الإخوان المسلمون في السعودية.. هكذا سعى البنا لاختراق الدولة الوليدة

الإخوان المسلمون

الإخوان المسلمون في السعودية.. هكذا سعى البنا لاختراق الدولة الوليدة


18/02/2019

كان مبدأ حسن البنا الذي وضعه أمام عينيه منذ اللحظة الأولى؛ هو أستاذية العالم، كان هدفاً بدأه بدعوته لتأسيس الفرد الإخواني، ثم الأسرة الإخوانية، ثم المجتمع الإخواني، معتقداً أنّ تلك التراتبية سوف تنتهي بسيطرته على مقاليد الأمور، عندما يتوغل من جنّدهم في مفاصل المجتمع، وهي صورة لم تكن حكراً على المجتمع في مصر، لكنها كانت دعوى عالمية سعى لنشرها في جميع الأمصار الأخرى، بإيفاد رسل إلى المجتمعات العربية من حوله بشكل خاص، أو تجنيد أبناء تلك المجتمعات عند وفودهم للدراسة في مصر، أو بالهجرة الإجبارية التي مرّ بها قادة "الإخوان"؛ عقب صدامهم مع نظام الحكم الناصري في مصر، أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، والتي نتج عنها فرار عبد البديع صقر إلى قطر، ومناع القطان إلى السعودية، وآخرين إلى دول عربية وأجنبية عديدة، ساعين لتأسيس أولى لبنات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان.

السعودية على رأس الدول التي سعوا للتوغل فيها لما تمثله من قيمة دينية كبيرة للمسلمين

التواجد الإخواني في السعودية

على رأس تلك الدول التي سعى "الإخوان" للتوغل فيها؛ كانت المملكة العربية السعودية؛ لما تمثله من قيمة دينية كبيرة في نفوس المسلمين، ولأن السيطرة على مقاليد الأمر فيها سيتبعها بالتالي السيطرة على جميع الأمصار العربية المسلمة.

كان مبدأ حسن البنا الذي وضعه أمام عينيه منذ اللحظة الأولى؛ هو أستاذية العالم وكانت السعودية على رأس أولوياته

ورغم محاولات البعض نفي وجود الإخوان في المملكة بشكل تنظيمي، إلا أنّ شواهد وكتابات عديدة أشارت إلى وجود إخواني في المملكة منذ عهد مؤسس الجماعة الأول، حسن البنا، الذي أورد في مذكراته، "الدعوة والداعية"، عن بدايات توجهه للتوغل بالمملكة؛ "فضيلة الشيخ حافظ وهبة، مستشار جلالة الملك ابن آل سعود، حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة المعارف إلى الحجاز، ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة، واتصل الشيخ حافظ وهبة بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين، فاتصل بي السيد محبّ الدين الخطيب، وحدثني في هذا الشأن، فوافقت مبدئياً، وجاءني بعد ذلك الخطاب التالي من الدكتور يحيى الدرديري، المراقب العام للجمعية، بتاريخ 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 1928: "هذا ونرجوكم التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل، وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة، الأستاذ حافظ وهبة، مستشار جلالة الملك ابن آل سعود، للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة للتدريس في المعهد السعودي بمكة"، وفي الموعد التقينا، وكان أهم شرط وضعته أمام الشيخ حافظ ألا أكون موظفاً يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، وشعارها العمل بكتاب الله وسنّة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح".

 

 

حلم تأسيس شعبة الإخوان في المملكة
ورغم تعثر مشروع سفر البنا للتدريس بالمملكة؛ لأسباب بيروقراطية، إلا أنّ حلم تأسيس شعب للإخوان بالمملكة ظل يراوده، حتى كانت زيارته الأولى للحج عام 1936. ويشير مؤرخ الإخوان، محمود عبد الحليم، في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، إلى أنّ "الأستاذ المرشد قد كاشفنا بأنّ فكرة الهجرة بالدعوة إلى بلد آخر من البلاد الإسلامية، يكون أقرب إلى الإسلام من مصر، قد سيطرت على تفكيره وملأت نفسه".

رغم تعثر مشروع سفر البنا للتدريس بالسعودية؛ لأسباب بيروقراطية، إلا أنّ حلم تأسيس شعب للإخوان بالمملكة ظلّ يراوده

ويصف الباحث السعودي، نايف محمد العساكر، في كتابه "موسوعة حركات الإسلام السياسي"، مدى الترحيب السعودي بزيارة حسن البنا في موسم الحج"، فقد نشرت جريدة "أم القرى"، كبرى الجرائد السعودية، مرحّبة بالإمام البنا وصحبه، تحت عنوان "على الرحب والسعة"، تقول: "وصل على الباخرة (كوثر) التي أقلت الفوج الأخير من الحجاج المصريين كثير من الشخصيات المصرية المحترمة، لم تسعفنا الظروف بالتعرف إليهم إلا بعد صدور العدد الماضي، وإنّا نذكر منهم؛ الأستاذ الكبير حسن أفندي البنا، المرشد العام لجمعية الإخوان المسلمين".
ومن ناحية أخرى؛ يضيف الباحث بأنّ نظام الملك فاروق "أعدّت العدة لقتل البنا في السعودية، على أن تنسب الجريمة إلى بعض اليمنيين، لكنّ الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت المرشد العام ضيفاً عليها، وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه".
الخيانة والغدر
ويضيف العساكر في كتابه "لكنّ هذا الرجل (البنا) استمطى الخيانة والغدر، فقد طلب من الملك عبد العزيز أن يفتح فرعاً لفرقته، لكن نظر المؤسس الثاقب منعه، فما كان منه إلا أن بدأ العمل سراً، وافتتح فرعين له في مكة خفية، وتبعه في هذه الخيانات أصحابه ممن استقدمتهم المملكة للعمل فيها والعيش دون التجنيد والعمل السياسي، ولكنهم فعلوا كما فعل مرشدهم".

اقرأ أيضاً: السعودية المستهدفة: بروباغندا غير مسبوقة
وأورد القصة أيضاً عبد الله بن بجاد العتيبي، في كتاب "الإخوان المسلمون في الخليج": "ولعله في هذا العام (1936)؛ كان اللقاء الشهير بين حسن البنا والملك عبد العزيز، والذي طلب فيه البنا إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز ذكياً وديبلوماسياً حين رفض الطلب قائلاً للبنا: "كلنا إخوان مسلمون"، وأورد تلك القصة بالتفاصيل نفسها الباحث حسام تمام، في كتابه "تحولات الإخوان المسلمين".
التقى البنا بالملك عبد العزيز في رحلته تلك إلى الحج

لقاء البنا بالملك عبد العزيز
التقى البنا بالملك عبد العزيز في رحلته تلك إلى الحج، وأورد تفاصيل اللقاء محمود عبد الحليم، في كتاب "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ": "اعتاد الملك عبد العزيز آل سعود أن يدعو كل عام كبار المسلمين الذين يفدون لأداء فريضة الحج إلى مؤتمر بمكة المكرمة تكريماً لهم، وليتدارسوا أحوال المسلمين في العالم، وطبعاً لم توجه إلينا دعوة باعتبارنا من عامة الحجاج، قال: علمت بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذي سينعقد فيه، فأعددت نفسي والإخوان المائة في هيئة موحدة؛ هي الجلباب الأبيض، والطاقية البيضاء ...، وفي الموعد المحدد فوجئ القوم المجتمعون بمئة رجل في هذه الهيئة يخطون خطوة واحدة، يتوسط الصف الأول منهم رجل هو المرشد العام، فكان هذا حدثاً مثيراً للالتفات"، ثم يضيف البنا: "فطلبت الكلمة واعتليت المنصة، وارتجلت كلمة كانت أطول كلمة ألقيت، وكانت الكلمة الوحيدة التي أيقظت الحاضرين وقوبلت بالإعجاب، واهتزت لها المشاعر، وما كدت أنهي كلمتي حتى أقبلت علي جميع الوفود تعانقني وتشدّ على يدي، وتعاهدني وتطلب التعرف إلي، وإلى مَن معي، وتفتح قلوبها للفكرة التي تضمنتها كلمتي".

اقرأ أيضاً: السعودية والإخوان المسلمون في اليمن.. محطات من المدّ والجزر
وأفاد البنا وجماعته من محاولات الإصلاح التي بدأتها المملكة العربية السعودية في مساعيها للنهضة بالدولة الوليدة، وانفتاحها على جميع حركات تجديد الخطاب الديني في المنطقة العربية، غير أنّ البنا كانت له مآرب أخرى من ذلك التوغل، الذي أصبح قائداً له بشكل أكبر تنظيماً، المصري مناع القطان، فيما بعد، إثر تركه للقاهرة وسفره إلى المملكة على خلفية الصدامات التي حدثت مع نظام حكم الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، وكان القطان أحد قيادات التنظيم في المنوفية بمصر قبل أن يهاجر إلى السعودية عام 1953، ووُصف في عدة مراجع بأنّه الأب الروحي وأهم قيادات الإخوان في المملكة، وأنه أول مصري من جماعة الإخوان قام عملياً بتجنيد مواطنين سعوديين في دعوة الإخوان.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية