها، والمنفرد حين تتعصّب لواحدها، والفرد الواحد إذا تحولت الجماعة إلى قطيع، كان رفيق درب الحقّ يؤنس وحشة العابرين الذين خرجوا من ظلام العصبيّة والحزبيّة والقبليّة إلى مساحة الوطن المنفتح المؤمن بتعدد الهوّيات وتركيباتها".

وزير الثقافة العراقي حسن ناظم: مناسبة منح جائزة "صنّاع السلام" للأمير الحسن بن طلال هي مناسبة لتنمية العمل وتطوير المؤسسات الفاعلة في ميدان الحوار والتعددية

يذكر أنّ الموت غيّب العلامة هاني فحص، عن 68 عاماً، نتيجة مضاعفات مرض في الرئة، وقد عرف الراحل، كما تقول وكالة الصحافة الفرنسية، بمناهضته لحزب الله وبانخراطه في العمل السياسي، ونشاطه في المجتمع المدني وفي مجال الحوار بين الأديان.

وفحص من رجال الدين القلائل الذين انخرطوا في العمل الحزبي العلني، بدأ حياته السياسية مع حركة فتح الفلسطينية، عندما كان مقر قيادتها في لبنان، وكان مقرباً من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وكان مقرباً لفترة من حزب الله، قبل أن تتطور مواقفه إلى نقيض هذا الحزب تماماً، آخذاً عليه انعزاله ومبالغته في استخدام القوة لفرض رأيه على الآخرين.

غيّب الموت العلامة هاني فحص، عن 68 عاماً، نتيجة مضاعفات مرض في الرئة

ولد فحص في بلدة جبشيت في جنوب لبنان النبطية العام 1946. هاجر إلى النجف في العراق العام 1963، ودرس في حوزتها الدينية، ونال إجازة في اللغة العربية والعلوم الإنسانية من كلية الفقه في النجف. عاد العام 1972 ليستقر في جبشيت وليكون إمام مسجدها.

انتقد فحص بشدة تدخل حزب الله العسكري في سوريا. ومما كتبه، في إطار رسالة موجهة إلى "الأخوة في حزب الله.. قد عرفنا قوتكم عياناً وبالملموس.. وأردنا لها أن تتزين أو تتحصن بالعقل الذي يحرر فيتحرر، فإذا بها تصرّ على تحويل الحرية إلى ما يشبه القيد، عندما تخص ذاتها بالثمرة، وتصر على انتقاص حق الشركاء أو حرمانهم من حرياتهم، بالاستقواء على البعض واستتباع البعض، وتهز أعطافها، وتذهب في عُجب وتحديق نرجسي، في الزناد والزنود".

العلامة هاني فحص أديب وكاتب. من أبرز كتبه "ماض لا يمضي"، و"ذكريات ومكونات عراقية"، و"الشيعة والدولة في لبنان"، و"خطاب القلب".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية