الإسلام الجميل.. هل ندرك فلسفة الفرح في العيد؟

الإسلام الجميل.. هل ندرك فلسفة الفرح في العيد؟

الإسلام الجميل.. هل ندرك فلسفة الفرح في العيد؟


12/05/2021

بالرغم من أنّ العيدين في الإسلام يرتبطان بشعيريتين من أهم شعائره التي لها علاقة عضوية بالزمن؛ الصيام والحج، إلا أنّ الطابع الاحتفالي لهما، يعكس قوة للفرح تخترق الجميع تقريباً.

أفراح العيد؛ في توقيتها وهويتها الدنيوية الظاهرة، تكاد تنسي الناس فكرة الشعيرة الأولى ودلالتها التي ترتبط عضوياً بأفعال الصوم والحج؛ فبعد أداء صلاة العيد (وهي بذاتها صلاة تؤديها غالبية فئات المجتمع)، لا تعكس الحياة الطبيعية والعادية للمسلمين ما يتصل بألوان العبادة الطقوسية؛ كأنما العيد هو قصد دنيوي للفرح واللهو والنسيان، وهو بطبيعة الحال كذلك!

يعود العيد ليذكرنا بصناعة الفرح الإنساني وهو غاية نبيلة وطاقة يمكنها استقطاب تنافر العلاقات الإنسانية مهما تعقّدت

قوة الفرح في العيد (تلك القوة المتناسخة عبر التاريخ والذاكرة والأجيال)، تدل، بلا شك، على لحظة تأسيسية قديمة وهائلة؛ لحظة ولادة ذلك اليوم في مشاعر المسلمين الأوائل وأصداؤها التي تناسخت بصدق عبر الأزمنة بما يشبه أفعال الذاكرة الثقافية، بحسب عالم المصريات الألماني، يان اسمان، حيث الثقافة الارتجاعية تعيد باستمرار في كل جيل طاقة الفرح وبهجته بقوة لا مرئية لكنها محسوسة في المشاعر والأجواء والاستعداد الدائم للنسيان.

يعود العيد، في كل عام مرتين ليذكرنا بصناعة الفرح، رغم كل شيء؛ فالفرح الإنساني غاية نبيلة وطاقة يمكنها في لحظة الأعياد؛ استقطاب تنافر العلاقات الإنسانية مهما تعقّدت، وفقط بقوة المناسبة وضغط الذاكرة المتجددة لذلك الفرح (العيد) منذ لحظته التأسيسية الأولى.

اقرأ أيضاً: النشيد الإسلامي.. هل يحاول الإسلاميون كتم الفرح؟

ويبدو أنّ اللحظة التأسيسية لأعياد المسلمين الأولى كانت تعكس تماهياً خلاقاً بين الإحساس بالفرح العام، وبين معنى الحياة الإنسانية التي ضاهت في قوتها فرح الأعياد في تلك الأزمنة الأولى، بعكس ما نراه اليوم من انفكاك حالة المجتمع المزرية عن لحظات الفرح في العيد، كما يعيش المسلمون في هذه الأزمنة.

لقد صنع المسلمون الأوائل فرح الأعياد في سياق قصدية واضحة لتعميم البهجة وإشاعة السرور بما يتضمن السلام والاستقرار بالضرورة. وتلك القصدية التي نرى مصاديقها اليوم في الطاقة التي لا تني تجدد مشاعرنا عبر الأعياد وتجعلنا أكثر استعداداً للسرور والنسيان، هي من أشكال صناعة الوعي في حركة الزمن وصناعة الفرح المقصود خلالها؛ فالعيد في الإسلام، ليس ذكرى لمولد النبي، عليه السلام، مثلاً (مع أن هذا الأخير عيد لا يضاهي قوة العيدين) كما هو في المسيحية، لكنه إدراك بقيمة الفرح في الحياة وضرورته كذلك.

يهدر المسلمون مواسم الأفراح التي تهل عليهم مرتين في العام دون أن يجعلوا منها مناسبات جماعية للسلام والأمن والتفاؤل

لذا، في العيد لابد أن نفرح وأن ننسى في الوقت ذاته، عمليتا الفرح والنسيان هما معنى العيد وقوته، فبهما تكتمل صناعة المسّرات في ذلك الموسم.

ربما، بدت أعياد المسلمين في هذه الأزمنة العربية الدامية فائضاً للفرح لا داعي له، لكن، على النقيض من ذلك تماماً، حين ندرك فلسفة الفرح التي سنها الإسلام في العيد، سنعرف تماماً أنّ هناك وقتاً للنسيان موازياً للأفراح في العيد؛ ففي العيد يمسي الفرح في علاقة جدلية مع النسيان؛ حيث يترسم المسلمون الأفراح طريقاً قاصداً يفرح فيه المسلم؛ فيمنح مشاعره فرصة أكبر لرؤية الوجود ومشكلاته من زاوية أكثر تفاؤلاً وأقل عدائية.

اقرأ أيضاً: رأس الحسين.. بين أفراح الصوفية وسخط السلفية

يهدر المسلمون مواسم الأفراح التي تهل عليهم مرتين في السنة دون أن يجعلوا منها مناسبات جماعية للسلام والأمن والتفاؤل.

ولأن التخلف هو اليوم هوية المسلمين الأولى، تنعكس دلالات الأعياد في حياتهم بنقيضها لتصبح مواسم للأحزان، يستذكر فيها البعض موتاهم، فيما يستنكف آخرون عن الفرح المختلس في الأيام المعدودات، احتجاجاً على واقعهم البائس وما يفيض فيه من حروب ودماء!

صنع المسلمون الأوائل فرح الأعياد في سياق قصدية واضحة لتعميم البهجة وإشاعة السرور بما يتضمن السلام والاستقرار بالضرورة

إنّ فرح الأعياد هو قوة المسلمين المتجددة، وتأويل كهذا أحوج ما يكون المسلمون إليه في هذه الأزمنة التي التبست فيها صورتهم الذهنية لدى الآخر وحلت محلها تصورات مشوشة.

لنفرح بالعيد لأنه يوم فرح، ولنجعل من جلب الفرح للناس في هذا اليوم نشاطاً ممكناً رغم العقبات التي قد تبدو للناس فيما بينهم أحياناً لتعطيل الإحساس بالفرح. لقد أراد الله، سبحانه وتعالى، للمسلمين أن يكون العيد عنواناً للأفراح كي يفرحوا ويستعيدوا اللحظات الجميلة، والأيام السعيدة، والساعات المبهجة؛ لأن في محاولة لاستعادة تلك المسرات إمكانية لتجديدها ولنسيان المنغصات وأسباب الفرقة والشحناء والتباغض التي تعطل الفرح.

إن الإحساس الديني الكامل بفرح الأعياد ــ كما في لحظتها التأسيسية ــ (وهو ما نعرف شكله الآن ولا ندرك جوهره) ربما تطلب تمثلاً موازياً لمسار حياة قادرة على الإحساس بفرح الأعياد عبر شفافية دينية واضحة لذلك المسار ومحققة لمعنى الفرح، تماما كما الأعياد الدنيوية التي تملك مفهوماً طبيعياً في نفوس المحتفلين بها بطريقة تخلو من الطقوس لتصبح ضرباً من المسرات الدنيوية الخالصة! لذا تأتي الأعياد، دينية كانت أم دنيوية، لتمنحنا طاقة مباركة على تجاوز الأوجاع إلى المسرّات بقوة الفرح.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية