"الإخوان" والمصالحة: اللعب مع الكبار!

"الإخوان" والمصالحة: اللعب مع الكبار!


13/01/2021

محمد صلاح

نقاط ومحاور ومعضلات كثيرة تلف قضية المصالحة بين مصر وقطر، تحتاج الى وقت للحكم على مصيرها، واذا كان ما جرى حتى الآن مجرد خطوة ستأتي بعدها خطوات اخرى، أم أن العجلة ستعود الى الوراء مجدداً.

لكن ما أثار الدهشة أن تنظيم "الإخوان" لم يتمالك نفسه وأراد أن يكون، وبسرعة، طرفاً في المصالحة. ولأن التنظيم وجد تفاعلات إيجابية محورها السعودية ومصر والإمارات والبحرين، فاعتقد أن الوقت حان ليلعب مع الكبار، على رغم أن أفعال التنظيم وجرائمه كانت أحد أسباب المقاطعة، فبدأ قادة ورموز التنظيم وبمنتهى الانتهازية السياسية، في طرح رؤى الجماعة، أو قل شروطها، كي يرضى "الإخوان" عن الحكم في مصر!

لا ينظر "الإخوان" الى أنفسهم، ولا الى الحوادث المفجعة التي جرت منذ أن ضرب الربيع العربي المنطقة، والخراب الذي تسبب في تلك الفوضى التي سادت، والانقسام الذي حدث، والفقر الذي استشرى، والقتل الذي تحول إلى مشهد عادي، وصعود جماعات وتنظيمات متأسلمة إلى واجهة الأحداث وسدة الحكم!

صحيح أن الآلة الإعلامية لـ"الإخوان" تخدع أعضاء الجماعة من البسطاء، وتؤكد لهم أن كل ما يعانيه التنظيم من شتات سينتهي بعدما تعود السلطة إلى "الإخوان" يوم الأحد، "من دون تحديد أي أحد يقصدون"، وصحيح أن القنوات الداعمة للجماعة تعزف منذ سنوات معزوفة مفادها أن النظام يترنح وأن الحكم يطلب الصلح مع الجماعة، وحقيقي أن بعض "الإخوان" تحت وطأة الإلحاح السياسي والإعلامي يأملون بأن يأتيهم ربيع آخر، وأن تدخل مصر وغيرها من الدول العربية مجدداً أتون فوضى أخرى وخراب آخر وقتل ودمار وحرائق ومناخ يسهل عودة "الإخوان" إلى السلطة ووضع التنظيم مجدداً في موضع القيادة، إلا أن حقائق الأمور والمؤشرات السائدة في مصر تشير إلى أن مسألة المصالحة بين الحكم و"الإخوان" غير واردة، ولن تحدث، ولا يجرؤ أي حاكم مصري على تحدي إرادة المصريين الذين سقط منهم مئات، بل قل آلاف الشهداء، جرّاء الإرهاب وعنف "الإخوان"، علاوة على أن رصد الخطاب السياسي للرئيس عبدالفتاح السيسي ومواقفه تُظهر أن الرجل، كغالبية المصريين بعد الربيع العربي، لا يفرق بين "داعش" و"الإخوان" ويضع كل التنظيمات المتأسلمة في سلة واحدة. وربما جاء موضوع المصالحة مع قطر ليضع الحكم أمام اختبار ليظهر إمكاناته في مواصلة المواجهة مع ذلك التنظيم الذي ينشط بكثافة خارج مصر بفعل الدعم الذي يلقاه التنظيم الدولي من دول وجهات، بينما يعاني تأثير ضربات وراء أخرى داخل مصر، ناهيك عن غضب جماهيري ورفض شعبي لكل ما يطلقه من دعوات أو تحريض!

دفع المصريون منذ الثورة على حكم "الإخوان" ثمناً باهظاً، لصمودهم وإصرارهم على بقاء الدولة في مواجهة أعاصير الربيع وعنف "الإخوان" وإرهاب "داعش" ومخططات غربية لتغيير خريطة المنطقة، لكنهم مع العام الجديد ينتظرون ثمار إصلاحات سياسية واقتصادية، ومع استعدادهم لمواصلة جهود التصدي للمؤامرات يدركون أن الإرهاب مدعوم خارجياً، وأن "الإخوان" يحظون برعاية قطرية - تركية، وأن الإقليم المحيط بمصر تضرر بفعل الارتماء في أحضان إيران وتركيا، ويعرفون أن مرور الوقت يصب في اتجاه ترسيخ الدولة وتثبيت أركانها، وفي الوقت نفسه علاج المجتمع من تسرطن "الإخوان" في مؤسساته، ويأملون بأن تشهد السنة 2021 نهاية لمعضلات وأزمات ومشكلات جمة بدأت مع الربيع العربي واستمرت بفعل "الإخوان" والإرهاب، وآن الأوان لأن يتجاوز المجتمع المصري مرحلة "الإخوان" من دون أن يتنازل عن التصدي لذلك التنظيم، بينما المتشدقون بالربيع العربي والممسكون ببقاياه والداعمون لتأثيراته المدمرة على حالهم يعيشون وهماً كبيراً وفشلاً ذريعاً وكوابيس عظيمة.

عموماً ومنذ خلع "الإخوان" عن حكم مصر، اعتاد المصريون أن يطل عليهم كل فترة مسلسل المصالحة مع الجماعة وكأن مصر لا تنام لأن "الإخوان" اختلفوا في وجهات النظر مع الشعب المصري حول أسلوب الحكم، فالشعب المصري انقلب على الجماعة بعدما أيقن أن "الإخوان" أفسدوا في الحكم وحرقوا وخربوا وروّعوا الناس وسعوا لإسقاط الدولة.

بعض مروجي مبادرات المصالحة مع "الإخوان" أو مطلقي بالونات الاختبار يستندون إلى تجربة الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا الذي تصالح، من دون أن يتنبهوا إلى أن الرجل أنهى الفصل العنصري وتصالح مع العنصريين بعد المعارضة والمحاسبة وأن العنصريين وقفوا أمام "لجنة الحقيقة" وأقروا بذنوبهم وأخطائهم وطلبوا السماح والصفح من الضحايا، وبعدها حددت اللجنة موقفها بالصفح والصلح والعفو المشروط أو الجزئي... وعلى ذلك فليعلنها "الإخوان" أولاً، ويحلوا تنظيمهم وليطلبوا الصفح بعد الإقرار بالأخطاء... وبعدها يكون القرار للشعب وعلى الأغلب برفض المصالحة أيضاً!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية