الإمارات تقود قاطرة التغيير بتشريعات تعزز حقوق الإنسان والتنوع الثقافي

الإمارات تقود قاطرة التغيير بتشريعات تعزز حقوق الإنسان والتنوع الثقافي


12/11/2020

خطوة أخرى تخطوها دولة الإمارات العربية المتحدة نحو استشراف المستقبل، وتأتي هذه المرّة في مجال تعزيز الحقوق التشريعية التي تحفظ حقوق الإنسان ككلّ، والمرأة بشكل خاص؛ فبعد النجاح الكبير في ارتياد الفضاء، وتعزيز السلام في المنطقة، تأتي التشريعات الجديدة لتعبّر عن إدراك حكّام ومسؤولي الإمارات لعالمية الدولة، وتفهّمهم للتنوّع الثقافيّ والدّيني، وإيمانهم بأنّ السلطة لا يجب أنّ تتدخل في حياة الفرد، تعزيزاً لحرية الإنسان، وتخفيفاً للعبء عن كاهل السلطة في قضايا لا تخدم أحد.

دولة الإمارات تواكب عجلة التطور، ولا تنظر للوراء، ولا تهتمّ بمعارضة الذين يعيشون في الماضي، بعد أن تعلّمت من التاريخ مواكبة التطوّر والتخطيط للمستقبل

ومن أهمّ التشريعات المعدلة؛ إلغاء العذر في القضايا التي تُسمى "جرائم الشرف"، لتعامل وفق قانون العقوبات، كي لا ينجو القاتل بجريمته، وحفاظاً على أرواح الناس، وتعزيز اللجوء للتقاضي لحلّ المشكلات الأسريّة، بدلاً من الانتقام.

وفيما يتعلّق بتفهّم التنوّع الثقافيّ؛ أقرّت الإمارات بحقّ كلّ أجنبي بالاحتكام إلى قوانين الميراث المعمول بها في بلده، وألغت المواد التي تسمح بالتدخل في خصوصية الإنسان.

واللافت للنظر؛ أنّ دولة الإمارات تابعت السّير على نهج الصراحة والمكاشفة، في قضايا جدلية، دون التفات لاستغلال خصومها لهذه الصراحة لشحن البسطاء والغافلين باسم الأخلاق والأديان، إيماناً منها بريادتها، وأهمية المستقبل، مهما يكن الناقدون من دعاة الماضي، ممّن يخفون أطماعهم وراء الشعارات الرنّانة.

تعديلات تشريعية

أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، عدداً من المراسيم لتعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصيّة الاتّحادي، وقانون المعاملات المدنيّة الاتّحادي، وقانون العقوبات الاتّحادي، وقانون الإجراءات الجزائية الاتّحادي، بتاريخ 7 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.

الإمارات تحرص على تعزيز التنوع الثقافي

وتنصّ التعديلات على؛ إتاحة المجال لغير المواطنين لاختيار القوانين التي تطبّق على تصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات، في قانون الأحوال الشخصية، ورفع التجريم عن الأفعال التي لا تضرّ بالغير في قانون العقوبات.، وإلغاء المادة التي تمنح العذر المخفف فيما تسمى  "جرائم الشرف"؛ لتعامل جرائم القتل وفق النصوص المعمول بها في قانون العقوبات.

اقرأ أيضاً: المغرب والإمارات.. والوعي المشترك

وتضمّن المرسوم تعديلاً  في قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي؛ منح بموجبه الحقّ للنائب العام الاتّحادي، بالاتفاق مع النواب العموم في السلطات القضائية المحلية، تحديد الجنح والمخالفات التي تطبّق عليها أحكام الأمر الجزائي.

ووفق البيان الرسمي؛ تأتي هذه المراسيم في إطار تطوير البيئة التشريعية والاستثمارية في الدولة، وترسيخ مبادئ التسامح، وترسيخ التزام دولة الإمارات بأهمية إتاحة بيئة تشريعية تتوافق مع تعددية الثقافات، والتزام الدولة ببناء بيئة اجتماعية واقتصادية تنافسية وآمنة.

حماية المرأة

وجاء إلغاء المادة رقم (334) من قانون العقوبات، التي تنصّ على عقوبة السجن المؤقت، بحقّ من فوجئ بمشاهدة شخص آخر قريب له متلبّساً بجريمة الزنا، فأقدم على قتل هذا الشخص أو الزاني معه أو الاثنين معاً.

اقرأ أيضاً: الإمارات: تعديلات قانونية تعزز حماية المرأة .. هذه أبرزها

وبحسب المادة (332)؛ تتراوح عقوبة السجن المؤقت بين 3 و15 عاماً، أما جريمة القتل في الأحوال العادية فتكون عقوبتها السجن المؤبد أو الإعدام، أو السجن سبعة أعوام، على الأقل، إذا عفا أولياء الدم عن حقّهم في القصاص.

تهتم الإمارات بتمكين المرأة

ومن النادر أنّ تشهد الإمارات مثل هذه الجرائم، إلا أنّ إلغاءها يأتي تعزيزاً لحياة الإنسان، وبحسب المادة القديمة؛ كان بإمكان الرجل، أو المرأة، الإفلات من العقوبة بادّعاء الدّفاع عن الشرف.

ومن النادر أن تقدم امرأة على قتل زوجها في قضية شرف، أو تنال الحماية القانونية نفسها في البلاد التي تنتشر فيها هذه الجريمة؛ في جنوب آسيا وأفريقيا.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة؛ فقد قُتلت 87 ألف امرأة، عام 2018، ونصف العدد قتلن على يد زوج أو حبيب، أمّا عن جرائم القتل بذريعة الدفاع عن الشرف؛ فوقعت نسبة 72 % منها في الدول العربية.

المحامي الإماراتي زايد الشامسي لـ"حفريات": الفلسفة في ذهن المشرّع الإماراتي هي تعزيز قيم التسامح والتعدّدية الثقافية، وهذا ما يقود التشريعات إلى تنظيم العلاقات الاجتماعيّة

ويأتي أهمية القانون لتعزيز حقّ الحياة للإنسان، في ظلّ مجتمع عالمي يشكّل الوافدون فيه ما يقرب من 90% من السكان، البالغ عددهم 9,304,277 نسمة، وفق إحصائية 2017، وينتسبون إلى 200 جنسية، وعشرات الثقافات.

وتعليقاً على هذا التعديل؛ يقول رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين، والنائب الثالث لرئيس الاتحاد العالمي للحقوقيين، زايد الشامسي: "لا شكّ في أنّ إلغاء هذا العذر المخفّف حماية للنفس البشرية من الهدر وقت الغضب، وترسيخ لمبدأ اللّجوء إلى القضاء، بدلاً من استخدام العنف الذي يجيزه الفرد لنفسه، للانتقام، لا لتطبيق العدالة".

الحياة الخاصة

وفي خطوة ترسيخ مبدأ حماية الحياة الخاصة، تقرّر رفع التجريم عن الأفعال التي لا تضرّ بالغير في قانون العقوبات، وهي قضايا الحرية الشخصية، مثل مشاركة السكن بين الرجال والنساء، من غير المتزوجين، أو ممارسة الجنس بالتراضي، بين غير القاصرين.

وحول ذلك؛ يقول المحامي الشامسي، لـ "حفريات": "أكّدت التعديلات على عقوبات الجرائم الجنسيّة الواقعة تحت الإكراه والتهديد أو بالقوة، وأعفت من العقوبة ممارستها بالتراضي، وأبقت على حكم عدم الأخذ برضى الأنثى إذا كانت تحت 14 عاماً، وهذا التعديل لا يشمل جرائم الاعتياد على ممارسة الدعارة أو الرذيلة أو الفجور".

نائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن راشد مستقبلاً وافدين

وأثار هذا التعديل الجدل، بسبب ما يُفهم من ظاهره بأنه سماح بالحرية الجنسية، لكنّ الفلسفة التي تقف وراء هذا القانون لا تشجع الجنس خارج إطار الزواج، بل تنظر للمسألة كحماية لحقّ الإنسان في اختيار شكل حياته، في مجتمع متنوّع، ثقافياً ودينياً، دون رقابة سلطوية، تنهك قوى تنفيذ القانون في متابعة أمور لا تسبّب ضرراً للمجتمع.

ومن العجيب؛ أنّ جريدة "ديلي صباح" التركية هاجمت دولة الإمارات، متجاهلةً أنّ الدعارة مباحة في تركيا، بينما هي ممنوعة في الإمارات، وجاء في تقرير للجريدة: "أعلنت الإمارات العربية سلسلة من التعديلات القانونية في التفاف على الشريعة الإسلامية؛ حيث أصبحت إقامة الأزواج غير المتزوجين معاً أمراً قانونياً، بعد أن كانت هذه المسألة ممنوعة بموجب القانون الإماراتي".

اقرأ أيضاً: ماذا تريد الإمارات من الإدارة الأمريكية الجديدة؟.. السفير العتيبة يجيب

ويضيف التقرير: "كما تقرّر إلغاء كافة العقوبات على تناول المشروبات الكحولية، ومن بينها عدم وجود ترخيص معيّن لذلك".

ولا يخرج تقرير الجريدة عن كونه مكايدة سياسية، تكشف زيف نظام أردوغان، ومن على شاكلته، مثل الحوثيين الطائفيين في اليمن، الذين هاجموا التعديلات أيضاً.

ففي تركيا، التي تبيح الدعارة، تخرج صحيفة شبه رسمية لتحدّد للعرب المفهوم الصحيح للإسلام، ومفهوم الشريعة الإسلامية، وكان أولى بهم الالتزام بذلك، تطبيقاً للمفهوم الصحيح، كما يرونه.

ويقول المحامي الشامسي: "الفلسفة في ذهن المشرّع الإماراتي هي تعزيز قيم التسامح والتعدّدية الثقافية، وهذا ما يقود التشريعات إلى مرحلة جديدة من التطور في تنظيم العلاقات الاجتماعية المعقّدة، بقصد ترسيخ الإمارات كبيئة جاذبة للعيش الاجتماعي من جميع الثقافات".

اقرأ أيضاً: الإمارات ترسل طائرة مساعدات إلى تونس

وحول رفع يد القانون عن قضية الجنس بالتراضي، لغير القُصّر، يقول الشماسي، لـ "حفريات": "المادة الأولى من قانون العقوبات الاتحادية تنصّ على أنّ "الحدود والقصاص والجرائم التي في الشريعة الإسلامية منصوص عليها، لكنّ الجرائم التعزيرية التي بيد ولي الأمر، يحقّ له تغييرها أو تغيير العقوبة، بحسب ما يراه مناسباً".

تعزيز البيئة الاستثمارية

ويأتي المرسوم، الذي يجيز لغير المواطنين اختيار القوانين التي تطبّق على المواريث والتركات، لتعزيز البيئة الاستثمارية والتنوّع الثقافي، وعن ذلك يقول المحامي الشماسي: "يهدف التعديل إلى تحقيق استقرار المصالح المالية للمستثمرين الأجانب في الدولة ".

وشملت المراسم تسهيل إجراءات التقاضي؛ بمنح النائب العام الاتحادي بالاتفاق مع النواب العموم في السلطات القضائية المحلية تحديد الجنح والمخالفات التي تطبَّق عليها أحكام الأمر الجزائي.

الشيخ محمد بن زايد، والشيخ محمد بن راشد وإكسبو 2020

ويوضح ذلك المحامي الشامسي بقوله: "الأمر الجزائي هو القرار القضائي الذي يصدره عضو النيابة العامة للفصل في موضوع الدعوى الجزائية بالغرامة، دون إحالتها إلى المحكمة المختصّة، وذلك لتخفيف العبء في القضايا البسيطة عن القضاة".

وتعليقاً على الانتقادات التي وجهتها وسائل إعلام محسوبة على نظم وجماعات متهمة بالإرهاب، وقتل آلاف المدنيين المسلمين، وانتهاك حقوق الإنسان كافةً، من الإخوان المسلمين والحوثيين، يقول الكاتب الإماراتي، علي الكعبي: "لدينا وافدون من 200 دولة حول العالم، لكلّ منهم ديانته وثقافته وتشريعاته؛ لذلك راعى المشرّع في الإمارات هذا التنوّع الثقافي، وجاءت التعديلات لتحافظ على هذه البيئة الثقافية الثرية".

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تساهم الإمارات في حل مشكلة الكهرباء في السودان

ويردف الكعبي، لـ "حفريات": "بالطبع، هناك من ينتقد هذه التشريعات، بحجج واهية، وأغلبهم من أعداء الإمارات، مثل الإخوان والحوثيين، الذين ما سكت هجومهم علينا ليل نهار، وتنظيم الإخوان لن يرضى عنا لو فرشنا له الأرض ذهباً".

ويؤكّد الكعبي؛ أنّ دولة الإمارات تواكب عجلة التطور، ولا تنظر للوراء، ولا تهتمّ بمعارضة الذين يعيشون في الماضي، ويتمسّكون برؤى متطرفة ينسبونها للدّين، بعد أن تعلّمت من التاريخ أنّ مواكبة التطوّر والتخطيط للمستقبل؛ هو ما أوصلها لهذه المكانة الرفيعة بين الأمم، بينما هوت دول كانت أغنى وأسبق بكثير في مجالات عدّة، بسبب التطرّف والجهل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية