الإرهاب الدولي بين توحيد القوى وتناغم رؤى المواجهة

الإرهاب الدولي بين توحيد القوى وتناغم رؤى المواجهة


29/01/2019

منير أديب

لا أحد ينكر ظاهرة الإرهاب المعولم ووجود تنظيمات ذات امتدادات دولية وأخرى عابرة قارات، وهي الأكثر خطورة على الاستقرار والأمن والسلم الدوليين. مواجهة هذه التنظيمات تستلزم توحيد القوى الدولية ووجود رؤية مدروسة لا يغيب عنها توحيد المفاهيم الخاصة بتعريف الإرهاب كمثال، فضلاً عن تناغم رؤى المواجهة عموماً.

من أهم الإشكاليات التي تعترض مواجهة الإرهاب المعولم الذي يمثله «داعش» أو تقف جماعة «الإخوان المسلمين» على رأسه، غياب التعريف الواضح للإرهاب من قبل المجتمع الدولي. فرغم ممارسة «تنظيم» ما للعنف في دولة ما، إلا أن جارة الدولة ذاتها قد تدعم هذا «التنظيم» سراً أو علناً. وقد نجد دولاً كبرى تُقدم أشكالاً من الدعم للتنظيم ذاته، لتحقيق مصالح سياسية، ما يوقعنا في إشكالية أكبر ترتبط بتنامي ظاهرة الإرهاب في ظل عدم وجود تعريف جامع له. وفي هذا السياق نقع في خطأ تميزي كبير بين الجماعات العنيفة ذات الصبغة الراديكالية، فنخرج تنظيمات ذات تاريخ كبير في ممارسة العنف والإرهاب مثل «الإخوان المسلمين» مقابل غلق باب التطرف على تنظيم مثل «داعش». وهنا تطل المصلحة السياسية من الشرفة التي نحكم من خلالها، بينما يغيب تعريف جامع وموحد للإرهاب يمكن أن نحتكم إليه في وصف التنظيمات المتطرفة أو الأقل في ممارسة العنف من غيرها.

وإزاء التصور الخاطئ لمفهوم العنف والتطرف والخلط بين الجماعات الدعوية والإرهابية نقف أمام إشكالية أكثر خطورة ترتبط بغياب التنسيق بين الجهود الرامية لمواجهة الإرهاب والتطرف بين الدول التي تضع مواجهة هذه التنظيمات على كاهلها. هناك جهود تُبذل في هذا السياق ولكن لا يوجد توحيد لها، فيبقى تأثيرها هامشياً. هناك إشكالية أكثر خطورة ترتبط بمواجهة الإرهاب الدولي عابر القارات تتعلق بفكرة التسليح والدعم السياسي والأيديولوجي، فهناك دول كثيرة تتعدى حدود المعقول في المواجهة، فتقدم على دعم التنظيمات بصور غير مرئية كأن تشتري وتبيع لهذا التنظيمات، وهو ما حدث مع «داعش» التي كانت تبيع البترول لدولة ما بأسعار مخفضة، أو أن تُسهل دولة ما مرور مقاتلين عبر حدودها لهذا «التنظيم» أو ذاك، فضلاً عن صور من الدعم السياسي والإعلامي، وهو ما تقدمه اسطنبول والدوحة عبر عشرات المنصات الإعلامية والسياسية التي تدافع عن حركة «الإخوان المسلمين» وتمثل لها حاضنة وجود.

هذه الدول وغيرها تقدم في الوقت نفسه دعماً بصور أخرى من خلال تقديم السلاح عبر حدودها أو دعماً مالياً عبر الجمعيات الخيرية ودفع الفديات، وكلها صور الهدف منها دعم هذه التنظيمات المتطرفة، فلا يمكن أن نصف من يحمل السلاح بالإرهاب فقط، وإنما لمن يدربه أو يوفر له حماية أو يساعده على ممارسة إرهابه وإن كان عبر المال.

وهنا لا بد أن يكون توحيد القوى بين الدول التي تواجه تيارات الإرهاب والتطرف، من خلال القضاء على القدرات التنظيمية للإرهاب بحيث يكون غير قادر على تجنيد أتباع جدد فيُصاب بشلل، وهنا يمكن للدولة الوطنية أن تستعيد وتعزز استقلالها وكفاءتها. فكلما ساعدنا المؤسسات الوطنية على استعادة كفاءتها كلما واجهنا الإرهاب مواجهة واقعية تقضي على أسباب وجوده المرتبطة بالضعف وإثارة القلاقل في المناطق التي يعمل فيها.

يُعاني الإرهاب الدولي من انحسار حقيقي ولكن على مستوى «التنظيم» وليس على مستوى «الفكرة» وهو ما يؤدي إلى انتشاره وتوغله، ولذلك فإن الخطورة ليست في تصفية هذه التنظيمات أمنياً وعسكرياً أو تفكيك بنيتها التنظيمية وإنما في تفكيك بنيتها الفكرية، حتى لا تنجح في توليد الأفكار التي تؤدي في النهاية إلى ظهور أتباع جُدد من مقاتلين وخلافه.

قد نجد خطورة في التعامل الأمني والعسكري مع بعض التنظيمات المتطرفة التي لديها قدرة فائقة على التشكل والتعامل وفق إستراتيجية المواجهة تارة والانسحاب تارة أخرى، وهنا تبقى خطورة التفكك التنظيمي حيث ينشطر «التنظيم» وتتكون أكثر من ميلشيا مسلحة وتُصبح المواجهة الأمنية والعسكرية أكثر صعوبة، كما تبقى الفكرة التي يتوالد منها «التنظيم»، وتبقى الرحم المنتج لمقاتلين جُدد، وتبقى أهمية المواجهة في شكلها الفكري وفي بنائها المعرفي وليس التنظيمي.

عن "الحياة" اللندنية

الصفحة الرئيسية