الإسلام السياسي الشيعي.. لماذا فشل؟

الإسلام السياسي الشيعي.. لماذا فشل؟


02/12/2019

الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في العراق، وبدرجة أقل في لبنان، تُعيد كتابة السردية الشيعية من جديد. فالطبقة السياسية التي تحكم في العراق، ويغلب على معظم أركانها الشيعة، تغلغلت منذ العام 2003 في مفاصل السلطة، بالتحالف مع إيران، تحت ظروف وأسباب عديدة، كان شعار "نُصرة المستضعفين"، وعودة الحق لأصحابه حاضراً بقوة في تضاعيفها. لكن حين تحكم لأكثر من ستة عشر عاماً في بلد كبير كالعراق، تنتفي رواية المظلومية، وكذلك هو الحال لدى قادة الثنائية الشيعية في لبنان، على الأقل في العقدين الأخيرين.


ما تقوله الاحتجاجات في العراق هو أنّ "المستضعفين" استضعفتهم، في الحقيقة الماثلة، الميليشيات الشيعية والطبقة السياسية المتحالفة مع إيران. فمن أفقرَ الشباب الشيعة، ورفعَ نسب البطالة في صفوفهم، وأفقدهم الأمل والأفق هم أبناء طائفتهم، الحاكمون الجدد للعراق الجديد، ودولة حزب الله في لبنان، ولذا خرج شيعة الضاحية الجنوبية منضمين إلى حراك تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وما شعارات "شيعة شيعة شيعة" من أتباع نبيه بري وحسن نصر الله في الأيام الأخيرة الماضية سوى حركة التفافية لذر الرماد في العيون، ومحاولة إجهاض ما اكتشفه "المستضعفون"، والسعي لإعادتهم ثانية إلى "العصبية الطائفية"، وشحذ عرائزهم الأولية في مواجهة خطر خطاب "المواطنة المتساوية"، التي بات يلهج به اللبناني الجديد.

لم يعُد الإسلام السياسي الشيعي الناطق الحصري بلسان الشيعة، فالمحتجون الشيعة أعلنوا أنّ أعداءهم هم الفساد والاستبداد والمتاجرون بالقضية الشيعية

في تونس والسودان والجزائر ومصر والأردن وغزة وأفغانستان وغيرها... انخرط الإسلام السياسي السُّني في الحكم والسلطة على مدى عقود مضت، لكنه لم يقدّم نماذج مميزة في الإدارة والتنمية ومحاربة الفساد وتحسين مستوى العيش والحريات. فشلهم انضم إلى فشل الحكومات العربية السلطوية المختلفة التي أخفقت منذ مرحلة ما بعد الاستقلال في إنتاج دولة وطنية حرة ومزدهرة ومتقدمة.
في سياق يتشابه، المحتجون الشيعة في العراق ولبنان يعلنون عدم ثقتهم بالإسلام السياسي الشيعي، الذي لم يُحسّن ظروفهم المعيشية، ولم يمنحهم حياةً أفضل، وعدالة اجتماعية، وكرامة أكثر، وأوطاناً تتسع لأحلامهم وطموحاتهم.

اقرأ أيضاً: سوداوية الإسلام السياسي
وخلال عقدين من الترقب والاختبار والمعايشة، أصبح واضحاً أنّ الإسلام السياسي الشيعي يشترك في صفات أبرزها الاستماتة في احتكار سلطةٍ سياسية وأدواتِ حكمٍ لا تلتفت إلى صوت القاعدة الشعبية الشيعية، بل تناور وتلتف عليها، وتستمر في نهج استخدام هذه القاعدة لخدمة مشروع سلطوي عنيد متحالف مع الفساد والزبونية والسلاح.


الإسلام السياسي الشيعي العراقي، الذي حكم عراق ما بعد صدام حسين، والذي لطالما تغطى برداء المرجعية الشيعية العليا، وجد نفسه في العراء بإعلان المرجعية الشيعية في النجف انحيازها للمحتجين والمتظاهرين، ونزعها الغطاء عن الطبقة السياسية الحاكمة، التي تماطل وتحاول كسب الوقت للالتفاف على مطالب المحتجين وتفكيك حراكهم، وهو ما أدانه السيد علي السيستاني، وفي هذا، بالمناسبة، صراع صامت بين مرجعية النجف وولاية الفقيه في إيران.
لم يعُد الإسلام السياسي الشيعي الناطق الحصري بلسان الشيعة. لم يعُدْ يحتكر صوتهم وإرادتهم. المواطنون الشيعة في العراق ولبنان أعلنوا بوضوح وتحدٍّ عن أنفسهم بأنفسهم: "نريد وطناً يتسع لجميع أبنائه". لقد أعلنوا أيضاً: ليس السنّة أو الدروز أو المسيحيون... أعداءنا، بل الفساد والاستبداد والمتاجرون بالقضية الشيعية. إحدى اللافتات الاحتجاجية قالتْ: "يتبغدد علينا.. وهو من إيران".

اقرأ أيضاً: شيعة لبنان بين مرجعيتين
القضية الشيعية في سياقاتها ودينامياتها المستجدة على صلة وثيقة بتصاعد الوطنية العراقية والوطنية اللبنانية، في إطارها الجامع، خلال الأشهر الأخيرة. وكما لم ينجح الإسلام السياسي السني في تقديم نسخة وطنية أفضل في تجربة انخراطه، الواسع أو المحدود، في الحكم والسلطة في المنطقة العربية على مدى العقود الماضية، لم يُوفّق الإسلام السياسي الشيعي في إيران والعراق، على حدّ سواء، في تقديم تجارب ناضجة وخبرات فعّالة لحلّ أزمات الهوية وبناء الدولة الوطنية وخلق نماذج تنموية ذات جاذبية، أو قابلة للتعميم في ربوع المنطقة؛ في الحوكمة أو الرشادة الاقتصادية والاجتماعية أو أسلوب العيش أو الإنتاجية واحترام الإنسان.


مأزق الإسلام السياسي الشيعي في الحكم في إيران والعراق، وكذلك في لبنان إلى حدّ ما، هو افتتانه بنموذج النظام القوي والشعب الضعيف. مأزقه هو التعويل على الأيديولوجيا والتعبئة بدلاً من الحوكمة والعدل. كان يظنّ أن شدّ العصب المذهبي والطائفي، وتوَهّم "العدو" الداخلي والخارجي كفيلان برصّ صفوف المواطنين الشيعة تحت أي ظرف كان.


إنّ الأيديولوجيا الكامنة في الإسلام السياسي الشيعي والسني لم تتمكن، في برامجها وسياساتها ومواقفها الحقيقية، من بلورة فكرة تلبية مصالح الناس كأولوية قصوى في ذاتها ولذاتها، وليس كمطيّة للوصول إلى السلطة أو الإمساك بها.
لقد قيل سابقاً إنّ عراق صدام حسين كان يُظنّ أنّه متماسك ضد الطائفية، فتبيّن بعد زوال بطش صدام بالغزو الأمريكي أنّ عراق صدام حسين كان ممسوكاً بالقوة القاهرة والعنف والترويع، وليس متماسكاً، وقد كانت الحرب الطائفية التي اندلعت في العراق بعد انهيار نظام صدام دليلاً على ذلك.

الأيديولوجيا الكامنة في الإسلام السياسي الشيعي والسنّي لم تتمكن ببرامجها من بلورة فكرة تلبية مصالح الناس كأولوية وليس للوصول للسلطة

الاحتجاجات في العراق ولبنان قالت، إلى حدّ كبير، إنّ المواطن الشيعي لا يريد أن يكسب مذهبه ويخسر وطنه. احتجاجه يقول إنّ الوطن أوسع من المذهب والطائفة. احتجاجه يعلن أنّ الوطن المعافى سيعني بكل تأكيد طوائف ومذاهب وعشائر وقوميات معافاة، وحسب كلام المحلل العراقي، غسان العطية، فإنّ وضع الشيعة اليوم هو الأسوأ منذ خمسين عاماً.
وحتى نكون واقعيين وعمليين وغير حالمين، فإنّ الفرصة مهيأة اليوم للإصلاح والتصحيح في العراق وغيره. المناطقية أفضل من الطائفية، والطموح دولة مدنية لا حكومة ميليشيات أو محاصصة، وترميم الثقة تكون بتصدّر مسؤولين ذوي كفاءة وصدقية ونزاهة. محاسبة المتورطين بقتل العراقيين مهمٌ. ضغط الشارع وضغط المرجعية مهمّان في فرض واقع جديد وسياسات جديدة. والمؤكد أنّ الشعب العراقي المحتجّ لا يرغب اليوم في أن يكون من يقوم بهذه المهمّات منضوياً تحت لافتة الإسلام السياسي الشيعي، بالشكل الذي اختبره العراقيون منذ 2003.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية