الإرهاب والإعلام

الإرهاب والإعلام


21/11/2017

مختارات حفريات

الجدل، الذى أثير حول الحوار التلفزيوني مع "إرهابي الواحات"، قد يسهم في فتح نقاش حول قضية أهم، وهي ضرورة أنْ يكون لدينا استراتيجية إعلامية متكاملة، لمكافحة الإرهاب. بالتأكيد، هناك حاجة لمثل هذه الاستراتيجية، لأسباب كثيرة، أولها أنّ معركة الإرهاب هي بالأساس معركة لكسب العقول والقلوب، وليست معركة عسكرية أو أمنية فقط. فالإرهاب فكرة قبل أن يكون تنظيما وعمليات، ودحضُ هذه الفكرة يحتاج رؤية واستراتيجية إعلامية.
السبب الثاني، هو أنّ التنظيمات الإرهابية، تدرك أهمية الإعلام وتستخدمه على نطاق واسع للترويج لأفكارها، وإضافة شرعية لما تقوم به ونزع الشرعية عن خصومها، وعلى رأسهم الدولة، بالإضافة لتجنيد مجموعات جديدة من الأعضاء والمؤيدين.
ودراسات علمية عديدة أوضحت، أنّ التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش تقوم بتنفيذ استراتيجية إعلامية ضخمة ومعقدة، و في دراسة حديثة لمعهد "بروك نجز الأمريكي" تمت الإشارة، إلى أن تنظيم داعش أصدر في الفترة ما بين يناير 2014 و سبتمبر 2016، ما يقرب من 845 منتجا إعلاميا (سمعيا وبصرىا)، أي بمعدل: أكثر من منتج واحد يوميا، وأن داعش لها 29 جهة إنتاج إعلامي، خاصة بها، بعضها ينتج رسائل للعالم كله، وبعضها موجه لجمهور في بلدان معينة، مثل مصر وليبيا واليمن... إلخ. وأن داعش تتحكم فيما يقرب من 46 ألف حساب على تويتر، تستخدمها لإلصاق وتداول هذه الرسائل، وأنّ هذه الرسائل تتم صياغتها بشكل يجذب ويستهوى الشباب بالدرجة الأولى.
السبب الثالث، هو أنّ العديد من دول العالم قد تبنتْ استراتيجية إعلامية لمكافحة الإرهاب، وأسهم ذلك في التعامل الأفضل مع الظاهرة الإرهابية، ومنها الولايات المتحدة وإسبانيا وإيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة والهند وغيرها من الدول، التي تقدم لنا تجارب يمكن الاستفادة منها.
من الأسس التي تقوم عليها مثل هذه الاستراتيجيات متعلق بضرورة وجود قواعد متفق عليها بين الإعلاميين لتغطية الأحداث الإرهابية، قد تأخذ شكل إرشادات، أو ما يسمى ميثاق شرف، والهدف من ذلك ليس تكميم الأفواه أو الحد من حرية التعبير، على الرغم من أنّ الجماعات الإرهابية هي الأكثر معاداة للإعلام الحر، ولكنّ الهدف هو الحد من استخدام الإعلام كأداة للترويج للإرهاب، سواء لضعف الخبرة المهنية أو لاعتبارات تجارية، والعديد من المحطات التليفزيونية العالمية ووسائل الإعلام الأخرى لديها قواعد أو ميثاق ينظم هذا الأمر.
من الضروري، أيضاً، أنْ تكون هناك آلية أو جهة ما تقوم ببلورة الرسائل الإعلامية المضادة للإرهاب، وألا يُترك هذا الأمر للهواة، أو الاجتهاد الشخصي فقط، أو يكون خاضعاً لاعتبارات موسمية ترتبط بالأحداث الإرهابية الكبرى، بل لا بد أنْ يكون عملاً مستمراً ومتواصلاً، وقد شاهدنا، كيف تقوم داعش بإصدار منتج إعلامي واحد على الأقل يوميا، وهناك العديد من التجارب الدولية التي يمكن الاستفادة منها في هذا الصدد.
من المهم، أيضا، تدريب الإعلاميين، وخاصة الشباب منهم، على كيفية تغطية الأحداث الإرهابية، وأنْ تهتمّ المعاهد الإعلامية بهذا الأمر، وبمسألة إعلام الأزمات بشكل أكبر.
هناك بالتأكيد، العديد من العناصر الأخرى التي يمكن أنْ تكون جزءا من استراتيجية إعلامية لمكافحة الإرهاب، والفكرة الرئيسية هي ألا يتحول الأعلام الى أداة في يد الإرهابيين، ولكن يصبح إحدى أدوات هزيمة الإرهاب، وتجارب دولية عديدة توضح أن الإعلام يمكن أن يكون «حرا وفى نفس الوقت مسؤولا» في التعامل مع الإرهاب، ولكن الأمر يحتاج لرؤية واستراتيجية، لا تستهدف فقط منع استغلال الإرهابيين للإعلام، ولكن كسب عقول وقلوب المواطنين في هذه المعركة المصيرية.

محمد كمال - عن "المصري اليوم"

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية