الإلحاد في العالم العربي: نقد التدين أم هدم الدين؟

تحقيقات

الإلحاد في العالم العربي: نقد التدين أم هدم الدين؟


08/04/2018

تحقيقات 

"يرفضنني بسبب مظهري، ولأسلوب تعاملي مع ابنتي. هذا الرفض ليس مقتصراً على الأمهات المسلمات فقط؛ بل والمسيحيات كذلك". هذه الكلمات قالتها السيدة سعاد (اسم مستعار)، تعليقاً على تصرفات الأمهات الأخريات معها أثناء تواجدها معهنّ في مدرسة ابنتها الصغيرة، ظناً منهنّ أنّها ملحدة.

حدث مثل هذا، تمر به سعاد وغيرها ربما، ليس إلا مجرد تفصيلٍ بسيط، يترافق مع تجربة ما يعرف بالإلحاد، وهو في عالمنا العربي بالتحديد، يتمتع بسيرةٍ تاريخيةٍ غير واضحة، ولم يسلم المفهوم من التكرار على ألسنة رجال الدين، إضافةً إلى أنّه يشكل تهمةً دينية وسياسيةً أو اجتماعية في بعض الأحيان.

وربما ينبع الاتهام بالإلحاد من الجهل أيضاً، وارتباطه في أذهان البعض بالكفر والتجديف ضد الدين.

زندقة الماضي وإلحاد الحاضر

للإلحاد تاريخ طويل، ضبابي، يتضح أكثر في ظل الديانات السماوية، وهو ما تشير إليه دراسة علمية معمقة، نشرتها جامعة كامبريدج عام 2016 "argue about atheism"، وتتلخص في أنّ "الإلحاد وجد في العالم القديم، قبل الديانات السماوية، حيث كان يتمحور حول إذا ما كان الإيمان بالآلهة غريزةً طبيعية لدى الإنسان أم لا". غير أنّ تاريخ الإلحاد لم يحفظ، بعد محو المسيحية لما قبلها من إلحاد.

أما في العالم الإسلامي، وانطلاقاً من لغة القرآن الكريم؛ العربية، فإنّ لفظة ملحد تعني في أحد معانيها، وفق معجم "لسان العرب" لابن منظور "الميل عن القصد".

وسواء كان هذا القصد هو الإيمان المطلق بالله أم لا، فإنّ المفكر المصري عبدالرحمن بدوي، يذهب في كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام"، إلى بدايات الإلحاد من خلال "الزندقة" التي تعني في معجم ابن منظور ذاته: "من لا يؤمن بالآخرة ووحدانية الخالق"، ويقول بدوي إنّها لفظة غامضة كانت تطلق على "الدهريين"، ثم تطور بها الحال حتى التبس معناها وصارت تطلق على "كل من يخالف السنّة".

أماكن تواجد الملحدين الصريحين كما يوضحها معهد "win-gallup"

أما اليوم، فلفظة الإلحاد هي المستخدمة، في عالمٍ عربي يضم "مليونين ومئتي ألف ملحد" في الشرق الأوسط، وفق تقرير نشره معهد "pew" للأبحاث عام 2015. أضافةً إلى دراسة لمعهد "win-gallup" التي سبق ونشرت عام 2014؛ حيث أفضت إلى وجود 866 ملحداً صريحاً في مصر، 325 في المغرب، 320 في تونس، 242 في العراق، 170 في الأردن، 56 في سوريا، 34 في ليبيا، و32 في اليمن.

هذه الأرقام غير دقيقة أو نهائية، خصوصاً إذا تم إلقاء نظرةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي التي تضم صفحات ومجموعاتٍ مغلقة على موقعيْ فيسبوك وتويتر، منها ما هو فاعل، ومنها ما هو غير فاعل، منها "جمهورية الملحدين"، "ملحدون راديكاليون"، "اتحاد الملحدين العرب"، وغيرها من صفحات كـ "ملحدون سوريون" وتونسيون وإلخ. تضم عشرات آلاف الأعضاء والمتابعين. لكن، هل هؤلاء ملحدون حقاً، وما هي دوافعهم؟ وهل الإلحاد مرتبط بالأخلاق؟

غلاف كتاب "تاريخ الإلحاد في الإسلام" للمفكر المصري عبد الرحمن بدوي

ملحدون أم مجرمون؟

بالعودة إلى كتاب عبدالرحمن بدوي، نجده يقول إنّ تهمة الزندقة والإلحاد أصبحت تطلق على كل من تطالهم الشبهات "حتى من شعراء وأدباء وعلماء" بسبب تصرفاتهم وأفكارهم، وهو ما يحيلنا إلى السيدة سعاد، وهي أم لطفلين؛ إذ تقول: "وجود الله يريحني، لكن بعيداً عن الأديان".

أما ظن البعض بأنها ملحدة، سواء كانوا من أفراد العائلة أو غرباء تلتقيهم في أماكن عامة أو في مدرسة ابنتها، فترى سعاد أنه ظن "مبني على المظهر الخارجي، وربما الابتعاد عن الطقوس الدينية"؛ إذ تعتقد أنّ "العبادة والأخلاق، ما هي إلا أشياء تنبع من القلب"، ولا تنبع من المظاهر الاجتماعية.

وتعلق سعاد عن دوافعها للتفكير بهذه الطريقة: "المحيط الاجتماعي وازدياد الوعي، طرح الأسئلة على الذات، والنظرة السائدة للمرأة، وحق الإنسان في التساؤل". وهي لا ترى في هذا إلحاداً، ولا ترى أنّ تفكيرها منعها من تكوين أسرة. بل أكدت أيضاً أنها لا تتدخل فيما يمكن أن يكونه طفلاها ذات يوم، وتجيب عن أسئلتهما الدينية بموضوعية، غير أنها "تُوجههما للأخلاق النابعة من داخل الإنسان، وإلى عدم التشدد مهما كانت معتقداتهما".

ولا تنشغل سعاد بفكرة أنّ للإلحاد تكتلات وجماعات؛ إذ ترى أنه لو كان هنالك ملحدون فعلاً، فإنّ تلك "مسألة فردية، لا جماعية".

في السياق ذاته، تتحدث سلمى (اسم مستعار)، عن أنّ "وجود الله كما يتم تصويره في الأديان ربما لا يشكل فرقاً لديها". وهي التي كانت متدينة في طفولتها، وحازت شهادات التقدير لأجل حفظها القرآن الكريم. لكن الذي دفع بها إلى طرح التساؤلات منذ مرحلة المراهقة، هو كونها امرأة "يتم النظر إليها نظرة نقصان كمخلوقٍ غير مؤهل، ويأتي في الدرجة الثانية بعد الرجل" بحسب قولها.

أما قناعتها "بالإلحاد"، فتقول إنها أتت بعد مراجعتها للعديد من التفاسير الدينية، فوجدت أنّ هنالك "تناقضاً وغير منطقية" تجاه المرأة، مما جعلها تتجه لقراءة النسويات العربية والغربية لكاتبات مثل؛ فاطمة المرنيسي وسيمون دوبوفوار. ثم اتجهت صوب قراءة كتب الفكر والفلسفة، مما جعلها "أقرب للفكر الإنساني الذي يتعارض مع الأديان".

قناعة سلمى بالإلحاد أتت بعد مراجعتها للعديد من التفاسير الدينية؛ إذ وجدت أنّ هنالك تناقضاً وغير منطقية تجاه المرأة

وربما أنّ الفكر الإنساني، يتعارض مع الخطاب الديني السائد، أو التدين المتشدد. خصوصاً بعد اندلاع انتفاضات "الربيع العربي"، ومن ثم سطوة الحركات المتشددة والإرهابية على المجال العام، ونشرها العنف على أرض الواقع، وفي مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت.

ولعلّ تجربة أحمد سعد من مصر (اسم مستعار)، تقود في هذا الاتجاه؛ حيث إنّ دوافعه لنظرة مختلفة حول الدين، أتت بمعظمها من تجربته مع التشدد أو الإسلام السياسي.

ويتحفظ أحمد على مفردة "إلحاد"؛ إذ يرى أنّ "مفردة الإلحاد في اللغة"، تعني العدول عن الحق"، بينما يمثل البحث عن الحق، حجر الزاوية الذي تقوم عليه تساؤلات الإنسانِ حول الله.

الانتماء المبكر لجماعة الإخوان المسلمين، كان السبب في ابتعاد أحمد عن التدين السائد كما يقول

الانتماء المبكر لجماعة الإخوان المسلمين، كان السبب في ابتعاد أحمد عن التدين السائد كما يقول؛ إذ وجد "الخلاص مبدئياً، بالابتعاد عنهم، كردة فعل، ومن ثم الابتعاد عن الصورة التي يرسمونها لله بالضرورة".

ويشدد أحمد على دافعه فيقول بثقة "أنا لا أملك يقيناً مطلقاً أن الله موجود، ولا أملك أيضاً يقيناً مطلقاً أنه غير موجود، كيف أملك ذلك اليقين معتمداً على غيبيات".

أحمد يؤكد بكل ثقة أنّ التدين خيار شخصي: "أرى أنّ المسألة حرية خاصة جداً في اختيار الدين من عدمه. وإن كانت حجة من يناصرون إقامة دولة دينية؛ أن الناس أشرار، يحتاجون لمن ينظم حياتهم، فهناك القانون، العادات، والأخلاق، لتنظيم تلك الحياة".

وبسؤال أحمد عن "الملحدين"، وإمكانية وجودهم في جماعات، وكيف يتصرّف البعض لمجرد رد الفعل على التدين السائد، أو مما وجدناه من هجوم على الدين في بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وجد أن الفكرة منفرة، مردفاً: "هناك نسبة لا بأس بها في المجتمع المصري والعربي من الأدعياء والمرضى، ممن يوصفون كذباً بكلمة (ملحد)، ويبذلون جهدهم بكل إخلاص لإثبات أنّ المتدين جاهل، وأنّ المتدين لا يفهم، وأنه سبب تأخر كل شيء، وهم من وجهة نظري، لا يختلفون عن المتدين المتطرف".

الشخصية الأخيرة التي حاورتها "حفريات"، كانت شخصية عادل (اسم مستعار)، وهو يشترك مع كل الشخصيات السابقة في نقطةٍ من النقاط التي تحدثوا عنها، غير أنّ وعيه بدأ مع الأفكار السلفية، ثم شعر بعدم الارتياح مع الانغلاق: "عدم طرح التساؤلات بشأن الحياة والوجود والأفكار، يترك الإنسان فريسة للقلق وعدم الارتياح".

عادل: أختلف مع من يتشدد للإلحاد كأنه دين أو فكرة منغلقة هؤلاء يناقضون مبدأ الشك والتعددية وتقبل الآراء

ويجد عادل أنّ مفهوم الإيمان المتعارف عليه "تهاوى" مع بحثه وقراءاته المتنوعة، ويشدد هو الآخر أنّ ما يقصده بالإيمان، هو الذي يسوق له التدين السائد باسم الأديان. أما بخصوص عدم الإيمان بوجود سبب عظيم أو خالقٍ عظيم وراء هذا العالم، فإنّ عادل يقول "لا أقطع بعدم وجود سبب عظيم أو خالقٍ عظيم، لكنه ربما ليس ذاك الذي تصوره الأديان، إني أختلف مع من يتشدد للإلحاد كأنه دين أو فكرة منغلقة، هؤلاء يناقضون مبدأ الشك والتعددية، وتقبل الآراء واحترام الآخر".

الأزمة التي يراها (عادل) أزمة مرونة وأخلاق، كما ترى فيها (سلمى) أزمة مجتمع في نظرته الدونية للمرأة، بينما تتجه (سعاد) إلى أنّ الناس يرون من لا يلتزم بالطقوس والمظاهر الدينية، شخصاً بعيداً عن الأخلاق الإنسانية. أما (أحمد سعد)، فيصر على أنّ العنف والتشدد لدى الجماعات الإسلامية، جعله ينفصل تماماً عن التدين السائد بشره وخيره. إلا أنّ جميعهم، "لا يرى في الإلحاد عدواً لأحد، فهو يقبل الآخر"، لكن المشكلة، تكمن في "رفض" المجتمع للفكرة من أساسها، فضلاً عن "تأليب المؤسسات الدينية بمنصاتها المختلفة ضد الإلحاد أو شبهاته، كأنه مرض أو جريمة".

أمراض نفسية وخرافات

في مكالمةٍ هاتفيةٍ قصيرة، نفت المعالجة النفسية الدكتورة جنان عليان، أن يكون الإلحاد "مرضاً"، مؤكدة لـ "حفريات" أنه "خيار". وقالت إنّ النقاش بهذا الشأن، يحتاج إلى دراساتٍ معمقة، خصوصاً على صعيد العالم العربي. وبهذا الخصوص، يذكر كتاب الأخصائي المصري الدكتور عمرو شريف بأنّ "الإلحاد مشكلة نفسية" وهو من الكتب العربية القليلة التي تناولت موضوع الإلحاد من هذا الجانب. غير أنّ الكتاب، ينشغل منذ بدايته بالتركيز على أنّ الإلحاد مرض، من خلال ربطه بمفهوم "الضلال" الذي يعرّفه الكتاب بأنه "اعتقاد خاطئ بعيد عن الحقيقة".

ويدلل شريف في كتابه الصادر عام 2016 عن دار نيو بوك ويقع في 450 صفحة، على أنّ الإلحاد مرض ينجم من خلال الضلال المتأتي عن "أمراضٍ جسدية وأمراضٍ ترتبط بالعلاقات الاجتماعية العامة والخاصة، ثم يرد في مقدمة الكتاب مصطلح "اضطراب الشخصية الإلحادي"، حيث يتم تفسيره بـ "الشخصية الحدية التي تميل إلى الملل والعصابية وإيذاء الآخرين ربما، كما تتأثر بالانحرافات الجسدية كالسمنة والنحافة".

طبيب نفسي مصري: الإلحاد مرض يأتي من خلال الضلال الناجم عن أمراضٍ جسدية وأمراضٍ ترتبط بالعلاقات الاجتماعية

ومن ثم، تخلص المقدمة إلى أنّ الطب النفسي "لا يعالج الضلالات".

لكن، ومن زاويةٍ عملية، وبغض النظر عما قيل في مقدمة الكتاب كون ملحدي اليوم: "همهم مهاجمة الدين، وليسوا محترمين كبرتراند راسل مثلاً" فإن هذه النقطة بالذات، تستبطن القول إنّ الإلحاد لا يعني الارتباط بالانحرافات النفسية فعلاً، فمفكرون وأدباء وعلماء مختلفون، عرب وغربيون، تحدثوا عن إلحادهم، أو شكوكيتهم، وقدموا جهودهم الفكرية والعلمية بعيداً عن الانحراف والمرض، منهم الباحث والعالم المصري إسماعيل أدهم، والكاتب السعودي عبد الله القصيمي.

أدهم حاز الدكتوراة في العلوم، وعاد إلى مصر عام 1936، وكتب في علم الذرة، وفي النظرية النسبية لألبرت أينشتاين، كما أنجز كتاباً درس فيه فكر طه حسين. ثم مات عام 1940، مخلفاً وراءه كتيباً بعنوان "لماذا أنا ملحد". الذي دافع فيه "بالمنطق العلمي" عن دوافع إلحاده.

أما القصيمي، فخاض حياةً صاخبة، شكلها تحوله الكبير من السلفية إلى "الإلحاد"، وتتلخص بمقولته الشهيرة في كتابه "العالم ليس عقلاً"، حين يتحدث عن الشك: "الذين لا يشكّون هم الذين لا يعلمون. فالعلم دائماً شك والجهل يقين. وكلما تعلمنا الشيء وأحطنا به ازددنا شكاً".

ومن حياة القصيمي، التي شهدت محاولتي اغتيال بسبب أنه ملحد، مقابل فكرته عن الشك، يمكن استنتاج أنّ الاختلاف، والتصوراتِ الفردية في شؤون الفكر والشريعة والعلم، ربما تقود صاحبها ليصبح متهماً بالإلحاد في بيئةٍ اجتماعية، يتم فيها تداول الأفكار الدينية من خلال خطاب ديني جماعي، تقع المسؤولية عنه على عاتق المؤسسات الدينية، ورجال الدين ربما.

الكاتب السعودي عبد الله القصيمي

المؤسسة الدينية والاختلاف

ثمة حالات عامة عديدة وشهيرة، كان الخطاب الديني السائد، سبباً لتحول أصحابها إلى "الإلحاد" من منظور الخطاب السائد نفسه. حيث يلعب هذا الخطاب دوراً مهماً في توجيه المجتمع لاعتبار الاختلاف "إلحاداً وجريمة"، رغم إنه غالباً ما يكون متعلقاً بالفرد، إلى أن تتم مواجهته بعنفٍ أو قوة أو باستخدام القانون، فيتحول إلى قضيةٍ عامة، وربما يقود صاحبه إلى المزيد من التطرف في مواجهته الخطاب الديني.

حالة الناشط المصري المعروف على مواقع التواصل الاجتماعي؛ شريف جابر، الذي تحوز صفحته بموقع "يوتيوب" على مشاهداتٍ كثيرة، ويناقش في أمور الدين ووجود الله وفي شؤون العلم، دفعت العديد من رجال الدين إلى الرد على جابر في المنصة ذاتها، وتمحورت معظم الردود على أنه "ملحد وكافر أو مسيء للإسلام".

لكن الرجوع بالزمن قليلاً، يقود المراقب إلى شريف جابر طالب الجامعة المتفوق، "الذي ناقش أستاذه المتشدد ذات مرة بشأن موضوع الطقوس والصلاة" خلال محاضرة في قسم الاجتماع بجامعة السويس؛ حيث قال الأستاذ إنّ "الإنسان الذي يصلي، هو إنسان سوي". وكان رد جابر "أن العديدين يصلون ويرتكبون الأخطاء والإيذاء وغيرها من أفعال"، وهو ما أدى لاستهداف الطالب واعتباره "كافراً" في حينه، وجمع الأستاذ تواقيع من الطلاب لفصل جابر. بعد ذلك، وفي عام 2013، تم اعتقال جابر، ومن ثم حكم عليه بالسجن لمدة عام وكفالة 1000 جنيه لإيقاف التنفيذ إلى حين الاستئناف.

في الأردن، هناك "خلف أبو خلف" الذي انتقل من داعية إسلامي وخطيب مسجد إلى ملحدٍ ناقدٍ للخطاب الديني

أما في الأردن، فهناك حالة "خلف أبو خلف"، الذي انتقل من داعية إسلامي وخطيب مسجد، إلى ملحدٍ ناقدٍ بشدة للخطاب الديني، وذلك "بسبب التدين الذي يؤدي للتطرف وانعدام الحرية الشخصية وقتل المسلمين لبعضهم بعضاً بحسب قوله". ولأنه يعتبر أن "تعدي رموز الدين والمسلمين على الآخرين المختلفين وأصحاب المعتقدات الفردية الأخرى يستحق الرد". ولهذا قرر أن يواجه هذا الخطاب بشدة من خلال طرح أفكاره على موقع يوتيوب، كما فعل جابر أيضاً.

فيديو خلف أبو خلف: 

 

 

الأزهر والإلحاد

المؤسسات الدينية المعروفة، كالأزهر، تعرّف الإلحاد على أنه "خطر على المجتمع". وكان شهر كانون الثاني (يناير) 2018، شهد تقديم مشروع قانون "مواجهة وردع الإلحاد" الذي قدمه النائب في مجلس النواب المصري وعضو اللجنة الدينية عمر حمروش، وتم تشجيعه من قبل الأزهر، من خلال تصريح صالح محمد، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، الذي اعتبر القرار "خطوة مهمة ولا بد من دعمها؛ لأنّ الإلحاد أصبح ظاهرة منتشرة بين الشباب وتمثل أكبر خطر وتحدٍ للدولة المصرية، كما أنه يتعارض مع الفطرة السليمة، ومع ما أقرته الأديان السماوية الثلاث من إقرار وجود الخالق سبحانه وتعالى".

وكان موقع "بي بي سي" نشر بتاريخ 31 آب (أغسطس) 2015، نقلاً عن دار الإفتاء المصرية قولها إنّ "أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإلحاد هي ممارسات الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنتهج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام والتي صدرت مفهوماً مشوهاً لتعاليم الدين، ورسخت صورة وحشية قاتمة له، مما نفّر عدداً من الشباب من الإسلام ودفعهم إلى الإلحاد".

ويشير هذان الرأيان، إلى تناقضٍ في الخطاب، يطرح سؤالاً مهماً، في ظلّ تهم مختلفة تطال مواطنين ومفكرين وكتاباً في مختلف أنحاء العالم العربي، من قبل أفراد أو مؤسساتٍ دينية أو رجال دين، بسبب آرائهم المختلفة، فيصبح التكفير والإلحاد وازدراء الأديان تهماً متاحة، خصوصاً أنّ معظم الدساتير في العالم العربي، تندرج تحت قانون الدين الواحد، كما في مصر، الأردن، السعودية، اليمن، وغيرها.

مواجهة "الملحدين" أم نقاشهم؟

إذاً، هل تجب مواجهة "الملحدين" ومعاقبتهم؟ أم نقاشهم والتفريق بين أفكارهم ونواياهم، وفقاً لكل حالةٍ بشكلٍ مستقل؟ ما دامت هنالك أسباب موضوعية كتلك التي ذكرتها دار الإفناء المصرية وغيرها.

يقول أستاذ الأديان المقارنة في جامعة آل البيت  الدكتور عامر الحافي: "قال أستاذي محمد الغزالي ذات مرة: نصف الإلحاد يحمل مسؤوليته المتدينون الجهلة".

يضيف الحافي: "التدين الشائع ربما ينفّر الناس بحسب هذه المقولة، إذا أصبح التدين رديفاً للتطرف ولم يعد ملاذاً وحاجة إنسانية".

الحافي: الحل يكمن في النقاش الموضوعي العلمي والفهم السليم للأفراد ودوافعهم التي قادتهم إلى عدم الإيمان

ويؤكد أستاذ الأديان المقارنة أنّ "إيجاد صراعٍ مع الملحدين من قبل رجال الدين والمؤسسات الدينية لا يحل المشكلة؛ إذ من غير المجدي إقصاء من يشعر بالإقصاء أصلاً، كما أنه من غير المنطقي التعامل مع من يتساءل بشأن المعتقدات، من خلال معتقداتٍ ناجزةٍ وراسخة".

أما الحل، في نظر الحافي فيكمن في النقاش الموضوعي العلمي، و"الفهم السليم للأفراد ودوافعهم الشخصية أو السياسية أو الاجتماعية التي قادتهم إلى عدم الإيمان".

ويلفت إلى أنه يتحفظ بالأصل، على لفظة ملحد. "إذ ربما يكون "الشك" الذي يقود البعض إلى طرح تساؤلات بشأن الإيمان والدين هو الأكثر انتشاراً ودافعاً". حيث إنّ القرآن الكريم، تعامل مع الإيمان على أنه "حقيقة عامة"، أما كيفية العلاقة بين الفرد والله، وطريقة وصوله إلى هذا الإيمان فربما "لا تكون مشتركةً بين الجميع".

وكان الحافي، ركز على موضوع الإلحاد، في مقالةٍ له بموقع "تعددية"، نشرت بتاريخ 27 تموز (يوليو) 2017، قال فيها إنّ "غياب التصور الواضح لدى بعض المتدينين تجاه غير المؤمنين، أسهم في زيادة الهوَّة والعِداء بين الطرفين على مر العصور، كما أسهم الاعتقاد بأن الإيمان هو الحالة الأصلية للإنسان". ومضت المقالة تؤكد أنّ جزءًا كبيراً من مسؤولية عدم الإيمان يعود إلى المؤمنين أنفسهم. فعندما تتحول أفكار المؤمنين إلى معتقدات قهرية ومطلقة، لا تقبل النقاش ولا تحتمل الاختلاف، فإنهم يدفعون غيرهم إلى الشك والابتعاد عن تلك المعتقدات".

 أستاذ الأديان المقارنة في جامعة آل البيت، الدكتور عامر الحافي

خلاصة

في ضوء ما تقدّم، يتبيّن أنّ لفظة الإلحاد، ليست سوى كلمةٍ ضبابية، لا تمثل تصوراً كلياً عن العداء للدين، غير أنها غالباً ما تُستخدم في توصيف هذا العداء بإطلاقها على الآخر المختلف، تدعمها القوانين أحياناً، والتصورات الشعبية الراسخة بعيداً عن الحس النقدي، كما إنه يتم ربطها أحياناً بالقراءة والعلم، حتى يبدو العلم عاملاً سلبياً تجاه الدين.

في مجمل آراء الملحدين والملحدات انصبّ النقد على أشكال التدين والخطاب الديني التنفيري لا على الدين نفسه

أما "الإلحاد" نفسه، فربما يتبيّن أنه غير موجود، بالمعنى الذي يظنه المؤمنون أو المتشددون، أو من يرون فيه خطراً ومحاولة لهدم الدين. 

في مجمل آراء الملحدين والملحدات الذين تناولتهم "حفريات" انصبّ النقد على أشكال التدين، والخطاب الديني التنفيري، وليس على الدين نفسه، وبرزت قواسم مشتركة في آراء أصحاب التجربة الإلحادية، الذين لوحظ أنهم يميلون إلى فكرٍ إنساني، يضمن حقوق الرجل والمرأة، ويكفل التعددية والاختلاف، ويدعم الأفراد واستقلالية أفكارهم، مما يقود إلى أنّ أي خطابٍ متصلب، لا يقبل كل ما ذكر، سيحيلهم إلى الإقصاء أو المواجهة. ويمكن بقليل من الحذر القول إنّ التطرف والتصلب في الإيمان، وزعم اليقين النهائي المطلق، والنقل دون إعمال العقل، هو الإلحاد، أو مسبّب حقيقي للإلحاد، باعتبار الأخير تجربة شخصية في التمرّد على عنف المقدّس، ورعونة الأوثان.

*كاتب أردني


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية