الإخوان المسلمون في الخليج.. تقدير موقف

الإخوان المسلمون في الخليج.. تقدير موقف


13/04/2022

تعاني جماعات" الإخوان" في الخليج ضعفاً وتراجعاً واضحين، لكن تبقى الساحة الكويتية مجالاً لممارسة إخوانية تمثّل تحدياً. وربما ليس من المبالغة القول إنّ الخسارات التي لحقت بجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر منذ عام 2013، والضربة الموجعة التي لحقت بالتنظيم الإخواني في السعودية منذ 7 سنوات وحتى الآن، هما الحدثان الأكثر سوءاً، من وجهة نظر الجماعة، منذ الحملة التي قادها ضدهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. مع ذلك لا يزال لدى إخوان الخليج، وفي الكويت أساساً، الملاءة المالية، والقدرة التنظيمية، والمنابر الإعلامية، والوصول إلى البرلمان، والدعم الإقليمي (قطر وتركيا)، والتشبيك مع قوى سياسية وأمنية وعائلية نافذة.

خسارة مصر والخليج أصابت جماعة "الإخوان" في الصميم، على الأقل في المدى المنظور والمتوسط. لقد تمّ ذلك في أقل من عقد واحد. وفاقمها، في الحقبة الأخيرة، الانقسامات الداخلية داخل صفوف الإخوان المسلمين حول قضايا مختلفة؛ مثل شرعية زعيمهم ومرشدهم.

الجهود التي قادتها أطراف إقليمية فاعلة مناوئة للتوجه الإخواني حققت نجاحات أساسية كبيرة في احتواء التنظيم وهزيمته وانحساره في أكثر من ساحة.

الجهود السعودية في محاصرة الإخوان

 المراقب للسنوات التي أصبح فيها الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعودية يلحظ عملاً مؤسسياً متكاملاً لمحاصرة تغلغل "الإخوان" في المدارس والجامعات والمؤسسة الدينية في المملكة. وترى الرياض أنها أنجزت عملاً مهمّاً في هذا الإطار، تكامل وتوازى مع جهودها في الإشراف الصارم على القطاع المصرفي، والتشديد على تنظيم القطاع الخيري، وزيادة العقوبات على تمويل الإرهاب، بل قامت المملكة، أيضاً، بحظر التعامل مع جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية باعتبارها تابعة لجماعة "الإخوان".

قامت السعودية بحظر التعامل مع جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية باعتبارها تابعة لجماعة الإخوان

 وكانت الكويت قبضت في تموز (يوليو) 2019 على خلية إخوانية إرهابية مصرية، وسط أنباء عن أنّ جهاز أمن الدولة الكويتي استدعى شخصيات دينية وأصحاب شركات في الكويت على صلة بالمتهمين في قضية الخلية الإخوانية، التي تم تسليمها للسلطات المصرية. وقد كشفت صحيفة "القبس" الكويتية عن أنّ السلطات المصرية أبلغت الكويت بأنّ عناصر من "خلية الإخوان"  تمكنوا من دخول الكويت منتحلين أسماء شخصيات مسيحية.

ما يزال الإخوان في السعودية موجودين ولكنهم يخافون سطوة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. مع ذلك لم تصل السعودية معهم للمستوى نفسه الذي تعاملت به الإمارات معهم.

 الاحتفاظ بـ"ورقة الإصلاح"

 على المستوى السياسي، ما تزال الخطوط السعودية معهم لم تنقطع، ويمكن إحياؤها في أي وقت. وهذا لا ينفي الاعتراف بأنّ السعودية والإمارات تعاملتا مع التنظيم الإخواني بطريقة سليمة، جففت منابعه وأصوله، وقطعت أذرعه وأدواته، وأجهضت محاولاته للتأثير في الطبقات المحافظة والمتدينة، فتراجع بشكل ملحوظ نموذج التديّن الذي كان يرتكز على السرديات والأدبيات الإخوانية.

الحكومة السعودية قطعت الطريق على الإخوان في أن يكونوا عنصراً معطّلاً محتملاً لخطط ومشاريع ولي العهد محمد بن سلمان في الانفتاح الاجتماعي وتمكين المرأة والمبادرات والفعاليات السياحية والترفيهية

المهم في السعودية، أنّ الحكومة قطعت الطريق عليهم في أن يكونوا عنصراً معطّلاً محتملاً لخطط ومشاريع ولي العهد السعودي في الانفتاح الاجتماعي وتمكين المرأة والمبادرات والفعاليات السياحية والترفيهية وتحجيم "الوصاية الدينية" على فئة الشباب والشابات المستهدفين بتلك الفاعايات والمبادرات والخطط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نفوذ "الإخوان" في الكويت.. أدواتهم وإمكاناتهم

ما تزال جماعة الإخوان، برغم تراجع قوتها، فاعلة في بعض دول المنطقة. مثلاً يُعَدُّ تنظيم "الإخوان المسلمين" في الكويت من أقوى التنظيمات الإخوانية وأوسعها خبرة ومُقدّرات على مستوى الخليج خاصةً، والمنطقة العربية عموماً، وذلك للأسباب التالية:

1.     الملاءة المالية الوفيرة التي يمتلكها التنظيم الإخواني في الكويت مدعوماً بالمؤسسات والشركات والجمعيات الخيرية التي يعمل من خلالها.

2.     إخوان الكويت يعملون بكل قوة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهم على تواصل مع تركيا لأنها تحميهم وتستفيد منهم.

3.     على مدى العقود الماضية تراجعت مكانة ونفوذ التيارات المدنية والليبرالية والقومية في الكويت.

ما يزال الإخوان في السعودية موجودين ولكنهم يخافون سطوة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

4.     لطالما لجأ الإسلام السياسي في عموم المنطقة وخارجها إلى الكويت، وإلى تنظيم "الإخوان" في هذا البلد الخليجي، إذْ إنّ هامش الحرية النسبية الموجود في الكويت والوفرة المالية سمح لهم بحجز مكانة مؤثرة في المشهد السياسي والانتخابي في الكويت، وفي لعبة التوازنات الطائفية والدينية والسياسية هناك.

5.     اقتضت السياسات الكويتية التي صاغتها على مدى عقود المؤسسات السيادية والدولة العميقة في الكويت أن تقيم توازنات سياسية وطائفية ودينية من أجل حماية النسيج الكويتي، والابتعاد قدر الإمكان عن خطر الصراع والتصعيد السعودي-الإيراني. هذا تطلب عدم استعداء "الإخوان المسلمين" في الكويت، سواء بذراعهم الاجتماعية "جمعية الإصلاح"، أو ذراعهم السياسية "الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)"، فكان هناك بعض التغاضي النسبي عنهم مقروناً باستمرار مع محاولات تحجيمهم واحتواء خطرهم وعدم تمددهم.

     إخوان الكويت يعملون بكل قوة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وهم على تواصل مع تركيا لأنها تحميهم وتستفيد منهم

6.     اعتادت الحكومات الكويتية المتعاقبة وضمن سياسة توازن بين المكونات الكويتية المختلفة سياسياً ومناطقياً وطائفياً وطبقياً على القيام بمناورة سياسية خطرة باستقطاب تيارات الإسلام السياسي إلى جانبها بعد أن اشتدت الانتقادات للحكومة من قبل التيارات الإصلاحية والوطنية والليبرالية في مجلس الأمة وخارجها والصحافة ووسائل الاتصال الجماهيري؛ بسبب سوء الإدارة وتفشي الفساد إلى نطاق واسع.

7.     يستغل "الإخوان" في الكويت مسألة التخويف من خطر الشيعة في الكويت ويكررون باستمرار بأنه نظراً لأجواء الانفتاح التي تعيشها الكويت، فقد أسس شيعة موالون لإيران "لوبياً" ضخماً يشمل شركات وبنوكاً ومحطات وقود وتأسيس صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية، فضلاً عن امتلاك مؤسسات تجارية عديدة، إلى جانب وجودهم في مؤسسات الدولة السيادية وفي مجلس الأمة "البرلمان".

8.     هناك ميل لدى طيف من الطبقة الحاكمة وصناع القرار في الكويت إلى مهادنة "الإخوان" وعدم استثارتهم والحفاظ عليهم كعنصر توازن مع العلمانيين والقوميين، فضلاً عن تأثّر بعض الشخصيات الكويتية ذات المواقع الهامّة بما في ذلك شيوخ من الأسرة الحاكمة بفكر جماعة "الإخوان" بعد أن تشرّبوه في المدارس والجامعات على أيدي رجال تعليم وافدين بالأساس من مصر.

الدعم القطري

 ليس خافياً على المتابع دعم قناة "الجزيرة" وغيرها من المنصات القطرية للشخصيات الإخوانية في الكويت واستضافتهم على شاشتها، واستضافة قطر ومؤسساتها البحثية والأكاديمية لهم في مؤتمراتها وفعالياتها وأنشطتها المختلفة في الدوحة، إلى جانب استضافة تركيا لكثير من الشخصيات والقيادات الإخوانية من الكويت وغيرها.

لطالما لجأ الإسلام السياسي في عموم المنطقة وخارجها إلى تنظيم "الإخوان" في الكويت؛ إذ إنّ هامش الحرية النسبية الموجود في هذا البلد الخليجي والوفرة المالية سمح لهم بحجز مكانة مؤثرة في المشهد السياسي والانتخابي  

بعد وفاة أمير الكويت صباح الأحمد في 2020، كان ذهاب منصب ولي العهد للشيخ مشعل الأحمد قد مثّل إشارة سلبية لـ"الإخوان المسلمين" في الكويت؛ بالنظر إلى أنّ الرجل قادم من خلفية أمنية، حيث سبق له أن تولى رئاسة جهاز أمن الدولة قبل أن يقضي الـ 16 سنة الأخيرة في منصب نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير. وكان السيناريو الأفضل بالنسبة إلى جماعة "الإخوان" ذهاب هذا المنصب بالغ الأهمية في منظومة الحكم الكويتية إلى الشيخ أحمد الفهد الذي جمعته دائماً علاقات وتنافس شديد مع العديد من الأعضاء البارزين في الأسرة الحاكمة، في ظلّ أحاديث عن علاقات قوية تربطه بدولة قطر؛ الداعمة الأبرز مع تركيا لعملية التمكين لجماعة الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي.

ليس خافياً على المتابع دعم قناة الجزيرة القطرية للشخصيات الإخوانية في الكويت واستضافتهم على شاشتها

حالياً، يشكل دعم نواب حركة "حدس" الإخوانية في الكويت لمطلب عدم التعاون مع رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح انقلاباً جذرياً في موقف الحركة الدستورية الإسلامية، التي تبنت على مدار الأشهر الماضية مواقف داعمة للشيخ صباح الخالد، وقد لعبت دوراً رئيسياً في إجهاض محاولات لسحب الثقة من وزراء.

قد تكون قطر، راهناً، أكثر حذراً في دعم وتمويل جماعات الإخوان في ليبيا واليمن والعراق وسوريا وغيرها، وهي لا تريد إغضاب مصر وعودة التوتر معها، إلا أنها لن تفرّط بهذه الورقة المهمة وستبقى تدعم وترعى وتستضيف قيادات إخوانية، وتراهن على استلامها أدواراً سياسية في بلدانها، بما يدعم، في المحصلة، سياسة قطر الإقليمية. ولا تزال القيادة التركية المتحالفة مع قطر تنظر إلى جماعة الإخوان على أنها قناة لتقوية نفوذها الإقليمي وتعزيز دعمها المحلي.

خصوصية البحرين

للبحرين بعض الخصوصية في التعاطي مع جماعة "الإخوان المسلمين". لقد سمحت خصوصية واقع مملكة البحرين (أقلية سنّية حاكمة في ظل أغلبية شيعية بعضها مؤيد لإيران التي لطالما هددت باحتلال البحرين وتعتبرها جزءاً من أراضيها) باحتضان جماعة "الإخوان المسلمين" في البحرين، وكانت هذه الأخيرة موالية للحكومة ضد الحركات الشيعية التي تطالب بالتغيير في البحرين وخاصة منذ أحداث "الربيع العربي". وبسبب اختلال التركيبة السكانية والطائفية كان الإخوان ممثلين في أجهزة الحكومة البحرينية وفي البرلمان، بل كان منهم وزراء أيضاً.

مواضيع ذات صلة:

تجربة الإمارات مع "الإخوان المسلمين".. معالمها وتحولاتها (1)

تجربة الإمارات مع "الإخوان المسلمين".. معالمها وتحولاتها (2)

تجربة الإمارات مع "الإخوان المسلمين".. معالمها وتحولاتها (3)

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية