الإرهاب يعطل مبادرات المصالحة والمسار السلمي في ليبيا

ليبيا

الإرهاب يعطل مبادرات المصالحة والمسار السلمي في ليبيا


25/01/2018

يعد مسجد "بيعة الرضوان"، من المساجد الكبيرة في بنغازي، يقع بالقرب من مقرّ مصلحة الجوازات، في منطقة السليماني. وينظر إلى هذا المسجد باعتباره مركزاً للجماعات السلفية التي قاتلت إلى جانب قوات الجيش، في مواجهة الجماعات الإرهابية، طوال الأعوام الماضية.

يد الإرهاب ضربت هذا المسجد، أول من أمس، فسقط "34 شهيداً و87 جريحاً" بعدما استهدفت سيارة مفخخة محيط المسجد أثناء خروج المصلين منه. ثم انفجرت سيارة ثانية، بعد نصف ساعة، في المنطقة ذاتها، ما أسفر عن قتلى في صفوف قوات الأمن والمدنيين.

المتحدثة باسم مستشفى الجلاء في بنغازي فاديا البرغثي أعلنت أنّ المستشفى تسلّمت 25 جثة واستقبلت 51 جريحاً

ضحايا بيعة الدم

المتحدثة باسم مستشفى الجلاء في بنغازي، فاديا البرغثي، أعلنت أنّ المستشفى تسلّمت 25 جثة، واستقبلت 51 جريحاً، بعد الاعتداء، ونقلت تسع جثث أخرى، و36 جريحاً، إلى مركز بنغازي الطبي.

وأعلنت الغرفة الأمنية الكبرى، أنّ حصيلة ضحايا التفجيرين في المدينة الساحلية، بلغت تقديراتهما، فور وقوع الحادث، بنحو 26 قتيلاً، و101 جريحاً، وهي حصيلة أولية من المتوقَّع ارتفاعها.

ومن بين القتلى؛ أحمد الفيتوري، من وحدة التحقيقات والاعتقالات، التابعة للقيادة العامة لقوات أمن شرق ليبيا، ومن بين الجرحى المهدي الفلاح، نائب رئيس جهاز المخابرات.

بلغ عدد الضحايا جراء الهجمات الإرهابية في ليبيا، نحو 376 ضحية، في 2016، و454 قتيلاً، خلال 2015

مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، انطلقت منها ثورة 17 شباط (فبراير)، وشهدت سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وبقيت على مدار ثلاثة أعوام، منذ 2014 وحتى نهاية عام 2017، قاعدة لمختلف التشكيلات المسلحة، ومسرحاً للاقتتال بين مختلف الانتماءات والميلشيات، التي تتحرك وفق الولاءات القبلية، أو المنضوية داخل الجماعات الدينية ذات الفكر السلفي الجهادي؛ كأنصار الشريعة، والتيارات الإسلامية الأخرى، بمختلف تنوعاتها، ممّن لها ميول إخوانية وقريبة منها، مثل درع ليبيا.

الحصاد المرّ للربيع الجهادي

يكشف تقرير معهد "الاقتصاديات والسلام" الأسترالي، حول مؤشر الإرهاب العالمي، الذي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، أنّ عدد الضحايا جراء الهجمات الإرهابية في ليبيا، بلغ نحو 376 ضحية عام 2016، و454 قتيلاً عام 2015.

وتعدّ جماعة "أنصار الشريعة" من أبرز التشكيلات المسلحة، الموجودة في شرق ليبيا، وفي مدينة بنغازي؛ فهي من أكبر الكتائب الإسلامية التي أعلنت عن نفسها، في شباط (فبراير) 2012، كما تعدّ أحد روافد تنظيم القاعدة في ليبيا.

تورّطت الجماعة في أعمال عنف وتفجيرات متعددة ضدّ الجيش الليبي، وعناصر من السلطة، خاصة، بعد قرار الحكومة إخراج التنظيمات المسلحة من المدن، القرار الذي عدّته تلك التنظيمات استئصالاً لوجودها، وتقليصاً لفرص هيمنتها واستحواذها على السلطة، وانكماشاً لمساحة تمددها ونفوذها الجغرافي، ما أدّى إلى رفع حدّة التوتر بين الجانبين.

وكان الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، في أيلول (سبتمبر) 2013، الذي أدّى إلى مقتل السفير الأمريكي، كريس ستيفنز، وثلاثة أمريكيين آخرين، أبرز العمليات التي نفذتها وتبنّتها، انتقاماً منها لمقتل أحد قادتها، أبو يحيى الليبي، فيما ترتّب عن ذلك تصنيفها كأحد المنظمات الإرهابية.

تعدّ جماعة أنصار الشريعة من أبرز التشكيلات المسلحة الموجودة في شرق ليبيا وفي مدينة بنغازي

بنغازي رحم الثورة ومعقل الميلشيات المسلحة

تشهد مدينة بنغازي، التي توطّن فيها الإرهاب، وأنهكتها العمليات المسلحة، والتفجيرات الإرهابية، حالة من المدّ والجزر، في الصراع الدائر بين المجموعات المسلحة من جهة، وقوات الجيش الليبي من جهة أخرى، خاصة بعد أن حققت الأخيرة تقدماً في معاركها ضدّ الإسلاميين، في نهاية العام الماضي، وطردتهم من المدينة.

بيْد أنّ الصراع تحوّل إلى استهداف عناصر من القوات الموالية، لخليفة حفتر، في شرق ليبيا، عبر الخلايا النائمة والذئاب المنفردة، ذلك عبر إعلان الجيش تحرير المدينة من الجماعات الإرهابية، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي؛ حيث لم تتوقف التفجيرات والاستهدافات المتكررة، حتى لو خفتت حدّتها، إلّا أنّ الحادث الأخير سجّل أعلى معدل من حيث عدد الضحايا.

المصالح القبلية ونزعاتها الانتقامية التي تتنافى مع مبادرات المصالحة والتسوية السياسية سوف تعمل على انبعاث التنظيمات المسلحة

وقد شهدت المدينة اغتيال عدد من الشخصيات التي لها تأثير ونفوذ محلي، بالطريقة نفسها، السيارات المفخخة، مثل عملية اغتيال الشيخ "أبريك اللواطي"، عمدة أكبر قبائل شرق ليبيا، في أيار (مايو) 2017، فضلاً عن محاولات باءت جميعها بالفشل، ولم تنتج عنها أية خسائر، حيث استهدف وزير الداخلية الأسبق، عاشور شوايل، والنقيب محمود الورفلي، القيادي العسكري، والعقيد صلاح هويدي، مدير أمن بنغازي.

متى ينحسر الإرهاب؟

إنّ حالة الانقسام السياسي الموجودة في منطقة الهلال النفطي، وغياب المصالحة الوطنية، وإيجاد تسوية شاملة للأوضاع، في مختلف مؤسسات الدولة، ستكون الركيزة الأساسية لمواجهة الإرهاب، وتجفيف منابعه التي تستلهم حالة الضعف في السلطة المركزية، لاستعادة وجودها وتمركزاتها، بصفة مستمرة. ذلك الأمر الذي عبّر عنه، رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، في إدانته للحادث؛ حيث دعا "الليبيين إلى وحدة الصف، ولمّ الشمل، والتفاهم والتصالح، من أجل إنقاذ بلادهم، ليبيا، من هذا العبث والفوضى والإجرام والإرهاب، الذي طال الجميع ولم يستثنِ أحداً منهم، في كلّ أنحاء البلاد، ودعم الجيش الوطني الليبي، والشرطة، والأجهزة الأمنية، والاستخباراتية، لتقوم بدورها في محاربة الإرهاب والفوضى، ولتستقر الأوضاع، وتترسّخ دولة المؤسسات والقانون".

ويرى الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية، صلاح خليل، في تصريح، لـ"حفريات" أنّ "الانتماء القبلي في ليبيا، كرّس نمط الطائفية، بالتالي، تآكل مشروع الدولة الوطنية، ورافقه فراغ سياسي، منذ الإطاحة بالنظام السابق، ما عزّز تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية، واتّساع المناطق الخاضعة لسيطرتها، الذي شكّل تهديداً مباشراً، ليس فقط للقوى المتصارعة، إنّما لكيان الدولة ككل، حيث تعيش المدن الليبية في خضمّ صراع، بين عدد من الميلشيات المسلحة والجماعات الإسلامية المتشددة، وفق الولاءات القبلية والجهوية".

 رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح دعا الليبيين إلى وحدة الصف ولمّ الشمل والتفاهم والتصالح من أجل إنقاذ بلادهم

إستراتيجية القتال من جبهات متعددة

وأضاف خليل: "في ظلّ تمكّن تنظيم داعش الإرهابي، الذي جعل من غرب ليبيا مركزاً آمناً لبناء قدراته القتالية، معتمداً إستراتيجية القتال من جبهات متعددة، ضدّ الجيش الوطني الليبي، فقد تمكّن من التحالف مع بعض الميلشيات في مصراته، والجماعات السلفية الجهادية، ضدّ قوات المشير حفتر، ونتيجة هذه التحالفات، أصبحت الجماعات الإسلامية، المرتبطة بالقاعدة، تعمل من خلال حركة إسلامية ثورية، تعتمد على الشرعية الكبيرة، التي تتمتع بها فى المناطق المسيطر عليها".

وأردف خليل: "سعى تنظيم داعش، في شرق ليبيا، إلى استهداف القبائل الموالية لنظام القذافي، ومنذ تداخل أدوار الفاعلين في الأزمة، زادت محدّدات الصراع، وأصبحت بيئة خصبة لتيارات الإسلام السياسي؛ كالقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، التي عمّقت أزمة تعطيل مسار عملية المصالحة الوطنية، وصعوبات تزداد بسبب غياب أجندة واحدة لفرقاء السلطة في ليبيا".

وأوضح أنّ المصالح القبلية ونزعاتها الانتقامية، التي تتنافى مع مبادرات المصالحة والتسوية السياسية، سوف تعمل على انبعاث التنظيمات المسلحة، وتسهيل عملية اختراقها، من خلال الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتوظيفهم في إضعاف الدولة، وهو ما سوف تدعمه رغبة الأطراف المتصارعة، وقدرتها على تعطيل المسار السلمي، لحل الأزمة الليبية.

الصفحة الرئيسية