الإخفاق في فهم الدّين يشوّش فهم الإنسانية والثقافة

الإخفاق في فهم الدّين يشوّش فهم الإنسانية والثقافة


26/12/2017

حانَ وقت الفرح والمرح. دعوا المشروبات تُصَب واللَهْو يَكثُر، لِأنَّ الظُلمةَ قد عاجلها نورٌ عظيم. أجَلْ، سوف تشرعُ هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في أخذ الدّين على محمل الجد.
هذه حقّاً أخبارٌ جيّدة للجميع. سواء كنتَ تقيّاً مثل دوت كوتون، أو كنت تجد الأمر بِرمَّته مملاً كما هي الحال عند جون همفريس، ينبغي علينا جميعاً الاستفادة من إذاعتنا الوطنية التي أخذَت على عاتقها مسؤولية معالجة شئ من إِحدَى أزمات بريطانيا: الجهل المتنامي بالدّين. وفي هذه اللحظة بالذّات من التاريخ، لا يمكنها أن تقدّم خدمة أكثر أهمية من ذلك إلى الجمهور.

الجهل في فهم الدين يخوِّل شيطنة المسلمين ويُوقِد اللاسامية ويعزّز كل أشكال التعصُّب والتحامل والعنف

إنَّه جهلٌ يُفاخِر بالمُجَاهَرة بِه إلى حَد بعيِد عددٌ كبيرٌ من الناس. إنَّه الوجهُ المقبول للجمود والنفور من الثقافة. لكنّ الإخفاقَ في فَهم الدّين هو إخفاقٌ في فَهم الإنسانية والثقافة. ورفض الدّين في مظاهره العديدة شئ، لكن رفض الفرصة لمعرفة المزيد عنه تُعدّ أسوأ حالات اللامبالاة الثقافية. نحنُ مدينون لأنفسنا على الأقل بأن نبذل جهداً لاستكشاف هذه الظاهرة التي، بغض النظر عن النتيجة، كانت جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية لآلاف الأعوام.

جهلٌ له آثار ملموسة
كما أنَّه جهلٌ له آثار ملموسة. فهو يخوِّل شيطنة المسلمين. ويُوقِد اللاسامية. ويعزّز كل أشكال التعصُّب والتحامل. ويغذّي التَزَمُّت: فتنظيم داعش قد ازدهر من هذا الجهل. وهذا الجهل سائدٌ بين المؤمنين والملحدين سواء بسواء؛ وهو يقعُ في لُبّ الطائِفِيّة. ومن المؤكّد أنَّه ما من شئ يمكن أن نضيعه، بل سوف نكسب الكثير، من خلال تثقيف أنفسنا.
إنَّني آملُ أن تجد الـ بي بي سي طُرُقاً مبتكرة لاستكشاف الثراء الذي يمكن العثور عليه في كلّ تقليد اعتقادي. فالحديث عن طائفة مسيحية واحدة بمصطلحات موحَّدة هو أمر مضلّل: ليس هناك أنغليكانية أو كاثوليكية رومانية واحدة، ناهيك عن وجود مسيحية واحدة. وهناك تنوع مماثل داخل المعتقدات الأخرى. وإذا كان هذا كلّه صحيحاً، فإنَّ الحديث، بالتّالي، عبر مصطلحات عُمُومِيّة مثل "الدين" أو "المتدينين" هو بالتأكيد أمر مضلّل أيضاً. تحتاج هذه التسميات إلى تحدٍّ وتَهديم؛ فهي تُستخدم في كثير من الأحيان وبشكل مفرط جداً، وغالباً مع رغبة في خَلْق "هُم"التي تمكننا تحديد "نحن".

تمثيل مختلف التقاليد الاعتقادية
كما ينبغي أن نرحّب بالاقتراح الدّاعي إلى تمثيل مختلف التقاليد الاعتقادية عبر مجموعة واسعة من برامج الـ بي بي سي. فالفكرة القديمة التي تقضي بتخصيص جزء معين من الجدول للبث الديني لا تخدمُ أحداً: فهي تعطي الانطباع بأنَّ الإيمان يمكن بسهولة أن يُدس بعيداً أو يُسوَّر، وليست تِلك هي الطريقة التي يُختبر بها الأمر، سواء شخصياً أو ثقافياً. وهي تنجم عن امتياز خاص ونوع من الحَرَج. وكما نأمل، يمكن لهذا أن يحرّر البرنامج اليومي Thought for the Day على راديو 4، ويفتحه على منظورات إنسانوية وإلحادية أخرى.

84٪ من البشر ينتمون إلى الدّين. ومن المتوقع ألا ينخفض هذا العدد ، بل أن يرتفع

لكن ربما يكون أكبر المستفيدين من النهج الجديد لـ بي بي سي تجاه الإيمان هم المعادون للمؤمنين. في أفضل حالاته، يُستمَد الفكر والجدل الإلحادي والمعادي للإيمان من فَهم عميق للمعتقد الديني. فانتقادات فريدريك نيتشه للمسيحية قَويّة وذكية جداً لأنَّه، بعد أن درس اللاهوت على أمل أن يصبح قِسِّيساً في الكنيسة، كان يمتلك تقديراً عميقاً لهذا الموضوع. كما أنَّ الفهم الدقيق والمفصَّل للدّين قد أفادَ أعمال لودفيغ فيويرباخ وكارل ماركس؛ فهي ثاقبة وأَصِيلة نتيجة لذلك. وبالمقارنة، الرفض الاِرْتِجالِيّ الواضح في ذَمّ، على سبيل المثال، ريتشارد دوكينز [للدين] تافِه وشاحِب. لا يمكن أن أكون المسيحيّ الوحيد الذي يسعى إلى تحديات قوية ومتبصّرة لإيمانه لكنه يجد الكثير من الفكر الإلحادي الحديث دونَ المستوى بشكل مخيب للآمال.
إنَّنا نعيش في عالم حَيثُ ينتمي 84٪ من رِفاقنا البشر إلى الدّين. ومن المتوقع أن لا ينخفض هذا العدد في العقود المقبلة، بل أن يرتفع. فالدّين لن يختفي، على الأقل ليس الآن. ولدى بي بي سي مَنْزِلَة فريدة لمساعدتنا على فَهم العالم بشكل أفضل، وهو ما يعني فَهم الدّين بشكل أفضل. يمكن أن تكون هناك استخدامات ملائمة أكبر قليلًا لرسوم الترخيص "التي ندفعها لـ بي بي سي". سَبَّحُوا الرَّبَّ.

بيتر أورميرود-عن"الغارديان"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية